بمناسبة ذكرى وفاة الشاعر مهدي محمد علي، كان هذا الذي سأسرده عليكم:
همس قاسم محمد حمزة بأذني: ما رأيك نمرّ على مهدي في شقته، نسمع بعضا من شعره؟
ومهدي هو الشاعر الذي أبعدته، السطات البعثية القمعية، عن البصرة الى مدينة" الحِلّة" فدرّس في احدى مدارسها الثانوية ، و قاسم وقتها كان بداية عهده بالسياسة التي انتهت به الى الإغتيال .
عندما همس لي قاسم بذلك، كنا في مقهى الجندول، قمنا على الفور، عبرنا الجسر المسمى بـ"الجديد" وبعده على اليمين قبل أن نصل ساحة باب الحسين، وعند مكتبة الرافدين، وبجانبها محل صغير لبيع اللبن والجبن، دفعنا بابا حديدية و صعدنا الى الطابق الثاني، الى شقة الشاعر مهدي محمد علي .
ما أطلنا المقام في شقته طويلا ، مهدي محمد علي شاعر تمّيز بالهدوء ومعالجة الأمر، أيا كانت، بروية، أحب الانعزال ومال الى التأمل، ما ظهر في المحافل، و اعتبرها عرضا للعضلات، وضحك قائلا:
- وأنا ما عندي عضلات. قرأ لنا مهدي حينها قصيدته " لقطات من مدينة تعانق ماء النهر" والمدينة التي قصدها هي الحِلة/ بابل، ومقاطعها عدّة، والمقطع الأول:
الى الباص يصعد أطفال بابل /
مثل الشياطين /
مثل المساكين /
لا يدفعون النقود /
و لكنهم يملأون مؤخرة الباص /
لا يدفعون النقود /
وهم يصعدون معا /
يهبطون معا /
يحتمون ببعضهم /
مثل الشياطين /
مثل المساكين /
لا يدفعون النقود .
مهدي محمد علي شاعر أسطة ، ترى شعره بسيطا لكن صنعته لا تخفى . في تلك الجلسة ناقشنا رأي أنور الغساني فيها فقد رآها انعطافة في الشعر العراقي، منطلقا من قدرتها على التقاط المشهد اليومي العابر، ليفجر معان أكبر من المحتوى بكثير.
أخبرت مهدي قبلها: إن الشاعر عبد الكريم كاصد معك، وربما قبلك، سعى الى مثل هذا النوع من القصائد، ومعه الشاعر مصطفى عبد الله في قصيدة " أولاد الحيّانية "، وأصواتكم من أهم الاصوات الشعرية بعد السياب والبريكان وسعدي يوسف، استطعتم أن تكتبوا ما يدعى "القصيدة اليومية " .
كان مهدي واحدا ممن أسهموا بعد هذا، في كتاب ضم مجموعة من القصائد " سلاما أيها الحزب "، الذي صدر عن دار الفارابي بيروت 1974 و كانت قصيدته " مع لوركا في الطريق الى قرطبة " منشورة فيه .
قبل أن نودعه قال قاسم: هل جهزت الأواق عندك ؟
قال مهدي: جهزتها في ملف، ووضعتها في كيس مغلق، ولكن انتظر قليلا.
قام الى النافذة فتحها ونظر، قال: لا يمكن أن تخرج، والكيس في يدك، هذا اللعين موجود تحت عند محل، الأجبان كما في كل يوم. واللعين قصد به مهدي شرطي الأمن السياسي، الذي يراقب الداخل والخارج من شقته، قال: مع ذلك، اخرجا و انتظرا تحت، سأحل المشكلة.
نزلنا الدرج الضيق الى تحت، لنقف عند بائع الجبن، عندها فتح مهدي النافذة ثانية و صاح: يا أبا حسين.
أجاب بائع الجبن: نعم أستاذ ماذا تريد ؟
قال مهدي : من عندك في المحل حتى يساعدني، الاخوان تركوا عندي أوراق امتحانات الطلاب ، و أريد أحدا من عندك ينزلها لهم.
طبعا من عند ابي حسين آنذاك، غير شرطي الأمن ، و في أقل من دقيقة نزل الكيس الورقي الملفوف بخيط سميك، قلت لقاسم :
- ما هذه الكيس يا قاسم ؟
قال : أوراق امتحانات الطلاب، أما سمعت مهدي!.
الصورة: الشهيد: قاسم محمد حمزة.
[HEADING=1][/HEADING]
عائد خصباك
من كتابي " حياتي 100%+واحد".
همس قاسم محمد حمزة بأذني: ما رأيك نمرّ على مهدي في شقته، نسمع بعضا من شعره؟
ومهدي هو الشاعر الذي أبعدته، السطات البعثية القمعية، عن البصرة الى مدينة" الحِلّة" فدرّس في احدى مدارسها الثانوية ، و قاسم وقتها كان بداية عهده بالسياسة التي انتهت به الى الإغتيال .
عندما همس لي قاسم بذلك، كنا في مقهى الجندول، قمنا على الفور، عبرنا الجسر المسمى بـ"الجديد" وبعده على اليمين قبل أن نصل ساحة باب الحسين، وعند مكتبة الرافدين، وبجانبها محل صغير لبيع اللبن والجبن، دفعنا بابا حديدية و صعدنا الى الطابق الثاني، الى شقة الشاعر مهدي محمد علي .
ما أطلنا المقام في شقته طويلا ، مهدي محمد علي شاعر تمّيز بالهدوء ومعالجة الأمر، أيا كانت، بروية، أحب الانعزال ومال الى التأمل، ما ظهر في المحافل، و اعتبرها عرضا للعضلات، وضحك قائلا:
- وأنا ما عندي عضلات. قرأ لنا مهدي حينها قصيدته " لقطات من مدينة تعانق ماء النهر" والمدينة التي قصدها هي الحِلة/ بابل، ومقاطعها عدّة، والمقطع الأول:
الى الباص يصعد أطفال بابل /
مثل الشياطين /
مثل المساكين /
لا يدفعون النقود /
و لكنهم يملأون مؤخرة الباص /
لا يدفعون النقود /
وهم يصعدون معا /
يهبطون معا /
يحتمون ببعضهم /
مثل الشياطين /
مثل المساكين /
لا يدفعون النقود .
مهدي محمد علي شاعر أسطة ، ترى شعره بسيطا لكن صنعته لا تخفى . في تلك الجلسة ناقشنا رأي أنور الغساني فيها فقد رآها انعطافة في الشعر العراقي، منطلقا من قدرتها على التقاط المشهد اليومي العابر، ليفجر معان أكبر من المحتوى بكثير.
أخبرت مهدي قبلها: إن الشاعر عبد الكريم كاصد معك، وربما قبلك، سعى الى مثل هذا النوع من القصائد، ومعه الشاعر مصطفى عبد الله في قصيدة " أولاد الحيّانية "، وأصواتكم من أهم الاصوات الشعرية بعد السياب والبريكان وسعدي يوسف، استطعتم أن تكتبوا ما يدعى "القصيدة اليومية " .
كان مهدي واحدا ممن أسهموا بعد هذا، في كتاب ضم مجموعة من القصائد " سلاما أيها الحزب "، الذي صدر عن دار الفارابي بيروت 1974 و كانت قصيدته " مع لوركا في الطريق الى قرطبة " منشورة فيه .
قبل أن نودعه قال قاسم: هل جهزت الأواق عندك ؟
قال مهدي: جهزتها في ملف، ووضعتها في كيس مغلق، ولكن انتظر قليلا.
قام الى النافذة فتحها ونظر، قال: لا يمكن أن تخرج، والكيس في يدك، هذا اللعين موجود تحت عند محل، الأجبان كما في كل يوم. واللعين قصد به مهدي شرطي الأمن السياسي، الذي يراقب الداخل والخارج من شقته، قال: مع ذلك، اخرجا و انتظرا تحت، سأحل المشكلة.
نزلنا الدرج الضيق الى تحت، لنقف عند بائع الجبن، عندها فتح مهدي النافذة ثانية و صاح: يا أبا حسين.
أجاب بائع الجبن: نعم أستاذ ماذا تريد ؟
قال مهدي : من عندك في المحل حتى يساعدني، الاخوان تركوا عندي أوراق امتحانات الطلاب ، و أريد أحدا من عندك ينزلها لهم.
طبعا من عند ابي حسين آنذاك، غير شرطي الأمن ، و في أقل من دقيقة نزل الكيس الورقي الملفوف بخيط سميك، قلت لقاسم :
- ما هذه الكيس يا قاسم ؟
قال : أوراق امتحانات الطلاب، أما سمعت مهدي!.
الصورة: الشهيد: قاسم محمد حمزة.
[HEADING=1][/HEADING]
عائد خصباك
من كتابي " حياتي 100%+واحد".
Log into Facebook
Log into Facebook to start sharing and connecting with your friends, family, and people you know.
www.facebook.com