منذ بدء الخليقة رافقت الحرب -وصنوها القتل- سيرة الإنسان، سواء في صدامه الأول مع أخيه: قصة مقتل هابيل بيد أخيه قابيل، كما جسدتها النصوص المقدسة، أو في صراعه الأول مع الوحوش الضارية التي تريد افتراسه، ويريد قنصها وقتلها، مرورا بقصص مطاردته الحيوانات الصغيرة التي يقتات عليها، ثم صراعه مع أبناء جنسه على مصادر المياه وموارد الغذاء وحدود الملكية. وكان توثيق المعارك بين الأفراد والجماعات يتم شفاهة، ثم تحول بعد آلاف السنوات إلى رسوم على الكهوف وثقت لصيده ولحربه مع الوحوش الضارية، كما وثقت لعدوه المجهول أيضاً. وكان قتل الحيوان للإنسان، أو العكس، أو صراع الإنسان مع جنسه، قد تداخل منذ البداية، وأكدت ذلك الأساطير والخرافات القديمة، وأظهرته الرسوم التي رسمها الإنسان القديم، إذ ظهر فيها مدى الرغبة الإنسانية في التدوين الصوري للصراع الإنساني. ومن هنا تكمن أهمية توثيق الصراعات مع إضافة البعد الأسطوري لها لتعزيز روح الجماعة الواحدة- لاشعورياً- لمواجهة تحديات المجهول المستقبلية. لذا وثقت معظم الأساطير الإنسانية مثل “إلياذة” هوميروس وأشعار فرجيل، حالة الحرب، وهي من أشهر أساطير الحرب الإنسانية على الإطلاق، وأثبتت أن البشرية تحتاج – فيما يبدو- إلى ذكريات الحرب المؤلمة لجلد ذاتها العدوانية دائماً، ومن هنا فإن أدب الحرب هو من أقدم أشكال التعبير الإنساني إذا ما قورن بصنوف كتابية أخرى.
للعالم الغربي فضل كبير في تقديم أعمال أدبية عظيمة وكثيرة تتناول الصراع الإنساني وظاهرة الحرب. ومن بين هذه الأعمال رواية “الحرب والسلام” لتولستوي و”وداعاً أيها السلاح” لهيمنغواي و”دروب الحرية” لسارتر و”الدون الهادىء” لشولوخوف و”أفول القمر” لشتاينبك. كما قدم الكاتب اليوناني الكبير نيكولاس كازانتزاكس، المولود في جزيرة كريت، في البحر المتوسط، روايتيه “كابتن ميخايليس” و”الحرية أو الموت”، وهما تستعرضان رغبة السكان المحليين في كريت في التحرر من الاحتلال في العام 1889، وكفاح الشعب اليوناني للحصول على حريته. وقدم لنا الكاتب اليوغوسلافي إيفو أندريتش روايته العظيمة “جسر على نهر درينا”، التي حازت جائزة نوبل للآداب في العام 1961، وتتناول الصراعات التاريخية التي مرت على منطقة البلقان أثناء الاحتلال العثماني ثم النمساوي لها، خاصة المناطق التي تقع شمال سراييفو في البوسنة على الحدود مع صربيا، وتأثير هذا الاحتلال عليها، مع رصد لصراعات الأديان والوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتحولات منظومة تفكير الناس وقيمهم مع مضي الزمن من خلال الجسر الذي ربط الماضي بالحاضر، ووصل بين الصربيين والبوسنيين، فشهد على مر العصور خلافاتهم العرقية والوطنية والدينية.
وعندما نأتي إلى استعراض نتاج عالمنا العربي لاسيما المصري من أدب الحرب والمعارك الكبرى في العصر الحديث، قد نظلمه ظلماً بيناً إذا ما قارناه بالأعمال الكبرى في الآداب الأجنبية، ويرجع هذا في ظني إلى أن أدباءنا الكبار أمثال نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ويحي حقي لم يتطرقوا إلى الحرب في أعمالهم، ولم تظهر للحرب أصداء في سطورهم إلا كخلفية باهتة، بالكاد، في بعض أعمال نجيب محفوظ (كما في زقاق المدق وخان الخليلي)، عندما يمر على الحرب العالمية الثانية من خلال تأثيرها على الحارة المصرية التي بدأت تشاهد المحتل الإنجليزي يستعين بحلفائه من جنود أستراليا في ضبط الشارع المصري. وحتى الحروب التي خاضتها مصر بعد ثورة تموز/ يوليو 1952، لم يكن لها صدى كبير في روايات أو أعمال فنية، إنما ظهرت في صور مقالات قصيرة. وربما يعود ذلك إلى أن الحكام لا يرضون بغير صورة المقاتل العربي الأسطوري الذي لا يضعف ولا يبكي ولا يفر من الميدان، فآثر كثير من المؤلفين البعد عن الكتابة في موضوعات الحرب التي لا تؤنسن المقاتل، أو تقدم صوراً مزيفة عنه…
كذلك كانت حروب العرب حروباً إقليمية بعيدة بعض الشيء عن المدن بخلاف الحروب الأوروبية التي كانت تؤثر في العالم كله، جنوده ومدنييه، وتغري بالكتابة والتسجيل. كما أن الظروف التي عاشتها المنطقة بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، مثل توقيع اتفاقية كامب دافيد ومعاهدة السلام والانفتاح، سلبت كثيراً من تأثير هذه الحرب، وجعلتها حرباً مجهضة ونصرها منتقص، رغم أن هناك أعمالاً جيدة عبرت عنها مثل رواية “الرفاعي” لجمال الغيطاني، و”الحرب في مصر” ليوسف القعيد، و”لسان يهاجر شرقاً” للسيد نجم، و”المرض” لحنا مينا و”رفقة السلام والقدر” لمبارك ربيع.
