سعيد الشحات - ذات يوم.. 14 أكتوبر 1994 محاولة فاشلة لاغتيال نجيب محفوظ ينفذها إرهابى «نقاش» بغرس سكين فى رقبة «أديب نوبل» تنفيذا لفتاوى ضالة من «الجم

ذات يوم.. 14 أكتوبر 1994

محاولة فاشلة لاغتيال نجيب محفوظ ينفذها إرهابى «نقاش» بغرس سكين فى رقبة «أديب نوبل» تنفيذا لفتاوى ضالة من «الجماعة الإسلامية الإرهابية»

كانت الساعة الخامسة مساء الجمعة، 14 أكتوبر، مثل هذا اليوم، من عام 1994، حينما كان أديب نوبل الكاتب الروائى نجيب محفوظ يستعد للذهاب إلى ندوته الأسبوعية فى كازينو «قصر النيل»، وأمام المنزل «172 شارع النيل - العجوزة» كان صديقه الطبيب البيطرى «فتحى هاشم» يقف فى انتظاره لينقله بسيارته إلى مكان الندوة.
جلس «أديب نوبل» فى المقعد الأمامى للسيارة، واستدار الدكتور فتحى هاشم ناحية الباب الآخر للسيارة، وأثناء ذلك اقترب أحد الأشخاص من نجيب محفوظ، فظن الكاتب الكبير أنه واحد من القراء المعجبين به جاء ليصافحه كما اعتاد على ذلك، وخاصة منذ حصوله على جائزة نوبل للآداب «13 أكتوبر 1988».
باغت الشخص الغريب نجيب محفوظ، واستل مطواة وطعنه بها فى رقبته محدثا جرحا غائرا ولاذ بالفرار، حسبما جاء فى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» للكاتب الناقد «رجاء النقاش».. يذكر الكتاب تفاصيل الجريمة، مؤكدا أنه حدث ارتباك شديد فى المكان مما أدى إلى تضارب فى سرد واقعة هروب المجرم الذى استغل حالة الارتباك، وفر على قدميه ليلتقى بباقى المجموعة الإرهابية فى مكان قريب من بيت نجيب محفوظ، ولم يتمكن الطبيب فتحى هاشم من ملاحقة المجرم لانشغاله بإسعاف الأديب الكبير ونقله إلى مستشفى الشرطة المجاور لمسكن «محفوظ»، وفى المستشفى بذل الأطباء جهودهم لوقف النزيف الحاد الناتج عن الإصابة، التى أحدثت تهتكا فى عضلات الرقبة من الجهة اليمنى.
اهتزت الرأى العام المصرى والعالمى لهذا الحادث الإرهابى الإجرامى، وفى اليوم التالى لوقوعه أعلنت وزارة الداخلية أن مباحث أمن الدولة نجحت فى القبض على اثنين من الإرهابيين المشتبه فى ارتكابهما لجريمة الاعتداء على نجيب محفوظ، بينما لقى اثنان آخران مصرعهما فى اشتباك مع الشرطة داخل وكر للإرهابيين بمنطقة عين شمس شرق القاهرة، وتبين أنهم ينتمون إلى الجناح العسكرى لتنظيم الجماعة الإسلامية الإرهابى.
كان الإرهابى «محمد ناجى مصطفى» ويعمل نقاشا، هو مرتكب الجريمة، وكشفت التحقيقات معه ومع زملائه أنهم خططوا لاختطاف الكاتب الكبير فى سيارة أجرة واحتجازه كرهينة داخل مكان لهم فى مدينة الخانكة «محافظة القليوبية»، مقابل الإفراج عن عدد من قياداتهم المحتجزين بالسجون، إلا أن تأخر المتهمين فى إحضار السيارة حال دون تنفيذ عملية الاختطاف، فتعجل «محمد ناجى» بطعن نجيب محفوظ كبديل عن عملية الاختطاف.
اللافت فى اعترافات المتهم أمام جهات التحقيق بالإضافة إلى حوار له مع صحيفة الأهرام بعد القبض عليه، تأكيده أنه ارتكب جريمته تنفيذا للفتاوى الصادر من قادة الجماعة الإسلامية بمصر بإهدار دم نجيب محفوظ، بحجة تعرضه للدين الإسلامى فى رواية «أولاد حارتنا»، وأنه لم يقرأ الرواية، ولكن تكليفا صدر بقتل مؤلفها بعد قيام الجماعة باغتيال الدكتور فرج فودة، وأضاف أنه ليس نادما على ما فعل، ولو قدر له الخروج من السجن فسيعيد ارتكاب المحاولة.
وقع الحادث فى أكتوبر 1994، لكن مقدماته كانت قبل هذا التاريخ بسنوات بإصدار التنظيمات الإرهابية فتاوى بإهدار دم «محفوظ» وتحديدا منذ إعلانه رفض فتوى الإمام «الخومينى» مرشد الثورة الإسلامية بإيران بإهدار دم الكاتب الهندى المقيم فى بريطانيا سليمان رشدى، لتأليفه راوية «آيات شيطانية» لما تحتويه من «كفر واضح ومساس بالإسلام»، وعلق محفوظ على ذلك بقوله فى جريدة الأخبار «18 فبراير 1989»: «محاربة الفكر لا تكون إلا بالفكر، وقد أُلفت المئات من الكتب ضد الإسلام طوال القرون الماضية، ورغم ذلك انتشر الإسلام وقويت شوكته، وذلك لأنه لا يمكن لكتاب مهما كان شأنه أن يهز عقيدة أو دينا».
استقبلت الجماعات الإرهابية هذا الكلام ونصبت نفسها وصية على الإسلام، فبدأت فى استثمار منابرها فى المساجد التى تسيطر عليها لبث سمومها، وأفتى الدكتور عمر عبدالرحمن «مفتى الجماعة الإسلامية» فى أكثر من خطبة له بمسجده فى الفيوم، بأن نجيب محفوظ «مرتد عن الإسلام»، كما قال فى حوار له بجريدة الأنباء الكويتية نشرته فى إبريل 1989: «من ناحية الحكم الإسلامى فسلمان رشدى ومثله نجيب محفوظ مرتدان، وكل من يتكلم عن الإسلام بسوء فهو مرتد، والحكم الشرعى أن يستتاب، فإن لم يتب قُتل، ولو نفذ هذا الحكم فى نجيب محفوظ عندما كتب «أولاد حارتنا» لتأدب «سلمان رشدى».
يؤكد رجاء النقاش فى كتابه «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»: «كانت الفتاوى جاهزة لإراقة دم الكاتب الكبير، ولا يبقى بعد ذلك أمام المتطرفين غير التنفيذ».

..................................................
سعيد الشحات-اليوم السابع



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى