على غير عادة الشعراء يقدم الدكتور زهير توفيق مجموعته الشعرية "سماء أوديني رؤاي" بمقالة تحت مسمى استهلال يتحدث فيها عن علاقة الفلسفة بالشعر، وأوجه الائتلاف والاختلاف بينهما، كما يبين مفهومه للشعر والنقد، وطريقته في تشكيل القصيدة.
يرى الدكتور زهير أن العلاقة بين الفلسفة والشعر علاقة معقدة، ويظهر هذا التعقيد من خلال التعريفات الفلسفية وتعريفات النقاد لمفهوم الشعر، وهي تعريفات تفتقد إلى التحليل الحقيقي، فكل شاعر كبير فيلسوف له رؤيته الخاصة التي تتحقق بالصورة والمجاز.
هذه العلاقة المعقدة بدأت في الفلسفة اليونانية عندما أطاح أفلاطون بالشعر، وعدّه في جمهوريته محاكاة لبعده عن الحقيقة الكلية، بخلاف أرسطو الذي أعلى من شأن الشعر، وجعله في مرتبة أعلى من التاريخ؛ لأنه خلق وليس محاكاة مباشرة للحياة. واستمر هذا التناقض في المواقف من ذلك العصر حتى الفلسفة الحديثة، مثلما نلاحظ ذلك في المدرسة الوضعية التي وقفت في وجه الانفعالات والمشاعر، وأبعدت الشعر عن اهتمامها. وجاءت مدرسة فيينا الفلسفية لتقول إن الشعر لغة المشاعر الذاتية لا تنطبق عليه قضايا التحقق المنطقية والتجريبية. وكان للمدرسة دورها في الفلسفة الأنجلوسكسونية التي تمتد من ديفيد هيوم حتى ت. س. إليوت.
وعمدت الفلسفة الألمانية المثالية في القرن الثامن عشر والحركة الرومانسية في القرن التاسع عشر إلى الاهتمام بالشعر الذي تتوافر فيه المعرفة التي تقارب الحقيقة، وامتد هذا التوجه في الفلسفة الألمانية إلى هايدجر الذي رأى بأن المعرفة العقلية أدنى مرتبة من التجربة العقلية.
رغم هذه العلاقة الجدلية بين الفلسفة والشعر إلا أن الإشكالية كما يرى د. زهير توفيق تتصل بالشاعر ذاته، وكيف يتمثل الفلسفة، ويعبر بها عن وجوده وقضاياه؛ فهذا هو مصدر الإشكال الذي يتطلب البحث الفلسفي التحليلي.
في الحقيقة أن الشعر والفلسفة يتطلعان إلى واقع معياري يبتعد عن الواقع الفعلي؛ ففي الواقع المعياري يكمن الممكن والمستقبل، والشاعر لا يستخدم أدوات الفلسفة وطريقتها في تجربته، ولكنه يظل مسكونًا بالتأملات الفلسفية وموضوعاتها دون الوقوع في المباشرة حتى لا يفقد الشعر والفلسفة معًا ويصبح متفلسفًا.
وهذا الفهم لما يجب أن يكون عليه الشاعر ينطلق منه زهير لينتقد الرومانسية الخالية من المعنى والرؤيا، أو ما يسميها" الهراء الانفعالي"، ويدعو إلى التخلص من الرؤية الأفلاطونية التي لا ترى الجمال إلا في العمل العقلي، وهو يعلي من شأن الشعراء الذين يطلق عليهم شعراء الحكمة، أمثال: المتنبي وأبي العلاء وشعراء الصوفية كابن عربي والنفري والبسطامي، ومن المعاصرين أمثال خليل حاوي وأدونيس ودرويش، فهؤلاء تناولوا موضوعات وجودية وإنسانية، كالاغتراب والحرية والأمل والشر، وابتعدوا عن المباشرة والخطابية والإفهام، وهو بهذا يدعو إلى الالتقاء بين الفلسفة والشعر والتوافق بينهما في التعبير عن الواقع والحياة والعالم.
