زعم بعض المؤرخين أن القضاء الإسلامي يجري منذ ظهوره على أن قضاء القاضي لا يستأنف، ولا يعاد النظر فيما قضي به أمام هيئة أخرى، وهذا زعم لا سند له من التاريخ، بل ما جرى عليه العمل في عهد الرسول ﷺ يدحض هذا وبكذبه، فقد أجاز النبي ﷺ استئناف وإعادة النظر فيه أمام الجهة المختصة بذلك، والقضية التي كانت مبدأ في جواز استئناف الأحكام القضائية هي القضية التي حكم فيها الإمام عليّ رضي الله عنه في اليمن، وتعرف باسم قضية (الزُبية).
فقد تدافع الناس عند زُبية(1) الأسد التي وقع فيها وترتب على هذا التدافع والتزاحم أن سقط في حفرة الأسد أربعة من الناس، كان أولهم من أثر التزاحم، أما الباقون فقد تعلقوا ببعضهم البعض فقد سقط الأول فتعلق بالذي يليه، وتعلق آخر بآخر حتى خرَّ الأربعة فجرحهم الأسد، فمنهم من مات في الزبية، ومنهم من مات متأثرا بجراحه بهد خروجه من الزبية وماتوا جميعا، وكادت القبائل تقتتل لسبب اختلافهم في تحديد المسئولية في الحادث والدية المترتبة على ذلك لمن وقع في الزبية.
وحسم عليّ رضي الله عنه بقضائه في هذا النزاع الذي كان بينهم، قال لهم: تريدون أن تقتلوا أنفسكم ورسول الله حي، وأنا إلى جنبكم، إني قاض بينكم بقضاء فإن رضيتموه فهو نافذ بينكم، وإن لم ترضوه فهو حاجز بينكم، فمن جاوزه فلا حق له حتى يأتي رسول الله ﷺ فهو أعلم بالقضاء منِّي، فرضوا بذلك فأمرتهم أن يجمعوا دية تامة من الذين شهدوا البداء (2) ونصف دية وثلث دية، وربع دية، قضيتُ أن يعطى الأسفل ربع دية من أجل أن هناك فوقه ثلاثة، ويعطى الذي يليه الثلث من أجل أنه فوقه اثنان، ويعطى الذي يليه النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد، ويعطى الأعلى الذي لم يهلك فوقه أحد الدية.
فمنهم من رضي، ومنهم من كره، فقلت: تمسكوا بقضائي حتى تأتوا رسول الله ﷺ ليقضي بينكم، فوافقوا رسول الله بالموسم، فلما قضى الصلاة جلس عند مقام إبراهيم فساروا إليه فحدثوه بحديثهم، فاحتَبَى(3) بُبرد عليه وقال: إني أقضي بينكم إن شاء الله، فقال رجل من أقصى القوم: إن عليًا بن أبي طالب ثد قضى بيننا باليمن، فقال: وما هو؟ فقصوا عليه القصة، فأجاز رسول الله ﷺ القضاء كما قضيت بينهم (4).
وبذلك يكون رسول الله ﷺ في هذا القضاء الثاني كمحكمة درجة ثانية، قد نظر الدعوى التي سبق أن فصَل فيها الإمام عليّ رضى الله عنه كمحكمة أول درجة، وأيد الحكم، وهو ما يؤخذ منه أن للقضاء أن يعيد النظر فيما تم الفصل فيه من جهة قضائية أعلى متى استؤنف الحكم أمامها.
-------------------------------------------
(1) الزُبْيَةً حفرة تحفر لِصَيْدِ الأَسَدِ: أو حُفْرَةُ يُغَطَّى رَأْسُها لِصَيْدِ الأَسَدِ أَوْ كُلُّ حَيَوانٍ مُفْتَرِسٍ للإيقاعِ بِه.
(2) البداء: معناه الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى: "وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ" أي ظهر. الزمر: 47.
(3) احتَبَى: جلس ضامًّا فخذَيْه وساقَيْه إلى بطنه بذراعَيه.
(4) أخبار القضاة لوكيع جزء 1 صـ 95 ومسند أحمد (قضاء عليّ). مشار إليه في السلطة القضائية ونظام القضاء في الإسلام للدكتور نصر فريد واصل. المكتبة التوفيقية صـ 51 وما بعدها.
فقد تدافع الناس عند زُبية(1) الأسد التي وقع فيها وترتب على هذا التدافع والتزاحم أن سقط في حفرة الأسد أربعة من الناس، كان أولهم من أثر التزاحم، أما الباقون فقد تعلقوا ببعضهم البعض فقد سقط الأول فتعلق بالذي يليه، وتعلق آخر بآخر حتى خرَّ الأربعة فجرحهم الأسد، فمنهم من مات في الزبية، ومنهم من مات متأثرا بجراحه بهد خروجه من الزبية وماتوا جميعا، وكادت القبائل تقتتل لسبب اختلافهم في تحديد المسئولية في الحادث والدية المترتبة على ذلك لمن وقع في الزبية.
وحسم عليّ رضي الله عنه بقضائه في هذا النزاع الذي كان بينهم، قال لهم: تريدون أن تقتلوا أنفسكم ورسول الله حي، وأنا إلى جنبكم، إني قاض بينكم بقضاء فإن رضيتموه فهو نافذ بينكم، وإن لم ترضوه فهو حاجز بينكم، فمن جاوزه فلا حق له حتى يأتي رسول الله ﷺ فهو أعلم بالقضاء منِّي، فرضوا بذلك فأمرتهم أن يجمعوا دية تامة من الذين شهدوا البداء (2) ونصف دية وثلث دية، وربع دية، قضيتُ أن يعطى الأسفل ربع دية من أجل أن هناك فوقه ثلاثة، ويعطى الذي يليه الثلث من أجل أنه فوقه اثنان، ويعطى الذي يليه النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد، ويعطى الأعلى الذي لم يهلك فوقه أحد الدية.
فمنهم من رضي، ومنهم من كره، فقلت: تمسكوا بقضائي حتى تأتوا رسول الله ﷺ ليقضي بينكم، فوافقوا رسول الله بالموسم، فلما قضى الصلاة جلس عند مقام إبراهيم فساروا إليه فحدثوه بحديثهم، فاحتَبَى(3) بُبرد عليه وقال: إني أقضي بينكم إن شاء الله، فقال رجل من أقصى القوم: إن عليًا بن أبي طالب ثد قضى بيننا باليمن، فقال: وما هو؟ فقصوا عليه القصة، فأجاز رسول الله ﷺ القضاء كما قضيت بينهم (4).
وبذلك يكون رسول الله ﷺ في هذا القضاء الثاني كمحكمة درجة ثانية، قد نظر الدعوى التي سبق أن فصَل فيها الإمام عليّ رضى الله عنه كمحكمة أول درجة، وأيد الحكم، وهو ما يؤخذ منه أن للقضاء أن يعيد النظر فيما تم الفصل فيه من جهة قضائية أعلى متى استؤنف الحكم أمامها.
-------------------------------------------
(1) الزُبْيَةً حفرة تحفر لِصَيْدِ الأَسَدِ: أو حُفْرَةُ يُغَطَّى رَأْسُها لِصَيْدِ الأَسَدِ أَوْ كُلُّ حَيَوانٍ مُفْتَرِسٍ للإيقاعِ بِه.
(2) البداء: معناه الظهور بعد الخفاء، كما في قوله تعالى: "وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ" أي ظهر. الزمر: 47.
(3) احتَبَى: جلس ضامًّا فخذَيْه وساقَيْه إلى بطنه بذراعَيه.
(4) أخبار القضاة لوكيع جزء 1 صـ 95 ومسند أحمد (قضاء عليّ). مشار إليه في السلطة القضائية ونظام القضاء في الإسلام للدكتور نصر فريد واصل. المكتبة التوفيقية صـ 51 وما بعدها.
بهاء المري
بهاء المري is on Facebook. Join Facebook to connect with بهاء المري and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.
www.facebook.com