شريف محيي الدين إبراهيم - أنت حر

من كتاب رحلة إلى شاطئ النار و النور

أنت حر
نعم أنت حر...
حر في جميع اختياراتك، حر في تعليمك، في زواجك، في مهنتك، في طريقة معيشتك، حر حتى في عقيدتك....
يا أيها الإنسان...
يا أيها المخلوق الضعيف....
أنت لك مطلق الحرية في أن تؤمن بالله أو تكفر به!!
نعم، هذا شأنك وحدك ، و تلك الحرية التي منحنا الله إياها يكفلها لجميع بني آدم (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر)
إنك مخلوق مخير لك حرية الاختيار، وقد منحك الله هذه الميزة بناء على طلبك أنت،ولكن عليك أن تحترس لأنه في نهاية الرحلة ميزان شديد الدقة، يحاسب على مثقال الذرة، وهو موضوع بالعدل، والحكمة.
سيكون الحساب عسير، على حريتك وماذا فعلت بها؟!
على كل تصرف، بل كل كلمة، و حركة .
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
ولتعلم أن الحساب ليس في الآخرة فقط بل إن بعضه في الدنيا أيضا.
(إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا)
إن الله عرض طاعته وفرائضه على السموات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن أساءت عوقبت.
فرفضت حملها، خشية أن لا تقوم بالواجب الذي عليها، وحملها آدم (إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا) لنفسه (َجُهولا)
قيل للإنسان : إن أديتها جزيت، وإن ضيعتها عوقبت.
، قال الإنسان : أي رب حملتها بما فيها.
، فما مكث آدم في الجنة إلا قدر ما بين العصر إلى غروب الشمس حتى عمل بالمعصية، فأخرج منها.
***.
انظر بنفسك لحركة الشمس والقمر...
انظر لدقة نسيجك وتكوينك أنت شخصيا
تأمل في كل شيء حولك، ستجد نفسك داخل منظومة دقيقة جدا وهائلة، وسيعجزك الإلمام بكل مفرادتها،و لن تستطيع سوى أن تشهد بأن كل شيء حولك يسير وفقا لقواعد ونظم دقيقة جدا...
لذلك فمن المنطقي أن تعلم أن وجودك في داخل هذا الكون لم يكن إلا وفق نظام وحسابات دقيقة جدا، وإنك في النهاية ستحاسب على كل أفعالك، و تصرفاتك!!
ستحاسب بنفس الدقة التي تلحظها في كل ما حولك، في هذا الكون العظيم ...
عدم حسابك، وتركك هكذا عبثا هو وضع غريب لا يتناسب منطقيا، مع المنظومة التي تحيا فيها، فليس هناك أي دلائل على العبثية، و لا شيء حولك يشير إلى الفوضى أو حتى التجاهل.

لكل فعل رد فعل:

إذا علمت أن :
لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه.
فإنه بنفس منطق هذه النظرية المادية ، التي أنت حتما تؤمن بها لأنها نظرية مادية عقلية شاهدتها أنت بنفسك، وأقرها كل علماء البشر، وهي ليست غيبا تؤمن به أو لا تؤمن، لذلك فعليك أن تتوقع أن يكون لكل فعل لك أنت ، رد فعل آخر مساو له...
فهل تعتقد أن من يفعل شرا يلقى خيرا أو العكس ؟!
الطبيعي والذي تقبله أي نفس سوية أن من يتعب يحصد، ومن يهمل يخسر، ومن يظلم يعاقب، ومن يأخذ حق ليس له حتما سيسلب منه بنفس المقدار أو الفعل ؟!
فلا تغتر بحلم ربك فهو يمهل علك ترجع، ولكنه لا يهمل أبدا.
ولكنك بالتأكيد إذا غلبت منطق العبث فيمكنك أن تتوقع أي نتيجة!!
ولكن قل لي من الذي يعطيك، هذه الثقة، ومن يدعم إيمانك بحق العبث ، في منظومة دقيقة جدا لا يوجد بها أي خلل أو تهاون؟!
