أيمن دراوشة - أبو العلاء المعري ودورة المياه في الطبيعة

للماء أسماء كثيرة وأنواع عدة وقد وردت في كتاب فقه اللغة وسر العربية للثعالبي

( في المِيَاهِ التي لا تُشْرَبُ )

- السَّابِياءُ والحُوَلاءُ: الماءُ الذي يَخْرُجُ مَعَ الوَلَدِ
- الفَظُّ: المَاءُ الذي يَخْرُجُ من الكَرِشِ
- السُّخْدُ: الماءُ الذي يَكُونُ في المَشِيمَةِ
- الكِرَاضُ: الماءُ الذي تَلفِظُهُ النَّاقةُ مَنْ رَحِمِهَا
- السَّقْيُ: الماءُ الأصْفَرُ الذي يَقعُ في البَطْنِ
- الصَّدِيدُ: المَاءُ الذي يَخْتَلِطُ مَعَ الدَم في الجُرْحِ
- المَذْيُ: الماء الذي يخرُجُ مِنَ الذَّكَرِ عِند المُلاَعَبَةِ والتَّقْبِيلِ
- الوَدْيُ: المًاءُ الذي يَخْرُجُ على إثْرِ البَوْلِ.
(يُنَاسِبُهُ في تَغيِيرِ رَائِحَةِ اللَّحْمِ والمَاءِ)
أَجِنَ الماء إذا تَغَيَرَ، غَيْرَ أنّهُ شَرُوب
وأَسِنَ إذا أَنْتَنَ فلمْ يُقْدَرْ عَلَى شُرْبِهِ.

سنترك المؤلفات العلمية العربية القديمة جانبا، لأن هذه الدراسة لا تبحث في إنجازات العلماء العرب والمسلمين في علم المياه الجوفية ودورة المياه في الطبيعة. سوف نستعين ببعض أبيات الشعر التي خلفها لنا شاعر أجمع الدارسون المعاصرون على أنه كان جديرا بأن يحمل بكل جدارة لقب شاعر العالم، ألا وهو أبو العلاء المعري.

تناول أبو العلاء في شعره مواضيع علمية متنوعة كانت تعتبر من المعضلات الأساسية للفلسفة وعلوم الطبيعة في عصره، وكانت تشغل اهتمام كبار العلماء والمفكرين، مثل: مفهوم الزمان والمكان، وأصل العالم والكون والفساد، والعناصر الأربعة التي تتألف منها الأشياء والفلك والكواكب والنجوم والتنجيم، والكثير من الظواهر الطبيعية مثل الجبال والبحار والغيوم والرعد والبرق والأمطار، وغيرها. وقد تناول هذه المواضيع دون أن يفرط بلغته الشعرية وقيمتها الفنية، بل على العكس، فقد استطاع بفضل موهبته أن يطرح المواضيع العلمية الجافة والمعقدة بأسلوب سلسل، ويحولها شعرا رقيقا جميلا يشد إليه النفس والعقل. وقد تناول هذه المواضيع بأسلوبين مختلفين: الأول ـ طرح وجهة نظره العلمية والفلسفية بلغة العالم والمعلم، وناقش ما هو سائد من أفكار ونقد ما يخالفه في الرأي والمعتقد. والأسلوب الثاني ـ توظيف معارفه عن الظواهر الطبيعية وما استلهمه من مأثورات شعبية ومن الأساطير ليرسم صوره الشعرية والفنية أو يستعير بعض هذه الظواهر لمواضيع فكرية واجتماعية وأخلاقية مختلفة.

تحدث الشاعر في الكثير من قصائده عن المطر والرياح، والغيوم، والرعد، والبرق. استعار الغيم للتواضع والابتعاد عن التكبر والغرور، فقال:

ليس التكثـّرُ مــن خليقة صادق = فاذهب لعادكَ أستمرَّ لعادي
لو كان لي غــيمُ لجاد بمائــه، = من غـير إبراق، ولا إرعاد

وفي قصيدة أخرى يخاطب السحابة ويرجوها أن تتريث، لتجود بمائها على الأرض العطشى، لكونها أمطرت على الأرض السبخة التي لا تنبت ولا ينفعها الماء، فراح ماؤها هدرا:

رويدك يا سحابة لا تجودي، = على السبخات، من جهل هَمَيتِ

مجد أبو العلاء العقل واعتبره إماما مرشدا له في الحياة، ودعا الى الاستعانة به والاحتكام اليه للكشف عن الحقيقة، وهو منوط بالثريا، وهو كالبحر الواسع لا ينخفض مستواه مهما اغترفوا منه:

الفكر حبل، متى يُمسكْ على طرف = منـه، يُنطْ بالثريا ذلك الطرف
والعقل كالبحر، ما غيضتْ غواربُه = شيئا، ومنـه بنو الأيام تغترف

لم يصرح أبو العلاء عن السر الذي يجعل البحر لا ينضب ولا يتغير مستواه، ولم يقل لنا صراحة من هم الذين يغترفون منه الماء. لكن ما هو أكيد أن هذه الحالة لم تكن تشكل سببا يقلق باله لنتذكر أن المعري لم يكن بصدد الحديث عن البحر والطبيعة، ولم يكن يقدم محاضرة علمية أمام طلبة الجامعة. انه يتحدث عن الفكر والناس. بمعنى أن ما يشتمل عليه كلامه من معاني علمية كانت معروفة لمن سوف يقرأ شعره، ومعروفة بالشكل الذي جعلها متداولة بين الناس.

وللمعري الكثير من الشعر الذي يتحدث عن علاقة الرياح بالغيوم والمطر، ودورها سلبا وايجابا على هطول الأمطار. فمرة نجد ان الرياح الشديدة، أو الأعاصير يمكن أن تتسبب بهطول أمطار غزيرة طوفانية. يقول أبو العلاء

والمعصرات من الخراد عواصف، = كالمعصرات، صنيعها إعصار

انه يشبه الجواري (المعصرات في الشطر الأول) الشابات الحسناوات
( الخراد ) بالغيوم الممطرة التي تسببها الأعاصير.

في حين نجده في أبيات أخرى يتحدث عن الريح التي تقوم بتبديد السحب والغيوم وتمزقها وتفرقها قبل أن تجود بمياهها. يقول:

أعارض مُزن أورد البحــــرَ ذوده، = فلما تروت سار شوقا الى نــجــد
بـكيــت لــه، إذ فــاته ما يــريده، = وما شوقه شوقي، ولا وَجدُه وَجدي

إذا كان المعري في الغالب يستعير السحاب ليصف أشياء أخرى فهو هنا على العكس، فقد استعار الإبل (الذود) للسحائب. الشاعر في البيت الأول يتحدث عن السحاب المعترض في السماء وشبه السحائب الصغيرة التي كان يتألف منها بالإبل. هذا المُزن ساق قطيع إبله نحو البحر لترد من مياهه. ولما ارتوت وشبعت واصل مسيرته نحو هدفه، وهي أرض نجد. لكن الرياح اعترضت سبيله فمزقته قبل أن يصل إلى نجد.

أعتقد أن هذا البيت قد أجاب على تساؤلنا السابق: من الذي يغترف الماء من البحر؟ ولو كان باستطاعة كبار المفكرين الحيرانين أن يروا ما استطاع أن يراه المعري لما احتاروا بسبب عدم امتلاء البحر بالمياه، بالرغم من أن الأنهار تصب فيه بدون توقف. لقد أصبح من الواضح أن ما تقدمه الأنهار من مياه الى البحر تأخذه الغيوم، لتنقلها الرياح بعيدا إلى اليابسة لتجود بما تحمله من مياه على الأرض التي تتضور من العطش.



المراجع:

أبو منصور الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، الجزء الثاني، "الطبعة الثالثة" لمطبعة مصطفى بابي الحلبي وأولاده، حققه ورتبه ووضع فهارسه، مصطفى السقا - وكيل كلية الآداب بجامعة القاهرة ، إبراهيم الأبياري - مدير إدارة إحياء التراث القديم بوزارة المعارف، عبد الحفيظ شلبي - مدير إدارة المكتبات الفرعية بدار الكتب ، ص ، 125-127-265-266-267.

موريس بوكاي: " دراسة الكتب المقدسة " ص199، دار رشى، بيروت.

أبو العلاء المعري، ديوانه، عدد الاجزاء: 2، الطبعة رقم: 1، الناشر: دار الكتب العلمية.

أيمن دراوشة ، رسالة المعلم، وزارة التربية والتعليم ، الأردن ، المجلد 35 ، 1994م ، ص 44.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى