عنوانٌ مخيف وبائس ولكنّه يصف واقعنا المؤسف؛ صرنا نعيش تحت رحمة مجتمع فضولي وسلبي ومتطفل ودكتاتوري. صار فارغا بلا أساس ولا روح، بلا قيم ولا مبادئ. لا يفكّر ولا يحسّ فقط يلسع قلوبنا ويسمّم ذواتنا مثل الداء المزمن الذي لا دواء له ولا خلاص منه، لا يخرج منّا ولا نقوى على الخروج منه. لم تعد فيه رائحة الأعياد وأصوات الصومعات، وسُلبَ منه حنان الطفولة.
كم تحوّل هذا المجتمع صدقاً لعبء ثقيل على الظهر، وسرطان ينهش في روح الصدر. كنّا نظن أنّه في صفّنا؛ يزرع في داخلنا خصال التكافل والتراحم والعيش المشترك، لكنّنا صُدمنا بجفائه وإعراضه عن سعادتنا. إنه يحشر أنفه في كلّ شيء لا يخصه، ينتهك حرمة الحرية ويفتك عرض الخصوصية. يجرح أرواحنا بتعاليق قاسية لا تتلاءم مع لغة الروح ويحرجنا بأسئلة بليدة ليس من حقه طرحها، ويضغط علينا بأعراف ومتطلّبات لا تُناسب شخصياتنا المتفرّدة. لا يؤمن بالتميّز والتطور، بل يشجع على البقاء تحت تأثير الجهل والانصهار في القعر الاجتماعي الراكد. إنه يتوغل في مساحاتنا الشخصية ويعرقل سيرنا نحو أهدافنا ويهدم بناءنا وينتقد اختياراتنا وينبذ طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للحياة. إنّنا في معركة شرسة ومستمرة معه من أجل ضمان حياة نرغب بها لأنفسنا وامتلاك رؤية خاصة تختلف مع الرؤية المعترف بها اجتماعيا.
إنّ المجتمع لا يشاركنا آلامنا وآهاتنا الليلية، لا يمسح دمعنا ولا يطبطب على كتفنا المثقل بالكثير من الهموم التي لا يعلم عنها شيئا، لا يدفع أجار بيتنا ولا فواتيره الشهرية، لا يشتري لنا ملابس العيد ومقررات المدرسة، لا يأخذنا إلى المستشفى ولا يسهر فوق رؤوسنا حال المرض، لا يسأل عن حالنا في وقت الضيق واشتداد المحن. يتطفل فقط عندما نكون بخير، يظهر بدون سبق إنذار عندما نستطيع الكلام والضحك واللعب والمشاركة، حينها يستغل جميع وسائل اللؤم والشر لخطف الخير كلّه منّا في لحظة، بتعليق سامّ أو نظرة حقودة أو تصرف حادّ يتسبب في نزيف التسلخات النفسية. إنّه يُطبق نظرية تشارلز دارون بامتياز: البقاء للنفس الأقوى!
في محيط بائس كهذا، أصبحت أماني الناس بسيطة؛ مثل اتخاذ القرار في حياتهم دون مواجهة آراء الجيران أو خوض تجربة السفر وحدهم إلى بلد بعيد للاستكشاف دون التبرير لصاحب البقّالة أن الأمر عادي، أو الارتباط بشريك الحياة في هدوء بعيدا عن العدسات والقاعات، أو الخلاص من علاقة سلبية بعيدا عن نظرات المجتمع الجهولة وتأويلاتهم الغبيّة، أو تغيير المسار الدراسي أو التوجه المهني في سبيل إرضاء النفس دون التصدّي إلى هجوم فقهاء المجتمع الذين يعتقدون أن لا أحد يصبر مثلهم! لا يكون الأمر هيّنا عندما يكون إرضاء النفس غير متطابق مع إرضاء المجتمع، تتعقّد الأمور وتتشابك الآراء التي لم تُطلب ويكثر المتحدثون والعرفاء في كل شيء من لا شيء، وغالبا ما تكون معطياتهم عبارة عن سيناريوهات اختُلقت من وحي خيالهم مدعم بالكثير من الفراغ الروحي.
ألا يشعر هذا المجتمع بمدى الأذى الذي يلحقه بأم مطلقة تشتغل على ترميم نفسها من أجل تنشئة أطفال سوية؟ ألا يبالي لنفسية مراهقٍ يُحاول التعايش مع اضطراب ثنائي القطب؟ ألا يخجل من مضايقة زوج أو زوجة يترقبان نتيجة اختبار الحمل في كل شهر؟ ألا يرحم إنسانا قرر بدء حياته من جديد بعد فترة السجن؟ ألا يكفّ عن اتهام أرملة كتمت حزنها بداخلها وسايرت الحياة بما تبقى لها من قوة كي تستمر الحياة؟ ألا يفكّر قبل مناقشة شخص في اختياره لشريك حياته؟ لماذا أسود وليس أبيض؟ لماذا أكبر سنّا أو أقلّ تعليما؟ لماذا لا يملك شقّة مجهزة؟ أهي كراء أم ملك؟ قرض أم مدفوعة نقدا؟ تكون أسئلتهم جاهزة بشكل مبهر ومتسلسلة وجاهلة في احترام المشاعر والحدود. تأمّل أن روح الإنسان تعيش تحت كل هذا الضغط والقصف في سبيل الانتماء إلى المجتمع.
الغريب في الأمر أن هذا المجتمع هو أنا وأنتِ وأنتَ، أي أنّنا بشرٌ كلنا على حدّ السواء وضرر المجتمع يؤثر علينا جميعا. فلماذا نستمر في تغذية هذا الضرر والمساهمة في تفشيه ما دمنا نعرف المعاناة التي يسببها للنفس البشرية؟ ألا يكفِ الواحد منّا تضاربه مع صراعاته الداخلية؟ ألا يكفِ البشرَ وجود المرض والموت والانفصال والغربة والتشرّد واليُتم والفقر؟ ثم كيف يمكن للناس التركيز في حيوات الآخرين في وجود حياتهم الخاصة؟ من أين يأتي هذا الفائض في الوقت والجهد للتركيز مع أحداثهم الخاصة وأحداث الناس في آن واحد؟
إنّ صحتنا النفسية تحتضر من شدة الإرهاق الاجتماعي. صحيح أنّه لا يمكن إلغاء كينونة المجتمع ولا إنكار أهمية الانتماء إليه، فهو الأمان والهوية والاحتواء مهما قسا وتطفّل، ولكنّنا مطالبون بالنهوض به والتغيير فيه من أجل عيش مشترك أفضل وأرقى، نحتاج إلى الكثير من الرأفة والرفق والاحترام فيما بيننا.
فلنتعلّم أن نقول خيرا أو نصمت، فالكلمة الطيبة صدقة والابتسامة في وجه أخيك خيرٌ يُزرع في الدنيا ويمتد أثره إلى الآخرة، ولنعتزل ما لا يعنينا ولا نتكلّم فيما نجهله، فالبشر أسرار وخبايا لا نعلمها، ولنحترم حدود بعضنا البعض ولا نقتحم المساحات الشخصية فما يجمعنا هو الدين، والدين له حاكم واحد وقول واضح يشبّه المؤمنين بالجسد الذي إذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمى، ولنحتفظ بالآراء التي لم تُطلب منّا والانتقادات العقيمة التي تفسد الودّ، ولنُهذب تركيزنا ونوجه طاقاتنا الاستيعابية نحو ما يفيد مساحتنا الخاصة ولندع المساحات الأخرى لأصحابها.
كم تحوّل هذا المجتمع صدقاً لعبء ثقيل على الظهر، وسرطان ينهش في روح الصدر. كنّا نظن أنّه في صفّنا؛ يزرع في داخلنا خصال التكافل والتراحم والعيش المشترك، لكنّنا صُدمنا بجفائه وإعراضه عن سعادتنا. إنه يحشر أنفه في كلّ شيء لا يخصه، ينتهك حرمة الحرية ويفتك عرض الخصوصية. يجرح أرواحنا بتعاليق قاسية لا تتلاءم مع لغة الروح ويحرجنا بأسئلة بليدة ليس من حقه طرحها، ويضغط علينا بأعراف ومتطلّبات لا تُناسب شخصياتنا المتفرّدة. لا يؤمن بالتميّز والتطور، بل يشجع على البقاء تحت تأثير الجهل والانصهار في القعر الاجتماعي الراكد. إنه يتوغل في مساحاتنا الشخصية ويعرقل سيرنا نحو أهدافنا ويهدم بناءنا وينتقد اختياراتنا وينبذ طريقة تفكيرنا ورؤيتنا للحياة. إنّنا في معركة شرسة ومستمرة معه من أجل ضمان حياة نرغب بها لأنفسنا وامتلاك رؤية خاصة تختلف مع الرؤية المعترف بها اجتماعيا.
إنّ المجتمع لا يشاركنا آلامنا وآهاتنا الليلية، لا يمسح دمعنا ولا يطبطب على كتفنا المثقل بالكثير من الهموم التي لا يعلم عنها شيئا، لا يدفع أجار بيتنا ولا فواتيره الشهرية، لا يشتري لنا ملابس العيد ومقررات المدرسة، لا يأخذنا إلى المستشفى ولا يسهر فوق رؤوسنا حال المرض، لا يسأل عن حالنا في وقت الضيق واشتداد المحن. يتطفل فقط عندما نكون بخير، يظهر بدون سبق إنذار عندما نستطيع الكلام والضحك واللعب والمشاركة، حينها يستغل جميع وسائل اللؤم والشر لخطف الخير كلّه منّا في لحظة، بتعليق سامّ أو نظرة حقودة أو تصرف حادّ يتسبب في نزيف التسلخات النفسية. إنّه يُطبق نظرية تشارلز دارون بامتياز: البقاء للنفس الأقوى!
في محيط بائس كهذا، أصبحت أماني الناس بسيطة؛ مثل اتخاذ القرار في حياتهم دون مواجهة آراء الجيران أو خوض تجربة السفر وحدهم إلى بلد بعيد للاستكشاف دون التبرير لصاحب البقّالة أن الأمر عادي، أو الارتباط بشريك الحياة في هدوء بعيدا عن العدسات والقاعات، أو الخلاص من علاقة سلبية بعيدا عن نظرات المجتمع الجهولة وتأويلاتهم الغبيّة، أو تغيير المسار الدراسي أو التوجه المهني في سبيل إرضاء النفس دون التصدّي إلى هجوم فقهاء المجتمع الذين يعتقدون أن لا أحد يصبر مثلهم! لا يكون الأمر هيّنا عندما يكون إرضاء النفس غير متطابق مع إرضاء المجتمع، تتعقّد الأمور وتتشابك الآراء التي لم تُطلب ويكثر المتحدثون والعرفاء في كل شيء من لا شيء، وغالبا ما تكون معطياتهم عبارة عن سيناريوهات اختُلقت من وحي خيالهم مدعم بالكثير من الفراغ الروحي.
ألا يشعر هذا المجتمع بمدى الأذى الذي يلحقه بأم مطلقة تشتغل على ترميم نفسها من أجل تنشئة أطفال سوية؟ ألا يبالي لنفسية مراهقٍ يُحاول التعايش مع اضطراب ثنائي القطب؟ ألا يخجل من مضايقة زوج أو زوجة يترقبان نتيجة اختبار الحمل في كل شهر؟ ألا يرحم إنسانا قرر بدء حياته من جديد بعد فترة السجن؟ ألا يكفّ عن اتهام أرملة كتمت حزنها بداخلها وسايرت الحياة بما تبقى لها من قوة كي تستمر الحياة؟ ألا يفكّر قبل مناقشة شخص في اختياره لشريك حياته؟ لماذا أسود وليس أبيض؟ لماذا أكبر سنّا أو أقلّ تعليما؟ لماذا لا يملك شقّة مجهزة؟ أهي كراء أم ملك؟ قرض أم مدفوعة نقدا؟ تكون أسئلتهم جاهزة بشكل مبهر ومتسلسلة وجاهلة في احترام المشاعر والحدود. تأمّل أن روح الإنسان تعيش تحت كل هذا الضغط والقصف في سبيل الانتماء إلى المجتمع.
الغريب في الأمر أن هذا المجتمع هو أنا وأنتِ وأنتَ، أي أنّنا بشرٌ كلنا على حدّ السواء وضرر المجتمع يؤثر علينا جميعا. فلماذا نستمر في تغذية هذا الضرر والمساهمة في تفشيه ما دمنا نعرف المعاناة التي يسببها للنفس البشرية؟ ألا يكفِ الواحد منّا تضاربه مع صراعاته الداخلية؟ ألا يكفِ البشرَ وجود المرض والموت والانفصال والغربة والتشرّد واليُتم والفقر؟ ثم كيف يمكن للناس التركيز في حيوات الآخرين في وجود حياتهم الخاصة؟ من أين يأتي هذا الفائض في الوقت والجهد للتركيز مع أحداثهم الخاصة وأحداث الناس في آن واحد؟
إنّ صحتنا النفسية تحتضر من شدة الإرهاق الاجتماعي. صحيح أنّه لا يمكن إلغاء كينونة المجتمع ولا إنكار أهمية الانتماء إليه، فهو الأمان والهوية والاحتواء مهما قسا وتطفّل، ولكنّنا مطالبون بالنهوض به والتغيير فيه من أجل عيش مشترك أفضل وأرقى، نحتاج إلى الكثير من الرأفة والرفق والاحترام فيما بيننا.
فلنتعلّم أن نقول خيرا أو نصمت، فالكلمة الطيبة صدقة والابتسامة في وجه أخيك خيرٌ يُزرع في الدنيا ويمتد أثره إلى الآخرة، ولنعتزل ما لا يعنينا ولا نتكلّم فيما نجهله، فالبشر أسرار وخبايا لا نعلمها، ولنحترم حدود بعضنا البعض ولا نقتحم المساحات الشخصية فما يجمعنا هو الدين، والدين له حاكم واحد وقول واضح يشبّه المؤمنين بالجسد الذي إذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحُمى، ولنحتفظ بالآراء التي لم تُطلب منّا والانتقادات العقيمة التي تفسد الودّ، ولنُهذب تركيزنا ونوجه طاقاتنا الاستيعابية نحو ما يفيد مساحتنا الخاصة ولندع المساحات الأخرى لأصحابها.