قفز إلى ذهني وأنا أطالع كتاب:" كيف يُفكر الناجحون؟" للكاتب والخبير العالمي في فن القيادة والمتحدث والمدرب "جون سي. ماكسويل"، كلمات أبي وأمي وهما يشيران دومًا إلى أولئك "الشطار" الذين يفكرون بطريقة جيدة، وكأن في باطن الإشارة توجيه بالاتهام لي أنني لستُ كذلك، وهو ما كان يأخذني إلى الجانب السئ أحيانا والسلبي من أن المهمة مستحيلة وأن الله خلقهم لكي ينجحوا منذ البداية، بيد أن التفكير الأسلم كان يقودني: ولماذا لا أجرب كيف فكروا فنجحوا.. لأنجح مثلهم؟!
يذكر الكاتب في مقدمة الكتاب عددا من الأفكار التي شغلته على مدى أربعين عامًا كان يجري خلالها التحليلات للشخصيات الناجحة التي كان يدرسها، وقد توصل إلى أن هناك اختلافات شديدة بين تلك الشخصيات، لكنه مع هذا استطاع أن يجد القاسم المشترك الأكبر بينهم، ويكمن في الطريقة التي يفكرون بها، وطريقة تفكيرهم تمثل عند ماكسويل الصفة الوحيدة والأكيدة التي تميزهم لكونهم نجحوا من خلالها عن بقية أقرانهم، وهو يحمل بشارة لقرائه من كل الجنسيات بكل اللغات أن الأمر ليس صعبا؛ فيمكن اكتساب هذه الطريقة التي فكر بها من نجحوا، وتغيير طريقة التفكير، التي ستغير حياة من سيفكر حتما.
يخاطب ماكسويل قارئه بسؤال: عن مدى احتياجه لتغيير طريقة تفكيره، ويجيب، بأن التفكير السليم هو الذي سيحقق له العديد من الأمور، منها: أن تزيد موارده المالية، كما تجعل منه شخصا قادرا على حل مشكلاته، بل وتحقق له نقلة نوعية جديدة تماما اشخصيا ومهنيا.
غير أن الكاتب ينبه القارئ الذي ينوي أو يريد فعلا أن يغير من طريقة تفكيره إلى: أن التغيير في طريقة التفكير لا بد له من فاعل يقوم بالتغيير، لأنه لا يحدث بشكل ذاتي تلقائي؛ فلا يمكن أن تنبت الأفكار الرائعة من لا شيء، فغالبا ما تنادي الفكرة من تراه جديرا بها، أو يبحث الإنسان عن الفكرة الجيدة وحتما سيجدها، فالأمر منوط بالاجتهاد وأولها: البداية الحقيقية في تحسين طريقة التفكيرك، وبعدها سَترِد على الرأس كافة الأفكار العظيمة على الدوام مستقبلا.
يرى ماكسويل أن كل من يقول أن كلامه أتى في التو دون تفكير هو كلام فارغ من الجدية؛ فالتفكير أمر صعب ولا يحسنه كل أحد، ومن قال هذه المقولة الفارغة هو شخص لم يعتد التفكير، وكان ألبرت أينشتاين الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل ومن أفضل وأكبر المفكرين يرى ويؤمن بأن التفكير عملية شاقة؛ ولذا فمن يمارسه قلة من البشر يبذلون ما في وسعهم.
يجب العلم أن التغيير في طريقة التفكير أمر يستحق الاستثمار؛ لأن الوقت الطويل الذي ينفقه الإنسان لكي يغير من طريقة تفكيره ويطور ذاته، فهذا بمثابة أحسن أنواع الاستثمار لكون استثمار في النفس؛ فعقل الإنسان المفكر أغلى الأشياء.
التفكير السليم عملية مستمرة لابد أن يمارسها بجدية من يريد تحسين طريقة تفكيره، ويقترح الكاتب على من أراد أن يسير في هذا الاتجاه بأن يفعل الآتي:
أن يعد حوله بيئة أكثر من ممتازة من المعلومات؛ ذلك أن المفكر الجاد هو الذي يسعى من أجل خلق السبيل الذي ستتدفق منه الأفكار، والمحفزات المعينة والصالحة لبدء عملية التفكير، والمدخلات الجيدة هي التي تصنع المخرجات الجيدة، ولذا فلابد من مطالعة الكتب، والمجلات المتخصصة ومنها المجلات التي تهتم بالتجارة، وضرورة الاستماع للمحاضرات، ومجالسة أهل الفكر والاختصاص من الخبراء في مجالهم، وتدوين كافة الأفكار سواء كانته له أو لشخص آخر فمثل هذه الأفكار هي التي ستمهد له أن يفكر بل وستحفزه على التفكير.
أن يكرس وقته بمصاحبة المفكرين الخبراء والشخصيات التي تلائم مجاله أو تخصصه، والتعرف على رأيهم واقتراحاتهم فهم من يوسعون الأفكار بأفكارهم وأفعالهم وآرائهم الجيدة.
ـ على من يريد تغيير طريقة تفكيره أن يختار الأفكار الجديرة بالتفكير فيها، فهي السبيل الوحيد لتحسين طريقة التفكير، ولكي تكون ناجحة فيجب المداومة عليها حتى تصبح نمطا عمليا، وذلك بأن يضع من يريد تغيير طريقة تفكيره بشكل دائم في مكان ملائم لكي يصوغ أفكاره، ويصقلها ويرسخها وينميها، على أن التفكير يتأتي دوما بالمران والتدريب بانتظام.
على من يريد تغيير طريقة تفكيره أن يعلم أن الأفكار مهما كانت سديدة لها فترة صلاحية بحسب استخدامها؛ فعليه أن يتصرف وفقًا لهذه الأفكار قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها.
على من يريد تغيير طريقة تفكيره أن يمنح نفسه فرصة أخرى من أجل أن يُكوِّن فكرة جيدة تصلح لأن يبدأ منها عملية التفكير، ويجب هنا الاعتماد على العقلانية لا العواطف، وذلك بدافع من رغبته في ذلك واستشعاره قبل رغبته في أن يفعل ذلك بالفعل، غير أنه إذا ما نجح من خلال عملية التفكير فلا مانع من أن يستمتع بنجاحه ولو لفترة يحددها.
على الإنسان أن يكرر دائما عملية التفكير؛ فلا يجوز له الاتكاء على فكرة سديدة جيدة طوال الحياة بل لابد من التغيير من خلال إعادة تكرار عملية التفكير، لأن من عمل بهذا عن طريق الاكتفاء بعمل واحد سبب له شهرة أو نجاحا أو انتشارا ثم يختفي سيكون من التعساء والمُعدمين والنجاح سيغادرهم؛ لأن النجاح لا يتحالف إلا مع من يجددون أفكارهم دوما كما لو كان لديهم منجمًا أو كنزا لا ينضب، ولن يكون هذا الشخص مثل غيره لأنه يداوم التفكير.
من أجل الحصول على لقب "مفكر" على درجة عالية من الكفاءة وأن يجلس في المكان الذي يناسب تفكيره، وهو أمر ليس صعب أن يكون الإنسان مفكرا فهذا قد يأتي وغالبا ما يأتي بالاكتساب لمهارة التفكير السليم الذي يأتي بالمران والتدريب والممارسة. وربما كانت النقاط الست السابقة كافية لأن تضع لمن أراد تغيير طريقة تفكيره نظاما حياتيٍّا قوامه ومادته التفكير السليم ولن ينجح في خلق أفكار جديدة بغير هذه الطريقة التي ينصح بها الكاتب.
