أيمن دراوشة - الرفق بالحيوان

في مسألة الرفق بالحيوان، يُعد العرب العناية بالحيوان شيئًا من الترف الاجتماعي والتباهي والتفاخر، على الرغم أنَّ كثيرًا من أنواع الحيوانات بمختلف أنواعها أصبحت بمتناول الأطفال، بعد أن أصبحت أقل ثمنًا بكثير من ألعابهم الإلكترونية، وفي النهاية نفوق هذه الحيوانات المسكينة ذبحًا أو كمعاملتها كلعبة من الألعاب الإلكترونية.

أمَّا هؤلاء المستهترين بحقوق الحيوان، والساديون بتعاملهم معه، فقد مثَّلوا مشكلة بين علاقة الإنسان بالحيوان، وهذا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتوجهات ثقافية نشأ عليها المرء منذ الصغر، وعلى الرغم عدم غياب الحيوان عن ثقافة العربي وبيئته وإرثه الأدبي والأخلاقي، وقيمه الروحية، إلا أنه تم اعتبار العرب من الشعوب والثقافات التي تؤذي الحيوان وتهينه ولا ترفق به، وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل يتعداه للتلذذ بتعذيبه وحرقه حيًّا، كما شاهدنا في واقعات حصلت بالأردن ومصر من حرق كلب وهو حي في مشاهد تقشعر لها الأبدان، مما يناقض بشكل جلي منظومة القيم الأخلاقية والدينية التي تربينا عليها.

في الأرياف هناك من يشبع دابته ضربًا دون رحمة، وهذا لا يختلف عمن امتطى دابته الآلية ليدوس بها القطط والكلاب التي تثير فينا الشفقة عند المرور بها في الشوارع حيث خرجت أحشاؤها، وسالت دماؤها على الإسفلت.

هل الراعي لدينا الذي يحرص على غنماته من الدهس، يفعل هذا رفقًا بها، أم خشية أن يخسر إحداها ماديًا؟!

الكثير من المنظمات العالمية التي أدانت همجية العرب بالتعامل مع الحيوان، وهذه المنظمات ليس بالضرورة أن تكون عنصرية أو تتقصد العرب على وجه الخصوص، لكن هذا لا ينفي أنَّ العرب الأكثر تفننًا والأكثر قسوة والأكثر همجية مع الحيوان.

إذن يتعامل العرب مع الحيوانات على اعتبار أنها وجدت لخدمته، إضافة إلى أنَّها مخلوقات نجسة، مما يعطيه تبريرًا لقساوته وجبروته.

عند الغرب الأمر يختلف، وشتان بين عندهم وعندنا، فهناك المتحمسون للدفاع عنه، من منظمات وفنانين، ورجال أعمال ، ومن المهتمين، الذين لا يروق لهم رؤية الحيوان يتأذى، فيما يستهزئ العرب عند سماعه عن رجل ميسور قد تبرع بملايين الدولارات لإنقاذ حديقة حيوانات، أو فصيلة نادرة منها، على اعتبار أنَّ الإنسان أولى بالاهتمام، فهو يعاني الفقر والقهر والحروب، وغاب عن أذهانهم أنَّ الحركات الإرهابية المجرمة التي ابتلينا بها، والتي تتشدق بالدين والالتزام به، لم تتوانَ في استخدام الحيوان بالتفجير والتفخيخ، وهؤلاء لم يحترموا الإنسانية فكيف سيحترمون الحيوان؟!

لم أسمع عن الغرب بأنهم استخدموا الحيوانات في الحروب، ولم أسمع بأنهم استخدموا الحيوانات كتجارة رائجة مثل المخدرات وتجارة البشر والأعضاء، لكن ظاهرة تجارة الحيوانات والتنكيل بها منتشرة في عالمنا العربي دون قوانين رادعة لمثل هؤلاء المجرمين.

في الدول المتقدمة تكثر عيادات الحيوان، كما تكثر مراكز رعايتها وإيوائها خاصة القطط والكلاب السائبة، فيما عندنا يتم قتلها تحت ذريعة أنها تنشر الأوبئة والأمراض، والطريف المبكي انتشار الخرافات عند العرب، خاصة عند الفرق التكفيرية المتخلفة التي تجيز قتل بعض الحشرات والقوارض من الحيوانات، طمعًا في دخول الجنة ونيل الحسنات! هذا غير قتل بعض الحيوانات البرية ظنًّا منهم بأنَّ لها وصفات سحرية تزيد من فحولتهم الجنسية! ومؤخرًا قرأت أنَّ إحدى الفرق الدينية المتطرفة في إحدى دول المغرب العربي، والتي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالصور والفيديو، قد قتلت جملًا بطريقة بشعة تندى لها جبين البشرية، وقد تم ذلك عند أحد الأضرحة المقدسة لديهم، معتقدين بأنَّ هذا الفعل الشنيع سيجلب لهم الصحة والبركة ...

عند الغرب يُعاقب كل من تثبت إدانته في تعذيب حيوان، وفي الوقت نفسه يتعامل الغرب مع الحيوان كمخلوق يتألم ويحزن ويفرح، أمَّا عندنا فيُعد الحيوان من الممتلكات الخاصة كالسيارة، مما يصنف الحيوانات في عرف العرب كعبيد، وهذا مما يجيز لهم تعذيبها وقتلها.

إنّ مسألة حقوق الحيوان لدينا مقتصرة على الفئات الميسورة والمرفَّهة، ولا يعرفون من الحيوانات سوى القطط والكلاب من الأنواع المحدودة، إلا أنَّ ثقافة اضطهاد الحيوان هي السمة الغالبة في عالمنا العربي، فطالما تربّى أطفالنا منذ البداية على تعذيب القطط والكلاب والأرانب والكتاكيت والطيور... ومرورًا بمطاردة بلديات الدولة للحيوانات السائبة بنيران البنادق والأسلحة، والمتاجرة البشر بالنادر منها، ونهاية باستخدامها كقنابل موقوتة، وأحزمة ناسفة لدى الحركات التكفيرية المجرمة.

كلمة أخيرة، طالما أنَّ ديننا ومنظومتنا الأخلاقية تحث على الرفق والعناية بالحيوان، فلمَ الاستهزاء بالغرب عندما نسمع بأنهم يبالغون برعايتهم للحيوان، بل وينتجون أفلامًا باهظة التكاليف عن الحيوان سواء السينمائية منها، أو البرامج الوثائقية، بل وينفقون ملايين الدولارات للإبقاء على فصائل نادرة خشية انقراضها، فيما نحن نقوم بحرق الحيوانات والتلذذ بعذابها، وتصل السادية بنا لنشرها على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، ألا ينبغي أن نخجل من أنفسنا عندما ننظر للآخر، وطريقة تعامله مع الحيوان؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى