سأحاول التوغُّل في طاقات هذا النّص الدّلاليّة، وبلورة مرجعيّاتها عن طريق تداخلها في البناء اللُّغوي وتماسك بنيته السّرديّة، وتفرّدها ضمن معانٍ خاصةٍ، وتشابكها مع مدلولاتٍ عامةٍ ناطقةٍ تمسُّ الواقع العربيّ وترفضه بكلّ المقاييس والشّرائع الدينية والقوانين من خلال إضاءة العناصر المضمَرة فيه.
لقد جاء هذا النص في ثلاث وحدات سردية:
1-الوحدةالأولى: تمثّلت في وصف السارد للآمال أثناء رحلته في القطار إلى برلين.
2- الوحدة الثانية : تمظهر النص في الألم النّابت من عروبة متخاذلة ومن مرضها العُضال الذي يضّطرنا أن نبترَه كي نبرأ من وجعٍ مستفحلٍ بسبب تخاذلٍ عربيٍّ فاضح.
3- الوحدة الثالثة : تمحورت في مضاعفة الألم و رصد الخذلان الغربي.
"جَرَّةُ قَلَمٍ"
أكَّدَ لي ضجيجُ القطارِ المنطلقِ إلى برلين أنَّهم لن يخذلوني.
استعارُوا مِبضَعي؛ بعدَ أنْ استأصلتُ شَأَفةَ الألمِ مِنْ خاصرتي العربيَّةِ، فقأوا عينيَّ ..وأهدوني نظّارةً سوداء
النص (ققج) بامتياز
وقد استكمل شروطها من عنوانٍ مناسبٍ وثيمةٍ و حبكةٍ وإضمارٍ وترميزٍ وتكثيفٍ وإدهاشٍ وقفلةٍ صادمةٍ.
العنوان/ جرّة قلم
وهو تعبير يُراد به البتُّ سريعاً في أمرٍ ما و هو مدلول النص ومفهومه وبؤرة ارتكازه وبوصلة اتجاه القارئ لإرشاده إلى الطريق الصحيح، وأرى أن الكاتب هنا إذ يستجرّ تشويقنا إلى جادة قصديَّته (بجرّة قلمه) لنلهث وراءه وقد نحته بشكلٍ رمزيٍ شفيفٍ في البوابة الاخيرة للنص ربطاً و تدليلاً
أكد لي ضجيج القطار المنطلق إلى برلين أنهم لم يخذلوني/
يستهل الكاتب نصه بجملةٍ استدلاليةٍ للتعريف بالزمان والمكان لنسج أحداث النص وأسبابه ونتائجه وبذلك استطاع الكاتب أن يضعنا مباشرةً في صورة الأحداث دون أن يكشف لنا عن مخبوء النص فالتأكيد هنا من الثقة
والقطار وسيلة نقل طريقها يعجّ بالمحطات، والشعور بعدم الخذلان نابعٌ من الثقة التي تشبه ضجيج القطار العابر للمحطات عبر سكةٍ حديديةٍ صدئةٍ
اعتمد الكاتب على الغموض الشفيف فضلاً عن التكثيف اللغوي بالألفاظ السيمائية الموجودة (ضجيج،، انطلق،، برلين )وكأنّه رمز بالضجيج إلى تداخل الآمال وتضاربها مع الهواجس.
ترى هل ستُكلّل مساعيه بالظفر أم ستبوء بالفشل؟!
ولماذا اختار السارد البطل وجهته برلين؟!
كلنا يعرف أن برلين هي عاصمة ألمانيا الاتحادية وإحدى دويلاتها الـ (١٦) التي تتألف منها
ترى لماذا يمّم البطل وجهه شطر برلين؟
تعالوا لنرى معاً
يتشابك السرد الدراميّ للبناء الفنيّ للنص في هذه العبارة :
استعاروا مبضعي، بعد أن استأصلت شأفة الألم من خاصرتي العربية/ هل ذهب إلى برلين لاجئاً؟
فكلمة مبضع تعني اصطلاحاً سكين دقيق يستعملها الطبيب الجراح لشقّ الجلد في إجراء عملٍ جراحيٍ لاستئصال وإزالة شأفة الألم أي تقرّحه وقطع دابر فساده.
