حسن البطل - «شو قصتـ(هم) مع رياض»؟.

دائماً، ولسنوات بيروتية تواصلت بلا انقطاع، ثم انقطعت، كان «غسان» يأتيني بين الرابعة والخامسة عصراً، مرحباً يقول، ثم يضع مقالته على طاولتي ويمضي في سبيله. ولسنوات بعد «أوسلو» كنت أناديه كما كان يذيّل مقالة أسبوعية لا تحتاج من قلمي الى أي تدخل لغوي او تحريري، وخالية من الحشو البلاغي والشعارات.

بين سنوات بيروتية، وسنوات أوسلوية، كانت لي مع «غسان حسام الدين» سنوات قبرصية، هو كمحرر سبقني الى الجزيرة ومجلة «فلسطين الثورة» وأنا كمدير تحرير في مهام رئيس تحرير فعلي. علمت فور مباشرتي مهامي الجديدة، انه وزميلي في بيروت ونيقوسيا، جواد البشيتي، ضغطا على رئيس التحرير احمد عبد الرحمن، الذي أوصى ياسر عرفات بتكليفي بمنصبي الجديد، على أمل رفع مستوى المجلة المركزية من هبوطها التحريري في نيقوسيا من مرحلة بيروتية الى مجلة مهنية ـ تعبوية ـ صحافية ... وهكذا كانت وهكذا صارت مجلة مركزية للمنظمة والشعب معا.

مع إعفاء رياض الحسن من مهام وزير إعلام فعلي، ومسمى وزاري، بحكم إحالته إلى التقاعد مع أن «الوزير» يقال ويستقيل ولا يتقاعد، صار رياض آخر زملائي القدامى الذي يدير وكالة «وفا» والمعلومات والتلفزيون أيضاً، بعد أن تولى الوكالة في مرحلة صدورها في غزة. زميلي، سامي سرحان، سكرتير المجلة والجريدة في المرحلة البيروتية وكذا مساعدي علي حسن لاحقا حتى تقاعده.

من هو رياض؟ هو قائد ميداني وشجاع في مخيم اليرموك، وفي المرحلة العكرة من صراع النظام السوري مع منظمة التحرير. هل هذا يكفي؟ كلا، لأن والده كان قاضياً، وشقيقه الأصغر أمضى في السجن السوري 20 عاماً، لانتمائه إلى حزب يساري جذري، وفي الاعتقال تولت شقيقته رعاية طفلته، وكانت زوجة زميلي جواد البشيتي. وفي المرحلة البيروتية الصعبة 1976 – 1982 كانت لرياض أخوات حملن السلاح دفاعاً عن الشعب والثورة والمنظمة (كما كانت تقول ملصقات الإعلام الموحد ـ فلسطين الثورة عن شهداء تلك المرحلة). من «الهيئة العامة للاستعلامات» التي اقترح الزميل زياد عبد الفتاح (مدير «وفا» السابق) استحداثها على عرفات، صار رياض مديراً لها.

بعد الانشقاق، تم دمج «الاستعلامات» مع الوكالة، وتكليف رياض الحسن بمهامها ومهام الإذاعة والتلفزيون. لا يعرف الكثيرون أن خلافاً في «فلسطين الثورة» القبرصية حول صلاحياتي الواسعة، كان سبباً في تركه المجلة لدعمه ودعم جواد البشيتي لي، وذهابه الى تونس، وهناك كان مسؤولاً تنفيذياً للإعلام الموحد بصلاحيات من رئيسه أحمد عبد الرحمن، الذي كان «الناطق الرسمي»، وبتكليف من عضو ل/ م ـ فتح عباس زكي بصياغة بيانات المجلس الثوري ـ «فتح». المحرر الذي لا يحب «الحشو» البلاغي والثوري والإنشاء الخطابي الثوري، ساعد بشكل رئيسي في صياغة برنامج «فتح» المقدم الى المؤتمر العام السادس في بيت لحم، والمقر في نتيجة المؤتمر. أذكر له مقالة في فلسطين الثورة كأول مؤسسة تعاود الصدور بعد خروج بيروت، بعنوان: «مؤسسات تنبض الحياة في عروقها» لماذا؟ لأن الزميلة «الاتحاد» الحيفاوية عنونت خبرها الرئيسي «بشرى لشعبنا: «فلسطين الثورة» تعود للصدور من قبرص» ولما زارنا ايميل حبيبي هناك قال «والله ... لو شافكو شارون لقال: «خسرت هالحرب». رياض رجل إداري من النوع الذي تحتاجه مؤسسات المنظمة للتحول الى مؤسسات دولة على الطريق.

