الاعتزال ظاهرة طبيعية في الفن والأدب، أو في أي عمل أو مهنة: فكما يوجد من يعتزل الفن والأدب يوجد من يعتزل السياسة أو الرياضة أو الكتابة بصورة عامة. ومن الناس من يعتزل الحياة الاجتماعية، كما فعل أبو العلاء المعري حين لزم بيته، ولُقّب برهين المحبسين، بل والثلاثة على حدّ وصفه حالته:
أَراني في الثَلاثَةِ مِن سُجوني فَلا تَسأَل عَنِ الخَبَرِ النَبيثِ
لِفَقدِيَ ناظِري وَلُزومِ بَيتي وَكَونِ النَفسِ في الجَسَدِ الخَبيثِ
أكثر ما يلتفت إليه الناس في شأن الاعتزال أنهم يلتفتون إلى من يعتزل الفن؛ فلا يلتفتون إلى اعتزال أديب أو كاتب أو رياضي أو سياسي مثل التفاتهم إلى اعتزال مغن أو مغنية أو راقصة؛ لأنّ الناس، في الغالب، ينجذبون إلى الأمور السهلة التي ترتبط بالعاطفة ويتقبلها القلب أكثر من انجذابهم إلى تلك التي ترتبط بالعقل.
يأتي الاعتزال لأسباب كثيرة، منها: إحساس المعتزل بأنه قدّم أفضل ما عنده ولا يوجد ما يضيفه إلى الحياة. يحضرنا هنا اعتزال الروائي السوداني الطيب صالح عن الكتابة الإبداعية بعد عدة مجموعات قصصية وروايات ثلاث: "عرس الزين"، و"بندر شاه"، و"موسم الهجرة الى الشمال"
ومن أسباب الاعتزال عدم قدرة الإنسان على مواجهة صعوبات الحياة مع تقدم العمر ووهن الجسم، كما يعبر عن ذلك الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى في معلقته حين بلوغه الثمانين:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
وقد يكون الاعتزال لإحساس المرء بعدم جدوى ما يقوم به، ثلما حدث مع الروائي عادل كامل الذي وصفه نجيب محفوظ بأنه في طليعة كتاب جيله دون جدال. لقد توقف عن الكتابة بعد أعمال روائية مهمة، منها: "ملك من شعاع"، و"مليم أكبر"، ومثله الشاعر الفرنسي رامبو الذي اعتزل الكتابة وهو في التاسعة عشر من العمر دون أن يعود إليها.
قد يكون الاعتزال للفت الانتباه وجذب اهتمام الآخرين، أو لطلب المزيد من الشهرة، أو استجابة لرغبة نرجسية وحب الذات، وكأن المعتزل ينتظر من النّاس أن يلتفّوا حوله ويناشدوه العدول عن الاعتزال، فالحياة لن تجود بمثله كما يجزم. وفي هذه الأحوال تكون الحجة ضعيفة أو غير مقنعة تختفي وراء أسباب أيديولوجية أو دينية، وغالبًا ما يتراجع الإنسان عن الاعتزال، كما لاحظنا عودة بعض الراقصات إلى حلبة الرقص بعد إعلانهن اعتزالهن، فكما يقول المثل" يموت الزمار وصوابعه بتلعب"
من اللافت في بعض الحالات أن يكون الاعتزال مؤقتاً كأن ينقطع الانسان عن العمل فترة ويعود إليه، كما انقطع نجيب محفوظ عن الكتابة سبع سنوات من عام 1952إلى 1959؛ إذ رأى أن الكتابة الروائية لا توفر له ما يحتاجه من المال؛ فاتجه إلى كتابة الأعمال السينمائية.
لعل من الأفضل سواء في مجال الفن أو غيره أن يعتزل الإنسان وهو في قمة عطائه وتوهجه، أي أن يغادر الساحة في الوقت المناسب؛ فإن الاستمرار في العمل دون فائدة أو دون إضافة للحياة يشوّه تاريخ الإنسان. وللأسف نرى الآن بعض الفنانين والشعراء والكتاب لما يعتزلوا بعد رغم أن نبع إبداعهم قد جف. فنلاحظ مغنين مستمرين في الغناء وقد شاخ صوتهم، وأصبح كطنين الذباب. وشعراء بدأ شعرهم في الحضيض، ومع ذلك لم يتوقفوا عن النظم، وكتابًا لم يعد عندهم ما يضيفونه إلى الحياة، ولكنهم ما زالوا يقصّون الحكايات بأنها روايات.