هل مسّ السارد قرحاً كما مسّ القرح قوماً قبله؟
وهنا يحضرني قاتعالى {وإن يمسَسْكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}
172آل عمران
وقد يُدال (يُبتلى) الكافر بالمؤمن ويبتلى المؤمن بالكافر ليعلم الله من يطيعه ممّن يعصيه ويعلم الصادق من الكاذب.
السارد البطل هنا على -ما يبدو- موجوعٌ في عروبته بعد أن خذلته ولفظته خارج حدود الوطن لترمي به على محطات الألم المؤدية إلى ضياع هويته وقد تنكّر له أبناء جدلته وعمومته، لأسباب لا يعلمها إلا هو ولسنا في صدد البحث عنها كي لا نفقد بوصلتنا في الوصول إلى مرمى النص ومؤاده.
لقد اضطّر السارد إلى خلع عباءة العروبة عن منكبيه مجسداً خذلانه من خلال عبارة: مبضعي وشأفة الألم باشتغالٍ مكثّف في حيّز صغير لم يتجاوز حدّ الاستئصال.
نلاحظ هنا أن الكاتب أحالنا بحذاقةٍ من الواقع القصصيّ إلى الواقع العربيّ إذ فعَّل طاقة القارئ وحفزّها للمرجعية العربيّة المتخاذلة
ولكن لماذا استعاروا مبضعه؟
تعالوا معي لنرى:
فقأوا عيني، وأهدوني نظّارةً سوداء / قفلةٌ مباغتةٌ تضرب بآمال البطل عرض الحائط
وهنا نعود بالتشابك السرديّ إلى الجملة التي سبقتها (استعاروا مبضعي )
ّ ضعف عروبتنا وتفككها وتخاذلها مأمل كلّ الغرب ومكمن مطامعهم وسرّ سعادتهم
فقأ العين/قلَعها أو شقّها لإخراج ما فيها من أورام وأحزان وكأنّ الألم الذي استأصله السارد البطل لم يكن في خاصرته العربية فقط وقيامه ببتره لم يُنهِ آلامه!
بل الوجع ساكنٌ في عينيه الناطقتين به والراوية لمِحنه و كوارثه. عيناه المسكونتان بالوجع، المطعونتان في عروبتهما، الشاهدتان على خذلان العربي لأخيه العربي
وقد قاموا بشقِّها لإخراج ما فيها من أورام وأحزان ثمّ أهدوه بدلاً عنها نظارةً سوداءَ لتخفيَ كل عيوبه وأحزانه وتقتل ما لقي فيهما من عروبة كانت تشهق أنفاسها الأخيرة في محاولةٍ أخيرةٍ لإحيائها.
(وأهدوني نظارة سوداء)
فاللون الأسود ليس للحداد فقط بل لطمس كل معالم الحقيقة وإسدال لباس الليل عليها سرمدا فلا تبين ولا تُدين!
وهنا يدخلنا الكاتب السارد في انثيالات ومنولوجات النفس الباطنة في غاية التعالق الدلالي بين ( [المنفتح ]:أكد لي...لن يخذلوني) وبين( [الإقفال] فقأوا عيني)
قال الله تعالى :
{وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون مالا تألمون وترجون من الله مالا يرجون }
النساء 140
لينتهي النص عند الهدية غير المتوقعة!!
وأهدوني نظارة سوداء / خذلان جديد يُضاف إلى سجلّ المواطن العربيّ في كلّ محطات حياته بجرّة قلم!
وهنا يشرق العنوان مميطاً اللثام عن مقصديته و دلالته.
قفلةٌ صادمةٌ كسرت أفق القارئ وتوقعاته وترابطت مع استهلاله ومتنه وحبكته وثيمته.
لقد اشتغل الكاتب على اللغة والأحداث والسرد والأحداث والعقل الباطن والواقع الراهن والمأمول والخذلان ضمن مفارقاتٍ وصفيةٍ صريحةٍ وضمنيةٍ وأراه قد وُفّق في ذلك.
لقد جاء هذا النص في ثلاث وحدات سردية:
1-الوحدةالأولى: تمثّلت في وصف السارد للآمال أثناء رحلته في القطار إلى برلين.
2- الوحدة الثانية : تمظهر النص في الألم النّابت من عروبة متخاذلة ومن مرضها العُضال الذي يضّطرنا أن نبترَه كي نبرأ من وجعٍ مستفحلٍ بسبب تخاذلٍ عربيٍّ فاضح.
3- الوحدة الثالثة : تمحورت في مضاعفة الألم و رصد الخذلان الغربي.
"جَرَّةُ قَلَمٍ"
أكَّدَ لي ضجيجُ القطارِ المنطلقِ إلى برلين أنَّهم لن يخذلوني.
استعارُوا مِبضَعي؛ بعدَ أنْ استأصلتُ شَأَفةَ الألمِ مِنْ خاصرتي العربيَّةِ، فقأوا عينيَّ ..وأهدوني نظّارةً سوداء
النص (ققج) بامتياز
وقد استكمل شروطها من عنوانٍ مناسبٍ وثيمةٍ و حبكةٍ وإضمارٍ وترميزٍ وتكثيفٍ وإدهاشٍ وقفلةٍ صادمةٍ.
العنوان/ جرّة قلم
وهو تعبير يُراد به البتُّ سريعاً في أمرٍ ما و هو مدلول النص ومفهومه وبؤرة ارتكازه وبوصلة اتجاه القارئ لإرشاده إلى الطريق الصحيح، وأرى أن الكاتب هنا إذ يستجرّ تشويقنا إلى جادة قصديَّته (بجرّة قلمه) لنلهث وراءه وقد نحته بشكلٍ رمزيٍ شفيفٍ في البوابة الاخيرة للنص ربطاً و تدليلاً
أكد لي ضجيج القطار المنطلق إلى برلين أنهم لم يخذلوني/
يستهل الكاتب نصه بجملةٍ استدلاليةٍ للتعريف بالزمان والمكان لنسج أحداث النص وأسبابه ونتائجه وبذلك استطاع الكاتب أن يضعنا مباشرةً في صورة الأحداث دون أن يكشف لنا عن مخبوء النص فالتأكيد هنا من الثقة
والقطار وسيلة نقل طريقها يعجّ بالمحطات، والشعور بعدم الخذلان نابعٌ من الثقة التي تشبه ضجيج القطار العابر للمحطات عبر سكةٍ حديديةٍ صدئةٍ
اعتمد الكاتب على الغموض الشفيف فضلاً عن التكثيف اللغوي بالألفاظ السيمائية الموجودة (ضجيج،، انطلق،، برلين )وكأنّه رمز بالضجيج إلى تداخل الآمال وتضاربها مع الهواجس.
ترى هل ستُكلّل مساعيه بالظفر أم ستبوء بالفشل؟!
ولماذا اختار السارد البطل وجهته برلين؟!
كلنا يعرف أن برلين هي عاصمة ألمانيا الاتحادية وإحدى دويلاتها الـ (١٦) التي تتألف منها
ترى لماذا يمّم البطل وجهه شطر برلين؟
تعالوا لنرى معاً
يتشابك السرد الدراميّ للبناء الفنيّ للنص في هذه العبارة :
استعاروا مبضعي، بعد أن استأصلت شأفة الألم من خاصرتي العربية/ هل ذهب إلى برلين لاجئاً؟
فكلمة مبضع تعني اصطلاحاً سكين دقيق يستعملها الطبيب الجراح لشقّ الجلد في إجراء عملٍ جراحيٍ لاستئصال وإزالة شأفة الألم أي تقرّحه وقطع دابر فساده.