لكن من الممكن اعتبار أعمال الروائي فؤاد حجازي بمثابة توثيق دقيق لوقائع الحرب في الشرق الأوسط خاصة روايته الشهيرة “الأسرى يقيمون المتاريس” التي تتناول تجربته الشخصية في معسكر الأسرى في “عتليت” ثم مجموعته القصصية الهامة “سلامات” التي صدرت عام 1969 وكانت أول مجموعة قصصية تحتوي على موضوع واحد هو الحرب، يليها رواية “المحاصرون” التي تتناول كفاح الجيش المصري أثناء حرب الاستنزاف، وأخيراً رواية “الرقص على طبول مصرية” التي تتناول باستفاضة حرب أكتوبر. ولهذا الأديب الرائع المقاتل كتيب صغير أصدره عقب أحداث 25 كانون الثاني/يناير2011 ، يتضمن شهادات موثقة عن بوادر الثورة وفعاليتها ويومياتها في مدينة المنصورة، تؤكد لنا أن قدرته على الرصد والتحليل مازالت في أوج قوتها كما كانت قدرته على الصمود والمقاومة والحرب وتسجيل وقائع القتال..
ولفؤاد حجازي أيضاً رواية أخرى بعنوان “رجال وحبال ورصاص” وهي تتناول المشاركة المصرية العسكرية في حرب اليمن، وهي رواية كاشفة للتيارات التي بالخطاب الديني للسيطرة. كما قدمت هذه الرواية صورة صادقة صادمة عن أحوال اليمنيين في ظل حكم الإمام بدر. وللأسف هذه الرواية لم تنل حظها من الانتشار لأن حرب اليمن كانت حرباً عربية عربية، وربما اعتبرها البعض شأناً داخلياً.
ورغم أن للروائي يوسف القعيد أربع روايات عن الحرب وهي “الحداد” و”أخبار عزبة المنيسي” و”في الأسبوع سبعة أيام” و”الحرب في برمصر”.. غير أن روايات القعيد تختلف اختلافاً تاماً عن روح كتابات فؤاد حجازي.. فروايات حجازي روايات مقاتل شارك في الحرب يرصد بدقة احوالها ووقائعها، بينما روايات القعيد مكتوبة بشكل شهادة عن الحرب لا مشاركة فيها، كما أنها تعكس ظلال الهزيمة على الشعب المصري ثم تتعرض لملامح الانتصار بشكل دعائي.
للعالم الغربي فضل كبير في تقديم أعمال أدبية عظيمة وكثيرة تتناول الصراع الإنساني وظاهرة الحرب. ومن بين هذه الأعمال رواية “الحرب والسلام” لتولستوي و”وداعاً أيها السلاح” لهيمنغواي و”دروب الحرية” لسارتر و”الدون الهادىء” لشولوخوف و”أفول القمر” لشتاينبك. كما قدم الكاتب اليوناني الكبير نيكولاس كازانتزاكس، المولود في جزيرة كريت، في البحر المتوسط، روايتيه “كابتن ميخايليس” و”الحرية أو الموت”، وهما تستعرضان رغبة السكان المحليين في كريت في التحرر من الاحتلال في العام 1889، وكفاح الشعب اليوناني للحصول على حريته. وقدم لنا الكاتب اليوغوسلافي إيفو أندريتش روايته العظيمة “جسر على نهر درينا”، التي حازت جائزة نوبل للآداب في العام 1961، وتتناول الصراعات التاريخية التي مرت على منطقة البلقان أثناء الاحتلال العثماني ثم النمساوي لها، خاصة المناطق التي تقع شمال سراييفو في البوسنة على الحدود مع صربيا، وتأثير هذا الاحتلال عليها، مع رصد لصراعات الأديان والوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي وتحولات منظومة تفكير الناس وقيمهم مع مضي الزمن من خلال الجسر الذي ربط الماضي بالحاضر، ووصل بين الصربيين والبوسنيين، فشهد على مر العصور خلافاتهم العرقية والوطنية والدينية.
