أذكر في بداية وجودي بالنمسا، كان هناك صديق مبعوث لنيل درجة الدكتوراه من جامعة ليؤبن النمساوية إحدى أعرق الجامعات الأوروبية، والتي تستقبل عادة مبتعثين من قبل وزارة التعليم العالي المصري لاستكمال دراستهم العليا بالحصول على درجة الدكتوراه، وأكثر هؤلاء المبعوثين هم من خريجي كليات العلوم.
صديقي القديم، "ح ط" الذي هو الآن أستاذ دكتور، كانت تجمعني به، كلما سمح الوقت لكلينا، جلساتٌ ليست بالقصيرة، نتجاذب فيها أطراف الحديث في عديد المجالات، فالرجل كان على درجة جيدة من الثقافة العامة، وفي إحدى جلساتنا التي ما زلت أتذكرها: مكانا وزمانا وما دار فيها من حديث، حيث كان مهما، ذكر لي صديقي: أنه في المعمل يمكنك أن ترى بوضوح كيف تطور الإنسان من جَدٍّ أعلى مشترك يجمعه بالقردة العليا، هذا الذي لم يمثل لي أي نوع من الاندهاش، حيث كنت قد تعرفت على ذلك من خلال قراءات في أصل الأنواع الذي أتى به تشارلز روبرت داروين (بالإنجليزية: Charles Robert Darwin) عالم تاريخ طبيعي وجيولوجي بريطاني ولد في إنجلترا في 12 فبراير 1809 في شرو سبوري لعائلة إنجليزية علمية وتوفي في 19 أبريل 1882. ولكن اندهاشي كان له مصدر آخر، وهو امتعاض صديقي الدكتور من ذلك، بل أتذكر هزة رأسه، التي نُقِشَتْ في ذاكرتي، والتي عكست الاشمئزاز والرفض في آن واحد، هذا المنظر الذي ظل ملازمني حتى اللحظة، والذي ما يفتأ أن يثير لدي السؤال تلو الآخر، وكان السؤال الجوهري الذي يضرب عقلي بمطرقته: كيف لرجل علم أن يرفض ما يؤكده المعمل وتثبته الحفريات، وتدلل عليه التجارب العلمية، التي عمل عليها علماءٌ بجد وصبر وأناة؟ وما السبب الذي يجعل باحث علمٍ على استعداد أن يضحي بالنظريات العلمية ويلقي بها عرض الحائط؟ وما هي المشكلة في أن يكون الإنسان مثله مثل غيره في كل هذا الوجود نتيجة لحلقات هائلة من التطور بدأت من الجسيم المتفرد الذي انفجر لتبدأ الكواركات في معركة حامية الوطيس، حيث أنه يتم إنتاج جسميات وجسيمات مضادة، هذه الأخيرة التي تكون سببا في تلاشي الأولى، ذلك الذي يستدعى بالضرورة أن نكون في حاجة إلى ضعف تلك الجسيمات لينجو منها ما يشكل نواة الذرة الأولى: تشكل الكواركات معظم الجزء الداخلي للمادة، فالبروتون يتكون من ثلاث كواركات : u u d و النيوترون مكون من ثلاث كواركات: d d u، لنحصل في أولى النهايات المبكرة لنواة الذرة ولتبدأ مرحلة جديدة لتكوّن أخف العناصر وهو عنصر الهيدروجين التي سيكوّن ٧٥% من الكون، والتي ما سرعان ما يتكون منه غاز الهليوم بنسبة ما يقترب ٢٤% تقريبا ويتكون من الباقي بقية العناصر ليبدأ الكون في التشكل خلال رحلة طويلة تقدر ب_ ١٣،٨ مليار سنة ضوئية إلى أن يصل إلى ما هو عليه الآن.
