صقر حبوب
فاحشةٌ
تأتي مرًّة واحدة، اقتنصْها جيدًا.
في موعده لكتابة العقد
- قصَّتك رائعة!
- ستُحطِّم الإيرادات.
(يقذفُ مَنيَّه، يتوارى خجلًا.
يلهثُ في البحث عن غانية...
في الجُبِّ تردمُ سِرَّها)
- الضميرُ ساخرًا :
ليست قصّته!
(على الصِّراط:
جمعتْ أركانه الخمسة؛ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ.
استضاءَ بنورها، تغيَّظتْ
لا يدخل الجنة كذَّاب)
_________
النص قصة قصيرة جداً
مُركَّب ومؤلَّف من ثلاثة نصوص تصبُّ في بوتقةٍ سرديَّةٍ واحدة وثيمةٍ جامعة مانعة.
رؤيتة أخلاقية واجتماعية ودينية
ودنيويَّة تعبِّر عن واقعٍ فاسدٍ ومكشوف.
المتن الحكائي : مشحونٌ بأحداثٍ وأبعادٍ ودِلالاتٍ يؤسِّسها الكاتب على شخصيَّات عدّة في النص يُميط من خلالها اللِّثام عن فسادٍ أخلاقيٍ يبدأ بكذبةٍ، ماراً بارتكاب الفاحشة ووأد ثمرتها سِفَاحًا في البئر لستر سوأتها انتهاءً بالجزاء الوِفاق يوم يقوم الحساب
{يوم يفرُّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه}
العنوان فاحشة :
عتبة تُدلِّل على ما سوف نجده في المتن والقفلة من أحداث تتوافق وتتواشج مع ثيمة النص
وهي لفظ مؤنث للـ الفاحش والقبيح والشنيع من القول أو الفعل
جمعُها (فواحش)
قال الله تعالى : { إنَّ الذين يحبون أنْ تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ آليمٌ في الدنيا والآخرة}
نأتي على تفكيك النص :
"تأتي مرةً واحدة، اقتنصها " بدايةً مُشوِّقة تُحفّز المتلقِّي على متابعة النص؛ ليعلم سرَّ تلك التي تأتي مرةً واحدة، ويحثُّ مُخاطِبه على اقتناصها
لعلها الفرصة
وهنا يحضرني قول (نُسبَ) للشافعي؛
إذا هبَّتْ رياحك فاغتنمْها
فإنَّ الخافقاتِ لها سكونُ
وإذا درَّت نياقك فاحتلبْها
فلا تدري الفصيل لمن يكونُ!
"في موعده لكتابة العقد" أي عقد؟ لعلَّه عقد عمل بين قاصٍ و منتجٍ للعمل الأدبيِّ وهذا ما توضّحه لنا الجملة اللَّاحقة
"قصتك رائعة،ستحطم الإيرادات"
حوار بين شخصَيْن لم يعودا مجهولَيْن بعد أن وصلنا لهذه الجُزئية من النص الذي بين أيدينا والتي ترسم لأحد المتحاورَيْن أملاً بأرباح طائلة نتيجة عملٍ مشتركٍ.
نرى أنَّ الكاتب هنا اختار حدثاً مشوِّقاً لتمهيد دخوله إلى حبكة النص ودعمها بسرديِّةٍ حواريَّةٍ تبدو للوهلة الأولى مُربكة، ثمَّ تتدرَّج ببطء لتنمو وتترابط بعرىً وثيقةٍ حتى ترتقيَ للحوار مع الضمير في النص اللَّاحق حيث الرَّادع والوازع الأخلاقيُّ يتمظهر بشكلٍ ملموسٍ وواعٍ لما يدور حوله من تدليسٍ وتزويرٍ وتضليلٍ ومحاولةٍ لطمس الحقائق.
ثمّ يحاول القاص أن يزُجَّنا بموضوعٍ ثانٍ وثيمة أخرى ونصٍ جديد نفقد معه بوصلتنا للوهلة الأولى ولا يلبث أن يأخذ بيدنا إلى الاتجاه الصحيح
تُرى إلى أين يريد أن يصل بنا الكاتب!
"يقذف منيه، يتوارى خجلاً"
هنا بدأ عنوان النص (فاحشة) يتمظهر جلياً رغم الخجل الذي أراد الكاتب من خلاله أن يرصد لنا حالة البطل النفسية ونمطية سلوكه.
