حاز مفهوم مصطلح السرد على تعريفات عديدة عكست وجهة نظر هذا الناقد أو ذاك منذ أفلاطون الذي اجملَ مهمته بقوله بأنه (إخبار) ويتفق هذا التعريف مع مايمكن أن يشكّل اتفاقاً أو إجماعاً في أنه يعني التتابع والتسلل في الحديث للإخبار عن وضع ما ، وبهذا المعنىٰ فإن وجوده في الفنون السردية كالرواية والقصة يعدُّ واحداً من العناصر الجوهرية لبنائية هذه الفنون النثرية ، وبما أن قصيدة النثر تسعىٰ عبر الوسيط النثري للوصول إلى نقيضه وهو الشعري ، فإن الصياغات السردية تُعدُّ خصّيصةً بنيوية لايمكن تجاوزها ، فمن خلال هذه الخصّيصةَ تؤكد قصيدة النثر انتمائها لجنس النثر وتنطلقُ منه لتحقيق شعريته , إلّا أن هنالك مفترقٌ عن سردية الأنواع السردية / النثرية الأخرىٰ ، وهو خروج السرد / عن المنحىٰ الإخباري المجرد إلى اقصىٰ مايمكن من تخييل صوب منطقة الشعر ، وبذا تتحقق شعرية النثر ، إذ أن التتابع الجملي والتدفق في بناء الفقرة النثرية تتطلبُ قدراً كبيراً من الانزياحات التي لا تعتمد على المجاز البلاغي قدر اعتمادها علىٰ المجاز البنائي الذي يُشكّلُ الصورة الكلية للفقرة المتدفقة الجمل ، وبمعنى ٱخر فإن هذه القصيدة لاتعوّلُ كثيرا علىٰ الصورة المنفردة والمستقلة لتحقيق النسق الشعري كما في قصيدة التفعيلة والقصيدة الحرّة .
أسوقُ هذه المقدّمةَ بسبب من اطلاعي على نصوص تدًعي اشتغالها في منطقة قصيدة النثر وتنحو باتجاه استخدام سرد يتمثل الواقع إن لم يكن تعبيراً مباشراً عنه ، وفي كلا الحالين انسلاخ عن مهمة هذا السرد النثري في إمكانية تحقيق شعريته ، إذ أن هذا التمثل والتعبير المباشر هو كشفٌ للمُكتشف ، وفي ذلك مجافاةٌ للشعر ، وفيما يلي نماذج لثلاثة من كتاب قصيدة النثر العربية الذين تضمنت تجاربهم فهماً سليماً لما يمكن أن يكون عليه السرد في قصيدة النثر ، وهم الشاعر وديع سعادة والشاعر صلاح فائق والشاعر الراحل سلمان داود محمد .
1-- زهرة سرية
وديع سعادة
قبل أن يأخذها النوم
الىٰ ساحاتها الصامتة
قلَّمت اظافرها
ورمت نثراتها في حوض الزهور
وفي الصباح
نبتت في الحوض
يدٌ صغيرة
وديع سعادة
مختارات سورية
2--- .....
في الخارج روحي تجلس على صخرة
انتظر عودتها ، كي اذهب الىٰ مكتبة
عمودي الفقري ، هو الٱخر
يفكّرُ بالهجرة : لم يعد يتحملني
صلاح فائق
رباعياتي
3 -- العراقي
كلّما أمرُّ في الشوارع تتنكّسُ الرايات
سألتُ شرطيَّ المرور : لماذا ياترى ؟
قال : - لاعليكَ ياعزيزي ، يحدث هذا دائما حين يمرُّ الشهداء
سلمان داود محمد
الصفحة الشخصية 2/ مايو / 2021
من خلال ماتقدم من النصوص تتبدىٰ جوهرية البنية السردية التي تهيكلت عليها بنائية النص ، إذ تجنّبت الصورة البلاغية المستقلّة التي انهكها المجاز البلاغي ليحلَّ محلّها المجاز البنائي الذي تكفّل بتقديم الصورة الكلّية للنص ، وبما أن هذه النصوص هي نصوص نثرية فقد حافظت على وحدتها العضوية عبر البناء السردي ، وصار النثر وسيطاً لتحقيق شعرية النص، علىٰ أن هذه السردية لم تعلن نفسها كركنٍ من اركان الأنواع السردية التي نوهنا عنها في صدر البحث ، على الرغم من توفر الوهم بأنها -- النصوص -- قصص قصيرة جداً ، وذلك بسبب من توفر عنصر المجانية / اللازمنية فضلاً عن عدم توفر الأركان الأخرىٰ ، فالعامل المشترك هو مبدأ السردية ، إلّا أن هذا العامل كان ذا وظائف مختلفة بين قصيدة النثر والأنواع السردية الأخرى . إذ أن الحدثَ الذي اقترنت به النصوص الٱنفة الذكر قد بُنيَ بتخيّلٍ مفارقٍ ومجافي لأي تفصيل مرجعي ، وبذا فقد تمكنت هذه النصوص من تحقيق شعرية النثر الذي كان قوامها كفقرة نثريّة علىٰ الرغم من أتباع البناء الفرانكفوني / السطري ، فلم تكن هنالك بنية البياض في نهاية كل سطر ، مما أكسبها الوحدة العضوية والموضوعية اللتان تعدّان من قوام قصيدة النثر ، لينتقلَ النصُّ من بلاغة الجملة الىٰ بلاغة النص
عبد علي حسن
أسوقُ هذه المقدّمةَ بسبب من اطلاعي على نصوص تدًعي اشتغالها في منطقة قصيدة النثر وتنحو باتجاه استخدام سرد يتمثل الواقع إن لم يكن تعبيراً مباشراً عنه ، وفي كلا الحالين انسلاخ عن مهمة هذا السرد النثري في إمكانية تحقيق شعريته ، إذ أن هذا التمثل والتعبير المباشر هو كشفٌ للمُكتشف ، وفي ذلك مجافاةٌ للشعر ، وفيما يلي نماذج لثلاثة من كتاب قصيدة النثر العربية الذين تضمنت تجاربهم فهماً سليماً لما يمكن أن يكون عليه السرد في قصيدة النثر ، وهم الشاعر وديع سعادة والشاعر صلاح فائق والشاعر الراحل سلمان داود محمد .
1-- زهرة سرية
وديع سعادة
قبل أن يأخذها النوم
الىٰ ساحاتها الصامتة
قلَّمت اظافرها
ورمت نثراتها في حوض الزهور
وفي الصباح
نبتت في الحوض
يدٌ صغيرة
وديع سعادة
مختارات سورية
2--- .....
في الخارج روحي تجلس على صخرة
انتظر عودتها ، كي اذهب الىٰ مكتبة
عمودي الفقري ، هو الٱخر
يفكّرُ بالهجرة : لم يعد يتحملني
صلاح فائق
رباعياتي
3 -- العراقي
كلّما أمرُّ في الشوارع تتنكّسُ الرايات
سألتُ شرطيَّ المرور : لماذا ياترى ؟
قال : - لاعليكَ ياعزيزي ، يحدث هذا دائما حين يمرُّ الشهداء
سلمان داود محمد
الصفحة الشخصية 2/ مايو / 2021
من خلال ماتقدم من النصوص تتبدىٰ جوهرية البنية السردية التي تهيكلت عليها بنائية النص ، إذ تجنّبت الصورة البلاغية المستقلّة التي انهكها المجاز البلاغي ليحلَّ محلّها المجاز البنائي الذي تكفّل بتقديم الصورة الكلّية للنص ، وبما أن هذه النصوص هي نصوص نثرية فقد حافظت على وحدتها العضوية عبر البناء السردي ، وصار النثر وسيطاً لتحقيق شعرية النص، علىٰ أن هذه السردية لم تعلن نفسها كركنٍ من اركان الأنواع السردية التي نوهنا عنها في صدر البحث ، على الرغم من توفر الوهم بأنها -- النصوص -- قصص قصيرة جداً ، وذلك بسبب من توفر عنصر المجانية / اللازمنية فضلاً عن عدم توفر الأركان الأخرىٰ ، فالعامل المشترك هو مبدأ السردية ، إلّا أن هذا العامل كان ذا وظائف مختلفة بين قصيدة النثر والأنواع السردية الأخرى . إذ أن الحدثَ الذي اقترنت به النصوص الٱنفة الذكر قد بُنيَ بتخيّلٍ مفارقٍ ومجافي لأي تفصيل مرجعي ، وبذا فقد تمكنت هذه النصوص من تحقيق شعرية النثر الذي كان قوامها كفقرة نثريّة علىٰ الرغم من أتباع البناء الفرانكفوني / السطري ، فلم تكن هنالك بنية البياض في نهاية كل سطر ، مما أكسبها الوحدة العضوية والموضوعية اللتان تعدّان من قوام قصيدة النثر ، لينتقلَ النصُّ من بلاغة الجملة الىٰ بلاغة النص
عبد علي حسن