أشرف دسوقي علي - الفن والقيم الجمالية بين المثالية والمادية

استعراض لكتاب الدكتور رمضان الصباغ: الفن والقيم الجمالية بين المثالية والمادية

لطالما شكل الفن عنصرا هاما وحيويا في حياة الانسان , وذلك منذ بدأ الخليقة , حيث مارس الانسان الفن بشتي صوره , متخذا أشكالا كثيرة , من تعبد , وطقوس , احتفاليات , معبرا عن ذاته , حيث اكتشف قيمة الفن الجوهرية , وما تضيفه الي الانسان الفرد والي الجماعة , فسعي من يومها الي تطوير هذا الفن حتي وصل به الي قمة النضج, وربما بكر هذا النضج لدي بعض الامم, في تأخر عند بعضها الاخر , وربما تخلف عند بعض ثالث ! , ويعد الفن أحد أهم المحكات التي يقاس بها تقدم المجتمع , حيث لا ينشأ الفن في فراغ , بل هو نتاج المجتمع بكل تفاعلاته واشتباكاته وصراعاته الدينيه والفكريه والمجتمعية والسياسية , وتعد الحرية أهم ضمانة لنو وتقدم الفنون والتي بدونها يتخلف الفن وبالتالي المجتمع , حيث سيطرة قوي واتجاهات وأفكار بالية من شأنها ازدرائه بل وانهياره, ولقد مورست علي الفن ضغوطات عديدة , منها ضغوطات فلسفية ودينية ومجتمعية ...الخ.
بل الاعجب من ذلك أن بعض عرابي الفن أنفسهم رسموا ووضعوا القيود علي أنفسهم , وكانهم استكثروا بعض نفحات الحرية التي تهب عليهم من ان لاخر , مع ايماني الشيد بالالتزام والمسؤلية المبنيه علي معرفتي بخطورة الفن واثاره ان ترك العبث واللااتزام , فالفن مسؤلية أولا .ويبحث الكتاب الذي بين ايدينا هذه الجزئية ويؤمن باطلاق يد المبد دون قيود أو حدود و حيث سقف الحرية مفتوح تماما , ويتكون الكتاب من فصول ستة , تتعرض للقيم الجماليةالمثالية لدي كانط
والقيم الجمالية المثالية لدي هيجل , وعرض لانواع الفنو المختلفة ومدارسها الرمزية والكلاسيكية والرومانتيكية , كما يتعرض الكتاب للقيم الجمالية والمادية والنزعة السوسيولوجية لدي بليخانوف و كما يعرض للفن بنزعتيه و الفن والمنفعة , والفن للفن , وجدلية الشكل والمضمون وصولا الي القيم المادية والتحرر الانساني عند تروتسكي, ودراسة ونقد المستقبلية وصراع التواصل /الانقطاع مع التراث , وكذلك يتعرض للمدرسة الكلية الروسية والبروليتاريا والفن الاشتراكي والواقعية في الفن ومدي مجابهتها للحداثة , ويستعرض رمضان الصباغ كل ذلك بشكل يكاد يكون محايد مع تفهمنا لميول الكاتب وتفضيلاته بالطبع , يعرض الكتاب قصة الصراع المرير بين الفن وقوي ظلامية مختلفة , وقدرته عي مجابهة الاحتواء منذ أفلاطون وأرسطو وتوما الاكويني وكانط وهيجل وسنتيانا وبليخانوف وحتي يومنا هذا , فلقد كان أفلاطون سلبيا تجاه الشعراء والفنانين , رغم شاعرية كتاباته وعظمة ابداعه , كما يري تولستوي أن الفن يصبح ساميا وعظيما حينما يعبر عن النظرة المسيحية وذوق الفلاحين البسطاء " الموجيك "!!, هكذا يلتق تولستوي مع قوي كثيرة تعتبر الفن خادما لشئ خارجه !أي أن الفن خادم للدين والمجتمع أو لافراد أو فئات معينة , اذا فعل ذلك فيكون فنا عظيما !! وعلي النقيض كان عمانويل كانط الذي ارتئي أن الفن غاية في ذاته , وقدم دراسات مستفيضة في الجمال مهدت الي استاطيقا القبح!أما هيجل , فتجاوز شكلية كانط فقدم نوعا من المثالية الموضوعية , فركز علي المضمون مقابل الشكل ,ورفض خدمة الفن لاي نسق خارجه سواء كان دينيا أو سياسيا أ او اجتماعيا , الا أن هيجل نفسه توصل _في النهاية _ الي رثاء الفن وتشييعه الي مثواه الاخير !, ويأتي بليخانوف المنظر الماركسي القديرمتأثرا باراء كانط , الجمالية , وان اختلف معه علي عدة أصعدة , وربط بين الفن والمضمون وأهمية الطبقات الاجتماعية متبعا خطي هيجل وماركس ,مرجحا الرؤية الاجتماعية علي الجماليات وذلك تناغما مع نظرته الطبقيةللفن .
أما ما أكد عليه الباحثون فكرتين, هما المحاكاة وانتاج شئ من لاشئ , وبذلك لم يكن الفن البدائي فنا بهذا المعني بل كان اقرب الي " الحرف اليدوية " و فكلمة فن اليونانية بمعادلها الاتيني arsلا تشير الي الفنون الجميلة كما نفهما ونعرفها اليوم fine arts انما تشير الي الحرفة craft, or science .ولقد تراوحت تعريفات الفن بين الجليل والجميل والفن للفن أم الفن للمنفعة ..وهنا يتسائل "جاريت " هل الاشياء الجميلة هي التي تشبع رغباتنا دائما بطريقة من الطرق ولم يتركنا نجيب بل أجاب هو بأن ليس كل الاشياء الجميلة تمنحنا الرضا وأن الاشياء التي تمنحنا الرضا ليس كلها جميلة !وكل مناسب ليس حتما أن يكون جميلا , وبالتالي فالفن منفصل عن القيم الجمالية والدينية ويصبح غاية في ذاته , في حين ربط جورج سانتيانا الفن بالمنفعة مؤخرا , أما بخصوص الجميل والجليل فان الكاتب يطوف بنا مع اراء ادموند بيرك الذي يقول بان الجليل يتصف بعدم التشكل والقوة والضخامة , اما الجميل فهو صغير نسبيا ناعم مشع متماسك بالخطوط المستقيمة , في حين يؤكد هيجل علي أن الجميل الفني أسمس من الجميل الطبيعي !, في استعراض للقيم المضادة أي القيم المادية والسسيولوجية لدي بليخانوف واراء الثوريين الروس , ثم تأكيد تشيرنفسكي علي أن الجمال حقيقة موضوعية وأنه شئ واقعي ومهمة الفن اعدة خلق الجمال ووأن الفن للمنفعة , في حين تحول بوشكين الي مدافع عن الفن للفن بعد تضيق الخناق عليه قائلا :_ ابتعدوا, وانصرفوا ,....هل يشترك الشاعر العظيم في خصلة واحدة معكم ؟!.
كما خرج كثيرون عن المألوف مثل فلوبير, وجوتير وبودلير الذين مجدوا الصف الثاني من الادباء والفنانين ووجدوا أن فناني الصف الاول ماهم الا من ذوي التأخر الذهني !!, كما يستعرض الكتاب اراء ’Marinetiالايطالي الذي أعلن بياتن المستقبلية الاول من خلال الفيجارو الفرنسية 1909والذي دعا من خلاله الي فن قائم علي الحركة والدينامية والتزامن وأن يكون الشعر حدسيا والتبرؤ من العقل وهجر النحو الاتيني ..الخ , كما افتقد لعناصر الحس الانساني وانتقدوا الكنيسة والشيوعية واعتبروها سلفية !!وفرق الشكليون بين لغة الشعر والحياة اليومية ونادوا بالتعدد ونفي الاحادية وكان علي رأسهم ايخنباوم والفن وسيلة و كما اتهم تروتسكي مدرسة شكلوفسكي وياكوبسن وجيرمونسكي بانها اختزلت عملها في مجرد التحليل الوصفي والشبه سكوني للاصول الاشتقاقية والنحوية للاعمال الشعرية وأحرف العلة والصوامت والمقاطع .....كما وقالت البروليتاريا بانالوجود الاجتماعي للانسان هو الذي يدد وعيه والذي بدوره يتحدد عن طريق الطبقة الاجتماعية التي ينتمي اليها حيث رأوا أن الاسلوب هو الطبقة the style is the class كما استعرض الكتاب واقعية ليزروف وصراعها مع الحداثة , والرؤية النتشوية بأن الانسان مسكون بديونيسيوس القوة اللاشخصية للشهوة والجنس الطبيعيتين في الانسان , مع استعراض لتيار مابعد الحداثة .
يمثل كتاب الفن والقيم الجمالية بين المثالية والمادية مرجعا هاما في علم الجمال لاغني عنه اقارئ أو لباحث أو لدارس أكاديمي , ويحمل بؤرة وعي للشاعر والفنان والاديب ...

الكتاب برقم ايداع 11837/2000
الناشر احدي الدور الخاصة بالاسكندرية
المؤلف / د. رمضان الصباغ



أعلى