كان والدى محاميًا، وعمى محاميًا وكنت أحب المحاماة وأراها طريقى منذ البداية، لذا فإن لمهنة المحاماة جمالًا وسحرًا ومحبة ساكنة فى النفس مُنذ الطفولة، أتتبع روادها، وأتابع أفذاذها ورموزها وهُم يذودون عن الحق، ويلتمسون العدالة.
صحيح أن البعض يراها مهنة الحيل، واللف والدوران، والبحث عن الثغرات، لكننى أرى فى النهاية أنها إحدى وسائل الإنصاف ورد الحقوق.
وعلى الرغم من وجود أنماط لممارسة المهنة قد تخاصم الأخلاق، فإن هناك على الجانب الآخر نماذج مثالية فريدة للنزاهة والشرف، بل وللأدب الرفيع، الذى يكاد الزعماء النبلاء مثل سعد زغلول، مصطفى النحاس، ومكرم عبيد، ومصطفى مرعى، وعلى الرجال غيرهم خير من يمثلونه.
لقد كان هؤلاء المحامون الفضلاء، خطباء مؤثرين، لهم عباراتهم الأثيرة، وكلماتهم المدوية، لذا فمازالت كثير من مقولاتهم يتم تداولها حتى يومنا هذا، ولذلك، فلا غرابة فى أن السياسى الخلوق يمثل الاقتداء الطبيعى للمحامى العادل صاحب الأخلاق الرفيعة.
وأنا ممن يؤمنون بأن المحاماة هى وسيلة من وسائل استرداد الحقوق، وإصلاح الأخطاء، وإنصاف المظاليم. وأرى أن القانون هنا عبارة عن ميزان دقيق، يرسم بعناية آثار الأفعال ومدى انحرافها عن الصواب أو اتفاقها معه، ومدى اصطدامها بالأخلاق والقيم، ومدى إضرارها بالآخرين. ومن هنا فإن سيادة القانون فى رأيى هى بالضرورة سيادة للأخلاق ودعم لها.
والمحامى الكفء هو رجل بلاغة، وعلم، ومنطق، وفلسفة، وتاريخ، وثقافة ومعرفة عامة، يُحسن الحديث، ويجيد الكتابة، ويُربى ذائقته واستعذابه للأدب بالقراءة والاطلاع والاستماع الدائم للآخرين، ويتعلم صغيرًا وكبيرًا دون استعلاء حتى يُصبح مؤهلًا لمهنة البحث عن العدالة.
وفى تصورى، فإن أدب المرافعات من الآداب الرفيعة لأنها تُجدد العهد بالمحامى المبدع، الذى يختار كلماته بعناية، ويصيغ مصطلحاته بوعى وإتقان، وينطلق فى مرافعته نحو تأدية واجبه وهو ينشد القانون وروحه.
لهذا فقد سعدت بواحد من الكتب الحديثة الممتعة التى صدرت مؤخرًا وهو كتاب «هكذا ترافع العظماء» للمستشار بهاء المرى، وفيه يقدم لنا المؤلف أدب المرافعات دفاعًا واتهامًا، وأدب الأحكام صياغة ونطقًا، وقد صدر فى ثلاثة مجلدات كبيرة فاخرة. ومثل هذا العمل الموسوعى اللافت يقدم لنا بوضوح شرحًا وافيًا حول مهمة رجل القانون وارتباطها بالأدب، ويوضح لنا كيف يقوم المحامى الناجح بتوصيف القضية توصيفًا دقيقًا، وكيف يضع يده على الفعل المصنف كجرم، ويعيد رسمه بإتقان، ثم كيف يستخدم الاستدلال المنطق، ويطبق القوانين نصوصًا وروحًا للوصول إلى حكم أقرب للعدل المطلق.
إن كلمة واحدة ينطق بها المحامى بشأن إنسان ما يقف موقف المتهم قد تذهب به إلى بيته، وكلمة أخرى قد تدفعه إلى ساحة الإعدام، لذا، فإن الإيمان الكامل باستهداف العدل هو المحرض على اكتساب البلاغة وحيازة الثقافة اللازمة للترافع بلغة جميلة منمقة، ومعبرة.
ويقدم كتاب المستشار بهاء المرى عددًا من القضايا التاريخية العظيمة، ويطرح نصوص مرافعات المحامين العظام من أمثال فتحى زغلول، وإبراهيم الوردانى، ومصطفى مرعى، وعبدالعزيز فهمى، ومكرم عبيد وغيرهم.
ومن يتابع الرصانة والوضوح والقدرة على التأثير فى مثل هذه المرافعات العظيمة سواء من الدفاع أو من ممثلى الادعاء يندهش كيف كانت اللغة سلسة طيعة، وقوية فى آن واحد، وكيف أمكن لهؤلاء الإطلال علينا كأدباء يبدعون جمالًا خالدًا.
إننى أتخيل وقفات هؤلاء الحقوقيين شامخين، راسخين أمام منصات العدالة فى مختلف أنحاء مصر يُثيرون الهمم، ويلهبون المشاعر ويستحثون قرون استشعار الجمال بأساليبهم اللغوية المبهرة سعيًا للمهمة الموكولة لهم بشرف ونزاهة. ولا عجب أن يطلق على مهنة المحاماة الحقة بالقضاء الواقف، فللعدالة وجهان، وجه من يدافع عنها، ووجه لمن يحكم بها.