ويرى الدكتور زهير أن من الضرورة أن يُقرأ الشعر قراءة نقدية فلسفية تقوم على الكشف عن طبيعة النص الشعري وتجلياته الفكرية، وأن يُنأى عن القراءة الشعرية للفلسفة؛ فهي قراءة فاشلة مثلها مثل "ألفية ابن مالك"، و" السُلَّم في المنطق" للأخضري. إنه يفرق بين شاعر وصاف منفعل، يكرر نفسه دون استشراف أو تطلع لفهم الأشياء فلسفيًا وبين شاعر حقيقي ينتقل من مغامرة إلى أخرى محملًا بثمار الميثولوجيا والفلسفة.
وإذا كان الشعر العظيم هو الذي يتصف باللغة الغامضة فإنه يحتاج إلى ناقد كبير يفسر ويؤول، ولا ينشغل بالجزئيات، ويجيب عن أسئلة النص الكبرى، ويتجاوز النقد الأدبي إلى النقد الفلسفي؛ ليكشف البنى اللاشعورية والرؤيوية التي قد لا يكون الشاعر قد وعيها. إن مفكرنا يرى النقد ذا علاقة عضوية بالفلسفة؛ لأنه يقوم على وعي بقوانين الإبداع، وهو الوجه الأدبي والفني لعلم الجمال الذي هو جزء من الفلسفة. فلا غرابة أن نجد النقاد الفلاسفة الأفضل في قراءة الأدب، والأقدر على فهم الإبداع من المبدعين أنفسهم.
أما عن تجربته في الكتابة فإنه يكتب شعرًا انطلاقًا من فهمه للفلسفة، ذلك الفهم الذي يعتمد النظرة الكلية للأشياء، ويبتعد عن المباشرة، والغنائية المفرطة، والذاتية، والمطروق والمستهلك من الأفكار. إنه يستجيب للفلسفة الظاهرية التي تبحث في أصول الوعي بالأشياء وجوهرها، ويستفيد من كل العلوم، ويتطلع إلى عالم بعيد عن الواقع الزائف، وإلى بلوغ تخوم المطلق بلغة الكشف والحدس والرؤيا بعيدًا عن المجاملات والمدائح؛ فالموضوعات لا تعيش الحياة إلا بالفلسفة المندمجة بلغة الشعر الانفعالية، واستخدام المجاز والصور الشعرية المبتكرة.
هكذا يرى الدكتور زهير توفيق أن الفلسفة والشعر متلازمان في التعبير عن قضايا الحياة والوجود والمجتمع، فلم يعد هم الفلسفة منحصرًا في البحث عن الحقيقة باستخدام العقل وحده، بل تجاوز ذلك إلى الاقتراب من الشعر وإدراك القيم الجمالية للأشياء باستخدام لغة الانفعال والعاطفة؛ فقد غدا للقلب دور في الوصول إلى الحقيقة.
لا شك في أن هذا الاستهلال الذي تصدر ديوان الشاعر الدكتور زهير توفيق" سماء أوديتي رؤاي" يساهم في تقريب الشعر إلى القارئ من ناحية، ويوجه الشعراء والنقاد إلى ضرورة إنقاذ الشعر من هذه التهويمات والأوهام والمعاني المتكررة والساذجة في معالجة قضايا الوجود الكبرى، واللجوء إلى الفلسفة وادواتها؛ لتساعدهم على ذلك، مع الحرص على عدم طغيان الفلسفة على الشعر أو الشعر على الفلسفة؛ حتى لا نكون أمام نص فاقد للفكر والشعر معًا.
إنها رؤية، مع وجاهتها، تثير أسئلة حول مقدرة الشعر المفعم بالفلسفة والمثقل بالشروحات والمصطلحات الصوفية والفلسفية، كما في ديوان الشاعر، على الوصول إلى عدد كبير من الناس، وبالتالي التأثير في المجتمع، وزيادة وعيه، والارتقاء بوجدانه.
يرى الدكتور زهير أن العلاقة بين الفلسفة والشعر علاقة معقدة، ويظهر هذا التعقيد من خلال التعريفات الفلسفية وتعريفات النقاد لمفهوم الشعر، وهي تعريفات تفتقد إلى التحليل الحقيقي، فكل شاعر كبير فيلسوف له رؤيته الخاصة التي تتحقق بالصورة والمجاز.
هذه العلاقة المعقدة بدأت في الفلسفة اليونانية عندما أطاح أفلاطون بالشعر، وعدّه في جمهوريته محاكاة لبعده عن الحقيقة الكلية، بخلاف أرسطو الذي أعلى من شأن الشعر، وجعله في مرتبة أعلى من التاريخ؛ لأنه خلق وليس محاكاة مباشرة للحياة. واستمر هذا التناقض في المواقف من ذلك العصر حتى الفلسفة الحديثة، مثلما نلاحظ ذلك في المدرسة الوضعية التي وقفت في وجه الانفعالات والمشاعر، وأبعدت الشعر عن اهتمامها. وجاءت مدرسة فيينا الفلسفية لتقول إن الشعر لغة المشاعر الذاتية لا تنطبق عليه قضايا التحقق المنطقية والتجريبية. وكان للمدرسة دورها في الفلسفة الأنجلوسكسونية التي تمتد من ديفيد هيوم حتى ت. س. إليوت.
وعمدت الفلسفة الألمانية المثالية في القرن الثامن عشر والحركة الرومانسية في القرن التاسع عشر إلى الاهتمام بالشعر الذي تتوافر فيه المعرفة التي تقارب الحقيقة، وامتد هذا التوجه في الفلسفة الألمانية إلى هايدجر الذي رأى بأن المعرفة العقلية أدنى مرتبة من التجربة العقلية.
رغم هذه العلاقة الجدلية بين الفلسفة والشعر إلا أن الإشكالية كما يرى د. زهير توفيق تتصل بالشاعر ذاته، وكيف يتمثل الفلسفة، ويعبر بها عن وجوده وقضاياه؛ فهذا هو مصدر الإشكال الذي يتطلب البحث الفلسفي التحليلي.
في الحقيقة أن الشعر والفلسفة يتطلعان إلى واقع معياري يبتعد عن الواقع الفعلي؛ ففي الواقع المعياري يكمن الممكن والمستقبل، والشاعر لا يستخدم أدوات الفلسفة وطريقتها في تجربته، ولكنه يظل مسكونًا بالتأملات الفلسفية وموضوعاتها دون الوقوع في المباشرة حتى لا يفقد الشعر والفلسفة معًا ويصبح متفلسفًا.
وهذا الفهم لما يجب أن يكون عليه الشاعر ينطلق منه زهير لينتقد الرومانسية الخالية من المعنى والرؤيا، أو ما يسميها" الهراء الانفعالي"، ويدعو إلى التخلص من الرؤية الأفلاطونية التي لا ترى الجمال إلا في العمل العقلي، وهو يعلي من شأن الشعراء الذين يطلق عليهم شعراء الحكمة، أمثال: المتنبي وأبي العلاء وشعراء الصوفية كابن عربي والنفري والبسطامي، ومن المعاصرين أمثال خليل حاوي وأدونيس ودرويش، فهؤلاء تناولوا موضوعات وجودية وإنسانية، كالاغتراب والحرية والأمل والشر، وابتعدوا عن المباشرة والخطابية والإفهام، وهو بهذا يدعو إلى الالتقاء بين الفلسفة والشعر والتوافق بينهما في التعبير عن الواقع والحياة والعالم.
