مرافعة المستشار بهاء المري رئيس محكمة جنايات المنصورة عندما كان رئيسًا لنيابة كفر الشيخ الكلية
فى الجنايتين
3594 لسنة 1999مركز كفر الشيخ
2534لسنة 1999 قسم كفر الشيخ
تشكيل عصابى من ثلاثة أفراد يستدرج سائقى التاكسى ويخدرهم ثم يذبحم ليسرق نقودهم ومتعلقاتهم الشخصية وكماليات سياراتهم .
أولا : فاتحة :
سيدى الرئيس ، حضرات المستشارين :
سدَنة العدل ، حُماة الحق ، إن العدل من صفات الله ، وأنتم ظل الله فى أرضه فهو من صفاتكم ، بل هو ألصقها وأشدها اتصالا بواجبكم المقدس السامى الذى وهبتم له حياتكم وما تملكون ، واعتصمتم لصونه ورعايته بضمير زاخر بأعباءَ مضنية من الترفع والنأى عن مواطن الشبهات ، ثم خشية الله التى تساوركم فى كل حين .
لقد حملتم أمانة الحكم بين الناس وهى أمانة خطيرة تنوء بها الجبال الرواسى ولكن خطرها تحوطه روعة ، ويحفه جلال يتأسى به من يعرف ذلك الواجب ويصبوا إلى حسن القيام به ، حتى أرسيتم بهذه القيم دعامات للعدل والإنصاف،تلك الدعامات فى محراب العدالة هى الهدى والنبراس والملاذ للمستضعفين والمظلومين والمغلوبين على أمرهم .
وهل فى الوجود من مستضعف مظلوم ، مغلوب على أمره ، أحق بالرعاية والصون من إنسان انتزع الآثم حياته جبرا ، واستلب روحه بغيا وعدوانا ؟!
بيد أن هذا المظلوم المغلوب على أمره لم تذهب حياته هباء ، بل ألقى على المجتمع عبء الزود عنه وعن روحه بالقصاص له من ذلك الآثم الباغى ، لا لترتد إليه روحه ، ولكن حماية وعونا للمستضعفين الذين يتعرضون لغدر المتجبرين وائتمار الآثمين ، وإنها للحكمة البالغة من قوله جَلّ وعَلاَ " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون " صدق الله العظيم ، سورة البقرة الآية 179.
* * *
كثيرُ هم من تغيوا بغايات كانت ولا زالت فى ناموس الحياة أوزارا ، وفى شريعة السماء معصية وكفرانا ، وكثيرُ هم من اتخذوا الجريمة ديدنا وميثاقا وجعلوها وسيلة يتوسلون بها إلى ما ابتغوا من أمور دنيوية دنيا ، أو استجابة لنوازع حسية شِريرة ، أو شهوة دنيئة حقيرة ، أو للظفر بسقط متاع مذموم .
نعم .. لقد تمرغ الكثيرون فى أوحال الجريمة .. وطغوا وبغوا .. واشتدوا فى اللد والبغضاء .. ولكن أن يُذبح الأبرياء بغير حق ودون جريرة .. فذلك والله جُرم مُخيف .
فمهما بلغ بالمرء الخيال إلى أبشع ما يمكن تصوره من جُرم ، فلن يتخيل أبدا جُرما كالذى تحويه أوراق هاتين القضيتين اللتين بين أيدى حضراتكم وضمائركم اليوم ، وهل لخيال مهما شطحَ وتمثَّل الجحود والكفران ، أن يتمثل التغرير بالأبرياء السَّاعين على أرزاقهم يتكسبون ما يكفى بالكاد لسد رمقهم ورمق أولادهم ، كى يُذبحون كالشياة لاستلاب ونهب هذه الأرزاق على قلتها ، من أجل تدخين سيجارة باجو أو ابتلاع قرصين مخدرين ؟!
كلا والله ، ولكنه وا أسفاه ليس بخيال أسوقه من عندى ، بل ها هو بين أيديكم واقع مر أليم .
وإنى وقد اختارنى القدرُ اليوم غير مشفق علىَّ لعرضه على حضراتكم،فإنى على العكس منه ، لمشفق والله على أسماعكم .
فلا أخالنى أجدُ مرافعة أشق على النيابة ، من أن تترافع فى قضيةٍ تملّك فيها الإدمان من المتهمين .. فدبروا .. وفكروا .. وقتلوا .. وانتشوا بهذا القتل من أجل ذلك الكيف اللعين .
أجل.. فإن الحدث لمفجع , وإن الجرم لمفزع, وإن لهذه الفعلة الشنعاء لمحزونون , فعندما يتسع المعني تضيق العبارة .
ولكنه والواجب ينادينا , والإنصاف يدفعنا لتبيان ذلك الجرم ومبلغ الضُر , كي ينال الطغاة عقابهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم.
فهاتان قضيتان ذات خطر جسيم , فإن الحادث الذي أوجدهما يكشف عن داء اجتماعى وبيل ، يهدد الناس في أرواحهم , ويروع الآمنين في سِربهم . . يكشف عن داء إن لم نبادر بأخذه بيد عسراء ، استفحل ضرره ، وعز اتقاء شره . . هذا الداء هو الاستخفاف بالارواح ، والاستهانه بالقتل من أجل ذلك الكيف اللعين.
ثانيآ : الوقائع :
سيدي الرئيس .. حضرات المستشارين :
هؤلاء القتله .. فتيةٌ طواهم الشيطان تحت لوائه .. وأسبغ عليهم من فُجره وعناده .. فزيَّن لهم الرذيله.. وقبَّح لهم الفضيله, فراحوا في غيهم وطغيانهم يعمهون أدمنوا المخدرات .. استحلوا المسكرات .. واستمرءوا البطاله والضياله .
مع بدء النهار يغدون إلي " عشة " في حقل الأول عطالا ، ويعودون منها في المساء سُكاري.. لم تعد دخولهم تفِ بنهمهم إلي البانجو ، ولا بحاجتهم الملحة إلي الأقراص.
تِلكُم هي صفاتهم التي كشفت عنها التحقيقات , وإني بهذا الوصف لا أستجلب ضوءًا قاتمآ من حولهم ، تنعكس أشعته علي ما سأسرده من فِعالهم،كى تجسد صغيرها ، أو تعظم ضئيلها ، ولكنها حقيقتهم , وإن نذالة الجريمة لتتراءي لحضراتكم من خلال هذه الحقيقه , والنذالة علي حد قول " هيجو" أمعن في الشر من الجريمة .
كان المتهم الأول فيما سلف مالكا وسائقا لتاكسى ، ولكنه الإدمان فصار عاطلا ، وكان الثاني " مبيض محارة " ولسلوكه الشائن لفظه الناس وصار كذلك من العاطلين , أما الثالث فنجل أخت الأخير وجار الأول في الحقل , فأغواه هذان الشيطانان ، فترك فلح الأرض وانغمس معهما حتي أذنيه في أوحال الإدمان،فبخلت عليه الأرض بخيرها وأصبح مثلهما عاطلا , ويوما فيوم أضحت حاجتهم إلي المال مُلحة , وأية وسيلة للحصول عليه مُبرَّرة , وإن كان ذبح الأبرياء .
وفي خِضم بحر شهواتهم الهائج , تفتق ذهنهم الخرِب عن اتفاق جنائى راقت لثلاثتهم فكرته , واستعذبوا جميعا نتيجته ، لقد اعتاد المتهم الأول أن يذهب من حيث يقطن في بندر كفر الشيخ إلي حقله محل الحادث ومحل التقائهم اليومي مستقلا تاكسي عداد , فلِمَ لا يُقتل سائق التاكسي ويُسرق منه القليل الذي يتكسبه وكذا ما يتيسر من كماليات السيارة .
وراقت لهم جميعآ الفكره واستحسنوا الفعله , فعقدوا العزم وبتوا النيه علي استدراج السائقين دون تمييز من بندر كفر الشيخ الي هذه العشه بقتلهم من اجل السرقه , وأعدوا لذلك أسلحه بيضاء , ووجدوا ضالتهم في ما قال المتهم عاشور مبررا لهم هذا الاتفاق ومباركا تلك الفكرة من انه "لابد من المال"
ونفاذا لهذا الاتفاق وتلك النية ، فقد أحرز المتهم الأول مطواة قرن غزال وخرج من مسكنه ببندر كفر الشيخ في التاسع من فبراير عام 1999 ليستوقف ويستدرج أولي ضحاياهم إلي مكان الحادث وهو " عشة فى حقل بقرية مجاورة فكان المجني عليه إبراهيم السيد خليفه ، الذي تَصادَف مروره أمام هذا الشيطان،ذلك السائق رقيق الحال الذي يعمل علي تاكسي نال منه القدم ، وأكل منه الدهر وشرب ، كي يعول أسرته وأب وأم من رزق حلال .
ونظرا لعلاقة الجوار بينهما فقد قبل مطلب المتهم وقام بنقله إلي ذلك الحقل البعيد ، قام بنقله دون أن يدري أن ذئبين بشريين آخرين ينتظرانه هناك علي إثر ذلك الاتفاق ، قام بنقله دون أن يدري أن يد الغدر من ثلاثتهم ستجهز علي حياته هناك.
وكان المتهمان الثاني والثالث قد تأهبا للصيد الثمين , فقد انتظرا في تلك العشة ، يحرز كل منهما أداة قاتله " سكين ومطواه" .
وما أن وافت السياره مكان الحادث ، حتي احتفوا بالضيف القتيل , لقد أعد له الأول والثاني كوبا من الشاي دسَّا فيه أقراصا مخدر ، أعدَّاه ليس احتفاءً به ولا إكراما له ، فان الأخلاق لا تعرف إليهم سبيلا , وإنما أعداه نفاذا لذلك الاتفاق وبدءا في تنفيذ أحد عناصر الجريمة ، وصولا إلي غايتهم ، وهي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ابتغاء السرقة , وما أن احتساه المسكين وفقد على إثره شيئا من الوعى ، حتي أوثقوا يديه وقدميه بالحبال كالشاة حين تُطرح للذبح .
ولما استشعر الخطر ، قال يخاطبهم بلسان يتلعثم من أثر المخدر ، أتركوني أتركونى ، ماذا فعلت بكم ، ما جريرتي ، صغاري يحتاجوننى .. زوجتي تنتظرنى أبي وأمي أرعاهما ، هل هذا جزاء مروءتى , هل هذا جزاء نخوتى .
ولكن هيهات .. هيهات ، فهل مثل هؤلاء يعرفون الرحمة ، هل مثل هؤلاء يفقهون عن المروءة أو النخوة حديثا .
ولكن وا أسفاة .. فما زادتهم هذه التوسلات إلا ضراوة وطغيانا ، فيشُد بعضهم من أزر بعض ، يتبادلون نظرات ينطلق منها الشرر ، نظرات يفهمون هم وحدهم معناها ، فيستحث كل منهم الآخر لموالاة الطعن .
وبذات الأيدي الجريئة الغادرة ، يوالون الطعن في الجسد الهذيل " سبعة عشر طعنة نافذة في الصدر ، أى جميعها فى مقتل ، قاصدين إزهاق روحه بُغية السرقة .
وفي لحظات ، يصير الشاب كالفنن الزاوي نُحولا ، وكالمغيب اصفرارا وتصعد الروح إلي بارئها ، لا راضية ولا مرضية ، وإنما شاكية لربها تلك الخسة وذلك الغدر المبين .
ويشعر المجرمون بالانتصار ، يفتشون الرجل ، ها هى نقوده ، إثنى عشرة جنيها ليس إلا ، وها هى ساعة يده ، وهذا حذاؤه ، حتى الحذاء لم يتركوه .
يا لبئس ما مِن أجله قتلوه ، إن كل ما يمكن أن يُقوَّم بمالٍ حتي وإن كان حذاء سرقوه ، أما التاكسى الهزيل فلم يجدوا فيه من كماليات ، سوي سماعتين دون تسجيل فسرقوهما, وفى النهاية ، يُلقون بالجثه في شنطة التاكسي ويقوده المتهم الأول إلي ناحية كفر دخميس بمركز المحلة الكبرى ليخفونها بداخله هناك , بينما ينصرف الذئبان الآخران بالمسروقات .
ويشيع نبأ الحادث ، تولول الزوجة , تبكي فجيعتها , عائلها ، زوجها ويصرخ الصغار فى فزع شديد شديد لصراخ أمهم ، ويهرع إليهم المتهم الأول كباقي الجيران , يسأل عما ألمَّ بهم , ويقف ويده ملطخة بالدماء ليشاركهم أحزانهم بل ويتلقي العزاء في ذبيحته , يا لفُجره وموت قلبه ودناءته .
بئسَت خلائق كالسراب خوادعُ تُخفي الأذي وتُبدَّل الأوضاعا
عشِقت مخادنة الدناءة وانبرت تستعذب التضليل والإيقاعا
ويُروِّع الحادث الآمنين , ويُلقي الرعب في قلوب الناس , أما أولئك القتلة فما ذادهم الحادث إلا نشوة وإحساس بالانتصار, وكأن شيئا لم يكن .
* * *
وقبل أن ينصرم شهر من وقوع هذا الحادث البشع الأليم ، يستأنفون تنفيذ حلقة أخري من حلقات مسلسلهم الإجرامي الخطير ، فيرتكبون واقعة الجناية الأخري المطروحة هي كذلك علي عدل حضراتكم اليوم .
فانطلاقا من اتفاقهم الإجرامي السابق علي قتل من يتيسر لهم الايقاع به من سائقى التاكسى عمدا مع سبق الإصرار والترصد بقصد السرقة ، والذي بدأ بمقتل المجني عليه الأول " إبراهيم السيد خليفه " وقبل أن تجف دماء هذا الأخير , أو أن تهدأ حدة ذلك الهلع والفزع الذى خلَّفه الحادث الأول في قلوب الناس ، يتجه المتهمين الأول والثالث إلي بندر كفر الشيخ مرة أخرى ، ويبيتان ليلتهما بمنزل الأول ، حتى إذا ما كان يوم الثالث من مارس من ذات العام ، يستوقفان ضحية جديدة , فكان المجني عليه الثاني سامي السيد خفاجى , ذلك الأجير الذي حسبه من التاكس الذي يعمل عليه لقيمات ليس إلا ، ويستدرجانه إلي ذات العشة في ذلك الحقل .
وكان المتهم الثاني عاشور في انتظارهما , وكالمخطط الإجرامي المرسوم والنيه المبيتة , أعد الأول والثاني الشاي علي " ركية " في وجود الثالث ، ودسوا فيه أقراصا مخدرة وقدموه بيدٍ جريئةٍ قاتلةٍ غادرةٍ خادعةٍ للضيف المسكين , وعلي إثره يفقد الشاب الوعي ، فيوثق ثلاثتهم رجليه وقدميه ، وينهالون عليه طعنا بما يحرزون من أجل هذا الغرض من أسلحه بيضاء, وإذ خارت قواه ، وظنوه قد مات سرقوا نقوده , سبعة عشر جنيها , ثم ساعة يده , ثم حذائه , إنه كل ما يملك .
ويضعون الجثه كالشاة المذبوحة في " شنطة " السيارة ، ويقومون بها إلي بلد آخر بُغية تزويدها بالوقود , وفي الطريق يكتشفون أن الرجل يتأوه, إن روحه لم تزل تتردد بين جوانحه , فينزعجون , وينظرون كل الي الآخر من جديد ، تلك النظرات التي يفهمون وحدهم معناها ، ويتوقفون بالسيارة , ليستل المتهم الأول مطواته من جديد , ولكنه فى هذه المرة لا يطعنه ، وإنما يذبحه ذبح الخراف،فيسكن الجسد الهزيل إلي الأبد ، وتصعد الروح الطاهرة غلي بارئها .
وبهدوء فظيع , وروية لا مثيل لها ، يعودون إلي الحقل مرة أخرى،فيسرقون ما استطاعوا من كماليات السيارة , وبذات الهدوء وتلك الروية ينصرف المتهم الثاني والثالث بالمسروقات ، بينما ويتوجه الأول بالسيارة وفي " شنطتها " الجثة ليتركها في قلب مدينة كفر الشيخ ، متحديا كل الخلق , غير عابيء بما ألقي الحادث الأول من فزعٍ ورعبٍ في قلوب الناس .
ثالثا : أدلة الإثبات ومؤداها :
تلكُم هى الوقائع , أما أدلتنا ، فقد وعتها شهادة الشهود من رجال الشرطة ، بما لا مزيد فيه لمستزيد , وهي تُجزم أن المتهمين جميعا قد اتفقوا فيما بينهم وعقدوا العزم وبيتوا النية علي قتل المجني عليهما بُغية السرقة وِفق العرض السالف بيانه .
وها هُم المتهمون يعترفون في التحقيقات تفصيليا بارتكاب الواقعة فلقد صوًّر الأول والثالث كيفية القيل صوتا وصورة فور الانتهاء من استجوابهما وقال صراحة أنهم لم يتعرضوا لثمة إكراه مادى أو معنوى من رجال الشرطة .
أما اعتراف المتهم الثاني عاشور فلنتوقف عنده قليلا ، فقد اعترف بتواجده علي مسرح الحادث إبان مقتل المجني عليه الثاني , بيد أنه يقول بعدم اشتراكه في الواقعة , ولكنه محض دفاع مرسل , ذلك أنه قد اعترف بالصحيفه رقم 64 من التحقيقات أن المتهم الثالث قد بات الليلة السابقة علي الحادث الأخير مع المتهم الأول كي يستدرجان في اليوم التالي ضحية أخري لقتلها ، وأضاف في الصحيفة 66 أنه صنع الشاي بنفسه ، بينما وضع فيه المتهمان الآخران الحبوب المخدرة , ويشاء الحكم العدل أن نعثر إبان معاينتنا لمكان الحادث علي عدد من أكواب الشاي ، يثبت من التحليل الكيماوي أن غُسالة إحدها تحتوي علي أحد مشتقات " الفينوثيازين " من المهدئات ، وأن أحشاء المجني عليه قد عُثر فيها علي ذات المادة , فهل بعد كل هذا نصدقه فيما ادعاه من أنه لم يشترك في القتل ؟!
وها هى ساعتا وحذاءا المجني عليهما وكماليات التاكسي قيادة المجني عليه الثاني تُضبط في مسكن المتهم الثالث وبإرشاده ، أما سماعتا التاكسي قيادة المجنى عليه الأول فيبيعهما المتهم الثاني لآخر حسن النية ، ويُرشد بنفسه عن المشترى ويتم ضبطهما .
وهاهي الأسلحه البيضاء المستخدمة في الواقعتين يعثر الشهود من رجال الشرطة علي إحداها بحوزة المتهم الأول ، وعلي باقيها بمسكن الثالث وبإرشاده ويعترفان أنها المستخدمة في الحادثين .
أما الدليل الفني :
فقد ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليه إبراهيم السيد خليفه تعزي الي اصابته بسبعه عشر جرحا طعنيآ نافذا في مسافة 20×25 بمقدم يسار الصدر مما اددت إليه مجتمعه من قطوع بالقلب والرئتين وأسفل المرئ والكليه اليسري وما صحب ذلك من نزيف دموي غزير وصدمه , وان هذه الاصابات من نصل اله او الات حاده .
يا إلهى .
سبعة عشر طعنة نافذة في مكان واحد هو يسار الصدر , أي في مقتل لا محاله وفي مقابل القلب والرئتين والمرئ والطحال .
رُحماك يا ربى .
كما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجنى عليه الأول إبراهيم السيد خفاجى تُعزى إلي إصابته بجرح ذبحي أعلي مقدم العنق أسفل البروز الحنجرى بما أحدثه من تهتك بالأوعيه الدموية والأعصاب الرئيسيه بالعنق , وأن الإصابات الطعنية النافذة بالصدر يمكن أن تكون قد ساعدت علي سرعة الوفاة وأن الجرح الذبحي يجوز حدوثه من مثل المطواة قرن الغزال المرسلة , وأن الجروح القطعية حدثت من أداة حادة أو ذات نصل حاد ، واحدة أو اكثر ، ويمكن إحداثها من مثل الأدوات المرسلة .
حتي المجنى عليه الثانى ، كل هذه الطعنات ، ثم في النهايه الذبح ؟!
كما ثبت من التقرير الطبي الشرعي وجود دماء آدمية على نصل المطواة قرن الغزال ونصل السكين في واقعتى القتل , وكذا دماء آدمية علي قطعة الفلين والقشره الجافة التي عثرت عليها النيابة بمسرح الحادث .
كما ثبت من شهادة الفنين بإدارة مرور كفر الشيخ أن فيشة كهرباء السيارة المعثور عليها بمسرح الحادث ، تخص السيارة قيادة المجني عليه الثاني ، وقُطعت لدي سرقة لوحة مفاتيح الأنوار.
وثبت من تقرير المعمل الكيماوي أن الأكواب الزجاجية المعثور عليه بمكان الحادث ، وُجد بغسالة إحداها آثار لأحد مشتقات " الفينوثيازين " من المهدئات وعُثر بالأحشاء المأخوذة من الجثة علي ذات المادة المهدئة.
إنها ضمائر ميتة ، وقلوب كالحجارة أو أشد قسوة وعتيا , بل إننا لنظلم الحجارة إنْ شبهنا قلوبهم بها , فقد قال فيها رب العباد : " وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " صدق الله العظيم ، الآية 74 من سورة البقرة .
* * *
رابعا : التطبيق القانونى :
أما الآن وقد جاء دور التحدث عن القانون ، فإنما أعرض عقيدتى غير هيَّابٍ سوأة الخطل وعثرة النظر ، وكلمتكم سيكون فيها فصل الخطاب .
وأمامى الآن ثلاث نقاط أستجليها وأستوضحها :
أولا : قيام نية القتل عند المتهمين :
إنَّ نية القتل ترتبط بالوقائع , بل هي من صميمها , وما دامت من الوقائع فى الصميم , فإن التحدث عنها الآن فى موطن التطبيق القانونى يكون فضلةً فى القول لا مبرر لها ، ويكفينى إذن أن أشير إلى ما وعته شهادة الشهود ، واعتراف المتهم الأول من أن ثلاثتهم قد استدرجوا المجنى عليهما لا لشىء سوى قتلهما وسرقة نقودهما ومتعلقاتهما الشخصية وكماليات السيارتين قيادتهما ، وقد تقدم بيان ذلك بما هو فى الإيضاح أوفى ، فضلا عن تعدد الطعنات فى جسد المجنى عليهما وفى مقتل
ثانيا : تحقق ظرف سبق الإصرار :
والكلام عن هذا الظرف يتصل فى الواقع بقيام نية القتل عند المتهمين من جهة وبظرف الترصد من جهة أخرى ، فأما اتصاله بقيام نية القتل فيرجع إلى أنه متى ثبت فى نظر المحكمة من البينات ومجموع ظروف الدعوى التى شرحتها أن المتهمين تعمدوا قتل المجنى عليهما بعد استدراجهما إلى مكان الحادث الذى لم يكونا ذاهبين إليه إلا لأجل هذا الاستدراج ، ولا كانا ليمرا فيه لولا ذلك ، فإن تلك الظروف نفسها تنفى بتاتا أن فكرة القتل جاءت المتهمين بغتة عندما رأوا السائقين وأول ظاهرة تمحو الريبة فى ذلك وتثبت اليقين فى صحته ، أنه لم يكن بين المتهمين والمجنى عليهما خلافات ، ولم يحدث على مسرح الحادث أمر يستثير غضبهم ويدفعهم إلى القتل ، وإنما كان القتل وليد تخطيط وتدبير وروية .
وأما اتصال سبق الإصرار بظرف الترصد فإنه من المسلم عقلا ، أنه قلما توجد حالة يتوافر فيها ظرف الترصد ولا يتوافر فيها سبق الإصرار .
ثالثا : تحقق ظرف الترصد :
وهذا الظرف لا يحتاج فى البيان لأكثر من أن أعيد على حضراتكم ما قال المتهم الأول يوسف من أنه قد اصطحب السائق المجنى عليه الأول من بندر كفر الشيخ إلى مكان الحادث دون أن يقصده بشخصه وإنما بصفته سائق تاكسى ، وأنه والمتهم الثالث وليد اصطحبا المجنى عليه الثاني من ذات البندر إلي ذات مكان الحادث, وهذا البندر مكان معلوم للمتهمين أن سائقي التاكسي عمومآ يتجولون فيه باحثين عن ركاب .
خامسآ : تفنيد ادلة النفي
سيدي الرئيس , حضرات المستشارين :
لقد محصت النيابة العامة الأوراق بحثآ عما يمكن أن يتذرع به المتهمين الأول والثاني كي تقسطه حقه فلم تجد البتة , ولكنها استشعرت ما يمكن أن يتزرع به المتهم الثاني عاشور ، من أنه وإن كان قد اعترف بتواجده علي مسرح الحادث عند قتل المجني عليه الثاني وإخفاء جثته والمسروقات ، إلا أنه لم يعترف بارتكابه واقعة القتل , بيد أن مثل هذا القول قد دحضته شهادة الشهود واعتراف المتهمين الأول والثالث بأنه فاعل معهما في الواقعتين على إثر اتفاق مسبق , ولو صح قوله لكان قد خف إلي الإبلاغ وتبرئة ساحته ، فضلا عن أن أحد المعترفين عليه هو نجل شقيقته ولا خلافات بينهما ، مما يدفع مظنة أنه يزج بخاله في هذا الاتهام البشع دون جريرة .
ثم بماذا يفسر المتهم عاشور واقعة بيعه سماعتي التاكسي قيادة المجني عليه الأول , لقد أحرِج المتهم عاشور والمُحرج لا يقول الا عبثا .
وأما ما أثاره دفاع المتهم الثالث وليد بجلسة تجديد الحبس بعد خمسة وأربعين يوما من بداية هذا الحبس , وما أثاره دفاع المتهم الأول بعد اثنين وستون يومآ من هذا التاريخ بأن بهما إصابات تثبت تعرضهما لإكراه من رجال الشرطه فمردود عليه بأن النيابة العامة قد ناظرتهم جميعا فور مثولهم أمامها ، فلم تجد في أي منهم ثمة إصابات , بل أفسحت لهم صدرها ومجالا للقول بما عسي أن يكونوا قد تعرضوا له من صنوف أخري من الإكراه مما تترك بالأجساد أثرا , فأجابوا نفيا بل قال المتهمان وليد يوسف في الصحيفتين 45 ,47 من التحقيقات أنهما اعترفا لأنها الحقيقة ، ولكى يريحا صدريهما , وراجعوا حضراتكم شريط الفيديو الخاص بالمعاينة التصويرية ، وستشاهدون بأم أعينكم اعترافا صريحا يتوافق وماديات الدعوي دون ثمة إكراه من أي نوع , فضلا عن أن المتهمين جميعا قد اعترفوا أمام السيد قاضي المعارضات لدي تجديد حبسهم في اليوم الرابع بأنهم ارتكبوا الواقعتين فلم يقل أيا منهم أنه تعرض لثمة إكراه .
وعلي كل حال فقد أفسحت لهم هيئتكم الموقرة صدرها وأمرتم بالجلسة السابقة بعرضهم جميعا علي الطب الشرعي فقالوا لمن أجري الكشف عليهم أنهم تعرضوا للتعذيب بصعق كهربائى , إلا ان تقرير الطب الشرعي جاء قاطعآ علي إفكهم .
وحسبي هذا القدر من الحديث عن التطبق القانوني وأراني قد أسرفتُ في استغلالى سعة صدوركم , ناسيا أنكم قد تسأمون سماع ما تعلمون ، وترديد ما تُدركون .
فها أنا أختتم بما هو آت :
سادسآ :. الخاتمه
سيدى الرئيس حضرات الساده المستشارين
تلكم وقائع الدعوى وأدلتها والرأي القانوني فيها , وما يمكن أن يُثار من جانب المتهمين .
وأما الدفاع ، فلا أظنه سيقول إلا ما قاله شيخ المحامين إبراهيم الهلباوي بك لموكله إبراهيم الورداني الذي ثبت اتهامه بقتل بطرس باشا غالي:
" إقبل نبالَ الموت بقلب البواسل , فالموت آت لا راد له ، إن لم يكن اليوم فغدا إذهب .. فقد يكون في موتك بقضاء البشر عظة لأمتك أكثر من حياتك , فإن قلوب العباد إذا ضاقت رحمتها عليك فرحمة الله واسعة "
ولا أخال الدفاع والحال كذلك إلا يبغون القصاص , ولن يكون ذلك منهم قسوة علي المتهمين ، ذلك أن الجميع يخضع لقانون يحمي سلامة المجتمع البشري ويصونه , والدفاع أحق الناس بالخضوع لهذا القانون .
وأما ما يمكن أن يُثار من مقولة أن الرحمة فوق العدل , فأى رحمة تلك التي يُمكن أن تشمل هؤلاء القتلة , إن الرحمة نفسها لتأبي إن خُيِّرت أن تُضفى ظلالها عليها , وأى رحمة تلك التي يمكن أن تُواجِه حدًا من حُدود الله .
فلقد عصف المتهمون كل عصف بالإنسانية في أعز مقدساتها , التراحم الإنساني وحُسن الجوار , عصفوا بكل ذلك وهم مزودون بزادٍ من ضراوة الوحوش وتنطع الجهلاء , فاستهانوا بالنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق , فرجعت إلي ربها لا راضية ولا مرضية تشكو ظلم الإنسان للإنسان .
سيدي الرئيس حضرات المستشارين :
أطفالٌ يتامى ، وزوجاتٌ أرامل , وأمهاتٌ ثكلى , وأباءٌ فُجَّع ، ومجتمعٌ رُوِّع ورَوْحٌ تطّوف الآن بهذه الساحة الطاهرة ، يناشدون ضمائركم , ويلوذون بعدلكم القصاص القصاص .
إقضوا بإعدامهم ، فقد يكون فى موتهم بقضائكم عظةُ للناس أكثر من حياتهم.
بسم الله الرحمن الرحيم :
" وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظلِمُونَ " صدق الله العظيم ، سورة النحل الآية 118 .
ونشكر لحضراتكم حسن استماعكم وسعة صدوركم .
* * *
ملحوظة : قضت محكمة جنايات كفر الشيخ برئاسة المستشار عبد الرزاق محمد عبد الرحمن وعضوية المستشارين حسين عبد الكريم ويسرى حجازى وحضور بهاء المرى رئيس النيابة وأمانة سر أحمد عيد حرب ، حضوريا بجلسة 10 يولية 2000 وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهمين بالإعدام عما أسند إليهم ومصادرة الأسلحة البيضاء المضبوطة ، وألزمتهم المصاريف الجنائية ، وفى الدعوى المدنية بإلزامهم أن يؤدوا للمدعين بالحق المدنى مبلغ 501 جنيه على سبيل التعويض المدنى المؤقت والمصاريف ، وعشرون جنيها مقابل أتعاب المحاماة .
وتم تنفيذ حكم الإعدام فى المتهمين .
منصة جنائيون
فى الجنايتين
3594 لسنة 1999مركز كفر الشيخ
2534لسنة 1999 قسم كفر الشيخ
تشكيل عصابى من ثلاثة أفراد يستدرج سائقى التاكسى ويخدرهم ثم يذبحم ليسرق نقودهم ومتعلقاتهم الشخصية وكماليات سياراتهم .
أولا : فاتحة :
سيدى الرئيس ، حضرات المستشارين :
سدَنة العدل ، حُماة الحق ، إن العدل من صفات الله ، وأنتم ظل الله فى أرضه فهو من صفاتكم ، بل هو ألصقها وأشدها اتصالا بواجبكم المقدس السامى الذى وهبتم له حياتكم وما تملكون ، واعتصمتم لصونه ورعايته بضمير زاخر بأعباءَ مضنية من الترفع والنأى عن مواطن الشبهات ، ثم خشية الله التى تساوركم فى كل حين .
لقد حملتم أمانة الحكم بين الناس وهى أمانة خطيرة تنوء بها الجبال الرواسى ولكن خطرها تحوطه روعة ، ويحفه جلال يتأسى به من يعرف ذلك الواجب ويصبوا إلى حسن القيام به ، حتى أرسيتم بهذه القيم دعامات للعدل والإنصاف،تلك الدعامات فى محراب العدالة هى الهدى والنبراس والملاذ للمستضعفين والمظلومين والمغلوبين على أمرهم .
وهل فى الوجود من مستضعف مظلوم ، مغلوب على أمره ، أحق بالرعاية والصون من إنسان انتزع الآثم حياته جبرا ، واستلب روحه بغيا وعدوانا ؟!
بيد أن هذا المظلوم المغلوب على أمره لم تذهب حياته هباء ، بل ألقى على المجتمع عبء الزود عنه وعن روحه بالقصاص له من ذلك الآثم الباغى ، لا لترتد إليه روحه ، ولكن حماية وعونا للمستضعفين الذين يتعرضون لغدر المتجبرين وائتمار الآثمين ، وإنها للحكمة البالغة من قوله جَلّ وعَلاَ " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون " صدق الله العظيم ، سورة البقرة الآية 179.
* * *
كثيرُ هم من تغيوا بغايات كانت ولا زالت فى ناموس الحياة أوزارا ، وفى شريعة السماء معصية وكفرانا ، وكثيرُ هم من اتخذوا الجريمة ديدنا وميثاقا وجعلوها وسيلة يتوسلون بها إلى ما ابتغوا من أمور دنيوية دنيا ، أو استجابة لنوازع حسية شِريرة ، أو شهوة دنيئة حقيرة ، أو للظفر بسقط متاع مذموم .
نعم .. لقد تمرغ الكثيرون فى أوحال الجريمة .. وطغوا وبغوا .. واشتدوا فى اللد والبغضاء .. ولكن أن يُذبح الأبرياء بغير حق ودون جريرة .. فذلك والله جُرم مُخيف .
فمهما بلغ بالمرء الخيال إلى أبشع ما يمكن تصوره من جُرم ، فلن يتخيل أبدا جُرما كالذى تحويه أوراق هاتين القضيتين اللتين بين أيدى حضراتكم وضمائركم اليوم ، وهل لخيال مهما شطحَ وتمثَّل الجحود والكفران ، أن يتمثل التغرير بالأبرياء السَّاعين على أرزاقهم يتكسبون ما يكفى بالكاد لسد رمقهم ورمق أولادهم ، كى يُذبحون كالشياة لاستلاب ونهب هذه الأرزاق على قلتها ، من أجل تدخين سيجارة باجو أو ابتلاع قرصين مخدرين ؟!
كلا والله ، ولكنه وا أسفاه ليس بخيال أسوقه من عندى ، بل ها هو بين أيديكم واقع مر أليم .
وإنى وقد اختارنى القدرُ اليوم غير مشفق علىَّ لعرضه على حضراتكم،فإنى على العكس منه ، لمشفق والله على أسماعكم .
فلا أخالنى أجدُ مرافعة أشق على النيابة ، من أن تترافع فى قضيةٍ تملّك فيها الإدمان من المتهمين .. فدبروا .. وفكروا .. وقتلوا .. وانتشوا بهذا القتل من أجل ذلك الكيف اللعين .
أجل.. فإن الحدث لمفجع , وإن الجرم لمفزع, وإن لهذه الفعلة الشنعاء لمحزونون , فعندما يتسع المعني تضيق العبارة .
ولكنه والواجب ينادينا , والإنصاف يدفعنا لتبيان ذلك الجرم ومبلغ الضُر , كي ينال الطغاة عقابهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم.
فهاتان قضيتان ذات خطر جسيم , فإن الحادث الذي أوجدهما يكشف عن داء اجتماعى وبيل ، يهدد الناس في أرواحهم , ويروع الآمنين في سِربهم . . يكشف عن داء إن لم نبادر بأخذه بيد عسراء ، استفحل ضرره ، وعز اتقاء شره . . هذا الداء هو الاستخفاف بالارواح ، والاستهانه بالقتل من أجل ذلك الكيف اللعين.
ثانيآ : الوقائع :
سيدي الرئيس .. حضرات المستشارين :
هؤلاء القتله .. فتيةٌ طواهم الشيطان تحت لوائه .. وأسبغ عليهم من فُجره وعناده .. فزيَّن لهم الرذيله.. وقبَّح لهم الفضيله, فراحوا في غيهم وطغيانهم يعمهون أدمنوا المخدرات .. استحلوا المسكرات .. واستمرءوا البطاله والضياله .
مع بدء النهار يغدون إلي " عشة " في حقل الأول عطالا ، ويعودون منها في المساء سُكاري.. لم تعد دخولهم تفِ بنهمهم إلي البانجو ، ولا بحاجتهم الملحة إلي الأقراص.
تِلكُم هي صفاتهم التي كشفت عنها التحقيقات , وإني بهذا الوصف لا أستجلب ضوءًا قاتمآ من حولهم ، تنعكس أشعته علي ما سأسرده من فِعالهم،كى تجسد صغيرها ، أو تعظم ضئيلها ، ولكنها حقيقتهم , وإن نذالة الجريمة لتتراءي لحضراتكم من خلال هذه الحقيقه , والنذالة علي حد قول " هيجو" أمعن في الشر من الجريمة .
كان المتهم الأول فيما سلف مالكا وسائقا لتاكسى ، ولكنه الإدمان فصار عاطلا ، وكان الثاني " مبيض محارة " ولسلوكه الشائن لفظه الناس وصار كذلك من العاطلين , أما الثالث فنجل أخت الأخير وجار الأول في الحقل , فأغواه هذان الشيطانان ، فترك فلح الأرض وانغمس معهما حتي أذنيه في أوحال الإدمان،فبخلت عليه الأرض بخيرها وأصبح مثلهما عاطلا , ويوما فيوم أضحت حاجتهم إلي المال مُلحة , وأية وسيلة للحصول عليه مُبرَّرة , وإن كان ذبح الأبرياء .
وفي خِضم بحر شهواتهم الهائج , تفتق ذهنهم الخرِب عن اتفاق جنائى راقت لثلاثتهم فكرته , واستعذبوا جميعا نتيجته ، لقد اعتاد المتهم الأول أن يذهب من حيث يقطن في بندر كفر الشيخ إلي حقله محل الحادث ومحل التقائهم اليومي مستقلا تاكسي عداد , فلِمَ لا يُقتل سائق التاكسي ويُسرق منه القليل الذي يتكسبه وكذا ما يتيسر من كماليات السيارة .
وراقت لهم جميعآ الفكره واستحسنوا الفعله , فعقدوا العزم وبتوا النيه علي استدراج السائقين دون تمييز من بندر كفر الشيخ الي هذه العشه بقتلهم من اجل السرقه , وأعدوا لذلك أسلحه بيضاء , ووجدوا ضالتهم في ما قال المتهم عاشور مبررا لهم هذا الاتفاق ومباركا تلك الفكرة من انه "لابد من المال"
ونفاذا لهذا الاتفاق وتلك النية ، فقد أحرز المتهم الأول مطواة قرن غزال وخرج من مسكنه ببندر كفر الشيخ في التاسع من فبراير عام 1999 ليستوقف ويستدرج أولي ضحاياهم إلي مكان الحادث وهو " عشة فى حقل بقرية مجاورة فكان المجني عليه إبراهيم السيد خليفه ، الذي تَصادَف مروره أمام هذا الشيطان،ذلك السائق رقيق الحال الذي يعمل علي تاكسي نال منه القدم ، وأكل منه الدهر وشرب ، كي يعول أسرته وأب وأم من رزق حلال .
ونظرا لعلاقة الجوار بينهما فقد قبل مطلب المتهم وقام بنقله إلي ذلك الحقل البعيد ، قام بنقله دون أن يدري أن ذئبين بشريين آخرين ينتظرانه هناك علي إثر ذلك الاتفاق ، قام بنقله دون أن يدري أن يد الغدر من ثلاثتهم ستجهز علي حياته هناك.
وكان المتهمان الثاني والثالث قد تأهبا للصيد الثمين , فقد انتظرا في تلك العشة ، يحرز كل منهما أداة قاتله " سكين ومطواه" .
وما أن وافت السياره مكان الحادث ، حتي احتفوا بالضيف القتيل , لقد أعد له الأول والثاني كوبا من الشاي دسَّا فيه أقراصا مخدر ، أعدَّاه ليس احتفاءً به ولا إكراما له ، فان الأخلاق لا تعرف إليهم سبيلا , وإنما أعداه نفاذا لذلك الاتفاق وبدءا في تنفيذ أحد عناصر الجريمة ، وصولا إلي غايتهم ، وهي القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ابتغاء السرقة , وما أن احتساه المسكين وفقد على إثره شيئا من الوعى ، حتي أوثقوا يديه وقدميه بالحبال كالشاة حين تُطرح للذبح .
ولما استشعر الخطر ، قال يخاطبهم بلسان يتلعثم من أثر المخدر ، أتركوني أتركونى ، ماذا فعلت بكم ، ما جريرتي ، صغاري يحتاجوننى .. زوجتي تنتظرنى أبي وأمي أرعاهما ، هل هذا جزاء مروءتى , هل هذا جزاء نخوتى .
ولكن هيهات .. هيهات ، فهل مثل هؤلاء يعرفون الرحمة ، هل مثل هؤلاء يفقهون عن المروءة أو النخوة حديثا .
ولكن وا أسفاة .. فما زادتهم هذه التوسلات إلا ضراوة وطغيانا ، فيشُد بعضهم من أزر بعض ، يتبادلون نظرات ينطلق منها الشرر ، نظرات يفهمون هم وحدهم معناها ، فيستحث كل منهم الآخر لموالاة الطعن .
وبذات الأيدي الجريئة الغادرة ، يوالون الطعن في الجسد الهذيل " سبعة عشر طعنة نافذة في الصدر ، أى جميعها فى مقتل ، قاصدين إزهاق روحه بُغية السرقة .
وفي لحظات ، يصير الشاب كالفنن الزاوي نُحولا ، وكالمغيب اصفرارا وتصعد الروح إلي بارئها ، لا راضية ولا مرضية ، وإنما شاكية لربها تلك الخسة وذلك الغدر المبين .
ويشعر المجرمون بالانتصار ، يفتشون الرجل ، ها هى نقوده ، إثنى عشرة جنيها ليس إلا ، وها هى ساعة يده ، وهذا حذاؤه ، حتى الحذاء لم يتركوه .
يا لبئس ما مِن أجله قتلوه ، إن كل ما يمكن أن يُقوَّم بمالٍ حتي وإن كان حذاء سرقوه ، أما التاكسى الهزيل فلم يجدوا فيه من كماليات ، سوي سماعتين دون تسجيل فسرقوهما, وفى النهاية ، يُلقون بالجثه في شنطة التاكسي ويقوده المتهم الأول إلي ناحية كفر دخميس بمركز المحلة الكبرى ليخفونها بداخله هناك , بينما ينصرف الذئبان الآخران بالمسروقات .
ويشيع نبأ الحادث ، تولول الزوجة , تبكي فجيعتها , عائلها ، زوجها ويصرخ الصغار فى فزع شديد شديد لصراخ أمهم ، ويهرع إليهم المتهم الأول كباقي الجيران , يسأل عما ألمَّ بهم , ويقف ويده ملطخة بالدماء ليشاركهم أحزانهم بل ويتلقي العزاء في ذبيحته , يا لفُجره وموت قلبه ودناءته .
بئسَت خلائق كالسراب خوادعُ تُخفي الأذي وتُبدَّل الأوضاعا
عشِقت مخادنة الدناءة وانبرت تستعذب التضليل والإيقاعا
ويُروِّع الحادث الآمنين , ويُلقي الرعب في قلوب الناس , أما أولئك القتلة فما ذادهم الحادث إلا نشوة وإحساس بالانتصار, وكأن شيئا لم يكن .
* * *
وقبل أن ينصرم شهر من وقوع هذا الحادث البشع الأليم ، يستأنفون تنفيذ حلقة أخري من حلقات مسلسلهم الإجرامي الخطير ، فيرتكبون واقعة الجناية الأخري المطروحة هي كذلك علي عدل حضراتكم اليوم .
فانطلاقا من اتفاقهم الإجرامي السابق علي قتل من يتيسر لهم الايقاع به من سائقى التاكسى عمدا مع سبق الإصرار والترصد بقصد السرقة ، والذي بدأ بمقتل المجني عليه الأول " إبراهيم السيد خليفه " وقبل أن تجف دماء هذا الأخير , أو أن تهدأ حدة ذلك الهلع والفزع الذى خلَّفه الحادث الأول في قلوب الناس ، يتجه المتهمين الأول والثالث إلي بندر كفر الشيخ مرة أخرى ، ويبيتان ليلتهما بمنزل الأول ، حتى إذا ما كان يوم الثالث من مارس من ذات العام ، يستوقفان ضحية جديدة , فكان المجني عليه الثاني سامي السيد خفاجى , ذلك الأجير الذي حسبه من التاكس الذي يعمل عليه لقيمات ليس إلا ، ويستدرجانه إلي ذات العشة في ذلك الحقل .
وكان المتهم الثاني عاشور في انتظارهما , وكالمخطط الإجرامي المرسوم والنيه المبيتة , أعد الأول والثاني الشاي علي " ركية " في وجود الثالث ، ودسوا فيه أقراصا مخدرة وقدموه بيدٍ جريئةٍ قاتلةٍ غادرةٍ خادعةٍ للضيف المسكين , وعلي إثره يفقد الشاب الوعي ، فيوثق ثلاثتهم رجليه وقدميه ، وينهالون عليه طعنا بما يحرزون من أجل هذا الغرض من أسلحه بيضاء, وإذ خارت قواه ، وظنوه قد مات سرقوا نقوده , سبعة عشر جنيها , ثم ساعة يده , ثم حذائه , إنه كل ما يملك .
ويضعون الجثه كالشاة المذبوحة في " شنطة " السيارة ، ويقومون بها إلي بلد آخر بُغية تزويدها بالوقود , وفي الطريق يكتشفون أن الرجل يتأوه, إن روحه لم تزل تتردد بين جوانحه , فينزعجون , وينظرون كل الي الآخر من جديد ، تلك النظرات التي يفهمون وحدهم معناها ، ويتوقفون بالسيارة , ليستل المتهم الأول مطواته من جديد , ولكنه فى هذه المرة لا يطعنه ، وإنما يذبحه ذبح الخراف،فيسكن الجسد الهزيل إلي الأبد ، وتصعد الروح الطاهرة غلي بارئها .
وبهدوء فظيع , وروية لا مثيل لها ، يعودون إلي الحقل مرة أخرى،فيسرقون ما استطاعوا من كماليات السيارة , وبذات الهدوء وتلك الروية ينصرف المتهم الثاني والثالث بالمسروقات ، بينما ويتوجه الأول بالسيارة وفي " شنطتها " الجثة ليتركها في قلب مدينة كفر الشيخ ، متحديا كل الخلق , غير عابيء بما ألقي الحادث الأول من فزعٍ ورعبٍ في قلوب الناس .
ثالثا : أدلة الإثبات ومؤداها :
تلكُم هى الوقائع , أما أدلتنا ، فقد وعتها شهادة الشهود من رجال الشرطة ، بما لا مزيد فيه لمستزيد , وهي تُجزم أن المتهمين جميعا قد اتفقوا فيما بينهم وعقدوا العزم وبيتوا النية علي قتل المجني عليهما بُغية السرقة وِفق العرض السالف بيانه .
وها هُم المتهمون يعترفون في التحقيقات تفصيليا بارتكاب الواقعة فلقد صوًّر الأول والثالث كيفية القيل صوتا وصورة فور الانتهاء من استجوابهما وقال صراحة أنهم لم يتعرضوا لثمة إكراه مادى أو معنوى من رجال الشرطة .
أما اعتراف المتهم الثاني عاشور فلنتوقف عنده قليلا ، فقد اعترف بتواجده علي مسرح الحادث إبان مقتل المجني عليه الثاني , بيد أنه يقول بعدم اشتراكه في الواقعة , ولكنه محض دفاع مرسل , ذلك أنه قد اعترف بالصحيفه رقم 64 من التحقيقات أن المتهم الثالث قد بات الليلة السابقة علي الحادث الأخير مع المتهم الأول كي يستدرجان في اليوم التالي ضحية أخري لقتلها ، وأضاف في الصحيفة 66 أنه صنع الشاي بنفسه ، بينما وضع فيه المتهمان الآخران الحبوب المخدرة , ويشاء الحكم العدل أن نعثر إبان معاينتنا لمكان الحادث علي عدد من أكواب الشاي ، يثبت من التحليل الكيماوي أن غُسالة إحدها تحتوي علي أحد مشتقات " الفينوثيازين " من المهدئات ، وأن أحشاء المجني عليه قد عُثر فيها علي ذات المادة , فهل بعد كل هذا نصدقه فيما ادعاه من أنه لم يشترك في القتل ؟!
وها هى ساعتا وحذاءا المجني عليهما وكماليات التاكسي قيادة المجني عليه الثاني تُضبط في مسكن المتهم الثالث وبإرشاده ، أما سماعتا التاكسي قيادة المجنى عليه الأول فيبيعهما المتهم الثاني لآخر حسن النية ، ويُرشد بنفسه عن المشترى ويتم ضبطهما .
وهاهي الأسلحه البيضاء المستخدمة في الواقعتين يعثر الشهود من رجال الشرطة علي إحداها بحوزة المتهم الأول ، وعلي باقيها بمسكن الثالث وبإرشاده ويعترفان أنها المستخدمة في الحادثين .
أما الدليل الفني :
فقد ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجني عليه إبراهيم السيد خليفه تعزي الي اصابته بسبعه عشر جرحا طعنيآ نافذا في مسافة 20×25 بمقدم يسار الصدر مما اددت إليه مجتمعه من قطوع بالقلب والرئتين وأسفل المرئ والكليه اليسري وما صحب ذلك من نزيف دموي غزير وصدمه , وان هذه الاصابات من نصل اله او الات حاده .
يا إلهى .
سبعة عشر طعنة نافذة في مكان واحد هو يسار الصدر , أي في مقتل لا محاله وفي مقابل القلب والرئتين والمرئ والطحال .
رُحماك يا ربى .
كما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن وفاة المجنى عليه الأول إبراهيم السيد خفاجى تُعزى إلي إصابته بجرح ذبحي أعلي مقدم العنق أسفل البروز الحنجرى بما أحدثه من تهتك بالأوعيه الدموية والأعصاب الرئيسيه بالعنق , وأن الإصابات الطعنية النافذة بالصدر يمكن أن تكون قد ساعدت علي سرعة الوفاة وأن الجرح الذبحي يجوز حدوثه من مثل المطواة قرن الغزال المرسلة , وأن الجروح القطعية حدثت من أداة حادة أو ذات نصل حاد ، واحدة أو اكثر ، ويمكن إحداثها من مثل الأدوات المرسلة .
حتي المجنى عليه الثانى ، كل هذه الطعنات ، ثم في النهايه الذبح ؟!
كما ثبت من التقرير الطبي الشرعي وجود دماء آدمية على نصل المطواة قرن الغزال ونصل السكين في واقعتى القتل , وكذا دماء آدمية علي قطعة الفلين والقشره الجافة التي عثرت عليها النيابة بمسرح الحادث .
كما ثبت من شهادة الفنين بإدارة مرور كفر الشيخ أن فيشة كهرباء السيارة المعثور عليها بمسرح الحادث ، تخص السيارة قيادة المجني عليه الثاني ، وقُطعت لدي سرقة لوحة مفاتيح الأنوار.
وثبت من تقرير المعمل الكيماوي أن الأكواب الزجاجية المعثور عليه بمكان الحادث ، وُجد بغسالة إحداها آثار لأحد مشتقات " الفينوثيازين " من المهدئات وعُثر بالأحشاء المأخوذة من الجثة علي ذات المادة المهدئة.
إنها ضمائر ميتة ، وقلوب كالحجارة أو أشد قسوة وعتيا , بل إننا لنظلم الحجارة إنْ شبهنا قلوبهم بها , فقد قال فيها رب العباد : " وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " صدق الله العظيم ، الآية 74 من سورة البقرة .
* * *
رابعا : التطبيق القانونى :
أما الآن وقد جاء دور التحدث عن القانون ، فإنما أعرض عقيدتى غير هيَّابٍ سوأة الخطل وعثرة النظر ، وكلمتكم سيكون فيها فصل الخطاب .
وأمامى الآن ثلاث نقاط أستجليها وأستوضحها :
أولا : قيام نية القتل عند المتهمين :
إنَّ نية القتل ترتبط بالوقائع , بل هي من صميمها , وما دامت من الوقائع فى الصميم , فإن التحدث عنها الآن فى موطن التطبيق القانونى يكون فضلةً فى القول لا مبرر لها ، ويكفينى إذن أن أشير إلى ما وعته شهادة الشهود ، واعتراف المتهم الأول من أن ثلاثتهم قد استدرجوا المجنى عليهما لا لشىء سوى قتلهما وسرقة نقودهما ومتعلقاتهما الشخصية وكماليات السيارتين قيادتهما ، وقد تقدم بيان ذلك بما هو فى الإيضاح أوفى ، فضلا عن تعدد الطعنات فى جسد المجنى عليهما وفى مقتل
ثانيا : تحقق ظرف سبق الإصرار :
والكلام عن هذا الظرف يتصل فى الواقع بقيام نية القتل عند المتهمين من جهة وبظرف الترصد من جهة أخرى ، فأما اتصاله بقيام نية القتل فيرجع إلى أنه متى ثبت فى نظر المحكمة من البينات ومجموع ظروف الدعوى التى شرحتها أن المتهمين تعمدوا قتل المجنى عليهما بعد استدراجهما إلى مكان الحادث الذى لم يكونا ذاهبين إليه إلا لأجل هذا الاستدراج ، ولا كانا ليمرا فيه لولا ذلك ، فإن تلك الظروف نفسها تنفى بتاتا أن فكرة القتل جاءت المتهمين بغتة عندما رأوا السائقين وأول ظاهرة تمحو الريبة فى ذلك وتثبت اليقين فى صحته ، أنه لم يكن بين المتهمين والمجنى عليهما خلافات ، ولم يحدث على مسرح الحادث أمر يستثير غضبهم ويدفعهم إلى القتل ، وإنما كان القتل وليد تخطيط وتدبير وروية .
وأما اتصال سبق الإصرار بظرف الترصد فإنه من المسلم عقلا ، أنه قلما توجد حالة يتوافر فيها ظرف الترصد ولا يتوافر فيها سبق الإصرار .
ثالثا : تحقق ظرف الترصد :
وهذا الظرف لا يحتاج فى البيان لأكثر من أن أعيد على حضراتكم ما قال المتهم الأول يوسف من أنه قد اصطحب السائق المجنى عليه الأول من بندر كفر الشيخ إلى مكان الحادث دون أن يقصده بشخصه وإنما بصفته سائق تاكسى ، وأنه والمتهم الثالث وليد اصطحبا المجنى عليه الثاني من ذات البندر إلي ذات مكان الحادث, وهذا البندر مكان معلوم للمتهمين أن سائقي التاكسي عمومآ يتجولون فيه باحثين عن ركاب .
خامسآ : تفنيد ادلة النفي
سيدي الرئيس , حضرات المستشارين :
لقد محصت النيابة العامة الأوراق بحثآ عما يمكن أن يتذرع به المتهمين الأول والثاني كي تقسطه حقه فلم تجد البتة , ولكنها استشعرت ما يمكن أن يتزرع به المتهم الثاني عاشور ، من أنه وإن كان قد اعترف بتواجده علي مسرح الحادث عند قتل المجني عليه الثاني وإخفاء جثته والمسروقات ، إلا أنه لم يعترف بارتكابه واقعة القتل , بيد أن مثل هذا القول قد دحضته شهادة الشهود واعتراف المتهمين الأول والثالث بأنه فاعل معهما في الواقعتين على إثر اتفاق مسبق , ولو صح قوله لكان قد خف إلي الإبلاغ وتبرئة ساحته ، فضلا عن أن أحد المعترفين عليه هو نجل شقيقته ولا خلافات بينهما ، مما يدفع مظنة أنه يزج بخاله في هذا الاتهام البشع دون جريرة .
ثم بماذا يفسر المتهم عاشور واقعة بيعه سماعتي التاكسي قيادة المجني عليه الأول , لقد أحرِج المتهم عاشور والمُحرج لا يقول الا عبثا .
وأما ما أثاره دفاع المتهم الثالث وليد بجلسة تجديد الحبس بعد خمسة وأربعين يوما من بداية هذا الحبس , وما أثاره دفاع المتهم الأول بعد اثنين وستون يومآ من هذا التاريخ بأن بهما إصابات تثبت تعرضهما لإكراه من رجال الشرطه فمردود عليه بأن النيابة العامة قد ناظرتهم جميعا فور مثولهم أمامها ، فلم تجد في أي منهم ثمة إصابات , بل أفسحت لهم صدرها ومجالا للقول بما عسي أن يكونوا قد تعرضوا له من صنوف أخري من الإكراه مما تترك بالأجساد أثرا , فأجابوا نفيا بل قال المتهمان وليد يوسف في الصحيفتين 45 ,47 من التحقيقات أنهما اعترفا لأنها الحقيقة ، ولكى يريحا صدريهما , وراجعوا حضراتكم شريط الفيديو الخاص بالمعاينة التصويرية ، وستشاهدون بأم أعينكم اعترافا صريحا يتوافق وماديات الدعوي دون ثمة إكراه من أي نوع , فضلا عن أن المتهمين جميعا قد اعترفوا أمام السيد قاضي المعارضات لدي تجديد حبسهم في اليوم الرابع بأنهم ارتكبوا الواقعتين فلم يقل أيا منهم أنه تعرض لثمة إكراه .
وعلي كل حال فقد أفسحت لهم هيئتكم الموقرة صدرها وأمرتم بالجلسة السابقة بعرضهم جميعا علي الطب الشرعي فقالوا لمن أجري الكشف عليهم أنهم تعرضوا للتعذيب بصعق كهربائى , إلا ان تقرير الطب الشرعي جاء قاطعآ علي إفكهم .
وحسبي هذا القدر من الحديث عن التطبق القانوني وأراني قد أسرفتُ في استغلالى سعة صدوركم , ناسيا أنكم قد تسأمون سماع ما تعلمون ، وترديد ما تُدركون .
فها أنا أختتم بما هو آت :
سادسآ :. الخاتمه
سيدى الرئيس حضرات الساده المستشارين
تلكم وقائع الدعوى وأدلتها والرأي القانوني فيها , وما يمكن أن يُثار من جانب المتهمين .
وأما الدفاع ، فلا أظنه سيقول إلا ما قاله شيخ المحامين إبراهيم الهلباوي بك لموكله إبراهيم الورداني الذي ثبت اتهامه بقتل بطرس باشا غالي:
" إقبل نبالَ الموت بقلب البواسل , فالموت آت لا راد له ، إن لم يكن اليوم فغدا إذهب .. فقد يكون في موتك بقضاء البشر عظة لأمتك أكثر من حياتك , فإن قلوب العباد إذا ضاقت رحمتها عليك فرحمة الله واسعة "
ولا أخال الدفاع والحال كذلك إلا يبغون القصاص , ولن يكون ذلك منهم قسوة علي المتهمين ، ذلك أن الجميع يخضع لقانون يحمي سلامة المجتمع البشري ويصونه , والدفاع أحق الناس بالخضوع لهذا القانون .
وأما ما يمكن أن يُثار من مقولة أن الرحمة فوق العدل , فأى رحمة تلك التي يُمكن أن تشمل هؤلاء القتلة , إن الرحمة نفسها لتأبي إن خُيِّرت أن تُضفى ظلالها عليها , وأى رحمة تلك التي يمكن أن تُواجِه حدًا من حُدود الله .
فلقد عصف المتهمون كل عصف بالإنسانية في أعز مقدساتها , التراحم الإنساني وحُسن الجوار , عصفوا بكل ذلك وهم مزودون بزادٍ من ضراوة الوحوش وتنطع الجهلاء , فاستهانوا بالنفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق , فرجعت إلي ربها لا راضية ولا مرضية تشكو ظلم الإنسان للإنسان .
سيدي الرئيس حضرات المستشارين :
أطفالٌ يتامى ، وزوجاتٌ أرامل , وأمهاتٌ ثكلى , وأباءٌ فُجَّع ، ومجتمعٌ رُوِّع ورَوْحٌ تطّوف الآن بهذه الساحة الطاهرة ، يناشدون ضمائركم , ويلوذون بعدلكم القصاص القصاص .
إقضوا بإعدامهم ، فقد يكون فى موتهم بقضائكم عظةُ للناس أكثر من حياتهم.
بسم الله الرحمن الرحيم :
" وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظلِمُونَ " صدق الله العظيم ، سورة النحل الآية 118 .
ونشكر لحضراتكم حسن استماعكم وسعة صدوركم .
* * *
ملحوظة : قضت محكمة جنايات كفر الشيخ برئاسة المستشار عبد الرزاق محمد عبد الرحمن وعضوية المستشارين حسين عبد الكريم ويسرى حجازى وحضور بهاء المرى رئيس النيابة وأمانة سر أحمد عيد حرب ، حضوريا بجلسة 10 يولية 2000 وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهمين بالإعدام عما أسند إليهم ومصادرة الأسلحة البيضاء المضبوطة ، وألزمتهم المصاريف الجنائية ، وفى الدعوى المدنية بإلزامهم أن يؤدوا للمدعين بالحق المدنى مبلغ 501 جنيه على سبيل التعويض المدنى المؤقت والمصاريف ، وعشرون جنيها مقابل أتعاب المحاماة .
وتم تنفيذ حكم الإعدام فى المتهمين .
منصة جنائيون
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com