في النهاية فإن الاعتزال ظاهرة إنسانية قد يلجأ إليها الإنسان تحت وطأة ظروف بعينها، لكن من الذكاء والحكمة أن يكون في الوقت المناسب؛ فلا بدّ من أن يكون القرار صائباً لأن العودة عن الاعتزال تكون مهزلة واضحة.
أَراني في الثَلاثَةِ مِن سُجوني فَلا تَسأَل عَنِ الخَبَرِ النَبيثِ
لِفَقدِيَ ناظِري وَلُزومِ بَيتي وَكَونِ النَفسِ في الجَسَدِ الخَبيثِ
أكثر ما يلتفت إليه الناس في شأن الاعتزال أنهم يلتفتون إلى من يعتزل الفن؛ فلا يلتفتون إلى اعتزال أديب أو كاتب أو رياضي أو سياسي مثل التفاتهم إلى اعتزال مغن أو مغنية أو راقصة؛ لأنّ الناس، في الغالب، ينجذبون إلى الأمور السهلة التي ترتبط بالعاطفة ويتقبلها القلب أكثر من انجذابهم إلى تلك التي ترتبط بالعقل.
يأتي الاعتزال لأسباب كثيرة، منها: إحساس المعتزل بأنه قدّم أفضل ما عنده ولا يوجد ما يضيفه إلى الحياة. يحضرنا هنا اعتزال الروائي السوداني الطيب صالح عن الكتابة الإبداعية بعد عدة مجموعات قصصية وروايات ثلاث: "عرس الزين"، و"بندر شاه"، و"موسم الهجرة الى الشمال"
ومن أسباب الاعتزال عدم قدرة الإنسان على مواجهة صعوبات الحياة مع تقدم العمر ووهن الجسم، كما يعبر عن ذلك الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى في معلقته حين بلوغه الثمانين:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
وقد يكون الاعتزال لإحساس المرء بعدم جدوى ما يقوم به، ثلما حدث مع الروائي عادل كامل الذي وصفه نجيب محفوظ بأنه في طليعة كتاب جيله دون جدال. لقد توقف عن الكتابة بعد أعمال روائية مهمة، منها: "ملك من شعاع"، و"مليم أكبر"، ومثله الشاعر الفرنسي رامبو الذي اعتزل الكتابة وهو في التاسعة عشر من العمر دون أن يعود إليها.
قد يكون الاعتزال للفت الانتباه وجذب اهتمام الآخرين، أو لطلب المزيد من الشهرة، أو استجابة لرغبة نرجسية وحب الذات، وكأن المعتزل ينتظر من النّاس أن يلتفّوا حوله ويناشدوه العدول عن الاعتزال، فالحياة لن تجود بمثله كما يجزم. وفي هذه الأحوال تكون الحجة ضعيفة أو غير مقنعة تختفي وراء أسباب أيديولوجية أو دينية، وغالبًا ما يتراجع الإنسان عن الاعتزال، كما لاحظنا عودة بعض الراقصات إلى حلبة الرقص بعد إعلانهن اعتزالهن، فكما يقول المثل" يموت الزمار وصوابعه بتلعب"
من اللافت في بعض الحالات أن يكون الاعتزال مؤقتاً كأن ينقطع الانسان عن العمل فترة ويعود إليه، كما انقطع نجيب محفوظ عن الكتابة سبع سنوات من عام 1952إلى 1959؛ إذ رأى أن الكتابة الروائية لا توفر له ما يحتاجه من المال؛ فاتجه إلى كتابة الأعمال السينمائية.
لعل من الأفضل سواء في مجال الفن أو غيره أن يعتزل الإنسان وهو في قمة عطائه وتوهجه، أي أن يغادر الساحة في الوقت المناسب؛ فإن الاستمرار في العمل دون فائدة أو دون إضافة للحياة يشوّه تاريخ الإنسان. وللأسف نرى الآن بعض الفنانين والشعراء والكتاب لما يعتزلوا بعد رغم أن نبع إبداعهم قد جف. فنلاحظ مغنين مستمرين في الغناء وقد شاخ صوتهم، وأصبح كطنين الذباب. وشعراء بدأ شعرهم في الحضيض، ومع ذلك لم يتوقفوا عن النظم، وكتابًا لم يعد عندهم ما يضيفونه إلى الحياة، ولكنهم ما زالوا يقصّون الحكايات بأنها روايات.
في النهاية فإن الاعتزال ظاهرة إنسانية قد يلجأ إليها الإنسان تحت وطأة ظروف بعينها، لكن من الذكاء والحكمة أن يكون في الوقت المناسب؛ فلا بدّ من أن يكون القرار صائباً لأن العودة عن الاعتزال تكون مهزلة واضحة.