ويرى الدكتور زهير أن من الضرورة أن يُقرأ الشعر قراءة نقدية فلسفية تقوم على الكشف عن طبيعة النص الشعري وتجلياته الفكرية، وأن يُنأى عن القراءة الشعرية للفلسفة؛ فهي قراءة فاشلة مثلها مثل "ألفية ابن مالك"، و" السُلَّم في المنطق" للأخضري. إنه يفرق بين شاعر وصاف منفعل، يكرر نفسه دون استشراف أو تطلع لفهم الأشياء فلسفيًا وبين شاعر حقيقي ينتقل من مغامرة إلى أخرى محملًا بثمار الميثولوجيا والفلسفة.
وإذا كان الشعر العظيم هو الذي يتصف باللغة الغامضة فإنه يحتاج إلى ناقد كبير يفسر ويؤول، ولا ينشغل بالجزئيات، ويجيب عن أسئلة النص الكبرى، ويتجاوز النقد الأدبي إلى النقد الفلسفي؛ ليكشف البنى اللاشعورية والرؤيوية التي قد لا يكون الشاعر قد وعيها. إن مفكرنا يرى النقد ذا علاقة عضوية بالفلسفة؛ لأنه يقوم على وعي بقوانين الإبداع، وهو الوجه الأدبي والفني لعلم الجمال الذي هو جزء من الفلسفة. فلا غرابة أن نجد النقاد الفلاسفة الأفضل في قراءة الأدب، والأقدر على فهم الإبداع من المبدعين أنفسهم.
أما عن تجربته في الكتابة فإنه يكتب شعرًا انطلاقًا من فهمه للفلسفة، ذلك الفهم الذي يعتمد النظرة الكلية للأشياء، ويبتعد عن المباشرة، والغنائية المفرطة، والذاتية، والمطروق والمستهلك من الأفكار. إنه يستجيب للفلسفة الظاهرية التي تبحث في أصول الوعي بالأشياء وجوهرها، ويستفيد من كل العلوم، ويتطلع إلى عالم بعيد عن الواقع الزائف، وإلى بلوغ تخوم المطلق بلغة الكشف والحدس والرؤيا بعيدًا عن المجاملات والمدائح؛ فالموضوعات لا تعيش الحياة إلا بالفلسفة المندمجة بلغة الشعر الانفعالية، واستخدام المجاز والصور الشعرية المبتكرة.
هكذا يرى الدكتور زهير توفيق أن الفلسفة والشعر متلازمان في التعبير عن قضايا الحياة والوجود والمجتمع، فلم يعد هم الفلسفة منحصرًا في البحث عن الحقيقة باستخدام العقل وحده، بل تجاوز ذلك إلى الاقتراب من الشعر وإدراك القيم الجمالية للأشياء باستخدام لغة الانفعال والعاطفة؛ فقد غدا للقلب دور في الوصول إلى الحقيقة.
لا شك في أن هذا الاستهلال الذي تصدر ديوان الشاعر الدكتور زهير توفيق" سماء أوديتي رؤاي" يساهم في تقريب الشعر إلى القارئ من ناحية، ويوجه الشعراء والنقاد إلى ضرورة إنقاذ الشعر من هذه التهويمات والأوهام والمعاني المتكررة والساذجة في معالجة قضايا الوجود الكبرى، واللجوء إلى الفلسفة وادواتها؛ لتساعدهم على ذلك، مع الحرص على عدم طغيان الفلسفة على الشعر أو الشعر على الفلسفة؛ حتى لا نكون أمام نص فاقد للفكر والشعر معًا.
إنها رؤية، مع وجاهتها، تثير أسئلة حول مقدرة الشعر المفعم بالفلسفة والمثقل بالشروحات والمصطلحات الصوفية والفلسفية، كما في ديوان الشاعر، على الوصول إلى عدد كبير من الناس، وبالتالي التأثير في المجتمع، وزيادة وعيه، والارتقاء بوجدانه.