وسلامٌ على الأمة المصرية.
صحيح أن البعض يراها مهنة الحيل، واللف والدوران، والبحث عن الثغرات، لكننى أرى فى النهاية أنها إحدى وسائل الإنصاف ورد الحقوق.
وعلى الرغم من وجود أنماط لممارسة المهنة قد تخاصم الأخلاق، فإن هناك على الجانب الآخر نماذج مثالية فريدة للنزاهة والشرف، بل وللأدب الرفيع، الذى يكاد الزعماء النبلاء مثل سعد زغلول، مصطفى النحاس، ومكرم عبيد، ومصطفى مرعى، وعلى الرجال غيرهم خير من يمثلونه.
لقد كان هؤلاء المحامون الفضلاء، خطباء مؤثرين، لهم عباراتهم الأثيرة، وكلماتهم المدوية، لذا فمازالت كثير من مقولاتهم يتم تداولها حتى يومنا هذا، ولذلك، فلا غرابة فى أن السياسى الخلوق يمثل الاقتداء الطبيعى للمحامى العادل صاحب الأخلاق الرفيعة.
وأنا ممن يؤمنون بأن المحاماة هى وسيلة من وسائل استرداد الحقوق، وإصلاح الأخطاء، وإنصاف المظاليم. وأرى أن القانون هنا عبارة عن ميزان دقيق، يرسم بعناية آثار الأفعال ومدى انحرافها عن الصواب أو اتفاقها معه، ومدى اصطدامها بالأخلاق والقيم، ومدى إضرارها بالآخرين. ومن هنا فإن سيادة القانون فى رأيى هى بالضرورة سيادة للأخلاق ودعم لها.
والمحامى الكفء هو رجل بلاغة، وعلم، ومنطق، وفلسفة، وتاريخ، وثقافة ومعرفة عامة، يُحسن الحديث، ويجيد الكتابة، ويُربى ذائقته واستعذابه للأدب بالقراءة والاطلاع والاستماع الدائم للآخرين، ويتعلم صغيرًا وكبيرًا دون استعلاء حتى يُصبح مؤهلًا لمهنة البحث عن العدالة.
وفى تصورى، فإن أدب المرافعات من الآداب الرفيعة لأنها تُجدد العهد بالمحامى المبدع، الذى يختار كلماته بعناية، ويصيغ مصطلحاته بوعى وإتقان، وينطلق فى مرافعته نحو تأدية واجبه وهو ينشد القانون وروحه.
لهذا فقد سعدت بواحد من الكتب الحديثة الممتعة التى صدرت مؤخرًا وهو كتاب «هكذا ترافع العظماء» للمستشار بهاء المرى، وفيه يقدم لنا المؤلف أدب المرافعات دفاعًا واتهامًا، وأدب الأحكام صياغة ونطقًا، وقد صدر فى ثلاثة مجلدات كبيرة فاخرة. ومثل هذا العمل الموسوعى اللافت يقدم لنا بوضوح شرحًا وافيًا حول مهمة رجل القانون وارتباطها بالأدب، ويوضح لنا كيف يقوم المحامى الناجح بتوصيف القضية توصيفًا دقيقًا، وكيف يضع يده على الفعل المصنف كجرم، ويعيد رسمه بإتقان، ثم كيف يستخدم الاستدلال المنطق، ويطبق القوانين نصوصًا وروحًا للوصول إلى حكم أقرب للعدل المطلق.
إن كلمة واحدة ينطق بها المحامى بشأن إنسان ما يقف موقف المتهم قد تذهب به إلى بيته، وكلمة أخرى قد تدفعه إلى ساحة الإعدام، لذا، فإن الإيمان الكامل باستهداف العدل هو المحرض على اكتساب البلاغة وحيازة الثقافة اللازمة للترافع بلغة جميلة منمقة، ومعبرة.
ويقدم كتاب المستشار بهاء المرى عددًا من القضايا التاريخية العظيمة، ويطرح نصوص مرافعات المحامين العظام من أمثال فتحى زغلول، وإبراهيم الوردانى، ومصطفى مرعى، وعبدالعزيز فهمى، ومكرم عبيد وغيرهم.
ومن يتابع الرصانة والوضوح والقدرة على التأثير فى مثل هذه المرافعات العظيمة سواء من الدفاع أو من ممثلى الادعاء يندهش كيف كانت اللغة سلسة طيعة، وقوية فى آن واحد، وكيف أمكن لهؤلاء الإطلال علينا كأدباء يبدعون جمالًا خالدًا.
إننى أتخيل وقفات هؤلاء الحقوقيين شامخين، راسخين أمام منصات العدالة فى مختلف أنحاء مصر يُثيرون الهمم، ويلهبون المشاعر ويستحثون قرون استشعار الجمال بأساليبهم اللغوية المبهرة سعيًا للمهمة الموكولة لهم بشرف ونزاهة. ولا عجب أن يطلق على مهنة المحاماة الحقة بالقضاء الواقف، فللعدالة وجهان، وجه من يدافع عنها، ووجه لمن يحكم بها.
وسلامٌ على الأمة المصرية.