أعود إلى صديقي الرافض المشمئز من تصور أن يكون للإنسان والقرد جد مشترك انحدرا كل منهما منه، وفي محاولة لفهم هذا الرفض والاشمئزاز، أسعفتني ذاكرتي بإجابتي عن سؤال وضعه مدرس الأحياء في مدرسة الجمالية الثانوية المشتركة بمحافظة الدقهلية، للأسف خانتني الذاكرة في تذكر اسمه، في امتحان لنا، ونحن في الصف الأول الثانوي، وكان إجابة السؤال هو الاختيار ما بين نعم ولا، حيث كتب في ورقة الأسئلة: "الإنسان حيوان ثابت درجة الحرارة"، وفي نقلي لهذه الجملة تعمدت إسقاط كلمة "حيوان" منها، وكان ذلك احتجاجا ورفضا مني على أن يتم وضع الإنسان في جنس الحيوان، هذا الرفض الذي كان مبنيا على تنزيه للإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، من ناحية، ونظرة مثالية مني للفظ الإنسان الذي هو أرقى المخلوقات وأسماها، يختلف معنا هنا الكاتب الأمريكي مارك توين صاحب كتاب "الجنس البشري الملعون" ذلك الكتاب الذي هو جدير بأن نفرد له مقالا خاصة مستقبلا.
إن رفضي لإدراج الإنسان في مملكة الحيوان وتنزيهه نابع من صورة قد مُلِئَ الذهن بها من مصادر متعددة على رأسها المصدر الديني، الذي قدم تصورا أنطولوجيا تم أخذه بحرفيته ذلك الذي يعني أن كل المخلوقات قد خلقت بشكل فردي منفصلة عن بعضها البعض. هذا التصور الديني بحرفيته قد تجاوزه العلم دون شك، ولقد قَبَلت، على سبيل المثال، الديانة المسيحية بنظرية التطور من خلال اعتراف البابا فرنسيس بها في العام ٢٠١٤ حيث ذكر في خطاب له أمام الأكاديمية البابوية للعلوم في الفاتيكان، أن نظرية التطور لا تتعارض مع رواية الخلق المذكورة في الكتاب المقدس، ونظرية الانفجار الكبير لا تتعارض مع التدخل الإلهي، بل تكملها.
وقال البابا: “نحن نخاطر بتخيل الله كساحر مع عصا سحرية قادرة على فعل كل شيء”، مجادلا ضد نظرية خلق الأرض الفتية. “ولكن ليس هذا هو الحال”.
إن التطور أصبح حقيقة راسخة، ولولاه لما توصل العلم إلى العديد من المنجزات الطبية، وإن اكتشاف الأحماض النووية التي هي الجزيء الأكثر أهميةً في جميع الجزيئات الحيوية. تُوجد بكثرةٍ في جميع الكائنات الحية، حيثُ تعمل على إنشاء وتشفير ثم تخزين المعلومات الخاصة بكل خليةٍ حيةٍ لكلٍ كائن حي على وجه الأرض. وبدورها تعملُ على نقل هذه المعلومات والتعبير عنها داخل وخارج نواة الخلية (إلى العمليات الخلوية الداخلية وفي النهاية إلى الجيل التالي لكلٍ كائنٍ حي)، هذا الاكتشاف الذي هو أعظم الإسهامات العلمية في تاريخ البشرية حتى الآن. ما دفع الأمريكيون لتخصيص يوم للاحتفال به وهو يوم 25 إبريل من كل عام وذلك لإحياء ذكرى اكتشاف بنية الحمض النووي الديوكسي ريبوزي والمعروف اختصاراً بالـ"دي إن إيه" (DNA). الذي توصل إليه في عام 1953 جيمس واطسون وزميله فرانسيس كريك، إن اكتشاف الحمض النووي يثبت صحة أغلب أفكار داروين، فلقد تم العثور على تركيبة الحمض النووي/ DNA الذي يبين الصفات الوراثية للكائن الحي. وقد حصل الباحثان بفضل هذا الإكتشاف على جائزة نوبل للطب عام 1962. ويرى إدوارد أوسبورن ويلسون، وهو أحد أشهر علماء التطور البيولوجي المعاصرين أن لعلم الأحياء الحديث علامتين بارزتين، الأولى في عام 1859 عندما نشر كتاب أصل الأنواع لداروين، والثانية في عام 1953 عندما نشرت تركيبة الحمض النووي. الذي من خلاله لا يمكن التعرف على حدوث التطور فحسب، وإنما أيضا على كيفية تشكيله وتغييره لمظهره.
وأثبتت تقنيات الجينات الحديثة، كما ذكرنا سابقا، أن داروين كان محقا، ولذلك يعتبره الباحث الكبير جيمس واطسون أحد مكتشفي الحمض النووي أنه "أعظم شخص على الإطلاق". كما تم اختيار كتاب تشارلز داروين حول أصل الأنواع كأكثر كتاب أكاديمي أهميّةً، من بين أهم الكتب في العالم على الإطلاق، والتي لم تشمل قائمتها أي كتاب لمؤلف أو عالم عربي سوى كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، ووصف الكتاب الفائز "أصل الأنواع" على أنه “كتاب غيّر طريقة تفكيرنا في كل شيء”.
ووصف البروفيسور أندرو بريسكوت من جامعة جلاسكو البريطانية دراسة داروين في العام 1859 بأنها ” التبيان الرئيسي لأهمية الكتب الأكاديمية “. وقال: “استخدم داروين المراقبة الدقيقة للعالم من حولنا، إلى جانب التفكير المطول والعميق، لإنشاء كتاب غيّر طريقة تفكيرنا في كل شيء – ليس فقط العالم الطبيعي، ولكن الدين والتاريخ والمجتمع”. “كل باحث ، بغض النظر عما إذا كان يكتب كتبًا ، أو ينشئ منتجات رقمية أو ينتج أعمالًا فنية ، يطمح إلى إنتاج شيء مهم في تاريخ الفكر مثل أصل الأنواع.”
إن الأمر الأكثر إثارة هو وصول العلم إلى التحكم في التطور، ذلك الذي يقوم عليه علم التطوُّر الموجَّه Directed evolution، الذي هو عملية تستخدم في هندسة البروتينات وتغييرها بشكلٍ يحاكي عملية الانتقاء الطبيعي لتوجيهها نحو هدف محدَّد ومرسوم مسبقاً، ولقد توسَّعت تقنيَّات التطوُّر الموجَّه بشكلٍ كبير وسريع مع ظهور طرق جديدة لخلق سلاسل من التغيُّرات الجينيَّة ومراقبة تأثيراتها، وتقديرا لجهودهم في هذا المجال الهام تمَّ منح جائزة نوبل في الكيمياء لثلاثة من العلماء هم فرانسيس أرنولد وجورج سميث وغريغوري وينتر عن أبحاثهم في مجال تقنيَّات التطوُّر الموجَّه وذلك في العام ٢٠١٨، ونشرت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم المانحة للجائزة في هذا العام مع منح تلك الجائزة الصورة الشهيرة لتطور الإنسان منذ أن كان مُنْحَني الظهر ويسير على أربع إلى أن وصل إلى الصورة النهائية الحالية صورة الإنسان المنتصب في ست أشكال متتالية.
بهجت
صديقي القديم، "ح ط" الذي هو الآن أستاذ دكتور، كانت تجمعني به، كلما سمح الوقت لكلينا، جلساتٌ ليست بالقصيرة، نتجاذب فيها أطراف الحديث في عديد المجالات، فالرجل كان على درجة جيدة من الثقافة العامة، وفي إحدى جلساتنا التي ما زلت أتذكرها: مكانا وزمانا وما دار فيها من حديث، حيث كان مهما، ذكر لي صديقي: أنه في المعمل يمكنك أن ترى بوضوح كيف تطور الإنسان من جَدٍّ أعلى مشترك يجمعه بالقردة العليا، هذا الذي لم يمثل لي أي نوع من الاندهاش، حيث كنت قد تعرفت على ذلك من خلال قراءات في أصل الأنواع الذي أتى به تشارلز روبرت داروين (بالإنجليزية: Charles Robert Darwin) عالم تاريخ طبيعي وجيولوجي بريطاني ولد في إنجلترا في 12 فبراير 1809 في شرو سبوري لعائلة إنجليزية علمية وتوفي في 19 أبريل 1882. ولكن اندهاشي كان له مصدر آخر، وهو امتعاض صديقي الدكتور من ذلك، بل أتذكر هزة رأسه، التي نُقِشَتْ في ذاكرتي، والتي عكست الاشمئزاز والرفض في آن واحد، هذا المنظر الذي ظل ملازمني حتى اللحظة، والذي ما يفتأ أن يثير لدي السؤال تلو الآخر، وكان السؤال الجوهري الذي يضرب عقلي بمطرقته: كيف لرجل علم أن يرفض ما يؤكده المعمل وتثبته الحفريات، وتدلل عليه التجارب العلمية، التي عمل عليها علماءٌ بجد وصبر وأناة؟ وما السبب الذي يجعل باحث علمٍ على استعداد أن يضحي بالنظريات العلمية ويلقي بها عرض الحائط؟ وما هي المشكلة في أن يكون الإنسان مثله مثل غيره في كل هذا الوجود نتيجة لحلقات هائلة من التطور بدأت من الجسيم المتفرد الذي انفجر لتبدأ الكواركات في معركة حامية الوطيس، حيث أنه يتم إنتاج جسميات وجسيمات مضادة، هذه الأخيرة التي تكون سببا في تلاشي الأولى، ذلك الذي يستدعى بالضرورة أن نكون في حاجة إلى ضعف تلك الجسيمات لينجو منها ما يشكل نواة الذرة الأولى: تشكل الكواركات معظم الجزء الداخلي للمادة، فالبروتون يتكون من ثلاث كواركات : u u d و النيوترون مكون من ثلاث كواركات: d d u، لنحصل في أولى النهايات المبكرة لنواة الذرة ولتبدأ مرحلة جديدة لتكوّن أخف العناصر وهو عنصر الهيدروجين التي سيكوّن ٧٥% من الكون، والتي ما سرعان ما يتكون منه غاز الهليوم بنسبة ما يقترب ٢٤% تقريبا ويتكون من الباقي بقية العناصر ليبدأ الكون في التشكل خلال رحلة طويلة تقدر ب_ ١٣،٨ مليار سنة ضوئية إلى أن يصل إلى ما هو عليه الآن.
أعود إلى صديقي الرافض المشمئز من تصور أن يكون للإنسان والقرد جد مشترك انحدرا كل منهما منه، وفي محاولة لفهم هذا الرفض والاشمئزاز، أسعفتني ذاكرتي بإجابتي عن سؤال وضعه مدرس الأحياء في مدرسة الجمالية الثانوية المشتركة بمحافظة الدقهلية، للأسف خانتني الذاكرة في تذكر اسمه، في امتحان لنا، ونحن في الصف الأول الثانوي، وكان إجابة السؤال هو الاختيار ما بين نعم ولا، حيث كتب في ورقة الأسئلة: "الإنسان حيوان ثابت درجة الحرارة"، وفي نقلي لهذه الجملة تعمدت إسقاط كلمة "حيوان" منها، وكان ذلك احتجاجا ورفضا مني على أن يتم وضع الإنسان في جنس الحيوان، هذا الرفض الذي كان مبنيا على تنزيه للإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم، من ناحية، ونظرة مثالية مني للفظ الإنسان الذي هو أرقى المخلوقات وأسماها، يختلف معنا هنا الكاتب الأمريكي مارك توين صاحب كتاب "الجنس البشري الملعون" ذلك الكتاب الذي هو جدير بأن نفرد له مقالا خاصة مستقبلا.
إن رفضي لإدراج الإنسان في مملكة الحيوان وتنزيهه نابع من صورة قد مُلِئَ الذهن بها من مصادر متعددة على رأسها المصدر الديني، الذي قدم تصورا أنطولوجيا تم أخذه بحرفيته ذلك الذي يعني أن كل المخلوقات قد خلقت بشكل فردي منفصلة عن بعضها البعض. هذا التصور الديني بحرفيته قد تجاوزه العلم دون شك، ولقد قَبَلت، على سبيل المثال، الديانة المسيحية بنظرية التطور من خلال اعتراف البابا فرنسيس بها في العام ٢٠١٤ حيث ذكر في خطاب له أمام الأكاديمية البابوية للعلوم في الفاتيكان، أن نظرية التطور لا تتعارض مع رواية الخلق المذكورة في الكتاب المقدس، ونظرية الانفجار الكبير لا تتعارض مع التدخل الإلهي، بل تكملها.
وقال البابا: “نحن نخاطر بتخيل الله كساحر مع عصا سحرية قادرة على فعل كل شيء”، مجادلا ضد نظرية خلق الأرض الفتية. “ولكن ليس هذا هو الحال”.
إن التطور أصبح حقيقة راسخة، ولولاه لما توصل العلم إلى العديد من المنجزات الطبية، وإن اكتشاف الأحماض النووية التي هي الجزيء الأكثر أهميةً في جميع الجزيئات الحيوية. تُوجد بكثرةٍ في جميع الكائنات الحية، حيثُ تعمل على إنشاء وتشفير ثم تخزين المعلومات الخاصة بكل خليةٍ حيةٍ لكلٍ كائن حي على وجه الأرض. وبدورها تعملُ على نقل هذه المعلومات والتعبير عنها داخل وخارج نواة الخلية (إلى العمليات الخلوية الداخلية وفي النهاية إلى الجيل التالي لكلٍ كائنٍ حي)، هذا الاكتشاف الذي هو أعظم الإسهامات العلمية في تاريخ البشرية حتى الآن. ما دفع الأمريكيون لتخصيص يوم للاحتفال به وهو يوم 25 إبريل من كل عام وذلك لإحياء ذكرى اكتشاف بنية الحمض النووي الديوكسي ريبوزي والمعروف اختصاراً بالـ"دي إن إيه" (DNA). الذي توصل إليه في عام 1953 جيمس واطسون وزميله فرانسيس كريك، إن اكتشاف الحمض النووي يثبت صحة أغلب أفكار داروين، فلقد تم العثور على تركيبة الحمض النووي/ DNA الذي يبين الصفات الوراثية للكائن الحي. وقد حصل الباحثان بفضل هذا الإكتشاف على جائزة نوبل للطب عام 1962. ويرى إدوارد أوسبورن ويلسون، وهو أحد أشهر علماء التطور البيولوجي المعاصرين أن لعلم الأحياء الحديث علامتين بارزتين، الأولى في عام 1859 عندما نشر كتاب أصل الأنواع لداروين، والثانية في عام 1953 عندما نشرت تركيبة الحمض النووي. الذي من خلاله لا يمكن التعرف على حدوث التطور فحسب، وإنما أيضا على كيفية تشكيله وتغييره لمظهره.
وأثبتت تقنيات الجينات الحديثة، كما ذكرنا سابقا، أن داروين كان محقا، ولذلك يعتبره الباحث الكبير جيمس واطسون أحد مكتشفي الحمض النووي أنه "أعظم شخص على الإطلاق". كما تم اختيار كتاب تشارلز داروين حول أصل الأنواع كأكثر كتاب أكاديمي أهميّةً، من بين أهم الكتب في العالم على الإطلاق، والتي لم تشمل قائمتها أي كتاب لمؤلف أو عالم عربي سوى كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، ووصف الكتاب الفائز "أصل الأنواع" على أنه “كتاب غيّر طريقة تفكيرنا في كل شيء”.
ووصف البروفيسور أندرو بريسكوت من جامعة جلاسكو البريطانية دراسة داروين في العام 1859 بأنها ” التبيان الرئيسي لأهمية الكتب الأكاديمية “. وقال: “استخدم داروين المراقبة الدقيقة للعالم من حولنا، إلى جانب التفكير المطول والعميق، لإنشاء كتاب غيّر طريقة تفكيرنا في كل شيء – ليس فقط العالم الطبيعي، ولكن الدين والتاريخ والمجتمع”. “كل باحث ، بغض النظر عما إذا كان يكتب كتبًا ، أو ينشئ منتجات رقمية أو ينتج أعمالًا فنية ، يطمح إلى إنتاج شيء مهم في تاريخ الفكر مثل أصل الأنواع.”
إن الأمر الأكثر إثارة هو وصول العلم إلى التحكم في التطور، ذلك الذي يقوم عليه علم التطوُّر الموجَّه Directed evolution، الذي هو عملية تستخدم في هندسة البروتينات وتغييرها بشكلٍ يحاكي عملية الانتقاء الطبيعي لتوجيهها نحو هدف محدَّد ومرسوم مسبقاً، ولقد توسَّعت تقنيَّات التطوُّر الموجَّه بشكلٍ كبير وسريع مع ظهور طرق جديدة لخلق سلاسل من التغيُّرات الجينيَّة ومراقبة تأثيراتها، وتقديرا لجهودهم في هذا المجال الهام تمَّ منح جائزة نوبل في الكيمياء لثلاثة من العلماء هم فرانسيس أرنولد وجورج سميث وغريغوري وينتر عن أبحاثهم في مجال تقنيَّات التطوُّر الموجَّه وذلك في العام ٢٠١٨، ونشرت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم المانحة للجائزة في هذا العام مع منح تلك الجائزة الصورة الشهيرة لتطور الإنسان منذ أن كان مُنْحَني الظهر ويسير على أربع إلى أن وصل إلى الصورة النهائية الحالية صورة الإنسان المنتصب في ست أشكال متتالية.
بهجت