د. صبري محمد خليل خيري - الاقتصاد التشاركي"التعاوني" الرقمى : تجاوز سلبيات الرأسمالية واستيعاب ايجابيات الاشتراكية

تعريف الاقتصاد التشاركي ( Sharing Economy): هو نظام اقتصادي مكمل، يقوم على مشاركة الأصول المادية والبشرية، ويشمل: " الاستهلاك والإنتاج والتوزيع والإتجار والابداع والتصميم..." التشاركي للخدمات والسلع والبضائع بين الأفراد والمؤسسات الاقتصادية ، من خلال استخدام تقنيات المعلومات، وذلك بتزويد الافراد والمؤسسات الحكومية وغير الربحية، بالمعلومات التي تساعد في هذه المشاركة .

تعدد مصطلحاته: وقد استخدمت العديد من المصطلحات للدلالة على الاقتصاد التشاركي منها: اقتصاد المشاركة، الاقتصاد التعاونى،الاستهلاك التعاوني، اقتصاد النظير، الاقتصاد التضامني ، الاقتصاد الاجتماعى...

نشاته:

1. ظهور المصطلح: بدأ ظهور مصطلح "الاقتصاد التشاركي" في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث بدأت تظهر أنظمة عمل جديدة ، متأثرةً بتطور تقنيات المعلومات والاتصال، وازياد الوعى بضرورة التدخل لمواجهة النمو السكاني العالمي المطرد ، واستنزاف الموارد.

2. امكانية تجاوز سلبيات الرأسمالية:واذا كان تطور تقنيات المعلومات والاتصال أتاحت للرأسمالية إمكانية انتشارها فى كل ارجاء العالم ، الا انه فى ذات الوقت أتاح إمكانية تجاوزها – او على الاقل تجاوز سلبياتها - لأنه يتيح إمكانية الحد من الاحتكار، الذى يلزم - بالضرورة - من تطبيق النظام الاقتصادى الرأسمالى.

قيمة: التعاون ، المشاركة، الكرم ، المرونة المجتمعيه، الثقة، الترابط بين البشر..

أنماطه: الإيجار، المقايضة ، الاقتراض ، الهبة، المبادلة ، أشكال مختلفة من الملكية المشتركة كالأنظمة التعاونية.

قواة المحركة: 1- تقنية المعلومات ووسائط التواصل الاجتماعي. 2- النمو السكاني. 3-المؤسسات الداعمة للاقتصاد التشاركي .

(للمزيد انظر : ويكيبيديا- الموسوعة الحرة - مادة اقتصاد تشاركى)

جهاته الفاعلة : المستخدمين الأفراد، التعاونيات ، المجتمعات المحلية، المؤسسات غير الهادفة للربح ، القطاع العام ...

(شيماء الزناتي / الاقتصاد التشاركي ).

من انظمته :

السوق ثنائية الاتجاه:
وهي عبارة عن سوق تكون فيها تقنية المعلومات منصة فعالة، ينشئها ويديرها طرف ثالث ، ووظيفتها هي تمكين أنشطة الاقتصاد التشاركي.

أسواق الند إلى الند: يتعامل الأفراد في هذا النمط تعاملاً مباشرًا مع آخرين ، في الأسواق ثنائية الاتجاه المشار اليها اعلاه.

من مؤسساته: وقد ظهر فى الغرب العديد من المؤسسات المستندة الى الاقتصاد التشاركي ومنها:

1. The People Who Share : بريطانية غير ربحية، تأسست عام 2011 على يد بينيتا ماتوفسكا ، ورسالتها هي تشجيع الاقتصاد التشاركي، وتدير تلك المؤسسة حملة ترمي إلى زيادة الوعي وتنظيم الفعاليات المتعلقة بالاقتصاد التشاركي.

2. OuiShareمؤسسة فرنسية غير ربحية، تأسست في فرنسا في عام 2012،ترمي إلى ربط الجهود في إطار الاقتصاد التشاركي أو التعاوني، بهدف إنشاء شبكة عالمية من الأطراف المتشاركة والمتعاونة.

3. : Shareableمركز إخباري غير ربحي للتحول التشاركي، وتعتبر المجلة الإلكترونية العالمية الأولى المهتمة بالاقتصاد التشاركي.

4. Collaborative Consumption.com : أنشأته رايتشيل بوتسمان عام 2010 ،بعد نشر كتابهاWhat's Mine is Yours) ( (ما هو لي هو لك)، كمصدر إلكتروني للاستهلاك التعاوني حول العالم ، فضلاً عن كونها شبكة اجتماعية متخصصة.