لماذا؟ لأن محرراً رئيساً في المرحلة القبرصية كان يعمل تحت ادارتي صار يتولى مهام وزير إعلام فعلي، وأنا اكتفيت بكتابة عمود في هذه الجريدة. كزميل قديم، كتب رياض إلى أبو مازن حاجتي إلى تحويلي لمستشفى الأردن لفحص بصري بعد تشخيص خاطئ ومخيف، من مستشفى العيون في القدس فوافق أبو مازن سريعاً، وكانت النتيجة طيبة. هل أنا متضامن مع رياض؟ بالطبع، لماذا؟ لأن توقيفه على الجسر واعتقاله أمر غير مقنع لي ولزملاء كثر، والأخطر من ذلك أنه «كيدي» وجزء من حرب الأجهزة والمناصب في السلطة الفلسطينية. ظاهرياً، السبب أن له موقفا إدارياً من وقف رواتب موظفين في «وفا» ـ غزة بعد الانقسام، وهو موقف السلطة، رسمياً ذاته مع الاستثناءات. كان يمكن استدعاؤه من بيته، لكن التوقيف على الجسر كأنه «مطلوب» أمنياً أو مطلوب بتهمة «الفساد» أمر غير سليم مع أي إجراء متبع ومحترم.

أعرف أن رياض كان له خلاف مع رئيس الوزراء بسبب مطالبات تتعلق بالتلفزيون، جر معه الخلاف إلى تحالفات ضد رياض انتجت تعيين خلف له في مهامه، كأول مسؤول من غير العائدين مع «أوسلو». الغريب انه سئل عن «فساده» في التحقيق معه: لماذا كنت ستسافر في الدرجة الأولى؟ ويا له من سؤال، كان جوابه: لم أتقاعد بعد، ووزراء السلطة يسافرون في هذه الدرجة، ولست مسؤولا عن هذا الأمر. وبالطبع عن تداعيات أمر السلطة لموظفيها في غزة بالكف عن العمل في خدمة حكومة الأمر الواقع بعد الانقسام. رياض أوضح موقفه في مقالة له على «الفيسبوك» من هذه المسألة. بسبب هذا التوضيح أوقف واعتقل! أخشى، تماماً، أن قصتهم مع رياض الحسن تتلخص بعبارة : «وراء الأكمة ما وراءها» من اتهامات كيدية ضد الكوادر القديمة والمجربة والمخلصة فتحاوياً ووطنياً، التي رافقت تحولات مؤسسات المنظمة إلى مؤسسات دولة على الطريق.

ظنوني ومعلوماتي تذهب إلى هذا وذاك من هذا «الكيد» ضد كادر كفؤ ومناضل قديم .. وأيضاً، زميل قديم كان «وفياً» لزمالتي معه. أضم صوتي لزملائي: أفرجوا عن رياض، وردوا هذا الكيد الى نحور مدبريه .. مهما كانوا. على الرئيس أن يتدخل لإنهاء هذه المظلمة، وأن يكون كعادته فوق صراعات القوة في أجهزة السلطة كما كان عرفات. ملاحظة: اخترت عنوانا هو العنوان ذاته الذي كتبته: «شو قصتـ(هم) مع فياض» ونال آلافاً مؤلفة من القراء. كان فياض صديقاً للصحافة، والآن خلفه لم يلتق الصحافيين مرة واحدة؟!
أعلى