"يلهث في البحث عن غانية" وكأنَّ البطل هنا هو الشخصية الرئيسة في النص والتي تدور في فلكها كلّ القصة
والبطل هنا على ما يبدو لا يجد ما يعصمه عن ارتكاب الفاحشة فيلجأ للبغاء بسبب العوز الأخلاقي واضمحلال مفهوم الدِّين لديه.
"في الجب تردم سرّها" هذه الجملة تؤكِّد لنا الوقوع في الفاحشة حقًا وقد بات لدينا شخصيتَين جديدتين في النص: الغانية ومولودها التي حملتْ به سِفاحًا ممَّا حدا بها للتخلص منه ورميه في البئر لتواري سوأتها.
"استضاء بنورها، تغيَّظت" يبدو أنَّ نور وهج جهنَّم سطا حتى أضاءت ما حولها وكشفت عمَّا يُخفي ذلك العبد وراء أركانه الخمس التي كان يؤدِّيها على أكمل وجه حتى تغيَّظت وتميِّزت أي اشتدّت حرارتها من شدة سخطها وغضبها فُسمع لها صوتاً :
{وإذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيُّظاً وزفيرا} الفرقان( 12)
" لا يدخل الجنة كذّاب" قفلة مباغتة صفعتْ ذهن المتلقي الذي استطاع الكاتب أن يوهمه أن مصير ذلك العبد المخلص في عباداته إلى جنة رضوان؛ لنُفاجأ أنَّه رغم عباداته وثقل موازينه بها إلا أنه محض كذّاب "أشِر" لا يرعى في الناس إلّاً ولا ذمّةٍ يمتهن الكذب والذي بسببه تذهب كلّ عباداته أدراج الرياح ليلقى ثُبورا وبئس المصير.
يعيدنا الكاتب بحرفيَّةٍ لربط قفلة النص مع جملته الإستهلاليَّة ومتنه وليقول لنا:
أنّ العمل الأدبي الذي تمّ التعاقد عليه مع المُنتج ليدرَّ عليه أرباحاً طائلة محض سرقة
وأنّ الكذب لوحده -
كعادةٍ ذميمةٍ حتى دون ارتكاب الفاحشة التي أقحمها الكاتب كثيمةٍ أخرى في ذات النص والتي أربكتِ النَّص إلى حدٍّ ما-
صكُّ دخوله في الحُطَمة.
وأنَّ حُسن الخُلق جواز عبورنا إلى الجنة وليس آداء الفرائض وإتقان طقوس العبادات.
"الضمير ساخراً ليست قصته" وهنا يعود بنا الكاتب من خلال هذه الجملة إلى سيرة النص الأولى والحديث عن العَقد والقصة التي ستدّرُ على كاتبها إيراداتٍ ضخمةً برشاقةٍ محببة ومكنَنة في ربط الأحداث رغم تشعِّبها
ليقول لنا عبر صوت الضمير الحيّ أنَّ تلك القصة موضوع (عقد العمل) ليست له وأنَّه تمّتْ سرقتها ليعود ويضعنا الكاتب من جديد في دائرة الإرباك قليلاً ثمَّ يدخلنا في نص (ثالث)جديد يصور لنا فيه مشهدية يوم يقوم الحساب
على الصراط جُمعتْ أركانه الخمسة / ولعل الكاتب يقصد هنا أركان الإسلام والذي يعرفها الجميع من خلال الحديث الشريف
بُنيَ الإسلام على خمس
شهادة أنّ لا إله إلا الله
وأنّ محمد رسول الله، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة
صوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا
** ثقلت موازينه/ لعلّ الواقف بين يدي الله (للمُساءلة) كان يؤدِّي فرائضه على أكمل وجه ممّا جعل ميزان حسناته يثقل (ويكاد) يمهِّد له الطريق للدُّخول إلى جنة رضوان
{ والوزن يومئذٍ الحقّ فأمَّا من ثقُلت موازينه فأؤلئك هم المفلحون}
**مستوى التركيب السردي : يكشف لنا النص (المركّب) الذي بين أيدينا قصصٌ ثلاث رصد الكاتب من خلالها الأبعاد الاجتماعية والخُلقية، وانحطاط القيم والمبادئ ابتداءً من السرقة مروراً بالكذب وانتهاءً بارتكاب الفواحش.
وسلَّط الضوء على بعض الذنوب والآثام بشكل حِرَفيٍّ وصور من خلاله مشهدية المثول بين يدي الواحد القهَّار للمحاسبة والمساءلة عقاباً وجزاءً وما سبقهما من قولٍ أو عمل يستوجبهما!
ليقول لنا بشكلٍ مضمَرٍ : أنَّ الالتزام بالمبادئ والقيم الإنسانية المثلى كالصدق والأمانة أهمّّ بكثيرٍ من القيام بآداء الفروض والواجبات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّما بُعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق
فالإيمان: هو ما وقر في القلب وصدَّقه العمل
وقد بنى الكاتب
الأحداث على شخصيات فاعلة ومتفاعلة وواقعية رغم تشعُّبها استطاع من خلالها تصوير الهوان والخذلان والتردِّي الذي وصلت إليه العلاقات الاجتماعية ومآلها
إذ استطاع الكاتب اقتطاع جزئيةٍ بسيطةٍ من واقع العلاقات الفاسدة في مجتمعاتنا وتجسيد الكثير من أبعادها وآثارها ونتائجها في الدنيا والآخرة عن طريق رسم واقعٍ متردٍّ لم يحسب حساب آخرته بناء على مفاهيم مغلوطة للدين وعماده والخلط بين الدين القويم "كأخلاق" ومبادئ وبين طقوس العبادات (ومجرد أدائها) والتي نجد معادلها في معظم شرائحنا الاجتماعية
البعد الزماني والمكاني الزمان يكاد يتوحَّد على تعددّه
المكان : السرد المكاني متعدد ومتشعب الأبعاد يبدأ من الدنيا مروراً بالترديات ( الجُبّ) وانتهاءً بالآخرة( صراط - موازيين) + (جنة و نار) وهذا ما شتت بوصلة النص وأربك المتلقي
برأيي رغم وحدة الموضوع
البعد النفسي: يتمظهر في الكذب والتدليس وارتكاب الموبقات وواعز الضمير "الضمير ساخراً: ليست قصته"
وانحلال أخلاقي (يلهث في البحث عن غانية)
الوصف: تشعُّبُ الثيمات واختلاف آلية السرد-
بين الحوارية والتقريرية والتأويلية والمضمرة- لم تُلغِ الوصف فهناك جمل وصفية وحالية لا بأس بها
مرة واحدة / قصتك رائعة / يتوارى خجلاً / يلهث في البحث عن غانية /الضمير ساخراً/ لا يدخل الجنة كذَّاب/
أراد الكاتب من خلالها الإمساك بدفَّة السرد للتحكم بالأحداث ليرصد من خلالها حالات الأشخاص النفسية والمواقف الوجدانية التي تتمحور
( القصص الثلاث حولها) والكشف عن بعدها الديني ومعيارها الخُلقي وقد جاء الوصف مترابطاً رغم تقاطع الثيمات وتلاقيها في آن معاً.
استخدم السارد ضمير (الغائب) هو هي
ورغم ذلك كان حضوره صارخاً حاضراً غير مغيّبٍ، إذ استطاع أن يربط النصوص التي يخالها المرء منفصلة كأحداث في الوقت الذي كانت فيه متصلةكموضوع لو تأمَّل المتلقِّي الأحداث وربطها مع شخصياتها للحظ تعالقها مع بعضها البعض سرداً وأحداثاً وفكرةً بأسلوب دراماتيكيٍ سقطت فيه المسافة بين الكاتب والقارئ لينتهي به المطاف إلى إبلاغ رسالةٍ أخلاقيةٍ نبيلةٍ أساسها:
أنَّ الدين معاملة وليس عبادات تنحصر بأداء طقوس العبادات من صوم وصلاة أسلوب شائق في القصَّ وقد لمست نبوغه عند كتّاب (نُخبة) بارعين لم تُشرقْ شمس نصوصهم بعد
يعتمدون فيها سلسلة قصصية منفصلة متصلة
تخدم وحدة الفكرة و تحرص على ترابط وتسلسل الأحداث وصهرها في بوتقة واحدة وبحرفية عالية ضمن نصٍ واحد.
