محمد السلاموني - الثقافة والمعرفة الآن...

على الرغم من تماهى الحدود بين الثقافة والمعرفة، إلاَّ إن الفارق بينهما كما يبدو- لى على الأقل، من منظور أنثروبولوجى- يكمن فى كون "الثقافة" هى المواد المعطاة لنا، تلك التى يكتظ بها الحيز الإجتماعى، وبذا فهى ما نحياه ونتعاطى به ومعه فى إطار ممارساتنا الحياتية الفعلية، دون أن نعى دلالته ومغزاه بالضرورة... أما "المعرفة" فهى ما يمكن للوعى- جماعى، فردى- أن يتحَصَّل عليه ويمسك به، كمقاربة لما هو ثقافى معاش، وبذا فالمعرفة ليست مجانية، المعرفة هى الجهد المبذول فى إدراك وفهم "الموضوع الثقافى" .

// نخلص من هذا إلى أن "المعرفة" هى الضوء الذى نستدل به بينما نقطع الطريق فى ظلمات الواقع الثقافى اليومى .
الثقافة "كمواد متنوعة" تتغيَّر تبعا لتغيُّر السياق التاريخى الذى نحيا فى إطاره مما يستوجب تغيير المعرفة ذاتها "بما هى استراتيجيات نتفاعل بها مع المستجدات"- ذلك أن المواد الثقافية ليست صامتة، وليست خاوية، بل تحمل فى طياتها معانى ودلالات متعددة الكثافات، ومن هنا يتأتى "التهديد" الذى تمثله؛ ومن البدهى أن "التغيير" الذى تنطوى عليه إن لم يكن متسقا مع الأهداف الإنسانية والإجتماعية الخاصة بالمجتمع، فسوف يُحدث نوعا من الفوضى العارمة فى الأنساق الثقافية الخاصة بذلك المجتمع، وهو ما ينعكس على المجتمع ككل بالسلب .
الآن، نحن نعرف أن العالم تغيَّر تماما عن ذى قبل، وعندما نتوقف لنسأل أنفسنا: ما الذى تغيَّر فى العالم بالضبط ؟، فهذا يعنى أننا بدأنا ننتبه إلى أن هناك "مشكلة جديدة" تعترض طريقنا وعلينا مواجهتها .
وضع الواقع الجديد فى صيغة "سؤال- مشكلة"، يعنى أننا شرعنا بالبحث "المعرفى" فى طبيعة المتغيِّرات التى اجتاحت حياتنا. وهو ما يعنى أننا صرنا نتساءل: [ما الحاضر؟] .
كى نجيب عن سؤال "ما الحاضر؟"، سنجد أنفسنا مباشرة أمام مقارنة بين ما نحياه "هنا والآن"، وبين ما كنا نحياه "هناك- فى الماضى" .
وفى ثنايا البحث، سنكتشف أن علينا بتجديد أدواتنا المعرفية: المفاهيم، والمناهج. والمرجعيات.. إلخ، ليتسنى لنا تقديم مقاربة جادة وموضوعية لظواهر الواقع الجديد .
الموطن العادى:
ما موقع المواطن العادى من كل هذا؟.
ليس المواطن العادى بمنأى عما يحدث، بل ولم يكن يوما بمنأى عما يحدث، لكنه فيما مضى كان يحظى برعاية الدولة القومية القوية، وكانت تلك الدولة تمدَّه بـ "المعنى" الذى "عليه" أن يحيا به؛ من خلال مؤسساتها المعرفية... أما الآن فقد صارت الدولة عاجزة عن القيام بذلك الدور، نظرا لتحوُّل "المكان الجغرافى- الذى كانت تبسط فيه هيمنتها على المجتمع" إلى "فضاء كونى مفتوح"... كنتيجة للملتيميديا الجديدة.
من هنا تحتَّم على المواطن العادى القيام بإنتاج المعنى اللازم لحياته بنفسه لنفسه...
وفى تقديرى، أن السياق التاريخى والحضارى المعاصر، بقدر ما ألقى بنا فى خِضَم "مشكلة المعنى"، إلاَّ إنه أتاح للمثقف ما لم يُتَح له من قبل أبدا، من حيث إمكانية التواصل المباشر مع الجماهير من خلال وسائل التواصل الإجتماعى.
الدور المنوط بالمثقف القيام به فى إنتاج المعنى اللازم للمجتمع، بقدر حتميَّته، إلاَّ إنه يفتقر إلى "الرؤية المعرفية المتجانسة" المرتبطة بظواهر الواقع الجديد- أعنى أن تلك الرؤية تعانى من عدم الإتساق مع نفسها، من ناحية، ومن عدم الإتفاق عليها بين المثقفين، من ناحية أخرى .
الحل:
ليس هنالك من حل سوى بالحوار المجتمعى، وبمواصلة هذا الحوار فى حضرة الجماهير، فى الفضاءات المفتوحة...
ذلك أن أحدا بمفرده لا يمتلك الحل .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى