لا يخفى على أحد سعي إيران وطموحها منذ عقود أن تصبح أقوى دولة إسلامية في المنطقة، سواء من خلال تعزيز نفوذها السياسي والديني لبسط هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط، أو من خلال دعمها للسودان إبان حكم البشير، دون أن نغفل انفتاحها الاقتصادي على دول شرق إفريقيا وما واكبه من مد شيعي من خلال تأسيس المراكز الثقافية والدينية لاستقطاب أكبر عدد من الساكنة وتشييعها، بالإضافة إلى استقبال الجامعات الإيرانية الآلاف من الطلبة القادمين من هذه الدول وتكفل الجمهورية الإسلامية بتكوينهم، كل ذلك لتجد لها موطئ قدم في إفريقيا.
وفي الحقيقة يعسر علينا إنكار المكانة التي تحتلها الجمهورية الإسلامية في المنطقة كقوة إقليمية وازنة. وبغض النظر عن قدرتها النووية والعسكرية، فإيران استطاعت أن تنفذ إلى العقل الجمعي لبعض الشعوب العربية من خلال لعبها على وتر حساس وهو القضية الفلسطينية، وذلك برفضها للوجود الإسرائيلي في المنطقة ودعمها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ناهيك عن دعمها لحركات شيعية كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. إضافة إلى دعمها للشيعة في العراق وفي أفغانستان بعد سقوط حركة طالبان السنية. كل هذه الأمور ساعدت في أن تُكسِب إيران قاعدة جماهيرية عربية لا بأس بها تنظر إليها على أنها المُخَلِّص. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تعلم هذه القاعدة الشعبية بحقيقة الوجه الآخر للجمهورية الإسلامية؟
ونحن بصدد الإجابة على هذا السؤال الجوهري، لا بأس أن نذكر بقدرة الفنون على تعرية كل أشكال القبح الموجود في هذا العالم، وخاصة الأدب الذي تتيح له طبيعته مساحة أوسع للتعبير. وخير ما يمكننا أن نستدل به في هذا الصدد هو سيرة ذاتية صادمة بعنوان " سجينة طهران"، وهي رواية تُعري البيت الإيراني وتكشف صاحبتها " مارينا نعمت " خبايا الداخل الإيراني والتحولات التي طرأت على المجتمع الإيراني بعد ثورة الخميني. فبعد هذه الأخيرة، تحول الوطن بالنسبة لمارينا إلى معتقل كبير. المجتمع المنفتح الذي كان يضم كل الثقافات ويستوعب كل الأديان تحول إلى مجتمع منغلق وجدت الساردة نفسها فيه مواطنة من الدرجة الثانية ﴿لكونها مسيحية﴾. الشوارع فقدت رونقها ولم يعد فيها شيء يستحق المشاهدة، كانت صورة الخميني والشعارات التي تنضح بالكراهية تغطي كل الحوائط. وسرعان ما انتشر الحرس الثوري المسلح وأفراد من الجماعات الإسلامية في كل مكان وألقي القبض على مئات الأشخاص بتهمة انتمائهم إلى " السافاك" ﴿ البوليس السري التابع للشاه﴾، ونشرت صور مفزعة للجثث المغطاة بالدماء في الصحف. الخطير في الأمر أن الخلط بين الدين والسياسة انطوى على خطورة كبيرة بالنسبة لأفراد المجتمع الإيراني، فأي شخص ينتقد الحكومة الإسلامية سيعتبر مناهضا للإسلام، ومن ثم عدوا لله لا يستحق العيش بالنسبة إليهم ما لم يغير طريقة تفكيره. بل إن القتل في عالم الخميني يمكن أن يعد عملا صالحا ونعمة قد تدخلك الجنة، فمن بين الشعارات المأخوذة عن الخميني والمعلقة على حيطان الشوارع: " لو سمح المرء للكافر أن يستمر في إفساد الأرض، فستصبح المعاناة النفسية للكافر أسوء كثيرا. أما لو قتل المرء هذا الكافر وحال دون ارتكابه الخطايا، فسيكون الموت نعمة له ".
في المدارس، ولتثبيت نظام الخميني والسيطرة على العقول: استُبدِل المدرسون الأكفاء بمدرسين قليلي الخبرة موالين للخميني ومعظمهم من الحرس الثوري، وتحولت كل المواد إلى مواد سياسية تمجد الخميني.
أصدرت الحكومة قرارات بحظر الموسيقى ومستحضرات التجميل ورسم صور النساء السافرات، وحرمت ربطات العنق والعطور وطلاء الأظافر كما حرمت الكتب الغربية حيث أصبحت كلها رجس من عمل الشيطان. فرضت الحكومة أيضا على النساء ارتداء الحجاب، وكن أكثر عرضة للتعنيف من طرف عناصر حزب الله، وهم مجموعات من المدنيين المتعصبين مسلحين بالسكاكين والهراوات يهاجمون أي نوع من الاحتجاجات الشعبية إلى جانب الحرس الثوري. وكانوا أكثر عنفا مع النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب كما ينبغي، وقد تعرضت العديد من النساء للاعتداء والضرب لأنهن يضعن أحمر شفاه أو لأن خصلات من شعرهن تظهر من تحت غطاء الرأس.
أما سجن " إيڨين" الرهيب الذي اعتقلت فيه الساردة ونقلت لنا منه أبشع الصور وأكثرها دموية، فتعذيب المراهقين والشباب وإعدامهم بداخله يعد من أعمال الخير التي تهدف إلى إرضاء الله.
وعلى ذكر سجن" إيڨين"، تخيل معي عزيزي القارئ أن لا يشبه موتك موتَ الآخرين، أن لا تودع هذا العالم وأنت على سرير دافئ محاط بكل من أحببتهم وأحبوك. تخيل أن يكون موتك بلا كرامة وبلا طقوس دفن تصون لآخر مرة إنسانيتك. تخيل أن تلفظ آخر نفس لك في الحياة بعد أن تكون قد تعرضت للاغتصاب الوحشي، بعد أن يكسر أنفك وتُهشم جمجمتك واثنين من أصابعك وتقتلع ثلاثة من أظافرك، ويسحق أصبع من قدميك اللتان تورمتا أصلا من الجلد. تخيل أن يرحل عنك هذا الجسد الموشوم بالجروح والرضوض لأنه لم يعد قادرا على تحمل الألم والوحشية فلم يبق له خيار غير الاستسلام. تخيل كل هذا أو إذا شئت .. توقف عن هذا التخيل المرعب لأنها أشياء لم تنبع من مخيلة أحدهم، بل إنها أمور حدثت بالفعل داخل سجن " إيڨين" الرهيب، وهذا الموت البشع كان لمصورة صحفية تدعى " زهرا كاظمي" والتي لم تفعل شيئا غير أنها كانت تلتقط صورا خارج أسوار " إيڨين" أثناء مظاهرة للطلبة عندما ألقي القبض عليها في الثالث والعشرين من يونيو 2003. " زهرا" لم تكن إحدى شخصيات السيرة الذاتية التي نحن بصدد الحديث عنها، ولم تلتق بها الكاتبة ولا مرة في كل محطات حياتها، بل إن موتها البشع هذا جاء على شكل ملحق ضمته الساردة " مارينا نعمت " إلى المؤلف بعد ختم سيرتها. وارتأينا أن ننقله أيضا لكونه خير مشهد يصف دموية هذا النظام الدكتاتوري.
كان هذا بشكل مختصر التقاطا لأهم ما جاء في السيرة الذاتية من تحولات في المجتمع الإيراني بعد ثورة الخميني، دون الدخول في تحليل التأثيرات النفسية لهذه الثورة على الشخوص المناهضين لها، أو حتى الموالين الأخيار الذين حولهم التعصب الديني إلى أشرار لا يعلمون أنهم أصبحوا مجرد جلادين في معتقل كبير اسمه إيران.
وفي الحقيقة يعسر علينا إنكار المكانة التي تحتلها الجمهورية الإسلامية في المنطقة كقوة إقليمية وازنة. وبغض النظر عن قدرتها النووية والعسكرية، فإيران استطاعت أن تنفذ إلى العقل الجمعي لبعض الشعوب العربية من خلال لعبها على وتر حساس وهو القضية الفلسطينية، وذلك برفضها للوجود الإسرائيلي في المنطقة ودعمها لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، ناهيك عن دعمها لحركات شيعية كحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن. إضافة إلى دعمها للشيعة في العراق وفي أفغانستان بعد سقوط حركة طالبان السنية. كل هذه الأمور ساعدت في أن تُكسِب إيران قاعدة جماهيرية عربية لا بأس بها تنظر إليها على أنها المُخَلِّص. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تعلم هذه القاعدة الشعبية بحقيقة الوجه الآخر للجمهورية الإسلامية؟
ونحن بصدد الإجابة على هذا السؤال الجوهري، لا بأس أن نذكر بقدرة الفنون على تعرية كل أشكال القبح الموجود في هذا العالم، وخاصة الأدب الذي تتيح له طبيعته مساحة أوسع للتعبير. وخير ما يمكننا أن نستدل به في هذا الصدد هو سيرة ذاتية صادمة بعنوان " سجينة طهران"، وهي رواية تُعري البيت الإيراني وتكشف صاحبتها " مارينا نعمت " خبايا الداخل الإيراني والتحولات التي طرأت على المجتمع الإيراني بعد ثورة الخميني. فبعد هذه الأخيرة، تحول الوطن بالنسبة لمارينا إلى معتقل كبير. المجتمع المنفتح الذي كان يضم كل الثقافات ويستوعب كل الأديان تحول إلى مجتمع منغلق وجدت الساردة نفسها فيه مواطنة من الدرجة الثانية ﴿لكونها مسيحية﴾. الشوارع فقدت رونقها ولم يعد فيها شيء يستحق المشاهدة، كانت صورة الخميني والشعارات التي تنضح بالكراهية تغطي كل الحوائط. وسرعان ما انتشر الحرس الثوري المسلح وأفراد من الجماعات الإسلامية في كل مكان وألقي القبض على مئات الأشخاص بتهمة انتمائهم إلى " السافاك" ﴿ البوليس السري التابع للشاه﴾، ونشرت صور مفزعة للجثث المغطاة بالدماء في الصحف. الخطير في الأمر أن الخلط بين الدين والسياسة انطوى على خطورة كبيرة بالنسبة لأفراد المجتمع الإيراني، فأي شخص ينتقد الحكومة الإسلامية سيعتبر مناهضا للإسلام، ومن ثم عدوا لله لا يستحق العيش بالنسبة إليهم ما لم يغير طريقة تفكيره. بل إن القتل في عالم الخميني يمكن أن يعد عملا صالحا ونعمة قد تدخلك الجنة، فمن بين الشعارات المأخوذة عن الخميني والمعلقة على حيطان الشوارع: " لو سمح المرء للكافر أن يستمر في إفساد الأرض، فستصبح المعاناة النفسية للكافر أسوء كثيرا. أما لو قتل المرء هذا الكافر وحال دون ارتكابه الخطايا، فسيكون الموت نعمة له ".
في المدارس، ولتثبيت نظام الخميني والسيطرة على العقول: استُبدِل المدرسون الأكفاء بمدرسين قليلي الخبرة موالين للخميني ومعظمهم من الحرس الثوري، وتحولت كل المواد إلى مواد سياسية تمجد الخميني.
أصدرت الحكومة قرارات بحظر الموسيقى ومستحضرات التجميل ورسم صور النساء السافرات، وحرمت ربطات العنق والعطور وطلاء الأظافر كما حرمت الكتب الغربية حيث أصبحت كلها رجس من عمل الشيطان. فرضت الحكومة أيضا على النساء ارتداء الحجاب، وكن أكثر عرضة للتعنيف من طرف عناصر حزب الله، وهم مجموعات من المدنيين المتعصبين مسلحين بالسكاكين والهراوات يهاجمون أي نوع من الاحتجاجات الشعبية إلى جانب الحرس الثوري. وكانوا أكثر عنفا مع النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب كما ينبغي، وقد تعرضت العديد من النساء للاعتداء والضرب لأنهن يضعن أحمر شفاه أو لأن خصلات من شعرهن تظهر من تحت غطاء الرأس.
أما سجن " إيڨين" الرهيب الذي اعتقلت فيه الساردة ونقلت لنا منه أبشع الصور وأكثرها دموية، فتعذيب المراهقين والشباب وإعدامهم بداخله يعد من أعمال الخير التي تهدف إلى إرضاء الله.
وعلى ذكر سجن" إيڨين"، تخيل معي عزيزي القارئ أن لا يشبه موتك موتَ الآخرين، أن لا تودع هذا العالم وأنت على سرير دافئ محاط بكل من أحببتهم وأحبوك. تخيل أن يكون موتك بلا كرامة وبلا طقوس دفن تصون لآخر مرة إنسانيتك. تخيل أن تلفظ آخر نفس لك في الحياة بعد أن تكون قد تعرضت للاغتصاب الوحشي، بعد أن يكسر أنفك وتُهشم جمجمتك واثنين من أصابعك وتقتلع ثلاثة من أظافرك، ويسحق أصبع من قدميك اللتان تورمتا أصلا من الجلد. تخيل أن يرحل عنك هذا الجسد الموشوم بالجروح والرضوض لأنه لم يعد قادرا على تحمل الألم والوحشية فلم يبق له خيار غير الاستسلام. تخيل كل هذا أو إذا شئت .. توقف عن هذا التخيل المرعب لأنها أشياء لم تنبع من مخيلة أحدهم، بل إنها أمور حدثت بالفعل داخل سجن " إيڨين" الرهيب، وهذا الموت البشع كان لمصورة صحفية تدعى " زهرا كاظمي" والتي لم تفعل شيئا غير أنها كانت تلتقط صورا خارج أسوار " إيڨين" أثناء مظاهرة للطلبة عندما ألقي القبض عليها في الثالث والعشرين من يونيو 2003. " زهرا" لم تكن إحدى شخصيات السيرة الذاتية التي نحن بصدد الحديث عنها، ولم تلتق بها الكاتبة ولا مرة في كل محطات حياتها، بل إن موتها البشع هذا جاء على شكل ملحق ضمته الساردة " مارينا نعمت " إلى المؤلف بعد ختم سيرتها. وارتأينا أن ننقله أيضا لكونه خير مشهد يصف دموية هذا النظام الدكتاتوري.
كان هذا بشكل مختصر التقاطا لأهم ما جاء في السيرة الذاتية من تحولات في المجتمع الإيراني بعد ثورة الخميني، دون الدخول في تحليل التأثيرات النفسية لهذه الثورة على الشخوص المناهضين لها، أو حتى الموالين الأخيار الذين حولهم التعصب الديني إلى أشرار لا يعلمون أنهم أصبحوا مجرد جلادين في معتقل كبير اسمه إيران.