القصيدة الأولى كما جاء ترتيبها في جمهرة أشعار العرب (1)، هي ملحمة الفرزدق (2)، ومطلعها:
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
أما القصيدة الثانية كما جاء ترتيبها في جمهرة أشعار العرب (3)، فهي ملحمة جرير بن عطية (2)، ومطلعها:
حـــــــــــــي الغداة برامة الأطلالا رسمــــــــــــــــــا تحمل أهله فأحالا
ومن خلال دراستي للقصيدتين دراسة مستفيضة تبين لي جملة من الفروق بين القصيدتين، وهذا شيء طبيعي فلكل شاعر أسلوب وطريقة مختلفة، كما لعبت البيئة الذي نشأ فيها كل شاعر دورا كبيرا في التأثير على أسلوب الشاعر، ومن تلك الفروق على سبيل المثال لا الحصر.
أولا: التعصب للقبيلة عند الفرزدق أكثر بروزا من جرير، فهو شاعر قبلي بالدرجة الأولى، حيث يظهر بوضوح تعصبه لقبيلته وآبائه، كم تبرز لنا عقدة الأنا على الرغم من عدم طغيانها على فخره بعشيرته.
ومن ذلك قوله:
ترى جارنا فينا يجير وإن جنى ولا هو مما ينطف الجـــــار يُنطف
وكنا إذا نامت كليب عــن القرى إلى الضيف نمشي بالعبيط ونلحف
إنهم يطعمون الضيف ويلحفونه من البرد في الوقت الذي يقصر فيه الكلبيون بحق ضيوفهم، ولعلنا نلمح التشابك بين الهجاء والفخر في البيت وكنا إذا...
أما جرير فعلى الرغم من افتخاره بقبيلته بني يربوع فخرا قبليا إلا أن همه الوحيد كان هجاء الأخطل، فكان الهجاء المحور الرئيس في القصيدة، فطغى الهجاء على فخره بقبيلته، وهو بذلك خالف الفرزدق الذي سخر قصيدته للافتخار بقبيلته بني مجاشع بشكل بارز وواضح.
ومن أمثلة هجاء جرير للأخطل وهو الغالب على القصيدة:
قال الأخيطل إذا راياتهم يا ما سرجس لا نريد قتالا
ترك الأخيطل أمه وكأنها منحاة ساقية تدير عجــــالا
لقد جمع جرير كل لؤمه في هجائه وصلت إلى حد الإيلام، وهذا الشيء لم يبلغه الفرزدق.
ثانيا: لكل شاعر قضية مركزية حاول التعبير عنها شعرًا، فالفرزدق في قصيدته تثبت الهم الكبير الذي عانى منه ، وهو القحط الشديد الذي أخذ يتوالى على البلاد ، وما سببه من آلام وفقر للإنسانية وقد مثله خير تمثيل ، ونستدل على ذلك بقول الفرزدق
((إليك أمير المؤمنين رمت بنا)) والمقصود بأمير المؤمنين هو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فيما وجدت أن القضية المركزية لجرير هي العصبية القبلية التي شغلت باله، وسيطرت على تفكيره ورؤيته للحياة ومن ذلك قوله:
قيس وخندف إذا عددت فعالهم خير وأكرم من أبيك فعــــــالا
ثالثا: استخدم الفرزدق البحر البسيط في نظم قصيدته، فيما استخدم جرير البحر الكامل، علما بأن جرير كان مجبرا على التزام هذا البحر على اعتبار أنها ردا على قصيدة الأخطل، فكان عليه الالتزام بنفس البحر الذي استخدمه الأخطل، والمعروف أن البادئ يكون أقوى مكانه من الذي يطلب منه الرد، وفي هذه الحالة يتطلب الرد مهارة وبراعة كما لمسناها في قصيدة جرير، أما الفرزدق فقد أخذ حريته في استخدام البحر العروضي والقافية، فكان نظمها أسهل من قصيدة جرير.
رابعا: استخدم الفرزدق الأساليب المعقدة، والألفاظ البدوية الخشنة، وهو بذلك خلاف جرير الذي كان ذا طباع رقيق لين، وهذا يعود للبيئة التي نشأ فيها الشاعرين، فالفرزدق نشأ نشأة بيئية خالصة، أما جرير فقد نشأ في أجواء مدنية، فانعكس هذا الشيء على قصائدهما.
من أمثلة ألفاظ الفرزدق المعقدة ذات الطابع الخشن كما ورد في قصيدته:
ألا ليتنا كنا بعيرين لم نرد علـــــــــى حاضر إلا نشل ونقذف
كلانا به عر يخاف قرافه على الناس مطلي المساعر أخشف
وهنا نلحظ صعوبة الألفاظ التي تحتاج إلى معجم (نشل، عر، قرافة، المساعر، أخشف).
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
أما القصيدة الثانية كما جاء ترتيبها في جمهرة أشعار العرب (3)، فهي ملحمة جرير بن عطية (2)، ومطلعها:
حـــــــــــــي الغداة برامة الأطلالا رسمــــــــــــــــــا تحمل أهله فأحالا
ومن خلال دراستي للقصيدتين دراسة مستفيضة تبين لي جملة من الفروق بين القصيدتين، وهذا شيء طبيعي فلكل شاعر أسلوب وطريقة مختلفة، كما لعبت البيئة الذي نشأ فيها كل شاعر دورا كبيرا في التأثير على أسلوب الشاعر، ومن تلك الفروق على سبيل المثال لا الحصر.
أولا: التعصب للقبيلة عند الفرزدق أكثر بروزا من جرير، فهو شاعر قبلي بالدرجة الأولى، حيث يظهر بوضوح تعصبه لقبيلته وآبائه، كم تبرز لنا عقدة الأنا على الرغم من عدم طغيانها على فخره بعشيرته.
ومن ذلك قوله:
ترى جارنا فينا يجير وإن جنى ولا هو مما ينطف الجـــــار يُنطف
وكنا إذا نامت كليب عــن القرى إلى الضيف نمشي بالعبيط ونلحف
إنهم يطعمون الضيف ويلحفونه من البرد في الوقت الذي يقصر فيه الكلبيون بحق ضيوفهم، ولعلنا نلمح التشابك بين الهجاء والفخر في البيت وكنا إذا...
أما جرير فعلى الرغم من افتخاره بقبيلته بني يربوع فخرا قبليا إلا أن همه الوحيد كان هجاء الأخطل، فكان الهجاء المحور الرئيس في القصيدة، فطغى الهجاء على فخره بقبيلته، وهو بذلك خالف الفرزدق الذي سخر قصيدته للافتخار بقبيلته بني مجاشع بشكل بارز وواضح.
ومن أمثلة هجاء جرير للأخطل وهو الغالب على القصيدة:
قال الأخيطل إذا راياتهم يا ما سرجس لا نريد قتالا
ترك الأخيطل أمه وكأنها منحاة ساقية تدير عجــــالا
لقد جمع جرير كل لؤمه في هجائه وصلت إلى حد الإيلام، وهذا الشيء لم يبلغه الفرزدق.
ثانيا: لكل شاعر قضية مركزية حاول التعبير عنها شعرًا، فالفرزدق في قصيدته تثبت الهم الكبير الذي عانى منه ، وهو القحط الشديد الذي أخذ يتوالى على البلاد ، وما سببه من آلام وفقر للإنسانية وقد مثله خير تمثيل ، ونستدل على ذلك بقول الفرزدق
((إليك أمير المؤمنين رمت بنا)) والمقصود بأمير المؤمنين هو الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، فيما وجدت أن القضية المركزية لجرير هي العصبية القبلية التي شغلت باله، وسيطرت على تفكيره ورؤيته للحياة ومن ذلك قوله:
قيس وخندف إذا عددت فعالهم خير وأكرم من أبيك فعــــــالا
ثالثا: استخدم الفرزدق البحر البسيط في نظم قصيدته، فيما استخدم جرير البحر الكامل، علما بأن جرير كان مجبرا على التزام هذا البحر على اعتبار أنها ردا على قصيدة الأخطل، فكان عليه الالتزام بنفس البحر الذي استخدمه الأخطل، والمعروف أن البادئ يكون أقوى مكانه من الذي يطلب منه الرد، وفي هذه الحالة يتطلب الرد مهارة وبراعة كما لمسناها في قصيدة جرير، أما الفرزدق فقد أخذ حريته في استخدام البحر العروضي والقافية، فكان نظمها أسهل من قصيدة جرير.
رابعا: استخدم الفرزدق الأساليب المعقدة، والألفاظ البدوية الخشنة، وهو بذلك خلاف جرير الذي كان ذا طباع رقيق لين، وهذا يعود للبيئة التي نشأ فيها الشاعرين، فالفرزدق نشأ نشأة بيئية خالصة، أما جرير فقد نشأ في أجواء مدنية، فانعكس هذا الشيء على قصائدهما.
من أمثلة ألفاظ الفرزدق المعقدة ذات الطابع الخشن كما ورد في قصيدته:
ألا ليتنا كنا بعيرين لم نرد علـــــــــى حاضر إلا نشل ونقذف
كلانا به عر يخاف قرافه على الناس مطلي المساعر أخشف
وهنا نلحظ صعوبة الألفاظ التي تحتاج إلى معجم (نشل، عر، قرافة، المساعر، أخشف).