يحق لكل امرأة أن تمتلك زنود ميشيل أوباما
هنا جملة فواصل من عالم الصحافة ونساء سجينات في "ستريوتايب" الجسد.
هنا قصاصات من جدلية العلاقة ما بين حرية المرأة و"جمالها" الذي تحدد مقاييسه مجلات ودور الأزياء والتجميل.
1
تقول الجريدة أن لكل امرأة الحق في أن يصبح لديها زنود جميلة ومغوية كمثل زنود ميشيل أوباما، السيدة الأمريكية- الأولى. ويبدو أن ميشيل أوباما تدرك جيداً الأهمية الاستثنائية التي لعضلاتها "السكسسية" لذلك فهي تلبس غالباً ثياباً بلا أكمام كي تكشف عن هذه الفتنة التي ليست هبة إلهية. لقد صارت عضلاتها مضرب المثل في المجتمع الامريكي والغربي-عداك عن أناقتها- وتهافتت النساء إلى مراكز التدريب والرشاقة لتحقيق هذا الحلم. إذا أردت سيدتي أن يصبح لديك نفس الزنود الجميلة عليك ببذل جهد لتحقيق ذلك. وإن لم يكن لديك المقدرة والوقت للتدريب تحت إشراف أستاذ(ة) مختصة في بناء الجسم، اذهبي واشتري بعض الأثقال التي ستساعدك على تطوير مقدراتك العضلية. ربع ساعة صباحا ومثلها مساء، ولكن انتهبي سيدتي أن تدوير الأثقال يجب أن يتم وفق خطة معينة كي لا تكون النتيجة مخيبة للآمال وتحصلي على غير النتيجة المرجوة.
تركت الصحيفة جانبا وفكرت بحل. بما أن ابني يشتغل مدربا رياضيا في مركز للرشاقة، قلت له أنني أنوي أن أذهب للتدريب في المركز، ففرح وقال: أخيراً؟ قلت: أريد أن تصبح زنودي مثل زنود ميشيل أوباما، هل يمكنك مساعدتي؟
فقال: من حيث اللون، لا أستطيع أن أفعل شيئا، الصيف قادم ومن الأفضل أن تتشمسي!
قلت: لا، أريد عضلات ناعمة، قوية مغرية...ناولته الصحيفة ليشاهد الصور ويكون فكرة واضحة عن الموضوع.
قال: أوكي أوكي، أستطيع ذلك، وبعد الحصول على النتيجة أرجو أن تبذلي جهدك وتتزوجي رئيس جمهورية، رئيس وزراء، أو وزير على أقل تقدير.
2
تقول الجريدة أن تطور الاتصالات الالكتروينة وحضور "الفيس بوك" سيترك كبير الأثر في حياة الشعوب وفي حياة النساء بلا شك. النساء المقموعات السجينات والنساء الأحرار إلى أبعد حد، أو المحتارات بحرياتهن، النساء المنشغلات بلقمة العيش، المنشغلات بالنضال للحد من الإتجار بالأطفال جنسيا، المنشغلات بمقاسات الثدي وثمن السوتيان. تقول الصحيفة أن مجموعة من نساء الانكليزيات في لندن اجتمعن أخيراً وأثرن حملة اعتراضية عبر "فيس بوك" جمعن التواقيع للمطالبة بمساواة حقوقية ما بين النساء اللواتي يمتلكن أثداء من الحجم الكبير، وبين النساء المبتليات بأثداء ذات حجم صغير. العريضة تطالب بتوحيد أسعار السوتيانات، ولا فارق بين ثمن حمالة ثدي كبير أو ثدي صغير، ما دامت النوعية ممتازة –أقصد نوعية قماش السوتيان- تقول الصحيفة بأن الحملة أسفرت عن نتائج طيبة وبناء عليه قدمت إحدى كبريات شركات الألبسة الداخلية البريطانية "ماركس& سبنسر" اعتذراً للنساء من فئة السوتيان ذا الحجمم الكبير(دي دي)، ووعدت بتحفيض الأسعار بسبة 25 بالمائة، بغض النظر عن تكاليف التصنيع والتصميم والأقمشة. ولكن، ماذا لو كفت النساء فجأة عن ارتداء هذه الحمالات؟!
تبتسم إحدى السيدات اللواتي يقرأن الخبر، وتقول: لا، هذه ليست عدالة بحقنا نحن النساء ذوات الأثداء الصغيرة. عداك عن أننا نعاني من مسائل متفرقة لا تواجهها الفئة الأخرى، العامرة الصدر" نضطر أن نستخدم حشوة إضافية نحشرها بإتقان في كأس حمالة الصدر من الأسفل، ونعاني من هذا السيخ الحديدي الذي يضغط على أنفاسنا وقلوبنا كي تكون أنوثتنا بادية في عيون الرجال"
يبدو أن الانهيار الاقتصادي الحالي وصل إلى ثياب العالم الداخلية، ويبدو أن مسألة المساواة في الحقوق قد انتقلت جبهتها من خانة المساواة بين الرجال والنساء، إلى خانة أخرى لم تكن لتخطر على بال فرجيينا، وولف وجوليا كريستيفا، والمنشغلات بعلم الجمال الماركسي -اللينيني. نذكر عرضاً أن بعض الجبهات الحقوقية ما تزال تناضل في كندا وبعض دول الغرب للوصول إلى مساواة بين أجرة عمل المرأة وأجرة عمل الرجل في نفس الوظيفة- ما تزال أجرة عمل المرأة أقل. وفي كل الأحوال لا يمكننا أن نقدر رد فعل الرجال ومقاساتهم إزاء ثيابهم الداخلية. فالرجل نجاحه محصور بقوته وامتلاك شيء من السلطة. والسلطة تكون بالحيازة على المرأة الجميلة. الرجل يجب أن يسعى دائما ليكون"السيد ألفا" في السلم الاجتماعي البطريركي.
3
إذا المرأة العصرية رغم كل نجاحاتها ليست مرتاحة في جسدها. إنها تعاني من تفصيلات وتطورات شديدة التعقيد. يبدو أن المرأة السمينة ليست مرتاحة لأنها لا تحقق الصورة المرسومة لها في الميديا ومجلات المرأة الجميلة، المرأة النحيفة ليست مرتاحة لأسباب أخرى، المرأة التي نمرة حذائها كبيرة ليست مرتاحة، المرأة القصيرة ليست مرتاحة، المرأة ليست مرتاحة. الرجل أيضاً ليس مرتاحاً في جسده أيضاً ولكن الصحف تغض النظر عن هذا الموضوع وقلما نجد رجلاً شرقياً يعاني من الحصول على حذاء بقياس كبير، موديل مقبول وسعر مناسب، عداك عن مشكلة "الكرش والصلع وبياض الشعر المبكر". هذه أمور بدأت تظهر نتائجها تدريجياً بين الشباب رغم أن الحكم الاجتماعي على نجاح الرجل ليس جماله، بل قوته-سلطته. ومع ذلك بعضهم يفكر بعملية زرع الشعر، والبعض يصبغ شعره وينظر بحزن وقهر إلى شواربه، أو و يتحايل على الصلع باستخدام قبعات عصرية صيفية أو شتوية أو كلاسيكية، ويبرر ذلك بأن له "كاريكتر-شخصية-برسونا" خاصة.
وبالنظر في مسألة المساواة في أجرة العمل بين الرجال والنساء، أجد أنني أنحاز إلى أن تكون أجرة عمل المرأة أكبر من أجرة عمل الرجل وخاصة في هذا العصر المتطور. يجب ألا ننسى أن المرأة تحتاج إلى تخصيص ميزانية لأشياء عديدة لا يحتاجها الرجل، نذكر مثلا: حقيبة اليد، الاكسسورات التقليدية والمجوهرات، الماكياج، صبغة الشعر، تجعيد الشعر أو العكس، عمليات جراحية لكتبير الثدي، نفخ الشفاه، عدسات لاصقة لتلوين العيون، ولا ننسى الرموش الاصطناعية، الأظافر الاصطناعية، الكوكتيس، المناكير-البديكير. ثم هناك أجرة غسيل وكي ثياب المرأة التي تكون أغلى من تنظيف ثياب الرجل لأن التعامل مع قماشتها أكثر تعقيدا وحساسية من ثياب الرجل في الغالب.
بعض الرجال لديهم فكرة أخرى أقل كلفة وإضاعة للوقت. الرجل الملتحي الذي كان يقدم برنامجا تلفزيونيا دينيا إسلاميا في تورنتو، قال: على المرأة أن توفر الوقت والتكاليف والحل هو أن تلبس حجاباً على رأسها. ونسي أن يشير إلى العباءة، لأن المتحدثة المكشوفة الرأس التي كانت تتحاور معه، قاطعته معترضة.
4
لكأن المرأة في مأزق مع جسدها منذ الثورة الصناعية وما بعد. لكننا نحتار كيف نصنف مصدر هذا المأزق وأسبابه وسبل الحد منه. هل سببه العقلية الذكورية التي تصنع "الستاندر النسائي العصري"، أم نضع العلة على أصحاب الشركات الكبرى التي تريد أن تبيع هذه المنتجات التي تجعل المرأة أكثر جمالاً بالتأكيد؟. لا حل لدي ولا وجهة نظر. العالم تغير، ولم يتطور. لقد كانت المرأة في بقع بقاع افريقيا تعيش عارية الصدر-بدون سوتيان- وكان ذلك جزء من التشبه بالطبيعة. يجب أن أعود "أسطورة الجمال" الكتاب الذي بحثت فيه "ناومي ولف" عن أسباب وحيثيات الإجهاد النفسي والروحي والمادي الذي يقع على نساء اليوم، وتشارك فيه بنفسها بوعي أو بدونه.
ولكن من المفيد الإشارة إلى أن موضوع المرأة وجسدها سيحل قريباً في كندا. هناك برنامج تلفزيوني"ملطوش" عن مسلسل بريطاني قديم، سوف يعيد للمرأة العصرية توازنها وحبها لجسدها كيفما كان. تقول الصحيفة أن عنوان المسلسل سيكون "كندا عارية، كيف تكون" . الصحيفة توجه نداء إلى نساء أونتاريو اللواتي لسن مرتاحات في جلدهن أن يذهبن للتسجيل في البرنامج، بشرط أن تكون اعمارهن بين ( 25-60). سيكون المسلسل قفزة في تحقيق مصالحة ما بين روح المرأة وجسدها-أخيراً. ولكن، ومن باب المساواة في الحقوق، يجب أن تكون نفس الفرضة متاحة للرجل، لأنه يعاني أيضا. هل يشك أحد في ذلك؟!
5
العالم تغير، العالم تطور وأصبح أشد تعقيداً وكذلك متطلبات المرأة ومقياس حضورها الناجح في المجتمع. المرأة تغيرت. لا بد. نستطيع اليوم أن نضع على غلاف المجموعة الشعرية امرأة بأثداء ممتلئة وحوض عامر، ونترك الرأس خارج الصورة. نستطيع أن نعلق على جدار بيتنا أو في صالة العرض لوحات فيها أثداء كثيرة، مجرد أثداء. أذكر منذ عدة سنوات، أقامت إحدى الفنانات المدافعات عن حقوق المرأة معرضاً لمنتجاتها السيراميكية في تورنتو، وباعت عدداً من أعمالها لأصدقائها في الجالية. وحين كنت في زيارة صديقة لي وجدت عملاً معلقاً على الجدار. سألت الصديقة: هل لاحظت أن المرأة في هذه اللوحة، بدون رأس ولا قدمين، أليس في هذا اختلال فكري؟
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت: أنت هكذا تعقدين العالم، تعالي اشربي..
أجبت: على كل، لها أثداء جميلة. ربما أنت أحببتها هكذا كي تبقى محبوسة بين جدرانك، كيلا تتمرد حين تستخدم رأسها وقدميها، عداك عن يديها وزنديها.
إنها مسألة حقوق ومساواة. إنها إشكالية العلاقة ما بين حرية المرأة وجمالها بمقياس العالم الصناعي، والاصطناعي المتمدن. جمالها الذي يخضع للتعرية مع تقادم الزمن.
