ارتبطت بصداقة مع حسني بدوي، فهو مهذب في معاملاته، حقاني في قول رأيه، وعلى درجة عالية من الثقافة والموهبة.
زرته في بيته بالإبراهيمية، حدثني عن أديب من محافظة البحيرة، كان يعمل في بلدية الإسكندرية، وحدث خلاف بينه وبين رؤسائه أدى لايقافه عن العمل، فمر بظروف معيشية صعبة، فتعاطف حسني بدوي معه، وأسكنه حجرة فوق سطح بيته في الإبراهيمية، ثم تحسنت الظروف وعمل – هذا الرجل – محررا بمجلة الإذاعة والتلفزيون، ثم سافر للخليج وعمل في مجلات أدبية عديدة، لكنه تنكر لحسني بدوي ونسى كل ما قدمه إليه.
خرجت من بيت حسني بدوي مساءً، سرت في شارع سيؤدي إلى طريق الحرية لكي أركب مواصلة توصلني لمحطة مصر- القريبة من بيتي- ففوجئت بعزيز الدرملي وعبد العزيز جاد الله أمامي، قال الدرملي ضاحكا ومرحبا:
- ما الذي أتى بك إلى منطقتنا؟
قلت: كنت في زيارة لحسني بدوي.
فقال: تعال معنا، سنذهب لزيارة زميلنا الشاعر محمد صادق.
دهشت من قوله، فمعلوماتي إن محمد صادق يسكن سيدي بشر في شقة أهل زوجته، لكنني لم أعلق، فقد يكون قد انتقل للسكن للإبراهيمية، خاصة أن زوجته قد عادت من إعارة في بلد عربي غني.
سرت معهما دون قول، دخلنا بيتا قديما، دربزينه من الحديد الأسود.
دق عبد العزيز باب الشقة في الدور الأول العلوي، فطلت امرأة طويلة مسنة ورحبت بنا.
قدمها عبد العزيز لي قائلا:
- عمتي.
واضح إنها تعرف الدرملي تمام المعرفة فقد داعبته، جلسنا حولها، ودهشت مما يحدث، فأين زميلنا محمد صادق؟
أمسك عبد العزيز حبة من حبات الباذنجان العروس الكثيرة على المائدة بطريقة توحي بأشياء مبتذلة، وصاح لعمته:
- أنتِ وصليتي لهذه الدرجة؟!
فضربته على صدره ضاحكة:
- اسكت يا ولد.
قال الدرملي لها:
- ما هي أخبار زميلنا محمد صادق؟
تغير وجهها وبدت حزينة وقالت:
- حالته تصعب عالكافر. لا يقدر على النوم، طوال الوقت مستلقي على السرير دون فائدة.
ضحك عبد العزيز قائلا:
- زوجتي غير مصدقة لحكايته، وتؤكد بإنه مدمن، وهذه هي مشكلته.
قال الدرملي:
- لا، أنا أعرف تفاصيل الحكاية من أولها لآخرها.
قامت المرأة المسنة، دخلت حجرة وأغلقت الباب عليها، ثم سمحت لنا بالدخول.
كان محمد صادق مستلقي على السرير في صمت، ابتسم عندما رآني، واضح أن الدرملي وعبد العزيز يزورانه كثيرا هنا، لكنني أول مرة أقابله في هذا البيت.
أخرج عبد العزيز شرائط برشام أتى بها له من المصلحة التي يعمل بها، لتعينه على النوم قائلا:
- زوجتي غير مصدقة لما فعلته زوجتك بك، وترى أن عدم قدرتك على النوم سببه الإدمان.
فنظر محمد صادق إلي قائلا:
- والله ابدا، الموضوع أن زوجتي كانت في اعارة لسنوات كثيرة في السعودية.
كنت أعرف هذا منذ سنوات، فقد كنت أذهب لمقابلته على القهوة مقره منذ أن يعود من عمله، حتى موعد عودته للبيت في المساء – يتناول غداءه وعشاءه على القهوة، ويذهب لبيت أهل زوجته على النوم.
وأكمل محمد صادق:
- عادت منذ أيام وقد قررتْ أن تشتري شقة وسيارة وتكتبهما باسم أخيها. فاعترضت، قلت لها حتى اكتبيهما باسمك. وعندما أصرت على موقفها تركت لها البيت.
فأكمل عبد العزيز وهو مازال يضحك:
- فعرضت عليه أن يأتي للعيش في شقة عمتي الأرملة، نظير مبلغ معين يدفعه لها.
قال الدرملي:
- أرخص من السكن في الفنادق.
شردت وهم يحدثونني، فقد كتب زميلنا القصاص قصة بهذا المعنى، ونشرها بمجلة إبداع، وقد قرأتها.
لم أخبر محمد صادق بذلك، ولا أعرف أن كان قرأ القصة أم لا.
00
بعد سنوات ذهبت لانتخابات اتحاد الكتاب، كانت في مسرح السلام بشارع قصر العيني، وشعرت بميل شديد للتبول، في طريقي وجدت عبد العزيز جاد الله، يجلس مع زميل سكندري آخر، فأمسك بيدي وطلب مني أن أجلس بجواره ليحكي لي حكايته لكي أكتبها رواية، أو مسلسل تلفزيوني، فقلت له:
- لكنني في حاجة لدخول الحمام، وفي التراث يقولون لا تستشير حاصر بول.
قال: سأنتظرك.
وعدت إليه، حكى لي حكايته المؤثرة، كان متزوجا من امرأة فاضلة وانجب منها، لكن امرأة أخرى شاغلته، فطلق زوجته وتزوجها، وبالطبع طليقته رفعت قضية مطالبة بحقها وحق ابنها منه، فطلبت منه زوجته الجديدة أن يكتب الشقة باسمها حتى لا تستولي طليقته عليها- على أساس إنها حاضنة- وفعل هذا. وكانت النتيجة إنها اضطرته أن يطلقها وتزوجت آخر وهي تعيش الآن مع زوجها في شقة عبد العزيز جاد الله.
زرته في بيته بالإبراهيمية، حدثني عن أديب من محافظة البحيرة، كان يعمل في بلدية الإسكندرية، وحدث خلاف بينه وبين رؤسائه أدى لايقافه عن العمل، فمر بظروف معيشية صعبة، فتعاطف حسني بدوي معه، وأسكنه حجرة فوق سطح بيته في الإبراهيمية، ثم تحسنت الظروف وعمل – هذا الرجل – محررا بمجلة الإذاعة والتلفزيون، ثم سافر للخليج وعمل في مجلات أدبية عديدة، لكنه تنكر لحسني بدوي ونسى كل ما قدمه إليه.
خرجت من بيت حسني بدوي مساءً، سرت في شارع سيؤدي إلى طريق الحرية لكي أركب مواصلة توصلني لمحطة مصر- القريبة من بيتي- ففوجئت بعزيز الدرملي وعبد العزيز جاد الله أمامي، قال الدرملي ضاحكا ومرحبا:
- ما الذي أتى بك إلى منطقتنا؟
قلت: كنت في زيارة لحسني بدوي.
فقال: تعال معنا، سنذهب لزيارة زميلنا الشاعر محمد صادق.
دهشت من قوله، فمعلوماتي إن محمد صادق يسكن سيدي بشر في شقة أهل زوجته، لكنني لم أعلق، فقد يكون قد انتقل للسكن للإبراهيمية، خاصة أن زوجته قد عادت من إعارة في بلد عربي غني.
سرت معهما دون قول، دخلنا بيتا قديما، دربزينه من الحديد الأسود.
دق عبد العزيز باب الشقة في الدور الأول العلوي، فطلت امرأة طويلة مسنة ورحبت بنا.
قدمها عبد العزيز لي قائلا:
- عمتي.
واضح إنها تعرف الدرملي تمام المعرفة فقد داعبته، جلسنا حولها، ودهشت مما يحدث، فأين زميلنا محمد صادق؟
أمسك عبد العزيز حبة من حبات الباذنجان العروس الكثيرة على المائدة بطريقة توحي بأشياء مبتذلة، وصاح لعمته:
- أنتِ وصليتي لهذه الدرجة؟!
فضربته على صدره ضاحكة:
- اسكت يا ولد.
قال الدرملي لها:
- ما هي أخبار زميلنا محمد صادق؟
تغير وجهها وبدت حزينة وقالت:
- حالته تصعب عالكافر. لا يقدر على النوم، طوال الوقت مستلقي على السرير دون فائدة.
ضحك عبد العزيز قائلا:
- زوجتي غير مصدقة لحكايته، وتؤكد بإنه مدمن، وهذه هي مشكلته.
قال الدرملي:
- لا، أنا أعرف تفاصيل الحكاية من أولها لآخرها.
قامت المرأة المسنة، دخلت حجرة وأغلقت الباب عليها، ثم سمحت لنا بالدخول.
كان محمد صادق مستلقي على السرير في صمت، ابتسم عندما رآني، واضح أن الدرملي وعبد العزيز يزورانه كثيرا هنا، لكنني أول مرة أقابله في هذا البيت.
أخرج عبد العزيز شرائط برشام أتى بها له من المصلحة التي يعمل بها، لتعينه على النوم قائلا:
- زوجتي غير مصدقة لما فعلته زوجتك بك، وترى أن عدم قدرتك على النوم سببه الإدمان.
فنظر محمد صادق إلي قائلا:
- والله ابدا، الموضوع أن زوجتي كانت في اعارة لسنوات كثيرة في السعودية.
كنت أعرف هذا منذ سنوات، فقد كنت أذهب لمقابلته على القهوة مقره منذ أن يعود من عمله، حتى موعد عودته للبيت في المساء – يتناول غداءه وعشاءه على القهوة، ويذهب لبيت أهل زوجته على النوم.
وأكمل محمد صادق:
- عادت منذ أيام وقد قررتْ أن تشتري شقة وسيارة وتكتبهما باسم أخيها. فاعترضت، قلت لها حتى اكتبيهما باسمك. وعندما أصرت على موقفها تركت لها البيت.
فأكمل عبد العزيز وهو مازال يضحك:
- فعرضت عليه أن يأتي للعيش في شقة عمتي الأرملة، نظير مبلغ معين يدفعه لها.
قال الدرملي:
- أرخص من السكن في الفنادق.
شردت وهم يحدثونني، فقد كتب زميلنا القصاص قصة بهذا المعنى، ونشرها بمجلة إبداع، وقد قرأتها.
لم أخبر محمد صادق بذلك، ولا أعرف أن كان قرأ القصة أم لا.
00
بعد سنوات ذهبت لانتخابات اتحاد الكتاب، كانت في مسرح السلام بشارع قصر العيني، وشعرت بميل شديد للتبول، في طريقي وجدت عبد العزيز جاد الله، يجلس مع زميل سكندري آخر، فأمسك بيدي وطلب مني أن أجلس بجواره ليحكي لي حكايته لكي أكتبها رواية، أو مسلسل تلفزيوني، فقلت له:
- لكنني في حاجة لدخول الحمام، وفي التراث يقولون لا تستشير حاصر بول.
قال: سأنتظرك.
وعدت إليه، حكى لي حكايته المؤثرة، كان متزوجا من امرأة فاضلة وانجب منها، لكن امرأة أخرى شاغلته، فطلق زوجته وتزوجها، وبالطبع طليقته رفعت قضية مطالبة بحقها وحق ابنها منه، فطلبت منه زوجته الجديدة أن يكتب الشقة باسمها حتى لا تستولي طليقته عليها- على أساس إنها حاضنة- وفعل هذا. وكانت النتيجة إنها اضطرته أن يطلقها وتزوجت آخر وهي تعيش الآن مع زوجها في شقة عبد العزيز جاد الله.