ابرز منظريه:

يوشاى بينكر:
استاذ فى كليه الحقوق فى جامعة هارفارد،وصف نموذج للانتاج الاجتماعى والاقتصادى، يعمل فيه عدد كبير من الأشخاص بشكل تعاونى عبر الانترنت، أطلق عليه اسم " اقتصاد الند للند" .

مايكل ألبرت وروبن هانيل: قررا ان الاقتصاد التشاركي يهدف إلى تكوين نظرية اقتصادية بديلة" عن النظامين الاقتصاديين الراسمالي والاشتراكي"، وبالتالى لا بد من أن تواكبه رؤى بديلة ، فى العديد من المجالات كالسياسة والثقافة ...

ستيفن ر. شالوم : قام هذا الباحث الأمريكي بالعمل على رؤية للاقتصاد التشاركي أطلق عليها اسم السياسة التشاركية.

جوزيف ستيغليتز: دعا الى تاسيس ما اطلق عليه اسم " الاقتصاد التضامني"، واعتبره دعامة ثالثة للاقتصاد- إلى جانب كل من القطاعين العام والخاص- ينبغي أن يتأسس عليها أي اقتصاد ، يهدف إلى تحسين أدائه ، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وإدماج شرائح واسعة من المجتمع.

(موقع الجزيرة- الاقتصاد التضامني)

شكل معاصر للاقتصاد التعاوني: الاقتصاد التشاركي هو شكل معاصر من أشكال الاقتصاد التعاوني " Co-operative economic" ، يستخدم تقنيات المعلومات والاتصال ، وهو تنظيم اقتصادي ذو طبيعة معينه، تضبطه مبادئ محددة ، كانت نشاته في أوربا في منتصف القرن الثامن عشر في أعقاب الثورة الصناعية ، وكرد فعل على سلبيات النظام الاقتصادي الراسمالى مثل : انتشار البطالة ، وانخفاض وتدني في مستوى المعيشة، واستغلال النساء والأطفال في الإنتاج الرأسمالي. ويعتبر (روبرت أوين) (1858 -1771 ) الأب الروحي للاقتصاد التعاوني ، والذي حاول تطبيق أفكاره الإصلاحية ، عن طريق جمع جهود العمال تعاونياً، وعلى الرغم من الإخفاقات التي لازمت تجربتة، إلا أنها كانت كافية لانطلاق التجربة التعاونية العالمية الرائدة ، ممثلة فى تأسيس أول جمعية تعاونية في العالم، فى مدينة روتشديل الإنجليزية عام 1843، ومن ثم انتقلت هذه التجربة الناجحة إلى بقية المدن البريطانية ، ولاحقا إلى بقية الدول الأوروبية والعالم.

نقاط ضعفه: للاقتصاد التشاركى العديد من نقاط الضعف، يجب ان يتجاوزها حتى ينجح فى تحقيق أهدافه ومنها:

مشكله توافر الثقة: يعتمد الاقتصاد التشاركي على رغبة المستخدمين في المشاركة، غير أنه لا بد وأن يكون للمستخدمين قدرٌ من الموثوقية والمصداقية حتى يتمكنوا من تبادل الخدمات، ولكن سيظل السؤال يتردد: كيف يمكن للمرء أن يثق بشخص آخر لا يعرفه؟ بل وكيف يمكن للمرء أن يبني سمعة طيبة مع استخدامه لأسواق "نظير إلى نظير" مختلفة؟ انها مسألة محورية في تطوير الاستهلاك التعاوني، وهناك احتمالات جديدة لعلاج المشكلة، ولهذا، تسعى المشاريع الناشئة جاهدةً لتطوير حلول لها مثل (Trust Cloud) في الولايات المتحدة ، و(Fid backs) في أوروبا.

مشاكل ناتجه عن ضعف الرقابه: في كثير من الحالات تنعدم الرقابة الحكومية على هذا النوع من المؤسسات، فقد يكون بعضها غير مرخص وبالتالي تحدث الكثير من المشاكل المتعلقة بسلامة المستخدمين الشخصية أو بحالات النصب والاحتيال أو التمييز العنصري أو العرقي أو الديني.

(ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)

اقتصاد مكمل وليس بديل : والاقتصاد التشاركى كشكل من أشكال الاقتصاد التعاوني قائم على الملكية التعاونية، فهو متصل بالشكل القانوني للملكية، اى انه احد الأشكال القانونية للملكية" بالإضافة إلى أشكالها القانونية الأخرى كالملكية الفردية،المشتركة،العامة..."،وليس له صلة مباشرة بوظيفة الملكية،اى تحديد صاحب الحق في القرار الاقتصادي بالنسبة للشيء المملوك ، وبناءا على هذا فان الاقتصاد التعاوني هو نظام اقتصادي مكمل وليس بديل للنظم الاقتصادية المتصلة بوظيفة الملكية، والتي يمكن تقسيمها إلى نمطين أساسيين ، النمط الأول يضم نظم اقتصادية قائمه على الملكية الخاصة ، اى حق المالك في اتخاذ القرار الاقتصادي بالنسبة إليها دون المجتمع، ومن أمثلته النظام الاقتصادي الراسمالى، والنمط الثاني يضم نظم اقتصادية قائمة على الملكية الاجتماعية، ومضمونها أن القرار الاقتصادي أصلا من حق المجتمع، بالتالي فان القرار الاقتصادي للمالك يجب أن لا يتناقض مع مصلحته، ومن أمثلته النظم الاقتصادية الاشتراكية ، والقائمة على الملكية الفردية ذات الوظيفة الاجتماعية " والنظام الاقتصادي الإسلامي".غير انه يجب تقرير أنه بالإضافة إلى أن الاقتصاد التعاوني متصل بالشكل قانوني للملكية ، فإنه ذو طبيعة اجتماعية ، لذا فهو يتسق مع النظم الاقتصادية المتصلة بوظيفة الملكية ذات الطبيعة الاجتماعية ، ويتناقض مع النظم الاقتصادية الفردية،ولم يكن ظهوره في النظام الاقتصادي الراسمالى الفردي كامتداد أصيل له، إنما كرد فعل على آثاره السلبية كما سبق ذكره.

فى التأصيل للاقتصاد التشاركى "التعاونى":

· إن الموقف الصحيح من الاقتصاد التشاركي "التعاوني" يتجاوز موقفي القبول المطلق او الرفض المطلق الى موقف تقويمى "نقدى " والقائم على الأخذ بالاقتصاد التشاركى " التعاوني" بشرط اتساقه "عدم تناقضه" مع ثوابت الدين النصية الثابتة على المستوى النظري، ومع واقع المجتمعات المسلمة على المستوى التطبيقي.

· وهو موقف يتسق مع موقف السلف الصالح من إسهامات المجتمعات الأخرى، حيث نجد أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أخذ بنظام الدواوين من الفرس.

· هذا الموقف يرى أن الاقتصاد التشاركي " التعاوني" ، يتسق مع المنظور الاقتصادي الاسلامى ، لان كلاهما ذو طبيعة اجتماعيه، وتتضح الطبيعة الاجتماعية للمنظور الاقتصادي الاسلامى، من خلال استناده إلى تصور معين للملكية الاجتماعية، ينطلق من فلسفة اقتصادية قائمه على: أن ملكية المال لله تعالى (وآتوهم من مال الله الذى آتاكم)،وأن الجماعة هي المستخلفة عنه تعالى أصلا في الانتفاع به على الوجه الذي يحدده ملك المال تعالى ، أما الفرد فنائب وكيل عنها في الانتفاع به ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ )الحديد: 7).

· كما أن هذا الموقف يرى أن التعاون قيمة حض عليها الإسلام في قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (المائدة:2)،وقول الرسول(صلى الله عليه وسلم)( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).

· الاقتصاد التشاركي "التعاوني" يقوم على العديد من المبادئ التي تتسق مع المفاهيم الكلية التي يستند إليها الفكر الاقتصادي الاسلامى ومنها:

1. مبدا التضامن: وهو يتسق مع قوله تعالى (واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا) (آل عمران: 103).

2. مبدا المسئولية التضامنية: وهو يتسق مع قوله تعالى(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض(التوبة:71)، وقول الرسول(صلى الله عليه وسلم ) (المسلمون يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم)

3. مبدا الإدارة الذاتية : وهو يتسق مع قول الرسول (صلى الله عليه وسلم)(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).

(مجلة الوعي الإسلامي / الرؤية الإسلامية للنشاط التعاوني (

· كما ان هذا الموقف يرى انه قد ظهر في تاريخ المجتمعات المسلمة بعض التنظيمات الاقتصادية واجتماعيه، والتي يمكن اعتبارها انويه الاقتصاد التشاركي و التعاوني، اتفقت مع واقع المجتمعات المسلمة حينها، ويمكن تطويرها بما يتفق مع الواقع المعاصر لهذه المجتمعات.


د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم


الموقع الرسمى للدكتور صبرى محمد خليل / دراسات ومقالات

(الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى