رشا الفوال - آليات كبت الألم في مجموعة الأحمر للكاتبة :مرفت يس.. قراءة أدبية من منظور نفسي

مقدمة:

على افتراض أن (العنف) يُعد تعبيرًا صريحًا عن (العداء) الذي يتراوح بين (القهر) المادي و(الإيذاء) المعنوي؛ فالعداء أكثر أشكال العدوان تطرفًا(1)، ولأن (التحليل النفسي) للظاهرة الأدبية يعتبر”المعنى بنية رمزية”(2)، نتناول في القراءة الحالية لمجموعة “الأحمر” القصصية الصادرة عام2020م، عن دار نشر: كيميت، للكاتبة: ميرفت ياسين، دوافع (الصراع) التي تتعرض له المرأة، في سبيل العثور على حقيقة (الذات) المحكوم عليها بالخضوع للأوامر، هذا من ناحية و(آليات التعايش) مع القهر وكبت الألم من ناحية أخرى؛ فالكشف عن طبيعة الصراع من أهم مرتكزات مدرسة التحليل النفسي التي استطاعت أن”تفسر كيف أن جبل الجليد الذي لا تظهر سوى قمته على سطح المحيط إنما الجزء الأكبر منه في القاع باعتبار”قمة الجبل هى (الشعور) وباقي الجبل الذي يختفي في القاع هو (اللاشعور)”(3)

أولًا: دوائر القهر والصراع مع الآخر

لأن”دراسة الفرد تتم من خلال فهم ارتباطه بغيره من الأفراد”(4)؛ فــــ(العنف) يعتبر صورة من صور(القهر) الإنساني، ذلك أن هناك ثلاثة مصادر للسلوك العنيف في المجتمع تتمثل في: تأثير الأسرة، والثقافة الفرعية، والإقتداء بالنموذج(5)، جاءت قصص المجموعة معبرة عن ذلك(العنف) الذي يدل على أى فعل يقوم على أساس(النوع) ويؤدي إلى أذى بدني أو جنسي أو نفسي كما في قصة“لماذا” التي تقول بطلتها عن أمها الحزينة دائمًا: “أحيانا يناديها والدي فتدخل غرفته لدقائق معدودة وتخرج مسرعة إلى الحمام، أستمع لبكائها الذي لم يحجبه عن سمعي صوت انهمار المياه على جسدها”، بما في ذلك(التهديد) و(الإجبار) أو(الحرمان من الحرية) كما في قصة“فراغ” حين تقول بطلتها”تجلس أمامه على سجادة عتيقة، في حجرة الجلوس التي اشتراها والدها دون أخذ رأيها كباقي الجهاز” أو (الختان)، كما في قصة“ملامح في مرآة الانكسار”؛ فتقول البطلة عن أمها”وكأنها تنسى أنها امرأة تتعامل بعدائية معي، جلبت حلاق الصحة ليقتص جزء مني بمشرط” لنعرف أن(للقهر دوائر متصلة)، نصل من خلال ذلك إلى جدلية (الإحباط/ العدوان) إذا افترضنا أن (الإحباط) هو الدافع الأول للعدوان من حيث إمكانية(تحويله إلى قوة)(6)؛ حيث أن (الإحباط) في هذة الحال يولد طاقات في النفس من الضروري أن تخفف بأسلوب ما حتى يشعر الإنسان بالراحة، لذلك برعت الكاتبة في كشف بواطن شخصياتها من حيث القدرة على التمرد أحيانًا والميل إلى الطاعة القهرية والخضوع في كثير من الأحيان، وهو الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن الكيفية التي يتعايش بها (المقهور) والآليات التي يتبعها في سبيل ذلك

ثانيًا: إنكار الذات وبؤرة التحمل

على افتراض أن الناس قد لا يضطربون بسبب الأحداث ولكن بسبب وجهات نظرهم التي يتخذونها بصدد هذة الأحداث(7)؛ فمن(المنظور المعرفي) نجد أن تأثر الإنسان بالإساءة يتوقف على تفسيره وتخيله وتذكره لهذة الإساءة، كما أن(إدراك) المرأة بوجه خاص للعنف يتوقف على(المخاوف) الناتجة عن الخبرات المؤلمة، و(المعتقدات) الخاطئة ونقص(الدعم الإجتماعي)، أو أن يكون لديها مفهوم عن(الذات) من خلال منظورين متقابلين(أبطال/ مغفلات) ففي قصة “تمرد” لجأت البطلة إلى (الخيال) هروبًا من الواقع، ربما يرجع ذلك لــ(إنكار الذات)، أو لكونها تتحمل العنف من أجل أطفالها كما في قصة “لماذا” حين تقول البطلة عن أمها المعنفة ”دائما تبكي حتى عندما تأخذني إلى جدي، فيأمرها أن تعود بي إلى المنزل”، (العنف) كأسلوب حياة هُنا يدفعنا للنظر في (استراتيجيات التحمل) من خلال العامل الأول: (الإقتراب/ الإجتناب) الذي يمثل (بؤرة التحمل)؛ اعتمادًا على ميكانيزم (الإنكار)، مع ملاحظة أن المرأة التي تتعرض للعنف لديها سمات تجعلها أكثر استهدافًا له؛ لأن(العنف) يحقق لها الرغبة في إشباع حاجتها إلى (المازوخية) كما في قصة “مراوغة” فتحدثنا البطلة عن الزوج الذي يرمقها بنظرة تملؤها الشهوة ”التي يعقبها دخولها للغرفة المظلمة”، والعامل الثاني: الخاص بالجانب (المعرفي/ السلوكي) الذي يمثل (طريقة التحمل)(8)، التي تعتمد على (رؤية نصف الكوب الممتلىء) كما في قصة “لامبالاة”، ولأن المجتمعات الشرقية تسير نحو النضج بخطى متعثرة انعكست سمات التغيير على المرأة(9)؛ لذلك يمكننا النظر إلى (التعايش) مع (العنف) من خلال (البعد الإجتماعي للقهر)، والذي تجلى في قصة “هرمون” حيث قولبة عقل الطفلة وإحكام غطاء الرأس فتصبح نسخة مكررة من أمها، وقصة “حلم ضائع” القائمة على فكرة الإجبار