هل مسّ السارد قرحاً كما مسّ القرح قوماً قبله؟
وهنا يحضرني قاتعالى {وإن يمسَسْكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}
172آل عمران
وقد يُدال (يُبتلى) الكافر بالمؤمن ويبتلى المؤمن بالكافر ليعلم الله من يطيعه ممّن يعصيه ويعلم الصادق من الكاذب.
السارد البطل هنا على -ما يبدو- موجوعٌ في عروبته بعد أن خذلته ولفظته خارج حدود الوطن لترمي به على محطات الألم المؤدية إلى ضياع هويته وقد تنكّر له أبناء جدلته وعمومته، لأسباب لا يعلمها إلا هو ولسنا في صدد البحث عنها كي لا نفقد بوصلتنا في الوصول إلى مرمى النص ومؤاده.
لقد اضطّر السارد إلى خلع عباءة العروبة عن منكبيه مجسداً خذلانه من خلال عبارة: مبضعي وشأفة الألم باشتغالٍ مكثّف في حيّز صغير لم يتجاوز حدّ الاستئصال.
نلاحظ هنا أن الكاتب أحالنا بحذاقةٍ من الواقع القصصيّ إلى الواقع العربيّ إذ فعَّل طاقة القارئ وحفزّها للمرجعية العربيّة المتخاذلة
ولكن لماذا استعاروا مبضعه؟
تعالوا معي لنرى:
فقأوا عيني، وأهدوني نظّارةً سوداء / قفلةٌ مباغتةٌ تضرب بآمال البطل عرض الحائط
وهنا نعود بالتشابك السرديّ إلى الجملة التي سبقتها (استعاروا مبضعي )
ّ ضعف عروبتنا وتفككها وتخاذلها مأمل كلّ الغرب ومكمن مطامعهم وسرّ سعادتهم
فقأ العين/قلَعها أو شقّها لإخراج ما فيها من أورام وأحزان وكأنّ الألم الذي استأصله السارد البطل لم يكن في خاصرته العربية فقط وقيامه ببتره لم يُنهِ آلامه!
بل الوجع ساكنٌ في عينيه الناطقتين به والراوية لمِحنه و كوارثه. عيناه المسكونتان بالوجع، المطعونتان في عروبتهما، الشاهدتان على خذلان العربي لأخيه العربي
وقد قاموا بشقِّها لإخراج ما فيها من أورام وأحزان ثمّ أهدوه بدلاً عنها نظارةً سوداءَ لتخفيَ كل عيوبه وأحزانه وتقتل ما لقي فيهما من عروبة كانت تشهق أنفاسها الأخيرة في محاولةٍ أخيرةٍ لإحيائها.
(وأهدوني نظارة سوداء)
فاللون الأسود ليس للحداد فقط بل لطمس كل معالم الحقيقة وإسدال لباس الليل عليها سرمدا فلا تبين ولا تُدين!
وهنا يدخلنا الكاتب السارد في انثيالات ومنولوجات النفس الباطنة في غاية التعالق الدلالي بين ( [المنفتح ]:أكد لي...لن يخذلوني) وبين( [الإقفال] فقأوا عيني)
قال الله تعالى :
{وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون مالا تألمون وترجون من الله مالا يرجون }
النساء 140
لينتهي النص عند الهدية غير المتوقعة!!
وأهدوني نظارة سوداء / خذلان جديد يُضاف إلى سجلّ المواطن العربيّ في كلّ محطات حياته بجرّة قلم!
وهنا يشرق العنوان مميطاً اللثام عن مقصديته و دلالته.
قفلةٌ صادمةٌ كسرت أفق القارئ وتوقعاته وترابطت مع استهلاله ومتنه وحبكته وثيمته.
لقد اشتغل الكاتب على اللغة والأحداث والسرد والأحداث والعقل الباطن والواقع الراهن والمأمول والخذلان ضمن مفارقاتٍ وصفيةٍ صريحةٍ وضمنيةٍ وأراه قد وُفّق في ذلك.