يجب على من أراد تغيير طريقة تفكيره أن يكون له مكانًا خاصا يعيد فيه أفكاره ووجهات نظره، ويختلف أفضل مكان لممارسة عملية التفكير من شخصٍ لآخر، خاصةً أن الأفكار تأتي لكل من أراد التفكير بشكل تكراري، وهو ما يوجب الالتزام بكيفية الفعل التكراري من أجل توارد الأفكار إلى الذهن بشكل منتظم وسيتعود الذهن دوما حضورها.
يلتقط الكاتب كلمة شهيرة مؤداها أن النجاح لا يقاس بالحصول على الشهادات الجامعية أو بالانتماء العائلي أيا كان حجمه، بل يقاس النجاح بقدرة الناجح على التفكير، وليس التفكير في معناه العام وإنما باكتساب مهارة التفكير من خلال المنظور الشامل المهني، وإذا كانت توصية أحد الرؤساء لموظفيه بأن تكون علاقتهم بالعميل أهم من بيع منتجات الشركة لهم، ذلك أن التفكير الشموليٍ يُكسِب التفكير البشري الكمال والنضج والرؤية الثاقبة الحاذقة.
من هنا ينصح "ماكسويل" مجددا أصحاب التفكير الجديد أن يقضوا معظم أوقاتهم بمصاحبة الشخصيات والمفكرين من أصحاب النظرة الشاملة المشار إليها سابقا،، وبهذه الطريقة وحدها لن ينقطعوا عن التعلم؛ فأصحاب النظرة الشاملة لا يكتفون بما بلغوه من معرفة ويعيشون عليها للأبد، بل أنهم حريصون كل الحرص على أن يزوروا الأماكن التي لم يزوروها من قبل، والحرص مجددا على أن يطالعوا الكتب الحديثة التي تخرجها المطابع كل يوم في كل الفروع، ويحرصون أيضا على أن يلتقوا بأناس جدد ليسوا من أصدقائهم أو معارفهم أو أصدقائهم، ويتعلمون المهارات الجديدة بشغف، كما أنهم يتمتعون بشكل دائم بالقدرة الكبيرة على أن يجمعوا في حياتهم وعلاقاتهم بين الأشياء التي تبدو متناقضة أو بينها عدم تجاذب.
يعيد الكاتب نصيحته لمن يريد إعادة تغيير طريقة تفكيره بضرورة الإبقاء على حالة من الرغبة الجارفة في مواصلة التعلم، وأن يبدأ يومه باحثا عن الفرص الجديدة المطروحة لأن يتعلم، وأن يتعلم الإنصات الشديد وباهتمام لمن أنعم الله عليهم بنعمة الخبرة والمعرفة في المجالات التي يجهلها، وهي من إحدى الطرق الرائعة بالفعل التي يكتسب بها الإنسان خبرة واسعة في هذه المجالات الجديدة؛ فعندما يلتقي من يعاود طريقة تفكيره بالناس، يجب أن يكون قد أعد خطة حتى يمكنه الاستفادة منهم والتعلم من خبراتهم في الحياة.
يجب أن يحس الإنسان الذي يعاود طريقة تفكيره بالمتعة والاستمتاع الدائم أنه يتحاور مع أناس يفعلون كثيرا من الأشياء التي لا يستطيع فعلها، وهو ما يفعله أصحاب النظرة الشاملة أنهم يديمون التعلم لكونهم يعلمون أنهم لا يعرفون الكثير من الأشياء في الحياة، ويكتسبون معارفهم الجديدة دوما من خلال طرحون الأسئلة ذات المغزى والجدوى والثاقبة حتى يوسعوا من مداركهم ويطوروا بشكل دائم أفكارهم، غير أنه من الواجب على من وإن أراد أن ينمي مهارات التفكير لديه من المنظور الشامل، أن يُحسِّن قدراته دون ملل على الإنصات، وأن ينظر إلى الأمور من حوله من خلال منظور واسع غالبا؛ فالإنسان لا يرى الشيء على الرغم من أنه يكون واقعا في مجال رؤيته، لأنه يكون خارج نطاقه الفكري في الغالب.
يضرب الكاتب مثالا على أن ما يشغل تفكير الإنسان بحسب موقعه وبحسب من يكون، مثله في ذلك مثل بعض المدعوين إلى مؤتمر حول القيادة، فما يشغلهم هو أين سيوقفون سياراتهم، وعن الحصول على المقعد المتميز، وعن المُحاضِر الذي سيسألون عما إذا كان قد بدأ في إلقاء محاضرته من عدمه، كما سيسألون عن فترات الراحة وأن تكون مخصصة في أوقات مناسبة، بينما أن ما سيشغل المُحاضِر الذي سيلقي عليهم كلمته سيكون محور تفكيره حول الإضاءة ومدى تسليطها عليه بشكل جيد، وما يشغله أيضا أن تكون معدات الصوت التي سيستخدمها جيدة، وأن يكون منبره قريبا من الجميع قربًا كافيًا بحيث يكون مقنعا لهم.
إن أصحاب النظرة الشاملة لهم دوما عالمهم الآخر إلى جانب عالمهم الخاص، ولذا فهم يحرصون على أن يخرجوا من عالمهم ليروا عالم الأشخاص الآخرين بعيون هؤلاء الأشخاص، ذلك أنهم يدركون تمام الإدراك أنه من الصعب أن يشاهد الإنسان صورة وهو بداخلها، ولكنه غالبا ما يرى صورته وموضعه من منظور الآخرين وبعيونهم وبآرائهم، وهو ما يوجب على من أراد أن يعرف مكانه من خلالهم أن يكون قد طالع أفكارهم مسبقا، وليس هناك غير الإنصات الجيد من سبيل في هذا الشأن، متجاهلا مصالحه الشخصية من أجل أن يتقبل وجهة نظرالآخرين فيه، وبالتالي يتطلب الأمر قدر أكبر من رحابة الصدر والوعي.
يورد الكاتب كلمة رائد كتابة المقالات الفرنسي "ميشيل دي مونتين" من كون أن الأيام التي يحياها الناس ليست هي ما يقاس به عمرهم، بل بما فعلوه في هذه الأيام من أمور طيبة ومفيدة، فقد يعيش بعض الناس الأعمار الطويلة ولكنهم ـ للأسف ـ لم يعيشوا إلا أقل القليل وذلك بالقياس إلى ما صنعوه من أمور قليلة في أيامهم، ومن هنا يمكن للإنسان أن يعيش حياته بما يحلو له، غير أنه سيحياها مرة واحدة لن تتكرر، لكن عندما يكتسب الإنسان مهارة التفكير من منظور شامل، فأن ذلك سيساعده على أن يعيش حياة متكاملة وموفقة لأقصى مدى، ومن هنا يرى بعض الأشخاص المتعمقون الصورة الشاملة للحياة من خلال خبراتهم وبما يفوق ما أنجزوه في حياتهم أكثر من الآخرين الذين اتسموا بضيق الأفق، كما أنهم لا يتعرضون في حياتهم لكثير من المفاجآت السيئة لأنهم رأوا الكثير من العناصر غير النمطية في حياتهم، الأمر الذي أهلهم لأن يتعاملوا مع الحياة وقضاياها بشكل أكثر يسرا وبساطة.
عزيزي الإنسان.. عزيزي المثقف والمفكر ومن أراد أن يكون مفكرا في مجاله أرى أن الأمر يستحق أن يقوم به من أراد أن يغير من طريقة تفكيره، ليس لأنه فاشلا في طريقة تفكيره، ولكن ربما كان فاشلا في بعض مناطق التفكير والرؤية، أو أنه لم يدرك بحق مواطن الخلل والصراع الناشئ بينه وبين من حوله، وقد اكتفى بأن يتهمهم بغباء تفكيرهم ولم يتهم نفسه، لقد استمتعتُ بصحبة الناجحين من الذين فكروا ووصلوا إلى ما يريدون، وأرجو أن تستمعوا معي بقراءة هذا المقال أو الكتاب؛ فكلنا يجب أن يتعلم، ويداوم التعلم، ويجدد التفكير كما ينصح بهذا "ماكسويل".. فدعنا نفكر كما فكر من نجح.. فنزداد نجاحا.