فاذا كنت لا تؤمن بوجود قوي عظمى تدير وتدبر هذا الكون... وتؤمن فقط بنظرية الفوضى، فأنت أيضا صاحب عقيدة ولكنها عقيدة شاذة في منظومة متكاملة لا مجال فيها لأي مثقال ذرة من خطأ أو تهاون.
و إذا كنت لا تؤمن بأن ثمة قوى هي التي أتت بك من العدم وجعلتك جزءا في داخل هذه المنظومة المذهلة؟!
فلن يتبقى لك إلا أن تقول أنني لا أؤمن إلا بالمادة؟!
لا أؤمن إلا بما أراه بعيني، وأتحسسه بيدي!!
إن ثقتك فقط بحواسك المادية، والتى هي في الحقيقة أصغر وأضعف مما تتخيل، تجعلك أسيرا لدائرة صغيرة ،محدودة الرؤية بمقدار إنسانيتك المتهافتة؟!
ولكن ثمة سؤال هام :
هل في إيمانك بالمادية نفسها أي قانون قائم على العبث أو الفوضى أو حتى الصدفة ؟!
فإن أعملت عقلك قليلا فستجد أن رفضك للغيبيات وإيمانك بالمادة هو الآخر محل اضطراب؟!
فأنت لست ماديا ولم تتبع أو تؤمن بقوانين المادة، أنت في الحقيقة لا تؤمن بالمادة وإنما تؤمن بالعبث كعقيدة شاذة، لأنك إذا قلت أننا أتينا هكذا صدفة ، فعليك أيضا أن تكفر بالمادة وقوانينها التي لا تتغير فللمادة قواعد وقوانين دقيقة جدا.
لن أقول لك فكر فيمن وضع هذه القواعد أو القوانين ولكن سأذكرك إن كنت حقا تؤمن بالمادة فقط وبما تراه عينيك، فإن إيمانك هذا حتما سيدفعك إلى رفض منطق العبث و نظرية الفوضى وتلك الأطروحات غير المنطقية.
إيمانك بالمادة إذا كان إيمانا حقيقيا، سيلزمك باتباع نظرية السبب والنتيجة، وسيفاجئك بحسابات ونظم شديدة الدقة، وسيعلمك أن كل شيء يتحرك بحساب وفي إطار منطق مبنى على الدقة المتناهية!!
لتجد نفسك في النهاية إذا آمنت حقا بالمادة وفهمتها حق الفهم، مضطرا أن تعلن أنه لا عبث ولا فوضى، وأنه هناك نظام هندسي مذهل مصنوع من قبل قوي جبارة ، وحكيمة يعجز العقل البشري عن الإدراك الكامل لكل أبعاد عظمتها.
إن الإلكترون يدور حول النواة في الذرة، والكرة الأرضية تدور حول الشمس في المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية كلها بما فيها الأرض، تدور حول مركز مجرة درب التبانة .
ثم مجرة درب التبانة نفسها تدور حول مركز آخر....!!
و مجرة درب التبانة هي نظام حلزوني كبير يتألف من مئات الملايين من النجوم ليس أهمها الشمس.
،فشمسنا العظيمة هي مجرد نجم ضئيل بين ملايين النجوم.
، ويعتبر العالم اليوناني ديموقريطس هو أول عالم فلكي يشرح أنّ مجرة درب التبانة تتكون من مجموعة من النجوم، ويقدر عمر درب التبانة حسب الأبحاث عام 2005م بحوالي 13.6 مليار سنة.
وهي مجرةً تتكون من النجوم، وغاز الهيدروجين، والأغبرة، والمواد المظلمة التي تدور حول مركز واحد وتلتزم بالجاذبية.
مجرة درب التبانة هي مجرد واحدة بين مليارات المجرات في الكون والتي تستمر في حركة الدوران...