وعندما نأتي إلى استعراض نتاج عالمنا العربي لاسيما المصري من أدب الحرب والمعارك الكبرى في العصر الحديث، قد نظلمه ظلماً بيناً إذا ما قارناه بالأعمال الكبرى في الآداب الأجنبية، ويرجع هذا في ظني إلى أن أدباءنا الكبار أمثال نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم ويوسف إدريس ويحي حقي لم يتطرقوا إلى الحرب في أعمالهم، ولم تظهر للحرب أصداء في سطورهم إلا كخلفية باهتة، بالكاد، في بعض أعمال نجيب محفوظ (كما في زقاق المدق وخان الخليلي)، عندما يمر على الحرب العالمية الثانية من خلال تأثيرها على الحارة المصرية التي بدأت تشاهد المحتل الإنجليزي يستعين بحلفائه من جنود أستراليا في ضبط الشارع المصري. وحتى الحروب التي خاضتها مصر بعد ثورة تموز/ يوليو 1952، لم يكن لها صدى كبير في روايات أو أعمال فنية، إنما ظهرت في صور مقالات قصيرة. وربما يعود ذلك إلى أن الحكام لا يرضون بغير صورة المقاتل العربي الأسطوري الذي لا يضعف ولا يبكي ولا يفر من الميدان، فآثر كثير من المؤلفين البعد عن الكتابة في موضوعات الحرب التي لا تؤنسن المقاتل، أو تقدم صوراً مزيفة عنه…
كذلك كانت حروب العرب حروباً إقليمية بعيدة بعض الشيء عن المدن بخلاف الحروب الأوروبية التي كانت تؤثر في العالم كله، جنوده ومدنييه، وتغري بالكتابة والتسجيل. كما أن الظروف التي عاشتها المنطقة بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، مثل توقيع اتفاقية كامب دافيد ومعاهدة السلام والانفتاح، سلبت كثيراً من تأثير هذه الحرب، وجعلتها حرباً مجهضة ونصرها منتقص، رغم أن هناك أعمالاً جيدة عبرت عنها مثل رواية “الرفاعي” لجمال الغيطاني، و”الحرب في مصر” ليوسف القعيد، و”لسان يهاجر شرقاً” للسيد نجم، و”المرض” لحنا مينا و”رفقة السلام والقدر” لمبارك ربيع.
لكن من الممكن اعتبار أعمال الروائي فؤاد حجازي بمثابة توثيق دقيق لوقائع الحرب في الشرق الأوسط خاصة روايته الشهيرة “الأسرى يقيمون المتاريس” التي تتناول تجربته الشخصية في معسكر الأسرى في “عتليت” ثم مجموعته القصصية الهامة “سلامات” التي صدرت عام 1969 وكانت أول مجموعة قصصية تحتوي على موضوع واحد هو الحرب، يليها رواية “المحاصرون” التي تتناول كفاح الجيش المصري أثناء حرب الاستنزاف، وأخيراً رواية “الرقص على طبول مصرية” التي تتناول باستفاضة حرب أكتوبر. ولهذا الأديب الرائع المقاتل كتيب صغير أصدره عقب أحداث 25 كانون الثاني/يناير2011 ، يتضمن شهادات موثقة عن بوادر الثورة وفعاليتها ويومياتها في مدينة المنصورة، تؤكد لنا أن قدرته على الرصد والتحليل مازالت في أوج قوتها كما كانت قدرته على الصمود والمقاومة والحرب وتسجيل وقائع القتال..
ولفؤاد حجازي أيضاً رواية أخرى بعنوان “رجال وحبال ورصاص” وهي تتناول المشاركة المصرية العسكرية في حرب اليمن، وهي رواية كاشفة للتيارات التي بالخطاب الديني للسيطرة. كما قدمت هذه الرواية صورة صادقة صادمة عن أحوال اليمنيين في ظل حكم الإمام بدر. وللأسف هذه الرواية لم تنل حظها من الانتشار لأن حرب اليمن كانت حرباً عربية عربية، وربما اعتبرها البعض شأناً داخلياً.
ورغم أن للروائي يوسف القعيد أربع روايات عن الحرب وهي “الحداد” و”أخبار عزبة المنيسي” و”في الأسبوع سبعة أيام” و”الحرب في برمصر”.. غير أن روايات القعيد تختلف اختلافاً تاماً عن روح كتابات فؤاد حجازي.. فروايات حجازي روايات مقاتل شارك في الحرب يرصد بدقة احوالها ووقائعها، بينما روايات القعيد مكتوبة بشكل شهادة عن الحرب لا مشاركة فيها، كما أنها تعكس ظلال الهزيمة على الشعب المصري ثم تتعرض لملامح الانتصار بشكل دعائي.