خاتمة:

بما أن(القراءة النفسية) للأدب ينصب اهتمامها على”الدلالات الباطنية للعمل الأدبي الذي قد يتأثر بالعقل الباطن للكاتب أكثر من تأثره بالعقل الواعي”(10)؛ فصورة المرأة في قصص مجموعة“الأحمر” تعد أداة فنية للتعبير عن أزمات البشر من خلال التعامل مع المشكلات العاطفية بوصفها مشكلات اجتماعية، ليس غريبًا إذًا أن تقدم لنا الكاتبة وصفًا دقيقًا لقهر المرأة حيث تسليط الضوء على(العنف الزواجي) فالزواج والإنتقال من سلطة رجل إلى سلطة رجل آخر يُعد من دوائر القهر المتصلة في قصص المجموعة؛ فمن الآثار النفسية للتعرض للقهر التي رصدتها الكاتبة في قصة“إغفاءة”(انخفاض الشعور بالقيمة)؛ فالعجز المكتسب يشمل الإكتئاب وعدم القدرة على إدارة أمور الحياة(11)، كما نجحت في سرد خصائص المرأة المعنفة نفسيًا والتي تتصف بــ (القلق العصابي) في قصة “من وراء ستار” و(الجمود) في قصة “تنويعات راقصة على جسد منهك” و(النزعة للخضوع) في قصة “لذة الألم” و(تهويل الأحداث) في قصة “على غير موعد” مرتكزة على عادات المجتمع وتقاليده الصارمة، كما أشارت إلى قضية (الحرية) التي تعد من أبرز المعوقات التي تواجه المرأة في قصة “عيد ميلاد”، وبما أن القبض على (اللحظات السيكولوجية) التي أنتجت قصص المجموعة أولت أهمية كبرى لموضوع (الصراع) وآلياته الناتجة عن (القهر) أو (التعارض) بين رغبة الإنسان في تحقيق ذاته والإستسلام لقيم المجتمع، كما في قصة “جدارية”، وقصة “نظرة”، وقصة “فتوة”، و(القمع)، في قصة “لذة الألم” و(الكبت(في قصة “طيف نورا”، و(التبرير) في قصة “ذات الجديلة”، و(التقهقر) في قصة “سراب” وصولا إلى حالة من (التسامي (في قصة“أيام” (12)؛ فتفسير ذلك يرجع إلى أن (الأثر الأدبي) إذا كان يجد تجانسه في الروح العاطفية السارية في بنياته؛ فالسيكولوجيا هي قبل كل شىء فهم لتلك الروح العاطفية”(13)

الهوامش:

1_ صفوت فرج، وحصة الناصر(1999)، “العنف ضد المرأة وعلاقته ببعض سمات الشخصية”، دراسات نفسية، مج9، ع3، صــ322
2_ مصطفى ناصف(1983)، “دراسة الأدب العربي”، ط3، دار الأندلس، لبنان، صــ131
3_ Derrida,J.(1978).Freud and the Scene of Writing. In Writing and Difference.(pp.196-231).Chicago:University of Chicago.press
4_ أحمد ابراهيم الهواري(1993)، “نقد الرواية في الأدب العربي”، د.ط، دار المعارف، صــ267
5_ Bandura, A(1977). Social Learning theory Englewood Ciff S,N.J: Prentice Hall Inc, P24
6_ Coleman, J.W. and Cressey, D.R.(1987). Domestic Violence and Sexual abuse, University Press.
7_ Ellis, A(1975): Rational_Emative Psychotherapy, in D, Bannister(Ed.) Issues and Approaches in The Psychological Therapies, P163
8_ Waldrop. A.E.& Resick, P, A(2004) Coping Among Adult Female. Victims of Domestic Violence. Journal of Family. Vol,19. 5, 291
9_ شكري عياد (1977)، “تجارب في الأدب والنقد”، دار الكتاب العربي، صــ373
10_ نبيل راغب(2003)، “موسوعة النظريات الأدبية”، ط1، الشركة المصرية العالمية للنشر، لونجمان، صــ355
11_ Umber Son, D. Ander Sonik, Glick, J.& Shapiro, A.(1998): Domestic Violence. Personal Control, and Gender. Journal of Marriage and The Famiky, 60, P467
12_ مصطفى سويف(1970)، “الأسس النفسية للإبداع الفني وتذوق الفنون الجميلة”، ط3، دار المعارف، صــ195
13_ حبيب مونس(د.ت)، “فلسفة القراءة وإشكالية المعنى”، دار الغرب، وهران، الجزائر، صــ158






تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى