جلال المخ - طه حسين والمغرب العربي

نشبت معركة ومازالت نيرانها تتأجج على أعمدة مجلّة "الملاحظ" التّونسية وموضوعها يدور حول قضيّة "طه حسين والمغرب العربي" إذ يرى الأستاذ "محمّد المي" أنّ كتاب "طه حسين فكر متجدّد" للأستاذ "سامح كريّم" الصّادر عن الدّار المصريّة اللّبنانيّة في جانفي 2004 قد سطا صاحبه فيه على كتاب للأستاذ "أبو القاسم محمّد كرّو" الّذي عنوانه "طه حسين والمغرب العربي" والصّادر عن "مؤسسات بن عبد الله للنّشر والتّوزيع" تونس في أوت 2001 لمّا خصّص فصلا في كتابه سالف الذّكر يحمل نفس العنوان أي "طه حسين والمغرب العربي" وأنّ هذا الفصل "مقحم ومحشوّ حشوا". وتواصلت الرّدود وتتالت لتحمل بين طيّاتها وابلا من الشّتائم والذّم تصل إلى حدّ الإقذاع وتخرج في أحيان كثيرة عن نطاق الفكر والأدب بما في الأدب من معان متعدّدة.
وبما أنّ الكتابين قد توفّرا لديّ مؤخّرا فقد حاولت أن أتثبّت من حقيقة الأمر بعيدا عن ضوضاء الشّتائم وضجيج الانفعالات اللّذين يتركان القارئ في حيرة والتباس فيكتنفه الغموض ولا يستطيع الاطمئنان إلى رأي دون ﺁخر والتّمييز بين ما هو حقيقة وصواب وبين ما هو ادعاءات ومزاعم.
يقع كتاب "طه حسين والمغرب العربي" للأستاذ أبو القاسم محمّد كرّو في 364 صفحة من الحجم الكبير ويشتمل على مدخل وأربعة فصول هي كالآتي: 1- تونس وطه حسين. 2- الجزائر وطه حسين. 3- المغرب وطه حسين. 4- الأندلس وطه حسين. صقلّية وطه حسين، بالإضافة إلى فصل بعنوان: مع كتاب سوزان طه حسين "معك". ويشتمل كلّ فصل على ملاحق متكوّنة من فصول بقلم طه حسين وحوارات وقصائد ومحاضرات وينتهي الكتاب بالفهارس أي فهرس الصّور وفهرس الموضوعات.
أما كتاب "طه حسين فكر متجدّد" للأستاذ سامح كريّم فيمسح 286 صفحة من الحجم الكبير ويشتمل على مقدّمة وسبعة فصول وخاتمة هي كالآتي: 1: طه حسين مؤرخا إسلاميا. 2: أعمال في ميدان الثّقافة. 3: إنجازات في مجال التّعليم. 4: طه حسين والمغرب العربي. 5: معارك واتّهامات. 6: افتراءات وادعاءات. 7: طه حسين وهؤلاء. 8: طه حسين والثّقافة العالمية. 9: وجها لوجه مع طه حسين.
ومن البديهي أنّ الإشكال يتعلّق بالفصل الرّابع الّذي عنوانه "طه حسين والمغرب العربي" والّذي ينقسم بدوره إلى 4 فصول صغيرة هي: 1: طه حسين في تونس. 2: مكتبة طه حسين في سوسة. 3: طه حسين في المملكة المغربية. 4: طه حسين وثورة الجزائر. ويمتد هذا الفصل الرّابع من صفحة 85 إلى صفحة 113.
يمتدّ الموضوع الأوّل داخل هذا الفصل والّذي عنوانه: طه حسين في تونس على 5 صفحات (من 87 إلى 91) ويستهلّه المؤلّف سامح كريّم بمقدمة تتكوّن من 5 أسطر ونصف يتحدّث فيها عن شكّ طه حسين في الشّعر الجاهلي وما أثاره من اتّهامات وردود. ثمّ يخصّص ما يقارب الصّفحة والنّصف للحديث عن ردّ الأستاذ أبو القاسم كرّو والإشادة بمؤلّفاته وتمجيده والثّناء عليه وامتنانه له لما أرسله إليه من المؤلّفات الّتي تخصّ طه حسين منها "الخطوط العريضة لكتاب له يصدر بعد أيام وعنوانه "طه حسين والمغرب العربي"، ومنها دراسات وأبحاث لعدد من العلماء والأدباء والنّقاد والدّارسين في تونس تتعلّق بطه حسين وصدرت في مجلّد بمناسبة مرور مائة عام على ميلاده من بينها دراسته الطويلة "الّتي تقع في 42 صفحة والّتي عنوانها: تونس وطه حسين، الّتي أصبحت فيما بعد الفصل الأوّل من كتاب الأستاذ كرّو. ويترك الأستاذ كريّم كلّ الأبحاث الّتي بلغته جانبا ومنها ما هو للأساتذة: محمود طرشونة وحمّادي صمّود ومحمد الهادي الطّرابلسي وعبد الله صولة وعمر مقداد الجمني وجمعة شيخة ومحمد الفاضل الجمالي وغيرهم، ولا يهتمّ إلاّ بدراسة الأستاذ أبو القاسم محمّد كرّو لاختصاصها بموضوع علاقة طه حسين بتونس وهو الموضوع الّذي يهمّه في هذا الصّدد. ويخصّص الأستاذ سامح كريم ما يتبقّى من صفحات هذا الفصل أي 4 صفحات تقريبا (من 88 إلى 91) إلى تلخيص هذه الدّراسة. وطريقته في التّلخيص لا تعتمد قراءة ثم إعادة كتابة بل تقوم على انتخاب جمل وانتقاء فقرات من الدّراسة مع المحافظة على تسلسل الأفكار وترتيبها.
أما الموضوع الثّاني والّذي عنوانه مكتبة بٱسم طه حسين في سوسة، فقد خصّص له 4 صفحات و4 أسطر (92-96) وتحدّث عن مكتبة طه حسين الّتي قامت بجمعها وإعادة طباعتها دار المعارف للطّباعة والنّشر في سوسة بتونس والّتي تعتمد طبع "كتاب من تأليف طه حسين يعقبه كتاب عنه لمؤلف ﺁخر حتّى تتكوّن مكتبة متكاملة باسم هذا المؤلف المفكر الخالد وهذا الموضوع لا أثر له ولا حديث عنه في كتاب الأستاذ أبو القاسم كرّو.
الموضوع الثّالث في فصل "طه حسين والمغرب العربي" من كتاب "طه حسين فكر متجدّد للأستاذ سامح كريّم عنوانه: طه حسين في المملكة المغربية وهو ما يقابل فصل "المغرب وطه حسين" في كتاب الأستاذ كرّو. وهنا يلاحظ تقديم علاقة طه حسين بالمغرب على الجزائر رغم أنّ هذا التّقديم لا يستقيم جغرافيّا وقد يكون ذلك لأنّ عميد الأدب العربي قد زار تونس والمغرب لكنّه لم يزر الجزائر فيكون الحديث عن البلدان الّتي زارها ثمّ عن الّتي لم يسافر إليها.
وبمقارنة بين الفصلين أي "المغرب وطه حسين" و"طه حسين في المملكة المغربية" نرى المؤلّفين يتحدّثان عن رحلة عميد الأدب العربي إلى المغرب وتنقّله في عديد من مدنها وقد ركّز الأستاذ كرّو حديثه على الزّيارات إلى مدن الرّباط وفاس ويفران وتطوان وإشارة خاطفة إلى طنجة، وركّز الأستاذ كريّم على مدينة الرّباط طويلا ووصف المقابلة بين الملك محمّد الخامس وطه حسين وما دار بينهما من حديث ثمّ تحدّث عن فاس والدّار البيضاء وتطوان.
ويوجد بعض التّشابه في بعض الفقرات مثل: "وفي هذه المدينة (فاس) كان من أشهر مستقبليه ومستمعيه علاّل الفاسي ومحمد الحلوي وعلماء المدينة. وإثر محاضرته فيها أقام له علماء فاس حفلة كبيرة تكريما له. وألقى الشّاعر الكبير محمد الحلوي في هذه الحفلة قصيدته الرّائعة (تحية الشّعر للدّكتور طه حسين) بين يديه فأعجب بها العميد وذكّرته بقصائد العرب القديمة العصماء"، ويورد الأستاذ كرّو القصيد كاملا في الملاحق، بينما كتب الأستاذ كريّم ما يلي: "وفي مدينة فاس الثّقافيّة التقى طه حسين بالمثقّفين المغاربة وتبادل معهم وجهات النّظر. وكان من جملة ما قيل قصيدة طويلة كتبها وأنشدها شاعر المغرب الكبير محمد الحلوي قال فيها مخاطبا طه حسين:
"حق على الشّعر أن يهدي عرائسه
تحية لعميد الشّعر والأدب"
وإذا بدا أنّ الفقرة الّتي كتبها الأستاذ كرّو تشتمل على معلومات أوفر وأدقّ فإنّنا نجد كذلك العكس: نقل الأستاذ أبو القاسم محمّد كرّو ما خاطب به الملك محمّد الخامس طه حسين فكتب: "إنّنا والشّعب المغربي نذكر دائما مواقفكم في أيّام محنة المغرب ودفاعكم المجيد عن قضيّة المغرب ممّا كان له أكبر التّشجيع لنا على المضيّ في كفاحنا إلى النّصر...".
ونقل الأستاذ سامح كريّم نفس المخاطبة فكتبها فكانت أطول واحتوت على معلومات أكثر: "إنّ الشّعب المغربي يذكر كذلك ما قمتم به أيضا من أعمال أثناء المحنة السّياسية الّتي اجتازها... ولا تزال عالقة بأذهاننا مواقفكم ومقالاتكم في الدّفاع عن القضيّة المغربية ممّا كان له أكبر الوقع والتّشجيع للأمّة المغربية في جهادها. إنّ زيارتكم ستكون لها أكبر الفائدة بالنّسبة للمثقّفين المغاربة الّذين يتعطّشون لمناهل العلم في البلاد العربية"
واضح إذن أن الأستاذ سامح كريّم اعتمد في هذا الموضوع مصادر أخرى غير كتاب الأستاذ كرّو إذ ينقل لنا المؤلّفان نفس الأحداث ولكن في نصوص مغايرة يحتوي بعضها على معلومات ودقائق لا تذكرها النّصوص الأخرى ويتأكّد اختلاف المادّة الّتي اعتمدها في حديثه عن علاقة طه حسين بالمغرب عندما يذكر أبحاث الدّكتور عبد الهادي التّازي عضو الأكاديمية الملكية المغربية وعضو مجمع الخالدين في القاهرة وهي مصادر لم يعتمدها الأستاذ أبو القاسم كرّو بل لم يشر إليها البتّة.
ونصل إلى الموضوع الرّابع والأخير في فصل "طه حسين والمغرب العربي" من كتاب "طه حسين فكر متجدّد" للأستاذ سامح كريّم والّذي عنوانه "طه حسين وثورة الجزائر" وهو ما يقابل فصل "الجزائر وطه حسين" من كتاب الأستاذ أبو القاسم كرّو. ويمتدّ هذا الموضوع على 11 صفحة (103-113) ويستهلّه المؤلف بمقدّمة تستغرق صفحة موضوعها علاقة طه حسين بالثّورة الجزائرية وتسرّع الكثير من الكتّاب الجزائريين في الحكم عليه واتّهامه بعدم الاهتمام بالثّورة الجزائرية، ويختار أن يكون أحسن دفاع عن عميد الأدب العربي ما كتبه الأستاذ أبو القاسم كرّو في هذه المسألة فيقول "ولعلني في ذلك أحرص على نقل ما كتبه الأستاذ كرّو بصورة تكاد تكون حرفيّة، حيث لا أتدخّل إلاّ فيما يوضّح تفاصيل ما تسجّله في فصوله بشكل أرجو ألاّ يخلّ بما أراد أن يسجله في الرّدّ على هؤلاء الأشقّاء الجزائريين، مؤكّدا في الوقت نفسه أنّني أتّفق معه فيما كتب من بدايته... نعم أتّفق معه شكلا ومضمونا..."
وبعد ذلك يورد الأستاذ كريّم 10 صفحات مأخوذة كما هي من فصل "الجزائر وطه حسين" للأستاذ أبو القاسم كرّو وهذه الصّفحات تمثّل مجمل الموضوع ولا تردف بتعقيب ولا تحليل ولا استنتاج. كما أن القارئ لا يمكن أن يعرف متى يبدأ كلام الأستاذ أبو القاسم كرّو لأنّ المؤلّف الأستاذ كريّم لا يوضّح ذلك من خلال نقطتين ولا بفتح معقفين بل يمرّ مباشرة من كلامه إلى النّص المأخوذ عن كرّو فيحسب القارئ غير المطّلع على الكتابين أنّ الكلام له ولا يمكنه التّمييز. جاء في كتاب الأستاذ كريّم ما يلي: "نعم أتّفق معه شكلا ومضمونا، وبأنّه على قلّة ما كتبه الجزائريون عن طه حسين في حياته وبعد وفاته فإنّه شديد اللّهجة، كثير المرارة، وربما فيه قسوة وبعض الظّلم..."
لا يمكن لأي قارئ التّفطّن إلى أنّنا انتقلنا من كلام الأستاذ كريّم إلى كلام الأستاذ كرّو لأنّ الفاصل وحرف العطف "الواو" لا يوحيان بأيّ حال من الأحوال بهذا الانتقال إذ أنّ نصّ الأستاذ كرّو يبدأ من: وبأنّه على قلّة ما كتبه الجزائريون... ويدوم عذا الالتباس صفحة كاملة إلى أن ترد عبارة "ويذكر الأستاذ كرّو فيما كتب..."