يذكر الكاتب في مقدمة الكتاب عددا من الأفكار التي شغلته على مدى أربعين عامًا كان يجري خلالها التحليلات للشخصيات الناجحة التي كان يدرسها، وقد توصل إلى أن هناك اختلافات شديدة بين تلك الشخصيات، لكنه مع هذا استطاع أن يجد القاسم المشترك الأكبر بينهم، ويكمن في الطريقة التي يفكرون بها، وطريقة تفكيرهم تمثل عند ماكسويل الصفة الوحيدة والأكيدة التي تميزهم لكونهم نجحوا من خلالها عن بقية أقرانهم، وهو يحمل بشارة لقرائه من كل الجنسيات بكل اللغات أن الأمر ليس صعبا؛ فيمكن اكتساب هذه الطريقة التي فكر بها من نجحوا، وتغيير طريقة التفكير، التي ستغير حياة من سيفكر حتما.
يخاطب ماكسويل قارئه بسؤال: عن مدى احتياجه لتغيير طريقة تفكيره، ويجيب، بأن التفكير السليم هو الذي سيحقق له العديد من الأمور، منها: أن تزيد موارده المالية، كما تجعل منه شخصا قادرا على حل مشكلاته، بل وتحقق له نقلة نوعية جديدة تماما اشخصيا ومهنيا.
غير أن الكاتب ينبه القارئ الذي ينوي أو يريد فعلا أن يغير من طريقة تفكيره إلى: أن التغيير في طريقة التفكير لا بد له من فاعل يقوم بالتغيير، لأنه لا يحدث بشكل ذاتي تلقائي؛ فلا يمكن أن تنبت الأفكار الرائعة من لا شيء، فغالبا ما تنادي الفكرة من تراه جديرا بها، أو يبحث الإنسان عن الفكرة الجيدة وحتما سيجدها، فالأمر منوط بالاجتهاد وأولها: البداية الحقيقية في تحسين طريقة التفكيرك، وبعدها سَترِد على الرأس كافة الأفكار العظيمة على الدوام مستقبلا.
يرى ماكسويل أن كل من يقول أن كلامه أتى في التو دون تفكير هو كلام فارغ من الجدية؛ فالتفكير أمر صعب ولا يحسنه كل أحد، ومن قال هذه المقولة الفارغة هو شخص لم يعتد التفكير، وكان ألبرت أينشتاين الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل ومن أفضل وأكبر المفكرين يرى ويؤمن بأن التفكير عملية شاقة؛ ولذا فمن يمارسه قلة من البشر يبذلون ما في وسعهم.
يجب العلم أن التغيير في طريقة التفكير أمر يستحق الاستثمار؛ لأن الوقت الطويل الذي ينفقه الإنسان لكي يغير من طريقة تفكيره ويطور ذاته، فهذا بمثابة أحسن أنواع الاستثمار لكون استثمار في النفس؛ فعقل الإنسان المفكر أغلى الأشياء.
التفكير السليم عملية مستمرة لابد أن يمارسها بجدية من يريد تحسين طريقة تفكيره، ويقترح الكاتب على من أراد أن يسير في هذا الاتجاه بأن يفعل الآتي:
أن يعد حوله بيئة أكثر من ممتازة من المعلومات؛ ذلك أن المفكر الجاد هو الذي يسعى من أجل خلق السبيل الذي ستتدفق منه الأفكار، والمحفزات المعينة والصالحة لبدء عملية التفكير، والمدخلات الجيدة هي التي تصنع المخرجات الجيدة، ولذا فلابد من مطالعة الكتب، والمجلات المتخصصة ومنها المجلات التي تهتم بالتجارة، وضرورة الاستماع للمحاضرات، ومجالسة أهل الفكر والاختصاص من الخبراء في مجالهم، وتدوين كافة الأفكار سواء كانته له أو لشخص آخر فمثل هذه الأفكار هي التي ستمهد له أن يفكر بل وستحفزه على التفكير.