فاحشةٌ
تأتي مرًّة واحدة، اقتنصْها جيدًا.
في موعده لكتابة العقد
- قصَّتك رائعة!
- ستُحطِّم الإيرادات.
(يقذفُ مَنيَّه، يتوارى خجلًا.
يلهثُ في البحث عن غانية...
في الجُبِّ تردمُ سِرَّها)
- الضميرُ ساخرًا :
ليست قصّته!
(على الصِّراط:
جمعتْ أركانه الخمسة؛ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ.
استضاءَ بنورها، تغيَّظتْ
لا يدخل الجنة كذَّاب)
_________
النص قصة قصيرة جداً
مُركَّب ومؤلَّف من ثلاثة نصوص تصبُّ في بوتقةٍ سرديَّةٍ واحدة وثيمةٍ جامعة مانعة.
رؤيتة أخلاقية واجتماعية ودينية
ودنيويَّة تعبِّر عن واقعٍ فاسدٍ ومكشوف.
المتن الحكائي : مشحونٌ بأحداثٍ وأبعادٍ ودِلالاتٍ يؤسِّسها الكاتب على شخصيَّات عدّة في النص يُميط من خلالها اللِّثام عن فسادٍ أخلاقيٍ يبدأ بكذبةٍ، ماراً بارتكاب الفاحشة ووأد ثمرتها سِفَاحًا في البئر لستر سوأتها انتهاءً بالجزاء الوِفاق يوم يقوم الحساب
{يوم يفرُّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه}
العنوان فاحشة :
عتبة تُدلِّل على ما سوف نجده في المتن والقفلة من أحداث تتوافق وتتواشج مع ثيمة النص
وهي لفظ مؤنث للـ الفاحش والقبيح والشنيع من القول أو الفعل
جمعُها (فواحش)
قال الله تعالى : { إنَّ الذين يحبون أنْ تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ آليمٌ في الدنيا والآخرة}
نأتي على تفكيك النص :
"تأتي مرةً واحدة، اقتنصها " بدايةً مُشوِّقة تُحفّز المتلقِّي على متابعة النص؛ ليعلم سرَّ تلك التي تأتي مرةً واحدة، ويحثُّ مُخاطِبه على اقتناصها
لعلها الفرصة
وهنا يحضرني قول (نُسبَ) للشافعي؛
إذا هبَّتْ رياحك فاغتنمْها
فإنَّ الخافقاتِ لها سكونُ
وإذا درَّت نياقك فاحتلبْها
فلا تدري الفصيل لمن يكونُ!
"في موعده لكتابة العقد" أي عقد؟ لعلَّه عقد عمل بين قاصٍ و منتجٍ للعمل الأدبيِّ وهذا ما توضّحه لنا الجملة اللَّاحقة
"قصتك رائعة،ستحطم الإيرادات"
حوار بين شخصَيْن لم يعودا مجهولَيْن بعد أن وصلنا لهذه الجُزئية من النص الذي بين أيدينا والتي ترسم لأحد المتحاورَيْن أملاً بأرباح طائلة نتيجة عملٍ مشتركٍ.
نرى أنَّ الكاتب هنا اختار حدثاً مشوِّقاً لتمهيد دخوله إلى حبكة النص ودعمها بسرديِّةٍ حواريَّةٍ تبدو للوهلة الأولى مُربكة، ثمَّ تتدرَّج ببطء لتنمو وتترابط بعرىً وثيقةٍ حتى ترتقيَ للحوار مع الضمير في النص اللَّاحق حيث الرَّادع والوازع الأخلاقيُّ يتمظهر بشكلٍ ملموسٍ وواعٍ لما يدور حوله من تدليسٍ وتزويرٍ وتضليلٍ ومحاولةٍ لطمس الحقائق.
ثمّ يحاول القاص أن يزُجَّنا بموضوعٍ ثانٍ وثيمة أخرى ونصٍ جديد نفقد معه بوصلتنا للوهلة الأولى ولا يلبث أن يأخذ بيدنا إلى الاتجاه الصحيح
تُرى إلى أين يريد أن يصل بنا الكاتب!
"يقذف منيه، يتوارى خجلاً"
هنا بدأ عنوان النص (فاحشة) يتمظهر جلياً رغم الخجل الذي أراد الكاتب من خلاله أن يرصد لنا حالة البطل النفسية ونمطية سلوكه.
"يلهث في البحث عن غانية" وكأنَّ البطل هنا هو الشخصية الرئيسة في النص والتي تدور في فلكها كلّ القصة
والبطل هنا على ما يبدو لا يجد ما يعصمه عن ارتكاب الفاحشة فيلجأ للبغاء بسبب العوز الأخلاقي واضمحلال مفهوم الدِّين لديه.
"في الجب تردم سرّها" هذه الجملة تؤكِّد لنا الوقوع في الفاحشة حقًا وقد بات لدينا شخصيتَين جديدتين في النص: الغانية ومولودها التي حملتْ به سِفاحًا ممَّا حدا بها للتخلص منه ورميه في البئر لتواري سوأتها.
"استضاء بنورها، تغيَّظت" يبدو أنَّ نور وهج جهنَّم سطا حتى أضاءت ما حولها وكشفت عمَّا يُخفي ذلك العبد وراء أركانه الخمس التي كان يؤدِّيها على أكمل وجه حتى تغيَّظت وتميِّزت أي اشتدّت حرارتها من شدة سخطها وغضبها فُسمع لها صوتاً :
{وإذا رأتهم من مكانٍ بعيد سمعوا لها تغيُّظاً وزفيرا} الفرقان( 12)
" لا يدخل الجنة كذّاب" قفلة مباغتة صفعتْ ذهن المتلقي الذي استطاع الكاتب أن يوهمه أن مصير ذلك العبد المخلص في عباداته إلى جنة رضوان؛ لنُفاجأ أنَّه رغم عباداته وثقل موازينه بها إلا أنه محض كذّاب "أشِر" لا يرعى في الناس إلّاً ولا ذمّةٍ يمتهن الكذب والذي بسببه تذهب كلّ عباداته أدراج الرياح ليلقى ثُبورا وبئس المصير.
يعيدنا الكاتب بحرفيَّةٍ لربط قفلة النص مع جملته الإستهلاليَّة ومتنه وليقول لنا:
أنّ العمل الأدبي الذي تمّ التعاقد عليه مع المُنتج ليدرَّ عليه أرباحاً طائلة محض سرقة
وأنّ الكذب لوحده -
كعادةٍ ذميمةٍ حتى دون ارتكاب الفاحشة التي أقحمها الكاتب كثيمةٍ أخرى في ذات النص والتي أربكتِ النَّص إلى حدٍّ ما-
صكُّ دخوله في الحُطَمة.
وأنَّ حُسن الخُلق جواز عبورنا إلى الجنة وليس آداء الفرائض وإتقان طقوس العبادات.
"الضمير ساخراً ليست قصته" وهنا يعود بنا الكاتب من خلال هذه الجملة إلى سيرة النص الأولى والحديث عن العَقد والقصة التي ستدّرُ على كاتبها إيراداتٍ ضخمةً برشاقةٍ محببة ومكنَنة في ربط الأحداث رغم تشعِّبها
ليقول لنا عبر صوت الضمير الحيّ أنَّ تلك القصة موضوع (عقد العمل) ليست له وأنَّه تمّتْ سرقتها ليعود ويضعنا الكاتب من جديد في دائرة الإرباك قليلاً ثمَّ يدخلنا في نص (ثالث)جديد يصور لنا فيه مشهدية يوم يقوم الحساب
على الصراط جُمعتْ أركانه الخمسة / ولعل الكاتب يقصد هنا أركان الإسلام والذي يعرفها الجميع من خلال الحديث الشريف
بُنيَ الإسلام على خمس
شهادة أنّ لا إله إلا الله
وأنّ محمد رسول الله، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة
صوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا
** ثقلت موازينه/ لعلّ الواقف بين يدي الله (للمُساءلة) كان يؤدِّي فرائضه على أكمل وجه ممّا جعل ميزان حسناته يثقل (ويكاد) يمهِّد له الطريق للدُّخول إلى جنة رضوان
{ والوزن يومئذٍ الحقّ فأمَّا من ثقُلت موازينه فأؤلئك هم المفلحون}
**مستوى التركيب السردي : يكشف لنا النص (المركّب) الذي بين أيدينا قصصٌ ثلاث رصد الكاتب من خلالها الأبعاد الاجتماعية والخُلقية، وانحطاط القيم والمبادئ ابتداءً من السرقة مروراً بالكذب وانتهاءً بارتكاب الفواحش.
وسلَّط الضوء على بعض الذنوب والآثام بشكل حِرَفيٍّ وصور من خلاله مشهدية المثول بين يدي الواحد القهَّار للمحاسبة والمساءلة عقاباً وجزاءً وما سبقهما من قولٍ أو عمل يستوجبهما!
ليقول لنا بشكلٍ مضمَرٍ : أنَّ الالتزام بالمبادئ والقيم الإنسانية المثلى كالصدق والأمانة أهمّّ بكثيرٍ من القيام بآداء الفروض والواجبات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنَّما بُعثتُ لأُتمم مكارم الأخلاق
فالإيمان: هو ما وقر في القلب وصدَّقه العمل
وقد بنى الكاتب
الأحداث على شخصيات فاعلة ومتفاعلة وواقعية رغم تشعُّبها استطاع من خلالها تصوير الهوان والخذلان والتردِّي الذي وصلت إليه العلاقات الاجتماعية ومآلها
إذ استطاع الكاتب اقتطاع جزئيةٍ بسيطةٍ من واقع العلاقات الفاسدة في مجتمعاتنا وتجسيد الكثير من أبعادها وآثارها ونتائجها في الدنيا والآخرة عن طريق رسم واقعٍ متردٍّ لم يحسب حساب آخرته بناء على مفاهيم مغلوطة للدين وعماده والخلط بين الدين القويم "كأخلاق" ومبادئ وبين طقوس العبادات (ومجرد أدائها) والتي نجد معادلها في معظم شرائحنا الاجتماعية
البعد الزماني والمكاني الزمان يكاد يتوحَّد على تعددّه
المكان : السرد المكاني متعدد ومتشعب الأبعاد يبدأ من الدنيا مروراً بالترديات ( الجُبّ) وانتهاءً بالآخرة( صراط - موازيين) + (جنة و نار) وهذا ما شتت بوصلة النص وأربك المتلقي
برأيي رغم وحدة الموضوع
البعد النفسي: يتمظهر في الكذب والتدليس وارتكاب الموبقات وواعز الضمير "الضمير ساخراً: ليست قصته"
وانحلال أخلاقي (يلهث في البحث عن غانية)
الوصف: تشعُّبُ الثيمات واختلاف آلية السرد-
بين الحوارية والتقريرية والتأويلية والمضمرة- لم تُلغِ الوصف فهناك جمل وصفية وحالية لا بأس بها
مرة واحدة / قصتك رائعة / يتوارى خجلاً / يلهث في البحث عن غانية /الضمير ساخراً/ لا يدخل الجنة كذَّاب/
أراد الكاتب من خلالها الإمساك بدفَّة السرد للتحكم بالأحداث ليرصد من خلالها حالات الأشخاص النفسية والمواقف الوجدانية التي تتمحور
( القصص الثلاث حولها) والكشف عن بعدها الديني ومعيارها الخُلقي وقد جاء الوصف مترابطاً رغم تقاطع الثيمات وتلاقيها في آن معاً.
استخدم السارد ضمير (الغائب) هو هي
ورغم ذلك كان حضوره صارخاً حاضراً غير مغيّبٍ، إذ استطاع أن يربط النصوص التي يخالها المرء منفصلة كأحداث في الوقت الذي كانت فيه متصلةكموضوع لو تأمَّل المتلقِّي الأحداث وربطها مع شخصياتها للحظ تعالقها مع بعضها البعض سرداً وأحداثاً وفكرةً بأسلوب دراماتيكيٍ سقطت فيه المسافة بين الكاتب والقارئ لينتهي به المطاف إلى إبلاغ رسالةٍ أخلاقيةٍ نبيلةٍ أساسها:
أنَّ الدين معاملة وليس عبادات تنحصر بأداء طقوس العبادات من صوم وصلاة أسلوب شائق في القصَّ وقد لمست نبوغه عند كتّاب (نُخبة) بارعين لم تُشرقْ شمس نصوصهم بعد
يعتمدون فيها سلسلة قصصية منفصلة متصلة
تخدم وحدة الفكرة و تحرص على ترابط وتسلسل الأحداث وصهرها في بوتقة واحدة وبحرفية عالية ضمن نصٍ واحد.