(مقالة من بين العديد من المقالات التي كانت تنشر على العمود الثقافي الذي يحمل اسم «مغلف منيرفا"La bustina di Minerva، بالصفحة الأخيرة من الجريدة الأسبوعية L’Espresso. العمود من تحرير الكاتب والمفكر الإيطالي "أمبرتو إيكو"، الذي سرعان ما ذاع صيته فأصبحت صفحة عموده هذا أول صفحة في الجريدة يطّلع عليها المثقفون والقراء الإيطاليون بصفة عامة، لما لمسوه فيها من تنوع في المواضيع ومن حنكة وفراسة الكاتب، الذي كان يتحول بكل سلاسة من السجل الدراماتيكي إلى أسلوب المحاكاة الساخرة والذي قال عنه بعض الدارسين "السمّ والدواء".
مثير، ذكي ومخادع هو عنوان العمود "مغلف منيرفا" La bustina di Minerva"إيكو" هنا كان يستمتع مع القارئ الذي قد يفهم منيرفا الإلهة، إلهة الحكمة والعقل، بينما هو بكل بساطة اسم لذلك "المغلف الصغير الذي يحتوي أعواد الثقاب والذي يحمل العلامة التجارية "Minerva": كانت بداخله واجهة خالية من الإشهار حيث كان ممكنا، على حد تعبير "إيكو "،" تسجيل الأفكار الغامضة والشاردة، أرقام هواتف النساء التي قد نحبها يوما ما، عناوين الكتب المراد شراءها أو تجنبها...".
جمعت هذه "المغلفات" من قبل دور مختلفة للنشر والتي أصدرتها بطبعات متعددة تحت عنوان "La bustina di Minerva.
اخترنا منها هذا المقال المعنون "لأن الكتب تطيل الحياة" لنرى مع "أمبرتو إيكو" كيف ذلك؟)
اليوم لما تقرأ مقالات قلقة بشأن مستقبل الذكاء البشري أمام الآليات الجديدة التي تستعد لتحل محل ذاكرتنا، يستشف جو الألفة العائلية. يستحضر على الفور ذلك المقطع لفيدروسFedro الأفلاطوني؛ والذي يسأل فيه الفرعون بقلق، الإله تحوت (توت)Toth مخترع الكتابة، حول ما إذا كان ذاك الجهاز الشيطاني لن يجعل الإنسان غير قادر على التذكر، وبالتالي على التفكير.
الإحساس بالرعب هذا نفسه، انتاب لا محالة من رأى عجلة لأول مرة. لاعتقاده أننا سننسى المشي. رجالات ذاك الزمان ربما كانوا موهوبين أكثر منا في خوض سباق الماراثون في الصحاري والسهوب، لكنهم كانوا يموتون عن سن مبكرة، واليوم كان سيتم إعفاءهم من الخدمة في أول منطقة عسكرية. هذا لا يعني أنه لا داعي للقلق بشأن أي شيء وأنه ستكون لدينا بشرية لطيفة ومعافاة معتادة على تناول الوجبات الخفيفة على العشب في تشيرنوبيل: إن كان هناك من شيء، فالكتابة جعلتنا أكثر مهارة لفهم متى يتعين علينا التوقف، ومن لا يعرف التوقف فهو أمي، حتى لو كان يركب على أربع عجلات.
حالة الانزعاج من الأشكال الجديدة لأسر الذاكرة كانت حاضرة في كل زمان. أمام الكتب المطبوعة، على الورق الرديء الذي أعطى فكرة أنها لن تدوم لأكثر من خمسمائة أو ستمائة عام، ومع فكرة أن ذاك الشيء يمكن أن يصل إلى أيادي الجميع، مثل إنجيل لوثر، أنفق المشترون الأوائل ثروة هائلة على هذه المقتنيات لزخرفة الأحرف الأولى يدويًا، من أجل الحفاظ على ذلك الشعور بأنهم يمتلكون مخطوطات على الرق. تكلف حاليا تلك المخطوطات المزخرفة ثروة هائلة، لكن الحقيقة هي أن الكتب المطبوعة لم تعد بحاجة إلى أن تكون مزخرفة. ما الذي كسبناه من ذلك؟ ما الذي كسبه الإنسان من اختراع الكتابة، من الطباعة ومن الذواكر الإلكترونية؟
ذات مرة روج فالنتينو بومبيانيValentino Bompiani شعارًا يقول: "الرجل الذي يقرأ يساوي اثنين". قول كهذا من قبل ناشر يمكن فهمه فقط على أنه شعار مخمن، لكنني أعتقد أنه يعني أن الكتابة (اللغة بشكل عام) تطيل الحياة. منذ أن بدأ الصنف البشري في إصدار أصواته الأولى المعبرة، احتاجت العائلات والقبائل إلى كبار السن. ربما لم تكن هناك الحاجة إليهم من قبل وتم التخلص منهم عندما لم يعودوا قادرين على الصيد. لكن مع اللغة، أصبح كبار السن ذاكرة الصنف البشري: جلسوا في الكهف، حول النار، وأخبروا بما حدث (أو قيل إنه حدث، هذه هي وظيفة الأساطير) قبل أن تولد الفتية. قبل البدء بزرع هذه الذاكرة الاجتماعية، ينشأ الإنسان بلا خبرة، حتى أنه لا يسعفه الوقت لامتلاكها، فيدركه الموت. لاحقا، شاب في العشرين من عمره بدا وكأنه قد عاش خمسة آلاف سنة. أصبحت الأحداث التي وقعت قبله، وما تعلمه الكبار، جزءًا من ذاكرته.
اليوم الكتب هم كهولنا وشيوخنا. نحن لا ندرك ذلك، لكن ثروتنا مقارنة بالأمي (أو الذي، يعرف القراءة والكتابة ولا يقرأ) هو أنه يعيش وسيعيش فقط حياته ونحن نكون قد عشنا حيوات كثيرة. نتذكر، إلى جانب ألعاب طفولتنا، ألعاب بروستProust، كنا نتألم لحبنا ولكن أيضًا لحب بيراموسPiramo وثيسبيTisbe، لقد استوعبنا شيئًا من حكمة سولونSolone، ارتجفنا من ريح إحدى الليالي بسانتا إيلنا Sant’Elena ونحن نكرر، مع الحكاية الخيالية التي أخبرتنا بها الجدة، تلك التي روتها شهرزاد.
بالنسبة للبعض، كل هذا يعطي انطباعًا بأنه بمجرد أن نولد، نكون قد كبرنا بالفعل بشكل لا يطاق. لكن الأمي (بالأصل أو العائد إلى الأمية) هو الأكثر شيخوخة وتدهورا، الذي يعاني من تصلب الشرايين منذ أن كان طفلاً، ولا يتذكر (لأنه لا يعرف) ما حدث في ال «إِدِ دي مارتسو"Idi di Marzo. بالطبع يمكننا أيضًا تذكر الأكاذيب، لكن القراءة تساعد أيضًا على التمييز. في غياب معرفته بأخطاء الآخرين، الأمي حتى حقوقه لا يعرفها. الكتاب هو تأمين على الحياة، وتوقع بسيط للخلود. إلى الوراء (للأسف) عوض إلى الأمام. لكن لا يمكن الحصول على كل شيء.
* مختبر السرديات والخطابات الثقافية كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء
مثير، ذكي ومخادع هو عنوان العمود "مغلف منيرفا" La bustina di Minerva"إيكو" هنا كان يستمتع مع القارئ الذي قد يفهم منيرفا الإلهة، إلهة الحكمة والعقل، بينما هو بكل بساطة اسم لذلك "المغلف الصغير الذي يحتوي أعواد الثقاب والذي يحمل العلامة التجارية "Minerva": كانت بداخله واجهة خالية من الإشهار حيث كان ممكنا، على حد تعبير "إيكو "،" تسجيل الأفكار الغامضة والشاردة، أرقام هواتف النساء التي قد نحبها يوما ما، عناوين الكتب المراد شراءها أو تجنبها...".
جمعت هذه "المغلفات" من قبل دور مختلفة للنشر والتي أصدرتها بطبعات متعددة تحت عنوان "La bustina di Minerva.
اخترنا منها هذا المقال المعنون "لأن الكتب تطيل الحياة" لنرى مع "أمبرتو إيكو" كيف ذلك؟)
اليوم لما تقرأ مقالات قلقة بشأن مستقبل الذكاء البشري أمام الآليات الجديدة التي تستعد لتحل محل ذاكرتنا، يستشف جو الألفة العائلية. يستحضر على الفور ذلك المقطع لفيدروسFedro الأفلاطوني؛ والذي يسأل فيه الفرعون بقلق، الإله تحوت (توت)Toth مخترع الكتابة، حول ما إذا كان ذاك الجهاز الشيطاني لن يجعل الإنسان غير قادر على التذكر، وبالتالي على التفكير.
الإحساس بالرعب هذا نفسه، انتاب لا محالة من رأى عجلة لأول مرة. لاعتقاده أننا سننسى المشي. رجالات ذاك الزمان ربما كانوا موهوبين أكثر منا في خوض سباق الماراثون في الصحاري والسهوب، لكنهم كانوا يموتون عن سن مبكرة، واليوم كان سيتم إعفاءهم من الخدمة في أول منطقة عسكرية. هذا لا يعني أنه لا داعي للقلق بشأن أي شيء وأنه ستكون لدينا بشرية لطيفة ومعافاة معتادة على تناول الوجبات الخفيفة على العشب في تشيرنوبيل: إن كان هناك من شيء، فالكتابة جعلتنا أكثر مهارة لفهم متى يتعين علينا التوقف، ومن لا يعرف التوقف فهو أمي، حتى لو كان يركب على أربع عجلات.
حالة الانزعاج من الأشكال الجديدة لأسر الذاكرة كانت حاضرة في كل زمان. أمام الكتب المطبوعة، على الورق الرديء الذي أعطى فكرة أنها لن تدوم لأكثر من خمسمائة أو ستمائة عام، ومع فكرة أن ذاك الشيء يمكن أن يصل إلى أيادي الجميع، مثل إنجيل لوثر، أنفق المشترون الأوائل ثروة هائلة على هذه المقتنيات لزخرفة الأحرف الأولى يدويًا، من أجل الحفاظ على ذلك الشعور بأنهم يمتلكون مخطوطات على الرق. تكلف حاليا تلك المخطوطات المزخرفة ثروة هائلة، لكن الحقيقة هي أن الكتب المطبوعة لم تعد بحاجة إلى أن تكون مزخرفة. ما الذي كسبناه من ذلك؟ ما الذي كسبه الإنسان من اختراع الكتابة، من الطباعة ومن الذواكر الإلكترونية؟
ذات مرة روج فالنتينو بومبيانيValentino Bompiani شعارًا يقول: "الرجل الذي يقرأ يساوي اثنين". قول كهذا من قبل ناشر يمكن فهمه فقط على أنه شعار مخمن، لكنني أعتقد أنه يعني أن الكتابة (اللغة بشكل عام) تطيل الحياة. منذ أن بدأ الصنف البشري في إصدار أصواته الأولى المعبرة، احتاجت العائلات والقبائل إلى كبار السن. ربما لم تكن هناك الحاجة إليهم من قبل وتم التخلص منهم عندما لم يعودوا قادرين على الصيد. لكن مع اللغة، أصبح كبار السن ذاكرة الصنف البشري: جلسوا في الكهف، حول النار، وأخبروا بما حدث (أو قيل إنه حدث، هذه هي وظيفة الأساطير) قبل أن تولد الفتية. قبل البدء بزرع هذه الذاكرة الاجتماعية، ينشأ الإنسان بلا خبرة، حتى أنه لا يسعفه الوقت لامتلاكها، فيدركه الموت. لاحقا، شاب في العشرين من عمره بدا وكأنه قد عاش خمسة آلاف سنة. أصبحت الأحداث التي وقعت قبله، وما تعلمه الكبار، جزءًا من ذاكرته.
اليوم الكتب هم كهولنا وشيوخنا. نحن لا ندرك ذلك، لكن ثروتنا مقارنة بالأمي (أو الذي، يعرف القراءة والكتابة ولا يقرأ) هو أنه يعيش وسيعيش فقط حياته ونحن نكون قد عشنا حيوات كثيرة. نتذكر، إلى جانب ألعاب طفولتنا، ألعاب بروستProust، كنا نتألم لحبنا ولكن أيضًا لحب بيراموسPiramo وثيسبيTisbe، لقد استوعبنا شيئًا من حكمة سولونSolone، ارتجفنا من ريح إحدى الليالي بسانتا إيلنا Sant’Elena ونحن نكرر، مع الحكاية الخيالية التي أخبرتنا بها الجدة، تلك التي روتها شهرزاد.
بالنسبة للبعض، كل هذا يعطي انطباعًا بأنه بمجرد أن نولد، نكون قد كبرنا بالفعل بشكل لا يطاق. لكن الأمي (بالأصل أو العائد إلى الأمية) هو الأكثر شيخوخة وتدهورا، الذي يعاني من تصلب الشرايين منذ أن كان طفلاً، ولا يتذكر (لأنه لا يعرف) ما حدث في ال «إِدِ دي مارتسو"Idi di Marzo. بالطبع يمكننا أيضًا تذكر الأكاذيب، لكن القراءة تساعد أيضًا على التمييز. في غياب معرفته بأخطاء الآخرين، الأمي حتى حقوقه لا يعرفها. الكتاب هو تأمين على الحياة، وتوقع بسيط للخلود. إلى الوراء (للأسف) عوض إلى الأمام. لكن لا يمكن الحصول على كل شيء.
* مختبر السرديات والخطابات الثقافية كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء