قصتي مع السياب..
((بجهودي المتواضعة أحاول تكريس كتاباتي إلى حبيبنا بدر شاكر السياب ولمدة شهر. علي البدر))
الحلقة (1)
أيامٌ وذكرى رحيلِكَ ياسيابُ بيننا
كأنَّ طفلًا باتَ يهذي قبل أن ينام
بأن أمَّه التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لجّ في السؤال
قالوا له: بعد غدٍ تعود .. لابد أن تعود
وإن تهامس الرفاقُ أنها هناك
في جانب التلِّ تنامُ نومةَ اللحود
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
=========
قصتي مع السياب:
((بجهودي المتواضعة أحاول تكريس كتاباتي إلى حبيبنا بدر شاكر السياب ولمدة شهر. علي البدر))
ألحلقة (2)
أنا صديقهُ. جلبتهُ محمولاً بصندوقٍ خشبيُ فقد ماتَ غريباً في المستشفى الأميري. ذهبتُ للمعقل ووجدتُ ان العائلةَ قد طُرِدَت من البيت وإِن السيابَ قد فُصِلَ من دائرتهِ في الموانئ وهو على فراش الموت.
علي السبتي
ياقارئًا كتابي
إبكِ على شبابي
شاهدةٌ بين القبور ِتبكي
تستوقفُ العابرَ... يا صحابي
غُضوا الخُطى وِلْتَصمِتوا: إنَّ القرونَ تَحكي
في جُملةٍ خُطَّتْ على الترابِ
بدر شاكر السياب
الأعمال الشعرية الكاملة ص 211
=====
الحلقة (3)
شاعرٌ مجدد عشق الإنسان، ونذر فكره وقلمه للكتابة عن همومه وقضاياه!
بعد دراسة ما كتبه علي السبتي وجدت أنه يحس بالهموم الاجتماعية في بلده وفي خارج بلده. وصداقته مع السياب عمقت من أحساسه بالالم وباتت الام الاخرين الامه ضمن عملية التزام اجتماعي عقلاني ممزوجة بالقلق والتمرد .
إن المرة الأولى التي جمعته مع السياب كانت في مدينته، البصرة، فأعجب بشخصه أيضاً، لكن ظلّ هذا اللقاء يتيماً إلى أن قرأ السبتي مقالاً في مجلة «الحوادث» اللبنانية للكاتب إلياس سحّاب، يتحدث فيه عن تدهور وضع السيّاب الصحي، وأنه ضحيّة الإهمال ولا يتلقى ما يحتاج إليه من علاج وأن «طريق الموت يتسع أمامه. تأثر السبتي بما قرأ أشدّ التأثر، فكتب، بدوره، مقالاً في مجلة «صوت الخليج» طالب فيه وزير الصحة بأن يتبنى علاج السيّاب في أحد المستشفيات الكويتية، وتجاوب الوزير مع دعوة السبتي، واتصل به طالباً عنوان السيّاب للتواصل معه. استقبل علي السبتي السياب حيث حجز له الامير غرفة رقم واحد في المستشفى الاميري غرفة رقم 1. لم ينفع العلاج حيث توفي رحمة الله عليه ونقله صديقة الوفي الى البصرة.
لقد صور شاعرنا علي السبتي بقصائده حالات التمرد والقلق· وان بدت مدينة الكويت كمدينة أصحاب القصور والكاديلاك، فهذا لايعني عدم احساس الشاعر بالالم وتفاوت اسلوب المعيشة في المجتمع.
ويرى الدكتور عبدالله العتيبي أن الشاعر السبتي عاش تجربة التغيير الاجتماعي في الكويت، فهو بحق: من جيل مخضرمي الكويت، عاش حياة الكويت القديمة بكل ثبات الواقع الاجتماعي وتقاليده المتمثلة في استقرار قيم مناخه الثقافي، وعاش مرحلة التطور الاجتماعي، وشهد، بكل وعي وإدراك، سرعة هذا التطور، ومدى انعكاسه على حركة المجتمع، واتساع مكونات هذا المجتمع الطبقية وتعقدها، وأهم من ذلك كله إدراك شاعرنا لحقيقة الصراع التقليدي المشروع بين المحافظين وجيل
يمتاز أسلوبه بالسلاسة والوضوح والمفردات المختارة التي تدل على مقدرة بأسرار التراكيب اللغوية، كما تدل معظم قصائده على تسجيل المشكلات الاجتماعية والوطنية والتقاليد الاجتماعية، وعلاقة ذلك بالإنسان والأرض والذات والغربة والاغتراب.
ومن دواوينه الشعرية «بيت من نجوم الصيف» 1969، و«أشعار في الهواء الطلق» 1980 و«وعادت الأشعار» 1997.
يعتبر الشاعر علي السبتي ان بدر شاكر السياب استاذه ونلاحظ هنا احساسه المرهف المشوب بالالم والحسرة وتجربته الشعرية جديرة بالاهتمام والتأمل، لما فيها من أبعاد إنسانية عدة، يقول السبتي في قصيدة له حيث تبدو ملامح تأثيره باستاذه واضحة:
وحدي، والليل الساجي، وأزيز الصرصار من الحمّام
وبرأسي أفكار تتصادم، هيهات أنام
والكأس أمامي فارغة…
أبحث في درج المكتب عن مكتوب
عن موعد حب في الغد خلق في وهمي محبوبْ
أطعمه الأشعار بلا عد
لكن الليل يئز به الصرصار
ينسج فوق جبيني خيمة عار
فأمزق ما في الدرج من الأشعار.
ملاحظة:
في الحلقة الرابعة اتحدث عن مراسلتي معه واعتبرها وثائق تأريخية قد تؤرخ مدى حبي واحترامي له ولشاعرنا المرحوم بدر شاكر السياب.
تحياتي
علي البدر/العراق
==========
قصتي مع السياب:
علي البدر ولحظاتٌ لاتُنسى مع الشاعر الكويتي الوفي وتابوتِ السيّاب/ الحلقة (4)
لم اتصور في يوم ما أن مشهدا سيبقى في ذاكرتي لآخر نفس يدخل رئتَيَّ. وها أنا ارجع لخمسة عقود ونيف وقرب جامع السيف عندما وقفت سيارة تحمل تابوتا وبداخلها رجل ميزناه كويتيا من لهجته ولباسه الخليجي. ولم نستغرب دموعه التي ساحت على خديه وهو يسألنا حائرا ونحن طلاب المرحلة الإعدادية، عن بيت بدر شاكر السياب:
- السلام عليكم. فين بيت “بدر شاكر السياب؟” رحت “للمعقل” وطلعتلي عايله متعرفه وجيت هني اسأل عليه.
- وعليكم السلام. اسفين عمو والله منعرفه وماكو بيت بهالاسم بهاي المحله…
يدور هذا الحوار البسيط مع هذا الرجل في أعماقي ومازالت قسمات وجهه مرسومة في مخيلتي. أجل ومن يعرفه ونحن مجموعة من طلبة المدارس متجمعين قرب باب جامع “السيف” في البصره القديمه؟ “السياب.. بدر شاكر السياب”.. لا أب.. لا عائله.. ياترى هل اقوم بدفنه وحدي؟ تساءل الرجل. لا. لا مستحيل. هذا مستحيل.. ترجل من سيارته والتف حوله بعض الرجال وحملوا الجنازة وأدخلوها في جامع “السيف” حيث التف حولها الباكون فوجدت نفسي ابكي بحرقة خاصة واننا لم نتعود على رؤية التابوت لأن الموت كان نادرا فالبلد لم تدخل الحروب بعد، حيث اعتدنا أو بالاحرى عودونا متقصدين على رؤية جثث قتلى الحروب ونحن نتناول الغداء او العشاء. وبالتأكيد لم أبكِ عليه ولكن لانني اشتقت لأبي الذي لم أحظر جنازته..أبي الذي غادرني وأنا بالكاد أحبو لأصل إلى حضنه.
هرولت مسرعا الى البيت واخبرت أخي الكبير بما حدث فأسف لذلك ولعن الظرووف التي تحارب الشاعر والقاص والعالم وأصحاب الكفاءه. أجل، مريض فُصِلَ من دائرته لأسباب سياسيه وتوفي في المستشفى الأميري في الكويت في غرفه رقم واحد بعهدة الأمير انذاك..أيعقل أن تُجبَرَ العائلةُ على مغادرة البيت وتشرد وهي في اصعب الظروف والذنب ان الفكر الثوري الذي يؤمن به الذي يستقر في التابوت لا يتماشى مع الحاكم. وكانت كلمات أخي شعلة نار توغلت في أعماقي، وحددت مسار فكري، عندما مسكني من كتفي بيده وبقوة قال:
- إعلم يا أخي الصغير، سيُجبَرُ الطغاةُ على إعادة الإعتبار لهذا الشاعر المناضل في سبيل وطن حر وشعب سعيد واعلم أننا ليست بالخبز فقط نحيا، وانما بالحرية التي قد تحتاج دماءنا الحمراء ولاتستغرب يا أخي الصغير ويا صديقي إن لم ترني في يوم ما. وفعلًا.. جاء اليوم الذي غاب عنا أخي ليرجع لنا بتابوت يشبه تابوت السياب. ودارت الارض حول الشمس عدة مرات وعلمت أن من نقل الجنازة هو الشاعر الكويتي علي السبتي.
- وفي الحلقة الخامسة ابين علاقتي ومراسلاتي معه ودور الصديق الناقد حاتم الصكر في تعريفي عليه ، حيث كنا سوية في محافظة واسط نمارس التدريس وبنفس الوقت في اتحاد الادباء. نُقِلنا الى بغداد وقد عين الصكر رئيس تحرير مجلة الأقلام.
تحياتي
علي البدر
==========
علي البدر وقصتي مع السياب
الحلقة (5)
ومع استمرار مسيرتي الادبية المتواضعة في القصص القصيرة والنقد الأدبي والتشكيلي والترجمة وغيرها، كان حصة المرحوم السياب أربع قصص لحد الان من خلال حوارات مشتركة متعددة معه. وقصتي الأولى بحقه تحتاج إلى قصة أيضًا. في البداية قررت أن أقرأ كل شيء تقريبا عن السياب حيث بقيت متواصلا مع المكتبات العامة الحكومية التي كانت منهلا لا ينضب للمعرفة، واستطعت تدوين كل شيء عنه. وفي خاتمة المطاف كتبت القصة الأولى وهي "يابدر بن شاكر ... سلامًا."
ذهبت إلى البصرة سنة 1980 حيث انتهاء الحرب العراقية الايرانية التي دمرت البلدين، ووقفت أمام التمثال على ضفاف كورنيش شط العرب. وكان الموقف صادما حيث امتلأ جسد السياب بالشضايا وبات منخورا من كل جانب. صدره وخاصرته وقريبا من قلبه وهناك شضية مزقت الكتاب الذي في جيب سترته والذي غير مزاجي وجود بعض الاطفال فرحين حوله والأحبة يلتقطون الصور وهناك طفل يبكي بعد ان عجزت امه عن إقناعه بعدم استطاعتها إعطائه الكتاب الممزق لأنه التصق بجسدة وبات جزء منه.
وعندما حل السكون وغادر الجميع وبدأ الليل يسدل سدوله، انتابتني رغبة في الحديث معه وأنا أشير بذراعي اليه عله يخفظ رأسه ليراني، وبت على وشك العتب عليه لكن خفير الساحل ربت على كتفي برفق وكأنه فهم ما بأعماقي وبدأ مرددا : (يا مطر يا حلبي عبر بنات الجلبي يا مطر يا شاشا عبر بنات الباشا)). ولا أدري هل أضحك أم أبكي، لكنني تمنيت أن أصرخ وبجنون كما صرخ النحات ميخائيل أنجلو امام تمثاله الذي نحته ولم يبق إلا بث الحياة فيه حيث صرخ وبجنون: تكلم. تكلم. تكلم.....
ومن حسن الصدف، اشتركتْ هذه القصة في مسابقة صوت الجماهير وقررتُ إهدائها وإرسالها إلى الشاعر الكويتي الغيور "علي السبتي". لكنها لم تفز بالجائزة الأولى واعتبروها ضمن القصص العشرة الجيدة التي ستصدر بكتاب خاص. ولابد أن أذهب إلى صديقي الناقد حاتم الصكر في دار آفاق عربية حيث كان رئيس تحرير مجلة الأقلام الأدبية لأجل حصولي على عنوان الشاعر علي السبتي في الكويت، لأنني أهديت القصة له لوفائه عندما احتضن السياب في مرضه ثم نقله الى البصرة منقولا في تابوت خشبي.
استقبلني الناقد الصديق حاتم الصكر بحفاوة، وكانت المفاجأة عندما دخل علينا الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي. ولمجرد ان تعارفنا وقف رافعا يده قائلا.. أنت.. أنت .. يابدر بن شاكر سلاما... فقلت له كيف عرفت بإسمها وأنا لم أنشرها؟ . رد متحمسا: قلتُ لهم لابد ان تفوز وتستحق الجائزة الاولى. أجل انها تستحق. أيدني المجتمعون في لجنة المسابقة لكن رئيس اللجنة رفض وبإصرار ضاحكًا ومستهزئًا: هل من المعقول أن يتحدث التمثال وينزل من قاعدته؟ وعندها سألتُ من هذا رجاءً؟ فرد الروائي الربيعي وباستغراب: استاذ النقد الأدبي في كلية... ورئيس أحد أقسامها..
ولابد لي أن لا أذكر اسمه لأن من يقرأ كلماتي هذه الان قد لايصدق.. بل من المستحيل أن يصدق...
في ختام اللقاء أخبرني الصديق حاتم الصكر بأن أُعنوِنَ الرسالة إلى اتحاد ادباء الكويت وفعلًا أرسلتها واستلمت جوابها منه ووعدني بنشر القصة قريبا.. الجواب بالنسبة لي وثيقة تأريخية أفتخر بها مادمت حيًا.
في الحلقة السادسة أتحدث عن السياب عندما سجن في المعتقل في مركز شرطة الكرخ وقصيدته التي كان السجناء يرددونا عام 1949 وقد حصلت على هذه المعلومة من احد المناضلين، كان معه بنفس المعتقل المذكور. وسأتحدث أيضا عن شعر السياب وتأثره ببعض الشعراء العرب القدامى وأيضا بالشاعر إليوت وغيره..
علي البدر/ العراق
((بجهودي المتواضعة أحاول تكريس كتاباتي إلى حبيبنا بدر شاكر السياب ولمدة شهر. علي البدر))
الحلقة (1)
أيامٌ وذكرى رحيلِكَ ياسيابُ بيننا
كأنَّ طفلًا باتَ يهذي قبل أن ينام
بأن أمَّه التي أفاق منذ عام
فلم يجدها، ثم حين لجّ في السؤال
قالوا له: بعد غدٍ تعود .. لابد أن تعود
وإن تهامس الرفاقُ أنها هناك
في جانب التلِّ تنامُ نومةَ اللحود
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
=========
قصتي مع السياب:
((بجهودي المتواضعة أحاول تكريس كتاباتي إلى حبيبنا بدر شاكر السياب ولمدة شهر. علي البدر))
ألحلقة (2)
أنا صديقهُ. جلبتهُ محمولاً بصندوقٍ خشبيُ فقد ماتَ غريباً في المستشفى الأميري. ذهبتُ للمعقل ووجدتُ ان العائلةَ قد طُرِدَت من البيت وإِن السيابَ قد فُصِلَ من دائرتهِ في الموانئ وهو على فراش الموت.
علي السبتي
ياقارئًا كتابي
إبكِ على شبابي
شاهدةٌ بين القبور ِتبكي
تستوقفُ العابرَ... يا صحابي
غُضوا الخُطى وِلْتَصمِتوا: إنَّ القرونَ تَحكي
في جُملةٍ خُطَّتْ على الترابِ
بدر شاكر السياب
الأعمال الشعرية الكاملة ص 211
=====
الحلقة (3)
شاعرٌ مجدد عشق الإنسان، ونذر فكره وقلمه للكتابة عن همومه وقضاياه!
بعد دراسة ما كتبه علي السبتي وجدت أنه يحس بالهموم الاجتماعية في بلده وفي خارج بلده. وصداقته مع السياب عمقت من أحساسه بالالم وباتت الام الاخرين الامه ضمن عملية التزام اجتماعي عقلاني ممزوجة بالقلق والتمرد .
إن المرة الأولى التي جمعته مع السياب كانت في مدينته، البصرة، فأعجب بشخصه أيضاً، لكن ظلّ هذا اللقاء يتيماً إلى أن قرأ السبتي مقالاً في مجلة «الحوادث» اللبنانية للكاتب إلياس سحّاب، يتحدث فيه عن تدهور وضع السيّاب الصحي، وأنه ضحيّة الإهمال ولا يتلقى ما يحتاج إليه من علاج وأن «طريق الموت يتسع أمامه. تأثر السبتي بما قرأ أشدّ التأثر، فكتب، بدوره، مقالاً في مجلة «صوت الخليج» طالب فيه وزير الصحة بأن يتبنى علاج السيّاب في أحد المستشفيات الكويتية، وتجاوب الوزير مع دعوة السبتي، واتصل به طالباً عنوان السيّاب للتواصل معه. استقبل علي السبتي السياب حيث حجز له الامير غرفة رقم واحد في المستشفى الاميري غرفة رقم 1. لم ينفع العلاج حيث توفي رحمة الله عليه ونقله صديقة الوفي الى البصرة.
لقد صور شاعرنا علي السبتي بقصائده حالات التمرد والقلق· وان بدت مدينة الكويت كمدينة أصحاب القصور والكاديلاك، فهذا لايعني عدم احساس الشاعر بالالم وتفاوت اسلوب المعيشة في المجتمع.
ويرى الدكتور عبدالله العتيبي أن الشاعر السبتي عاش تجربة التغيير الاجتماعي في الكويت، فهو بحق: من جيل مخضرمي الكويت، عاش حياة الكويت القديمة بكل ثبات الواقع الاجتماعي وتقاليده المتمثلة في استقرار قيم مناخه الثقافي، وعاش مرحلة التطور الاجتماعي، وشهد، بكل وعي وإدراك، سرعة هذا التطور، ومدى انعكاسه على حركة المجتمع، واتساع مكونات هذا المجتمع الطبقية وتعقدها، وأهم من ذلك كله إدراك شاعرنا لحقيقة الصراع التقليدي المشروع بين المحافظين وجيل
يمتاز أسلوبه بالسلاسة والوضوح والمفردات المختارة التي تدل على مقدرة بأسرار التراكيب اللغوية، كما تدل معظم قصائده على تسجيل المشكلات الاجتماعية والوطنية والتقاليد الاجتماعية، وعلاقة ذلك بالإنسان والأرض والذات والغربة والاغتراب.
ومن دواوينه الشعرية «بيت من نجوم الصيف» 1969، و«أشعار في الهواء الطلق» 1980 و«وعادت الأشعار» 1997.
يعتبر الشاعر علي السبتي ان بدر شاكر السياب استاذه ونلاحظ هنا احساسه المرهف المشوب بالالم والحسرة وتجربته الشعرية جديرة بالاهتمام والتأمل، لما فيها من أبعاد إنسانية عدة، يقول السبتي في قصيدة له حيث تبدو ملامح تأثيره باستاذه واضحة:
وحدي، والليل الساجي، وأزيز الصرصار من الحمّام
وبرأسي أفكار تتصادم، هيهات أنام
والكأس أمامي فارغة…
أبحث في درج المكتب عن مكتوب
عن موعد حب في الغد خلق في وهمي محبوبْ
أطعمه الأشعار بلا عد
لكن الليل يئز به الصرصار
ينسج فوق جبيني خيمة عار
فأمزق ما في الدرج من الأشعار.
ملاحظة:
في الحلقة الرابعة اتحدث عن مراسلتي معه واعتبرها وثائق تأريخية قد تؤرخ مدى حبي واحترامي له ولشاعرنا المرحوم بدر شاكر السياب.
تحياتي
علي البدر/العراق
==========
قصتي مع السياب:
علي البدر ولحظاتٌ لاتُنسى مع الشاعر الكويتي الوفي وتابوتِ السيّاب/ الحلقة (4)
لم اتصور في يوم ما أن مشهدا سيبقى في ذاكرتي لآخر نفس يدخل رئتَيَّ. وها أنا ارجع لخمسة عقود ونيف وقرب جامع السيف عندما وقفت سيارة تحمل تابوتا وبداخلها رجل ميزناه كويتيا من لهجته ولباسه الخليجي. ولم نستغرب دموعه التي ساحت على خديه وهو يسألنا حائرا ونحن طلاب المرحلة الإعدادية، عن بيت بدر شاكر السياب:
- السلام عليكم. فين بيت “بدر شاكر السياب؟” رحت “للمعقل” وطلعتلي عايله متعرفه وجيت هني اسأل عليه.