6
تشير الجريدة أيضاً إلى ندوة تقام للتعريف بأنثوية وجنسوية وإطلاق طاقات المرأة الكامنة. إنها نداء موجه للنساء للتعرف على أجسادهن وأجساد شركائهن. للتمكن من إطلاق تلك الصرخة الكامنة. كانت الندوة في "مستودع كتب النساء" الشهير والعريق في داون تاون تورنتو. بعد أن انتهيت من عملي في الترجمة الفورية لامرأة عربية مولودة حديثا، وتعاني من "زرقة وكآبة ما بعد الولادة" في منطقة قريبة، عرجت على المركز. كانت المرأة المحاضرة تتحدث عن الحرية ومواهب الجسد الكامنة. المرأة تستطيع اليوم أن تتحدث بطلاقة عن الجنس الخلاق، وحق المرأة في تطوير معرفتها والتعرف على نقاط الإثارة في جسدها، وحقها في أن تدل شريكها على نقاط قوتها الجنسية. وإذا كانت بارعة فلها أن تصبح "غورو الجنس" وتعطي دروساً تثقفية في مراكز حول المدينة. تقول شيري وينستون، إنها تسافر وتتنقل من مكان إلى آخر لتروج لكتابها ومهنتها، حاملة حقيبة يد مصنوعة من البلاستيك الشفاف، مرصعة بدوائر بألوان قوس قزح، هذه الدوائر عبارة عن "كاندوم-واقي ذكري" مثبّت جيداً بين طيات البلاستيك الشفاف. تلوح بهذه الحقيبة وهي تستقل الباص والمترو، وتسير في شوارع المدينة. وفي يدها الأخرى حقيبة قماشية بحجم مؤخرة متواضعة. تحمل "شيري" مخدة مصنوعة من القطن، في منتصفها شق يمثل فرج المرأة. إنها وسائل توضيحية صارت في متناول النساء بعد نضال مرير. أبحلق في الحقائب وأنسى أن ألتقط لها صوراً فوتوغرافية. الكاميرا في حقيبتي وأنا مشدوهة بفصل الحرية، أقرّع نفسي لأنني لم أتحرر كفاية على ما يبدو. وربما نسيت أن ألتقط لها صوراً، لأنني كنت مشدوهة بالنظر إلى ثديها الأيمن، كان أغلبه خارج السوتيان- بلا مبرر، كان شديد البياض يرتج فوق فستانها القرمزي المبعثر حول جسدها الذي مقاسه (20-24) بالمقياس الأمريكي. لا بد من وسائل توضيحية أخرى للوصول إلى تلك الصرخة التي صار من حق المرأة أن تتدرب عليها نظرياً وعملياً.
7
إنها تلك الصرخة البرية الوحشية السحرية المنطلقة من حنجرة البشرية الأولى. على كل، لقد أصبح من حق النساء أن يصرخن حباً، وليس من العذاب والبكاء والدونية، بل من المتعة الجنسية، غير عابئات بالجدران التي تنقل الصوت إلى غرف الجيران الملاصقة. إنها مسألة الحق في الاستمتاع والتأوه، حق في التعبير عن هذا الاستمتاع بدون تحفظ أو خجل. ليست مسألة زنود وعضلات وأحجام. الفقيرة والغنية، المثقفة والأمية، الرجل والمرأة، الجميع من حقه أن يصل إلى تلك العتبة. ولكن مهلاً عزيزتي القارئة، المسألة ليست بهذه البساطة والتسيب. القانون البريطاني اليوم لا يتواني عن هذه الصرخات الجنسية التي قد تقض مضاجع الجيران. وبموجب قانون يقع تحت بند: تصرفات ضد المدنية، يحق للجيران أن يتصلوا بالبوليس إذا سمعوا... ويحق للبوليس أن يحقق في الأمر ويسجل محضراً بحق المرأة المتأوهة عشقاً، ويطلبها بالمثول أمام المحكمة. ولقد تم مؤخرا تسجيل أول قضية في هذا المضمار. لقد أخذت امرأة انكليزية في الأربعينات من العمر إلى المحكمة بسبب "الآهات القوية" التي كانت تطلقها من غرفة نومها. فيما ترك "الفاعل" البارع، صاحب المهارات الاستثنائية، حراً طليقاً!.
أيار 2009-تورنتو
جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة سورية-كندية
هنا جملة فواصل من عالم الصحافة ونساء سجينات في "ستريوتايب" الجسد.
هنا قصاصات من جدلية العلاقة ما بين حرية المرأة و"جمالها" الذي تحدد مقاييسه مجلات ودور الأزياء والتجميل.
1
تقول الجريدة أن لكل امرأة الحق في أن يصبح لديها زنود جميلة ومغوية كمثل زنود ميشيل أوباما، السيدة الأمريكية- الأولى. ويبدو أن ميشيل أوباما تدرك جيداً الأهمية الاستثنائية التي لعضلاتها "السكسسية" لذلك فهي تلبس غالباً ثياباً بلا أكمام كي تكشف عن هذه الفتنة التي ليست هبة إلهية. لقد صارت عضلاتها مضرب المثل في المجتمع الامريكي والغربي-عداك عن أناقتها- وتهافتت النساء إلى مراكز التدريب والرشاقة لتحقيق هذا الحلم. إذا أردت سيدتي أن يصبح لديك نفس الزنود الجميلة عليك ببذل جهد لتحقيق ذلك. وإن لم يكن لديك المقدرة والوقت للتدريب تحت إشراف أستاذ(ة) مختصة في بناء الجسم، اذهبي واشتري بعض الأثقال التي ستساعدك على تطوير مقدراتك العضلية. ربع ساعة صباحا ومثلها مساء، ولكن انتهبي سيدتي أن تدوير الأثقال يجب أن يتم وفق خطة معينة كي لا تكون النتيجة مخيبة للآمال وتحصلي على غير النتيجة المرجوة.
تركت الصحيفة جانبا وفكرت بحل. بما أن ابني يشتغل مدربا رياضيا في مركز للرشاقة، قلت له أنني أنوي أن أذهب للتدريب في المركز، ففرح وقال: أخيراً؟ قلت: أريد أن تصبح زنودي مثل زنود ميشيل أوباما، هل يمكنك مساعدتي؟
فقال: من حيث اللون، لا أستطيع أن أفعل شيئا، الصيف قادم ومن الأفضل أن تتشمسي!
قلت: لا، أريد عضلات ناعمة، قوية مغرية...ناولته الصحيفة ليشاهد الصور ويكون فكرة واضحة عن الموضوع.
قال: أوكي أوكي، أستطيع ذلك، وبعد الحصول على النتيجة أرجو أن تبذلي جهدك وتتزوجي رئيس جمهورية، رئيس وزراء، أو وزير على أقل تقدير.
2
تقول الجريدة أن تطور الاتصالات الالكتروينة وحضور "الفيس بوك" سيترك كبير الأثر في حياة الشعوب وفي حياة النساء بلا شك. النساء المقموعات السجينات والنساء الأحرار إلى أبعد حد، أو المحتارات بحرياتهن، النساء المنشغلات بلقمة العيش، المنشغلات بالنضال للحد من الإتجار بالأطفال جنسيا، المنشغلات بمقاسات الثدي وثمن السوتيان. تقول الصحيفة أن مجموعة من نساء الانكليزيات في لندن اجتمعن أخيراً وأثرن حملة اعتراضية عبر "فيس بوك" جمعن التواقيع للمطالبة بمساواة حقوقية ما بين النساء اللواتي يمتلكن أثداء من الحجم الكبير، وبين النساء المبتليات بأثداء ذات حجم صغير. العريضة تطالب بتوحيد أسعار السوتيانات، ولا فارق بين ثمن حمالة ثدي كبير أو ثدي صغير، ما دامت النوعية ممتازة –أقصد نوعية قماش السوتيان- تقول الصحيفة بأن الحملة أسفرت عن نتائج طيبة وبناء عليه قدمت إحدى كبريات شركات الألبسة الداخلية البريطانية "ماركس& سبنسر" اعتذراً للنساء من فئة السوتيان ذا الحجمم الكبير(دي دي)، ووعدت بتحفيض الأسعار بسبة 25 بالمائة، بغض النظر عن تكاليف التصنيع والتصميم والأقمشة. ولكن، ماذا لو كفت النساء فجأة عن ارتداء هذه الحمالات؟!
تبتسم إحدى السيدات اللواتي يقرأن الخبر، وتقول: لا، هذه ليست عدالة بحقنا نحن النساء ذوات الأثداء الصغيرة. عداك عن أننا نعاني من مسائل متفرقة لا تواجهها الفئة الأخرى، العامرة الصدر" نضطر أن نستخدم حشوة إضافية نحشرها بإتقان في كأس حمالة الصدر من الأسفل، ونعاني من هذا السيخ الحديدي الذي يضغط على أنفاسنا وقلوبنا كي تكون أنوثتنا بادية في عيون الرجال"
يبدو أن الانهيار الاقتصادي الحالي وصل إلى ثياب العالم الداخلية، ويبدو أن مسألة المساواة في الحقوق قد انتقلت جبهتها من خانة المساواة بين الرجال والنساء، إلى خانة أخرى لم تكن لتخطر على بال فرجيينا، وولف وجوليا كريستيفا، والمنشغلات بعلم الجمال الماركسي -اللينيني. نذكر عرضاً أن بعض الجبهات الحقوقية ما تزال تناضل في كندا وبعض دول الغرب للوصول إلى مساواة بين أجرة عمل المرأة وأجرة عمل الرجل في نفس الوظيفة- ما تزال أجرة عمل المرأة أقل. وفي كل الأحوال لا يمكننا أن نقدر رد فعل الرجال ومقاساتهم إزاء ثيابهم الداخلية. فالرجل نجاحه محصور بقوته وامتلاك شيء من السلطة. والسلطة تكون بالحيازة على المرأة الجميلة. الرجل يجب أن يسعى دائما ليكون"السيد ألفا" في السلم الاجتماعي البطريركي.
3
إذا المرأة العصرية رغم كل نجاحاتها ليست مرتاحة في جسدها. إنها تعاني من تفصيلات وتطورات شديدة التعقيد. يبدو أن المرأة السمينة ليست مرتاحة لأنها لا تحقق الصورة المرسومة لها في الميديا ومجلات المرأة الجميلة، المرأة النحيفة ليست مرتاحة لأسباب أخرى، المرأة التي نمرة حذائها كبيرة ليست مرتاحة، المرأة القصيرة ليست مرتاحة، المرأة ليست مرتاحة. الرجل أيضاً ليس مرتاحاً في جسده أيضاً ولكن الصحف تغض النظر عن هذا الموضوع وقلما نجد رجلاً شرقياً يعاني من الحصول على حذاء بقياس كبير، موديل مقبول وسعر مناسب، عداك عن مشكلة "الكرش والصلع وبياض الشعر المبكر". هذه أمور بدأت تظهر نتائجها تدريجياً بين الشباب رغم أن الحكم الاجتماعي على نجاح الرجل ليس جماله، بل قوته-سلطته. ومع ذلك بعضهم يفكر بعملية زرع الشعر، والبعض يصبغ شعره وينظر بحزن وقهر إلى شواربه، أو و يتحايل على الصلع باستخدام قبعات عصرية صيفية أو شتوية أو كلاسيكية، ويبرر ذلك بأن له "كاريكتر-شخصية-برسونا" خاصة.
وبالنظر في مسألة المساواة في أجرة العمل بين الرجال والنساء، أجد أنني أنحاز إلى أن تكون أجرة عمل المرأة أكبر من أجرة عمل الرجل وخاصة في هذا العصر المتطور. يجب ألا ننسى أن المرأة تحتاج إلى تخصيص ميزانية لأشياء عديدة لا يحتاجها الرجل، نذكر مثلا: حقيبة اليد، الاكسسورات التقليدية والمجوهرات، الماكياج، صبغة الشعر، تجعيد الشعر أو العكس، عمليات جراحية لكتبير الثدي، نفخ الشفاه، عدسات لاصقة لتلوين العيون، ولا ننسى الرموش الاصطناعية، الأظافر الاصطناعية، الكوكتيس، المناكير-البديكير. ثم هناك أجرة غسيل وكي ثياب المرأة التي تكون أغلى من تنظيف ثياب الرجل لأن التعامل مع قماشتها أكثر تعقيدا وحساسية من ثياب الرجل في الغالب.
بعض الرجال لديهم فكرة أخرى أقل كلفة وإضاعة للوقت. الرجل الملتحي الذي كان يقدم برنامجا تلفزيونيا دينيا إسلاميا في تورنتو، قال: على المرأة أن توفر الوقت والتكاليف والحل هو أن تلبس حجاباً على رأسها. ونسي أن يشير إلى العباءة، لأن المتحدثة المكشوفة الرأس التي كانت تتحاور معه، قاطعته معترضة.
4
لكأن المرأة في مأزق مع جسدها منذ الثورة الصناعية وما بعد. لكننا نحتار كيف نصنف مصدر هذا المأزق وأسبابه وسبل الحد منه. هل سببه العقلية الذكورية التي تصنع "الستاندر النسائي العصري"، أم نضع العلة على أصحاب الشركات الكبرى التي تريد أن تبيع هذه المنتجات التي تجعل المرأة أكثر جمالاً بالتأكيد؟. لا حل لدي ولا وجهة نظر. العالم تغير، ولم يتطور. لقد كانت المرأة في بقع بقاع افريقيا تعيش عارية الصدر-بدون سوتيان- وكان ذلك جزء من التشبه بالطبيعة. يجب أن أعود "أسطورة الجمال" الكتاب الذي بحثت فيه "ناومي ولف" عن أسباب وحيثيات الإجهاد النفسي والروحي والمادي الذي يقع على نساء اليوم، وتشارك فيه بنفسها بوعي أو بدونه.
ولكن من المفيد الإشارة إلى أن موضوع المرأة وجسدها سيحل قريباً في كندا. هناك برنامج تلفزيوني"ملطوش" عن مسلسل بريطاني قديم، سوف يعيد للمرأة العصرية توازنها وحبها لجسدها كيفما كان. تقول الصحيفة أن عنوان المسلسل سيكون "كندا عارية، كيف تكون" . الصحيفة توجه نداء إلى نساء أونتاريو اللواتي لسن مرتاحات في جلدهن أن يذهبن للتسجيل في البرنامج، بشرط أن تكون اعمارهن بين ( 25-60). سيكون المسلسل قفزة في تحقيق مصالحة ما بين روح المرأة وجسدها-أخيراً. ولكن، ومن باب المساواة في الحقوق، يجب أن تكون نفس الفرضة متاحة للرجل، لأنه يعاني أيضا. هل يشك أحد في ذلك؟!
5
العالم تغير، العالم تطور وأصبح أشد تعقيداً وكذلك متطلبات المرأة ومقياس حضورها الناجح في المجتمع. المرأة تغيرت. لا بد. نستطيع اليوم أن نضع على غلاف المجموعة الشعرية امرأة بأثداء ممتلئة وحوض عامر، ونترك الرأس خارج الصورة. نستطيع أن نعلق على جدار بيتنا أو في صالة العرض لوحات فيها أثداء كثيرة، مجرد أثداء. أذكر منذ عدة سنوات، أقامت إحدى الفنانات المدافعات عن حقوق المرأة معرضاً لمنتجاتها السيراميكية في تورنتو، وباعت عدداً من أعمالها لأصدقائها في الجالية. وحين كنت في زيارة صديقة لي وجدت عملاً معلقاً على الجدار. سألت الصديقة: هل لاحظت أن المرأة في هذه اللوحة، بدون رأس ولا قدمين، أليس في هذا اختلال فكري؟
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت: أنت هكذا تعقدين العالم، تعالي اشربي..
أجبت: على كل، لها أثداء جميلة. ربما أنت أحببتها هكذا كي تبقى محبوسة بين جدرانك، كيلا تتمرد حين تستخدم رأسها وقدميها، عداك عن يديها وزنديها.
إنها مسألة حقوق ومساواة. إنها إشكالية العلاقة ما بين حرية المرأة وجمالها بمقياس العالم الصناعي، والاصطناعي المتمدن. جمالها الذي يخضع للتعرية مع تقادم الزمن.
6
تشير الجريدة أيضاً إلى ندوة تقام للتعريف بأنثوية وجنسوية وإطلاق طاقات المرأة الكامنة. إنها نداء موجه للنساء للتعرف على أجسادهن وأجساد شركائهن. للتمكن من إطلاق تلك الصرخة الكامنة. كانت الندوة في "مستودع كتب النساء" الشهير والعريق في داون تاون تورنتو. بعد أن انتهيت من عملي في الترجمة الفورية لامرأة عربية مولودة حديثا، وتعاني من "زرقة وكآبة ما بعد الولادة" في منطقة قريبة، عرجت على المركز. كانت المرأة المحاضرة تتحدث عن الحرية ومواهب الجسد الكامنة. المرأة تستطيع اليوم أن تتحدث بطلاقة عن الجنس الخلاق، وحق المرأة في تطوير معرفتها والتعرف على نقاط الإثارة في جسدها، وحقها في أن تدل شريكها على نقاط قوتها الجنسية. وإذا كانت بارعة فلها أن تصبح "غورو الجنس" وتعطي دروساً تثقفية في مراكز حول المدينة. تقول شيري وينستون، إنها تسافر وتتنقل من مكان إلى آخر لتروج لكتابها ومهنتها، حاملة حقيبة يد مصنوعة من البلاستيك الشفاف، مرصعة بدوائر بألوان قوس قزح، هذه الدوائر عبارة عن "كاندوم-واقي ذكري" مثبّت جيداً بين طيات البلاستيك الشفاف. تلوح بهذه الحقيبة وهي تستقل الباص والمترو، وتسير في شوارع المدينة. وفي يدها الأخرى حقيبة قماشية بحجم مؤخرة متواضعة. تحمل "شيري" مخدة مصنوعة من القطن، في منتصفها شق يمثل فرج المرأة. إنها وسائل توضيحية صارت في متناول النساء بعد نضال مرير. أبحلق في الحقائب وأنسى أن ألتقط لها صوراً فوتوغرافية. الكاميرا في حقيبتي وأنا مشدوهة بفصل الحرية، أقرّع نفسي لأنني لم أتحرر كفاية على ما يبدو. وربما نسيت أن ألتقط لها صوراً، لأنني كنت مشدوهة بالنظر إلى ثديها الأيمن، كان أغلبه خارج السوتيان- بلا مبرر، كان شديد البياض يرتج فوق فستانها القرمزي المبعثر حول جسدها الذي مقاسه (20-24) بالمقياس الأمريكي. لا بد من وسائل توضيحية أخرى للوصول إلى تلك الصرخة التي صار من حق المرأة أن تتدرب عليها نظرياً وعملياً.
7
إنها تلك الصرخة البرية الوحشية السحرية المنطلقة من حنجرة البشرية الأولى. على كل، لقد أصبح من حق النساء أن يصرخن حباً، وليس من العذاب والبكاء والدونية، بل من المتعة الجنسية، غير عابئات بالجدران التي تنقل الصوت إلى غرف الجيران الملاصقة. إنها مسألة الحق في الاستمتاع والتأوه، حق في التعبير عن هذا الاستمتاع بدون تحفظ أو خجل. ليست مسألة زنود وعضلات وأحجام. الفقيرة والغنية، المثقفة والأمية، الرجل والمرأة، الجميع من حقه أن يصل إلى تلك العتبة. ولكن مهلاً عزيزتي القارئة، المسألة ليست بهذه البساطة والتسيب. القانون البريطاني اليوم لا يتواني عن هذه الصرخات الجنسية التي قد تقض مضاجع الجيران. وبموجب قانون يقع تحت بند: تصرفات ضد المدنية، يحق للجيران أن يتصلوا بالبوليس إذا سمعوا... ويحق للبوليس أن يحقق في الأمر ويسجل محضراً بحق المرأة المتأوهة عشقاً، ويطلبها بالمثول أمام المحكمة. ولقد تم مؤخرا تسجيل أول قضية في هذا المضمار. لقد أخذت امرأة انكليزية في الأربعينات من العمر إلى المحكمة بسبب "الآهات القوية" التي كانت تطلقها من غرفة نومها. فيما ترك "الفاعل" البارع، صاحب المهارات الاستثنائية، حراً طليقاً!.
أيار 2009-تورنتو
جاكلين سلام: شاعرة وكاتبة سورية-كندية