كما أنّ التّدخلات الّتي قام بها الأستاذ كريّم تتمثّل في حذف بعض الأسطر أو الفقرات أو الصّفحات كما في نهاية الموضوع وهنالك بعض تحويرات للنّصّ بسيطة وغير ذات بال منها:
- "إنّ عددهم قليل جدّا" الأستاذ كرّو
- "إنّ عدد هؤلاء الكتّاب قليل جدّا" الأستاذ كريّم
- "ومقال طه المطوّل الآخر: إرادة الشّعب" الأستاذ كرّو
- "ومقال طه حسين المطوّل الآخر: إرادة الشّعب" الأستاذ كريّم
- "وبقطع النّظر عن مقالاته تلك" الأستاذ كرّو
- "وبصرف النّظر عن مقالاته تلك" الأستاذ كريّم
إلى غير ذلك من إضافات حروف عطف أو حذفها أو إلغاء تكرار. ولا يمكن لهذه التّدخّلات أنّ تغيّر شيئا من النّصّ المأخوذ عنه كما أسلف الأستاذ كريّم لمّا قال: "حيث لا أتدخّل إلاّ فيما يوضّح تفاصيل ما تسجّله في فصوله بشكل أرجو ألاّ يخلّ بما أراد أن يسجّله في الرّدّ على هؤلاء الأشقّاء الجزائريّين... بل إنّ هذه التّدخّلات لا تغيّر شيئا في الموضوع وكان من الممكن تفاديها.
وخلاصة القول الّتي انتهت إليه هذه المقارنة بين الكتابين وما جاء فيهما هي أن فصل "طه حسين والمغرب العربي" للأستاذ سامح كريّم يمتد على 29 صفحة ويمكن حذف صفحتين إحداهما بيضاء والأخرى تحمل عنوان الفصل فيبقى عندئذ 27 صفحة 11 صفحة منها فيها إضافة وطرافة وليست لها علاقة بكتاب الأستاذ كرّو وهي المتعلّقة بزيارة الدّكتور طه حسين إلى المغرب ومكتبة طه حسين في سوسة والباقي أي 16 صفحة تعتمد كليّا على كتاب الأستاذ كرّو "طه حسين والمغرب العربي" فتلخّص ما جاء فيه بطريقة تعتمد انتخاب الجمل وانتقاء الفقرات أو تورد حرفيّا ما جاء في صفحاته وهي المتعلّقة بزيارة طه حسين إلى تونس وعلاقته بالجزائر أو بالثّورة الجزائرية... وبذلك لا تستقيم كتابة النّاشر الّتي على غلاف الكتاب الخلفيّ.
"يقول النّاشر أي الدّار المصريّة اللّبنانيّة – كذلك ألقى – أي كتاب طه حسين فكر متجدّد – بضوء كاشف على علاقة الأديب العملاق بالمغرب العربي (تونس – المغرب – الجزائر) تأثّرا وتأثيرا"، لأنّه وإن كان أول من تحدّث عن مكتبة طه حسين في سوسة وإن اعتمد مادّة طريفة في حديثه عن زيارة العميد للمغرب فإنّه لم يأت بالجديد فيما يخصّ زيارته إلى تونس وعلاقته بالجزائر، لذلك كان من الأحرى أن يقول النّاشر: "كذلك ساهم الكتاب في الإلقاء بضوء كاشف...".
وحسب رأيي الشّخصيّ لا يمكن الكتابة في موضوع يحتوي على 11 صفحة كما في علاقة طه حسين بالجزائر ونقل 10 صحف برمتها على 11 من مصدر واحد يتحدّث عن الموضوع نفسه حتّى وإن وقعت الإشارة إلى المصدر المأخوذ عنه كما فعل الأستاذ سامح كريّم لأنّه لا معنى لهذه الكتابة ولا طائل من ورائها. أليس من الأجدر الإشارة إلى المصدر وكفى كما يفعل جلّ الدّارسين عندما يقولون: "انظر كتاب كذا أو مصدر كذا..."
ثمّ إنّ كتاب الأستاذ سامح كريّم "طه حسين فكر متجدّد" وهو الحافل بالمواضيع المتنوّعة والمتعدّدة ما كان أغناه عن تناول موضوع لا تتوفّر مادّة البحث لديه حوله إلاّ على مصدر أوحد لينقل صفخاته كما هي قبل أن ينعته في أحد ردوده بأنّه أسوأ كتاب عن طه حسين بعد أن مجّد مؤلّفه وذكر إنجازاته وأمجاده الكتابية، وذلك لأنّ اعتماد ما هو سيء أسوأ منه كما أنّ تصريحه في ردّ ﺁخر بأنّه لم يعتمد إلاّ على أربع صفحات للأستاذ كرّو بعيد كلّ البعد عن الدّقّة لأنّ الأمر يتعلّق بتلخيص لدراسة الأستاذ كرّو مسح أربع صفحات من كتابه وبنقل حرفّي لإحدى عشرة صفحة من كتاب "طه حسين والمغرب العربي".

مجلّة الملاحظ 23 نوفمبر 2005
أعلى