أن يكرس وقته بمصاحبة المفكرين الخبراء والشخصيات التي تلائم مجاله أو تخصصه، والتعرف على رأيهم واقتراحاتهم فهم من يوسعون الأفكار بأفكارهم وأفعالهم وآرائهم الجيدة.
ـ على من يريد تغيير طريقة تفكيره أن يختار الأفكار الجديرة بالتفكير فيها، فهي السبيل الوحيد لتحسين طريقة التفكير، ولكي تكون ناجحة فيجب المداومة عليها حتى تصبح نمطا عمليا، وذلك بأن يضع من يريد تغيير طريقة تفكيره بشكل دائم في مكان ملائم لكي يصوغ أفكاره، ويصقلها ويرسخها وينميها، على أن التفكير يتأتي دوما بالمران والتدريب بانتظام.
على من يريد تغيير طريقة تفكيره أن يعلم أن الأفكار مهما كانت سديدة لها فترة صلاحية بحسب استخدامها؛ فعليه أن يتصرف وفقًا لهذه الأفكار قبل انتهاء تاريخ صلاحيتها.
على من يريد تغيير طريقة تفكيره أن يمنح نفسه فرصة أخرى من أجل أن يُكوِّن فكرة جيدة تصلح لأن يبدأ منها عملية التفكير، ويجب هنا الاعتماد على العقلانية لا العواطف، وذلك بدافع من رغبته في ذلك واستشعاره قبل رغبته في أن يفعل ذلك بالفعل، غير أنه إذا ما نجح من خلال عملية التفكير فلا مانع من أن يستمتع بنجاحه ولو لفترة يحددها.
على الإنسان أن يكرر دائما عملية التفكير؛ فلا يجوز له الاتكاء على فكرة سديدة جيدة طوال الحياة بل لابد من التغيير من خلال إعادة تكرار عملية التفكير، لأن من عمل بهذا عن طريق الاكتفاء بعمل واحد سبب له شهرة أو نجاحا أو انتشارا ثم يختفي سيكون من التعساء والمُعدمين والنجاح سيغادرهم؛ لأن النجاح لا يتحالف إلا مع من يجددون أفكارهم دوما كما لو كان لديهم منجمًا أو كنزا لا ينضب، ولن يكون هذا الشخص مثل غيره لأنه يداوم التفكير.
من أجل الحصول على لقب "مفكر" على درجة عالية من الكفاءة وأن يجلس في المكان الذي يناسب تفكيره، وهو أمر ليس صعب أن يكون الإنسان مفكرا فهذا قد يأتي وغالبا ما يأتي بالاكتساب لمهارة التفكير السليم الذي يأتي بالمران والتدريب والممارسة. وربما كانت النقاط الست السابقة كافية لأن تضع لمن أراد تغيير طريقة تفكيره نظاما حياتيٍّا قوامه ومادته التفكير السليم ولن ينجح في خلق أفكار جديدة بغير هذه الطريقة التي ينصح بها الكاتب.
يجب على من أراد تغيير طريقة تفكيره أن يكون له مكانًا خاصا يعيد فيه أفكاره ووجهات نظره، ويختلف أفضل مكان لممارسة عملية التفكير من شخصٍ لآخر، خاصةً أن الأفكار تأتي لكل من أراد التفكير بشكل تكراري، وهو ما يوجب الالتزام بكيفية الفعل التكراري من أجل توارد الأفكار إلى الذهن بشكل منتظم وسيتعود الذهن دوما حضورها.
يلتقط الكاتب كلمة شهيرة مؤداها أن النجاح لا يقاس بالحصول على الشهادات الجامعية أو بالانتماء العائلي أيا كان حجمه، بل يقاس النجاح بقدرة الناجح على التفكير، وليس التفكير في معناه العام وإنما باكتساب مهارة التفكير من خلال المنظور الشامل المهني، وإذا كانت توصية أحد الرؤساء لموظفيه بأن تكون علاقتهم بالعميل أهم من بيع منتجات الشركة لهم، ذلك أن التفكير الشموليٍ يُكسِب التفكير البشري الكمال والنضج والرؤية الثاقبة الحاذقة.
من هنا ينصح "ماكسويل" مجددا أصحاب التفكير الجديد أن يقضوا معظم أوقاتهم بمصاحبة الشخصيات والمفكرين من أصحاب النظرة الشاملة المشار إليها سابقا،، وبهذه الطريقة وحدها لن ينقطعوا عن التعلم؛ فأصحاب النظرة الشاملة لا يكتفون بما بلغوه من معرفة ويعيشون عليها للأبد، بل أنهم حريصون كل الحرص على أن يزوروا الأماكن التي لم يزوروها من قبل، والحرص مجددا على أن يطالعوا الكتب الحديثة التي تخرجها المطابع كل يوم في كل الفروع، ويحرصون أيضا على أن يلتقوا بأناس جدد ليسوا من أصدقائهم أو معارفهم أو أصدقائهم، ويتعلمون المهارات الجديدة بشغف، كما أنهم يتمتعون بشكل دائم بالقدرة الكبيرة على أن يجمعوا في حياتهم وعلاقاتهم بين الأشياء التي تبدو متناقضة أو بينها عدم تجاذب.
يعيد الكاتب نصيحته لمن يريد إعادة تغيير طريقة تفكيره بضرورة الإبقاء على حالة من الرغبة الجارفة في مواصلة التعلم، وأن يبدأ يومه باحثا عن الفرص الجديدة المطروحة لأن يتعلم، وأن يتعلم الإنصات الشديد وباهتمام لمن أنعم الله عليهم بنعمة الخبرة والمعرفة في المجالات التي يجهلها، وهي من إحدى الطرق الرائعة بالفعل التي يكتسب بها الإنسان خبرة واسعة في هذه المجالات الجديدة؛ فعندما يلتقي من يعاود طريقة تفكيره بالناس، يجب أن يكون قد أعد خطة حتى يمكنه الاستفادة منهم والتعلم من خبراتهم في الحياة.
يجب أن يحس الإنسان الذي يعاود طريقة تفكيره بالمتعة والاستمتاع الدائم أنه يتحاور مع أناس يفعلون كثيرا من الأشياء التي لا يستطيع فعلها، وهو ما يفعله أصحاب النظرة الشاملة أنهم يديمون التعلم لكونهم يعلمون أنهم لا يعرفون الكثير من الأشياء في الحياة، ويكتسبون معارفهم الجديدة دوما من خلال طرحون الأسئلة ذات المغزى والجدوى والثاقبة حتى يوسعوا من مداركهم ويطوروا بشكل دائم أفكارهم، غير أنه من الواجب على من وإن أراد أن ينمي مهارات التفكير لديه من المنظور الشامل، أن يُحسِّن قدراته دون ملل على الإنصات، وأن ينظر إلى الأمور من حوله من خلال منظور واسع غالبا؛ فالإنسان لا يرى الشيء على الرغم من أنه يكون واقعا في مجال رؤيته، لأنه يكون خارج نطاقه الفكري في الغالب.
يضرب الكاتب مثالا على أن ما يشغل تفكير الإنسان بحسب موقعه وبحسب من يكون، مثله في ذلك مثل بعض المدعوين إلى مؤتمر حول القيادة، فما يشغلهم هو أين سيوقفون سياراتهم، وعن الحصول على المقعد المتميز، وعن المُحاضِر الذي سيسألون عما إذا كان قد بدأ في إلقاء محاضرته من عدمه، كما سيسألون عن فترات الراحة وأن تكون مخصصة في أوقات مناسبة، بينما أن ما سيشغل المُحاضِر الذي سيلقي عليهم كلمته سيكون محور تفكيره حول الإضاءة ومدى تسليطها عليه بشكل جيد، وما يشغله أيضا أن تكون معدات الصوت التي سيستخدمها جيدة، وأن يكون منبره قريبا من الجميع قربًا كافيًا بحيث يكون مقنعا لهم.
إن أصحاب النظرة الشاملة لهم دوما عالمهم الآخر إلى جانب عالمهم الخاص، ولذا فهم يحرصون على أن يخرجوا من عالمهم ليروا عالم الأشخاص الآخرين بعيون هؤلاء الأشخاص، ذلك أنهم يدركون تمام الإدراك أنه من الصعب أن يشاهد الإنسان صورة وهو بداخلها، ولكنه غالبا ما يرى صورته وموضعه من منظور الآخرين وبعيونهم وبآرائهم، وهو ما يوجب على من أراد أن يعرف مكانه من خلالهم أن يكون قد طالع أفكارهم مسبقا، وليس هناك غير الإنصات الجيد من سبيل في هذا الشأن، متجاهلا مصالحه الشخصية من أجل أن يتقبل وجهة نظرالآخرين فيه، وبالتالي يتطلب الأمر قدر أكبر من رحابة الصدر والوعي.
يورد الكاتب كلمة رائد كتابة المقالات الفرنسي "ميشيل دي مونتين" من كون أن الأيام التي يحياها الناس ليست هي ما يقاس به عمرهم، بل بما فعلوه في هذه الأيام من أمور طيبة ومفيدة، فقد يعيش بعض الناس الأعمار الطويلة ولكنهم ـ للأسف ـ لم يعيشوا إلا أقل القليل وذلك بالقياس إلى ما صنعوه من أمور قليلة في أيامهم، ومن هنا يمكن للإنسان أن يعيش حياته بما يحلو له، غير أنه سيحياها مرة واحدة لن تتكرر، لكن عندما يكتسب الإنسان مهارة التفكير من منظور شامل، فأن ذلك سيساعده على أن يعيش حياة متكاملة وموفقة لأقصى مدى، ومن هنا يرى بعض الأشخاص المتعمقون الصورة الشاملة للحياة من خلال خبراتهم وبما يفوق ما أنجزوه في حياتهم أكثر من الآخرين الذين اتسموا بضيق الأفق، كما أنهم لا يتعرضون في حياتهم لكثير من المفاجآت السيئة لأنهم رأوا الكثير من العناصر غير النمطية في حياتهم، الأمر الذي أهلهم لأن يتعاملوا مع الحياة وقضاياها بشكل أكثر يسرا وبساطة.
عزيزي الإنسان.. عزيزي المثقف والمفكر ومن أراد أن يكون مفكرا في مجاله أرى أن الأمر يستحق أن يقوم به من أراد أن يغير من طريقة تفكيره، ليس لأنه فاشلا في طريقة تفكيره، ولكن ربما كان فاشلا في بعض مناطق التفكير والرؤية، أو أنه لم يدرك بحق مواطن الخلل والصراع الناشئ بينه وبين من حوله، وقد اكتفى بأن يتهمهم بغباء تفكيرهم ولم يتهم نفسه، لقد استمتعتُ بصحبة الناجحين من الذين فكروا ووصلوا إلى ما يريدون، وأرجو أن تستمعوا معي بقراءة هذا المقال أو الكتاب؛ فكلنا يجب أن يتعلم، ويداوم التعلم، ويجدد التفكير كما ينصح بهذا "ماكسويل".. فدعنا نفكر كما فكر من نجح.. فنزداد نجاحا.