- وعليكم السلام. اسفين عمو والله منعرفه وماكو بيت بهالاسم بهاي المحله…
يدور هذا الحوار البسيط مع هذا الرجل في أعماقي ومازالت قسمات وجهه مرسومة في مخيلتي. أجل ومن يعرفه ونحن مجموعة من طلبة المدارس متجمعين قرب باب جامع “السيف” في البصره القديمه؟ “السياب.. بدر شاكر السياب”.. لا أب.. لا عائله.. ياترى هل اقوم بدفنه وحدي؟ تساءل الرجل. لا. لا مستحيل. هذا مستحيل.. ترجل من سيارته والتف حوله بعض الرجال وحملوا الجنازة وأدخلوها في جامع “السيف” حيث التف حولها الباكون فوجدت نفسي ابكي بحرقة خاصة واننا لم نتعود على رؤية التابوت لأن الموت كان نادرا فالبلد لم تدخل الحروب بعد، حيث اعتدنا أو بالاحرى عودونا متقصدين على رؤية جثث قتلى الحروب ونحن نتناول الغداء او العشاء. وبالتأكيد لم أبكِ عليه ولكن لانني اشتقت لأبي الذي لم أحظر جنازته..أبي الذي غادرني وأنا بالكاد أحبو لأصل إلى حضنه.
هرولت مسرعا الى البيت واخبرت أخي الكبير بما حدث فأسف لذلك ولعن الظرووف التي تحارب الشاعر والقاص والعالم وأصحاب الكفاءه. أجل، مريض فُصِلَ من دائرته لأسباب سياسيه وتوفي في المستشفى الأميري في الكويت في غرفه رقم واحد بعهدة الأمير انذاك..أيعقل أن تُجبَرَ العائلةُ على مغادرة البيت وتشرد وهي في اصعب الظروف والذنب ان الفكر الثوري الذي يؤمن به الذي يستقر في التابوت لا يتماشى مع الحاكم. وكانت كلمات أخي شعلة نار توغلت في أعماقي، وحددت مسار فكري، عندما مسكني من كتفي بيده وبقوة قال:
- إعلم يا أخي الصغير، سيُجبَرُ الطغاةُ على إعادة الإعتبار لهذا الشاعر المناضل في سبيل وطن حر وشعب سعيد واعلم أننا ليست بالخبز فقط نحيا، وانما بالحرية التي قد تحتاج دماءنا الحمراء ولاتستغرب يا أخي الصغير ويا صديقي إن لم ترني في يوم ما. وفعلًا.. جاء اليوم الذي غاب عنا أخي ليرجع لنا بتابوت يشبه تابوت السياب. ودارت الارض حول الشمس عدة مرات وعلمت أن من نقل الجنازة هو الشاعر الكويتي علي السبتي.
- وفي الحلقة الخامسة ابين علاقتي ومراسلاتي معه ودور الصديق الناقد حاتم الصكر في تعريفي عليه ، حيث كنا سوية في محافظة واسط نمارس التدريس وبنفس الوقت في اتحاد الادباء. نُقِلنا الى بغداد وقد عين الصكر رئيس تحرير مجلة الأقلام.
تحياتي
علي البدر
==========
علي البدر وقصتي مع السياب
الحلقة (5)
ومع استمرار مسيرتي الادبية المتواضعة في القصص القصيرة والنقد الأدبي والتشكيلي والترجمة وغيرها، كان حصة المرحوم السياب أربع قصص لحد الان من خلال حوارات مشتركة متعددة معه. وقصتي الأولى بحقه تحتاج إلى قصة أيضًا. في البداية قررت أن أقرأ كل شيء تقريبا عن السياب حيث بقيت متواصلا مع المكتبات العامة الحكومية التي كانت منهلا لا ينضب للمعرفة، واستطعت تدوين كل شيء عنه. وفي خاتمة المطاف كتبت القصة الأولى وهي "يابدر بن شاكر ... سلامًا."
ذهبت إلى البصرة سنة 1980 حيث انتهاء الحرب العراقية الايرانية التي دمرت البلدين، ووقفت أمام التمثال على ضفاف كورنيش شط العرب. وكان الموقف صادما حيث امتلأ جسد السياب بالشضايا وبات منخورا من كل جانب. صدره وخاصرته وقريبا من قلبه وهناك شضية مزقت الكتاب الذي في جيب سترته والذي غير مزاجي وجود بعض الاطفال فرحين حوله والأحبة يلتقطون الصور وهناك طفل يبكي بعد ان عجزت امه عن إقناعه بعدم استطاعتها إعطائه الكتاب الممزق لأنه التصق بجسدة وبات جزء منه.
وعندما حل السكون وغادر الجميع وبدأ الليل يسدل سدوله، انتابتني رغبة في الحديث معه وأنا أشير بذراعي اليه عله يخفظ رأسه ليراني، وبت على وشك العتب عليه لكن خفير الساحل ربت على كتفي برفق وكأنه فهم ما بأعماقي وبدأ مرددا : (يا مطر يا حلبي عبر بنات الجلبي يا مطر يا شاشا عبر بنات الباشا)). ولا أدري هل أضحك أم أبكي، لكنني تمنيت أن أصرخ وبجنون كما صرخ النحات ميخائيل أنجلو امام تمثاله الذي نحته ولم يبق إلا بث الحياة فيه حيث صرخ وبجنون: تكلم. تكلم. تكلم.....
ومن حسن الصدف، اشتركتْ هذه القصة في مسابقة صوت الجماهير وقررتُ إهدائها وإرسالها إلى الشاعر الكويتي الغيور "علي السبتي". لكنها لم تفز بالجائزة الأولى واعتبروها ضمن القصص العشرة الجيدة التي ستصدر بكتاب خاص. ولابد أن أذهب إلى صديقي الناقد حاتم الصكر في دار آفاق عربية حيث كان رئيس تحرير مجلة الأقلام الأدبية لأجل حصولي على عنوان الشاعر علي السبتي في الكويت، لأنني أهديت القصة له لوفائه عندما احتضن السياب في مرضه ثم نقله الى البصرة منقولا في تابوت خشبي.
استقبلني الناقد الصديق حاتم الصكر بحفاوة، وكانت المفاجأة عندما دخل علينا الروائي عبد الرحمن مجيد الربيعي. ولمجرد ان تعارفنا وقف رافعا يده قائلا.. أنت.. أنت .. يابدر بن شاكر سلاما... فقلت له كيف عرفت بإسمها وأنا لم أنشرها؟ . رد متحمسا: قلتُ لهم لابد ان تفوز وتستحق الجائزة الاولى. أجل انها تستحق. أيدني المجتمعون في لجنة المسابقة لكن رئيس اللجنة رفض وبإصرار ضاحكًا ومستهزئًا: هل من المعقول أن يتحدث التمثال وينزل من قاعدته؟ وعندها سألتُ من هذا رجاءً؟ فرد الروائي الربيعي وباستغراب: استاذ النقد الأدبي في كلية... ورئيس أحد أقسامها..
ولابد لي أن لا أذكر اسمه لأن من يقرأ كلماتي هذه الان قد لايصدق.. بل من المستحيل أن يصدق...
في ختام اللقاء أخبرني الصديق حاتم الصكر بأن أُعنوِنَ الرسالة إلى اتحاد ادباء الكويت وفعلًا أرسلتها واستلمت جوابها منه ووعدني بنشر القصة قريبا.. الجواب بالنسبة لي وثيقة تأريخية أفتخر بها مادمت حيًا.
في الحلقة السادسة أتحدث عن السياب عندما سجن في المعتقل في مركز شرطة الكرخ وقصيدته التي كان السجناء يرددونا عام 1949 وقد حصلت على هذه المعلومة من احد المناضلين، كان معه بنفس المعتقل المذكور. وسأتحدث أيضا عن شعر السياب وتأثره ببعض الشعراء العرب القدامى وأيضا بالشاعر إليوت وغيره..
علي البدر/ العراق