لنكتشف أننا نطوف في دائرة سرمدية، كلما تقدم العلم البشري واستطاع أن يدرك بعدا منها، يفاجئ ببعد آخر لم يستطع الوصول إليه!!
فإذا علمنا أن مجرة درب التبانة، ومعها كل المجرات نفسها تدور حول مركز آخر، وهكذا يستمر فعل الدوران والطواف من الأدنى حول الأعظم .......
أليس في هذا دلالة علمية على وجود قوة جبارة ، يطوف الكون كله حولها مسبحا وملبيا، بإرادة واعية قوية مسيطرة،ومحكمة.
إن الكون يطوف حول القوى العظمى التي هي أساسه... ومنها يستمد وجوده وبقائه!!
الله...... القوى العظيم.
مثلما يفعل الحجاج، في طوافهم الرمزي حول الكعبة، بيت الله الحرام. .

هل تقبل الظلم؟!

كيف يتساوى في النهاية من يقتل ويظلم ويعيث في الأرض فسادا مع من ظلمه؟!
هل تقبل أنت أن ينجو بفعلته كل مجرم، جبار عتيد؟!
ألا تنتظر أن يكافأ من أحسن، ويعاقب المسئ؟!
هل تقبل بنفس منطقك المادي أن يتساوى كل شيء في النهاية ويصبح عدما؟
فلا حساب ولا جزاء ولا جنة ولا نار.
ولكن كيف وهذا الأمر لا يتفق أبدا مع كل قوانينك المادية نفسها التي تؤمن بها.
وإذا تأملنا في أحوال الملحدين ، ، فسنجدها عادة ترتبط بظهور أعلى النسب من حالات الشذوذ الجنسي.
فالملحد لا قانون أو واعظ يمنعه من شذوذه أو يحرمه عليه، فهو عموما يرفض أي قواعد خلقية.
فهل يتم التعامل مع هذا الشذوذ ببساطة على اعتبار أنه حرية شخصية...؟!
فإذا قلنا أن الشذوذ الجنسي، والإلحاد أشياء ترفضها النفوس السوية؟!
فهل نصبح هكذا جماعة من الرجعيبن، المتخلفين عن الحداثة والتقدم.
هل يجب علينا أن نصفق لمروجي فكرة هدم الأديان السماوية، وإنكار وجود الإله، حتى نصبح أكثر نضوجا، ووعيا! ؟
وللعلم فإن أعلى نسب الانتحار توجد بين الملحدين...
فهل هناك شخص عاقل يقبل فكرة الانتحار؟!
وهل أنت تريد أن تنضم إلى تلك الجماعات البائسة، بعد أن تبين لك سلوك ومصير أفرادها ؟!
إذا قلت نعم، فأنت في الحقيقة ترفض فكرة الالتزام بقواعد وأسس دينية تراها عبئا عليك، ولا تنتبه لمغبة عدم الالتزام لنظم ومبادئ هي في النهاية قد وضعت لمصلحة الإنسانية ككل، ولمصلحتك أنت شخصيا، ولسعادتك في الدنيا والآخرة...
الحقيقة إن الدين بقواعده وأسسه هو في الأساس جعل لخدمة الإنسان وضبط حياته كلها، إن الله يطلب منا عبادته لأنه يعلم أن في هذا كل الخير لنا، وأن الشارد منا سيفسد على نفسه حياته وسيخسر الحكمة الأساسية من وجوده في هذا الكون الذي سيصبح هو نفسه شاذا غريبا عنه، ربما يصل في شذوذه إلى مرحلة تجعله يلفظ، ويلفظ من كل من حوله حتى يصل إلى الانتحار.
ولتعلم أنه لن يزيد أو ينقص من ملك الرحمن شيئا بإيمانك أو كفرك؟!
وعلى مستوي الأمة كلها ، فإن تدمير الهوية الدينية والأخلاقية سيمكن الأعداء التاريخيين، من القضاء علينا وتحقيق كل مصالحهم، التي تتكسر أمام عظمة ووعي الإنسان المؤمن بالله حق الإيمان.
في الحقيقة أنني لم اقابل ملحدا واحدا وإلا كانت حياته كلها شقاء، وعذاب ..وتكون نهايته دائما مظلمة .
فيكون في ضنك في الحياة وفي الموت وفي البعث وفي الحساب...
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا” الآية 124 من سورة طه.
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: “(من أَعرَض عن ذكري) أَي خالف أمري وما أنزَلته على رسولي؛ أَعرَض عنه وتناساه وأَخذ من غيره هداه، فإنّ له معيشة ضَنْكًا، أَي ضنك في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، وإن تنعم ظاهره.
: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” (الإسراء، الآية 70).
فكلما آمن البشر، و أدركوا نعم الله عز وجل عليهم، كلما حسنت معيشتهم، ولكن إن أعرضوا ضنكت معيشتهم.
ولذلك، إن ما نعرفه عن بؤس بعض الحضارات ، إنما هو بسبب بعدهم عن ذكر الله والإيمان به.
ومن هنا نجد التناقض في واقع الحضارات ؛ فهي طوراً تكون في قمة تقدمها ، وطورا آخر في أدنى مستويات تخلفها .
وهذا التبدل في الأحوال ما بين السعد والضنك، سببه العلاقة بالله عز وجل والإيمان به، قوة وضعفاً.
ويخبرنا القرآن الكريم أنه ما مِن أمة أطاعت نذيرها، إلا نجت.
إذ ينتشر الإيمان
ينتشر العدل والرحمة والعلم،
الحضارة الإسلامية كانت مشرقة طيلة الالتزام بالمبادئ السماوية واحكامها العادلة.
وفي واقعنا اليوم، ما تزال الأمة الإسلامية -برغم التقصير أبنائها بواجبهم نحو الله عز وجل- أسعد حالاً من غيرها من الأمم.
خاصة إذا لم نقس الأمور بموازين مادية محضة، وبعدنا قليلا عن هيمنة الرؤية المادية النفعية.
إن واقع البشرية اليوم، يكشف لنا عن مدى الضنك الذي يعيشه أهل المادية والغنى، في أميركا وأوروبا واليابان وما شابهها من الدول،وبسبب :
الحياة الاجتماعية المتفلتة من ضوابط الأديان والأخلاق.
ونشر الأيديولوجيا العلمانية.
على الرغم من توفر وسائل الرفاهية، إلا أنهم يعانون ضنكاً في حياتهم ، ولذلك ترتفع بينهم حالات الانتحار، و الأمراض النفسية، ويفتقدون لروح الأسرة وعلاقات الصداقة الصادقة،وتجد أن حوادث القتل لأسباب تافهة لا حصر لها.
كما تنتهي حياة الكثير منهم بإدمان الخمر والمخدرات.
وبحسب منظمة الصحة العالمية : يقتل الخمر سنويا نحو 2.5 مليون إنسان.
فإن الخمر والمخدرات، يجعلان صاحبهما يعيش هما وغماً في توفيرها وتمويلها، وتحمل تبعاتها المالية والصحية والاجتماعية والقانونية، مما يحولها حقيقة إلى ضنك دائم باسم المتعة والسعادة!
ومثل هذا ضحايا الأمراض الجنسية؛ كالإيدز وغيره.
وبسبب الإعراض عن الإيمان بالله والالتزام بتعاليمه ، نجد استفحال الظلم والاستبداد.
فتزدهر تجارة الرقيق الأبيض بشكل كبير، وتشتعل الحروب للاستيلاء على ثروات الدول الضعيفة تحت شعارات دعم الديمقراطية.
في مقابل هذا، نجد المؤمنين بالله - أكثر تراحما وتعاطفا وتماسكا أسريا، وتنخفض بينهم حالات الانتحار والقتل والأمراض النفسية و نسب ضحايا الخمر والمخدرات والأمراض الجنسية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى