أدب السجون مروة التجاني - قصص مؤلمة في فضاء السجن الموحش ترويها مجموعة "فيد للفنون"

لم يسدل الستار بعد على قصة جماعة فيد للفنون، وأعضاء لجان المقاومة الذين خرجوا جميعهم بالأمس من السجن، خلف الملامح المنتصرة، وهتاف الثوار التي أضاءت ليل الخرطوم.. خرجوا ومعهم قصص وروايات عن فضاء السجن، التقرير التالي يسلط الضوء على مشاهد السجن بعيون الفنانين.

فنانون في قبضة الشرطة

من مسرح الثورة يحدثنا عضو مجموعة فيد للفنون أيمن خلف الله، عما حدث داخل الحراسة ولحظات دخول قسم الشرطة، ويقول: "رفض الضباط منحنا أورنيك (8) لعلاج إصاباتنا لأنهم تربطهم علاقة مع الأشخاص الذين تهجموا علينا أثناء قيامنا ببروفة فنية وتعدوا علينا بالضرب".

أما داخل قسم الشرطة وقبل إرسال المجموعة إلى السجن، ظل أيمن ورفاقه جالسين على الأرض إلى حين اكتمال الإجراءات الورقية، وأمضوا ليلتهم الطويلة داخل زنزانة الحراسة بقسم الشرطة، وهناك وجدوا ما يقارب (30) متهمًا يلتحفون الأرض الإسمنتية العارية، كان يتوجب عليهم أن يوفروا طعامهم وما يغطي أجسادهم وبقية المستلزمات الأخرى من مالهم الخاص، هؤلاء المتهمون لم يحكم عليهم بعد في أي قضية، هم في حالة انتظار للمجهول، بعضهم ظل لعام كامل في هذه الحالة دون محاكمة، بحسب رواية أعضاء المجموعة الفنية. لم يتناول أيمن ورفاقه الطعام منذ لحظة الدخول إلى قسم الشرطة، تقاسم المتهمون جميعًا ما بجيوبهم من مال شحيح ليتمكنوا من توفير بعض العدس لعمل وجبة طعام. وعند اقتراب الفجر اقتيد أيمن ورفاقه لتبدأ رحلتهم مع المحاكمات التي امتدت لشهرٍ كامل، حكم عليهم بالسجن ورحلوا إلى سجن أم درمان، وهي قصة يسردها لنا أيمن.

التوصيات شفعت لهم

في 17 أيلول/سبتمبر 2020 دخل أيمن ورفاقه سجن أم درمان للمرة الأولى في حياتهم، يقول إن عساكر السجن تضايقوا من مظهرهم الخارجي، تعرضوا للتهديد والإهانة بألفاظ نابية، وجاء أوان حلاقة الشعر. يستطرد أيمن: "أمر عسكري ببدء حفلة الحلاقة لي أنا مستخدمًا مقصًا وموسى، شاءت الأقدار أن تتكسر جميعها، ثم توقف بأمر من عسكري آخر".

كانت المفاجأة أن لا عنابر داخل السجن، كان السجن عبارة عن "حوش" كبير، يتصرف السجين لنفسه في توفير فراش ويتحرك مع أشعة الشمس وظلال سور السجن أينما ذهبت. بجوارهم عنبر واحد يجلس فيه شخص يطلق عليه لقب "شيخ السجن"، وهو سجين مثلهم، لكنه مسؤول عن أمور بقية السجناء، استقبلهم الرجل واستمع لتفاصيل قضيتهم وأعرب عن تضامنه معهم، كان من الغريب أن يجدوا شخصًا في هذا المكان يعتقد في حق الفن أن الفنان يجب أن يعبر عن نفسه وإبداعه بحرية!!

يعتقد أيمن أنه لحسن حظهم هو ورفاقه أنهم لم يتعرضوا للتعنيف الشديد، بعد أن وصلت لإدارة السجن توصيات من وحاكم ولاية الخرطوم ووزارة المالية ووزيرة الشباب والرياضة التي زارتهم في السجن واجتمعت بهم، وغيرهم من المسؤولين ورموز البلاد. بعدها تم إحضار أسرة لهم لينوموا عليها، وتناولوا الطعام من الخارج، ولأن العساكر نصحوهم بالابتعاد عن طعام السجن المليء بالعطرون. في البدء عانى أيمن من حالة نفسية سيئة نتيجة التعامل القاسي، كان إذا أراد الخروج للزيارة تؤخذ منه أموال مقابل ذلك، والكثير من التصرفات السيئة الأخرى، لكن كان للتوصيات التي وردت لإدارة السجن وقعها في تحسين المعاملة، لاحقًا.

وصف أيمن تجربة السجن بعد ذلك بالعادية، لأن التوصيات أنقذت الكثير من روحه وجسده، لكن، يقول لـ"الترا سودان"، إنه يخشى على بقية المساجين بالداخل، وحكى عما يسمى بـ"صف الفول"، حيث لا يتحصل السجين الذي لا يملك إناءً على أي طعام، ويقضي يومه جائعًا أو يذهب لتسول الأكل من رفاقه، على الرغم من أن الدولة خصصت للسجين الواحد في اليوم مبلغ سبعمائة جنيه، لكن لا يعرف أحد فيما تصرف؟

تجربة دعاء في سجن النساء

لا تفرق دعاء طارق بين السجن وزنزانة الحراسة بقسم الشرطة، قالت إن الاثنين أمكنة تخلو من حقوق الإنسان. ووصفت دعاء زنزانة الحراسة قائلة: "إنها ضيقة المساحة، المرحاض لا باب له، تبقى النساء في انتظار قضاياهن فترة طويلة يمكن أن تصل إلى (11) شهرًا". شاهدت دعاء بعينيها عمليات تحرش بالنساء واستمعت لقصص نسوة روين ما حدث لهن من أذى جسدي.

تقول دعاء: "أما السجن فمبني على التفرقة الدينية والعنصرية كما ترسخ في ذهني"، وتشرح عبارتها بالحديث عن التفرقة الطبقية، حيث كانت تقبع مع نساء حصلن على أحكام قضائية قصيرة، كنَ نسوة يعملن في بيع الخمور وينتمين لمجموعات إثنية معينة. تلقت دعاء تحذيرًا من الضابطات بعدم الاحتكاك مع هؤلاء النسوة لأنهن من قبائل معينة، وهي عقلية وصفتها دعاء بالكيزانية، مشيرة إلى أن التغيير الذي أحدثته ثورة ديسمبر لم يصل لهذه الجماعات، كان تغيير فوقيًا، تقول دعاء. وأشارت لوجود مرحاضين تستعملها النزيلات اللاتي يفوق عددهن (100)، ولا تتحصل النساء على مستلزمات العادة الشهرية، مما يضطرهن لاستخدام ملابسهن وقطع القماش وإعادة غسلها واستخدامها شهريًا. قالت دعاء إن عيادة السجن خالية من كل أنواع الأدوية، بما فيها حبوب البندول، وتعاني النساء المصابات بأمراض مزمنة مثل السكري والضغط من هذه المأساة.

لاحظت دعاء وجود نساء تجاوزت أعمارهن الثمانين، ولا يكفي الطعام المقدم لكل النزيلات، تحدثت لنا عن القانون الجزائي داخل السجن، والمقصود به هو إيقاع العقوبة التي تراها الضابطة ملائمة وإن كانت لا تتوافق مع حجم الخطأ المرتكب.

تواصل دعاء سرد مشاهداتها وتتحدث عن التفرقة الدينة، تقول إن بعض النساء يعملن في المسجد طوال أوقات الدوام الرسمية، أما الكنيسة فلا يسمح بدخولها إلا بحضور الأب، وعندما يأتي الخيرون ليدفعوا للغارمين؛ تعطى الأولوية للمسلمات، ويستخدم الإسلام كوسيلة ضغط على النساء المسيحيات.

تأثرت دعاء وهي تستعيد هذه المشاهدات وكادت تبكي وهي تروي لـ"الترا سودان"، ما تعانيه النساء المحكوم عليهن بالإعدام، حيث ترتدي السيدة قيدًا من الحديد يبلغ وزنه سبعة كيلوجرامات، يقيد أرجلهن ويمتد إلى وسط الجسد ليقيد الأيدي، لا يفك أبدًا إلى حين صدور الموافقة النهائية على تنفيذ حكم الإعدام، بعض النساء يرتدينه فترة ثلاثة سنوات وأكثر، وقالت "القيد يذكرني بالعبودية".

لوائح السجن وحقوق الإنسان

ساعد المخرج حجوج كوكا، رفاقه في مجموعة فيد للفنون على تهدئة أنفسهم قبل أن تأتي توصيات المسؤولين في الحكومة لإدارة السجن، كان يتوقع الأسوأ، خضع كوكا لحلاقة جزء من شعر رأسه، وشاهد أثناء أخذ البيانات الأولية ما تعرض له سجين رفض ذكر قبيلته التي ينتمي إليها، واكتفى بقول أنا سوداني، فتعرض السجين الشاب للصفع والضرب والسب إلى أن أجاب على اسئلتهم.

لم يكن هذا المشهد سوى فصل أول في رواية كوكا التي تابع سردها لـ"الترا سودان".

وصف حجوج حملات التضامن معهم أنها كانت ذات أثر كبير وأحدثت فرقًا في المعاملة داخل السجن، وامتد أثرها لاحقًا إلى جميع المساجين، يقول كوكا بأسف، إن أحد الضباط قام بتطبيق عقاب جماعي على المساجين بجعلهم يقفون تحت الأمطار، وقام بضربهم بالسوط، في إشارة للعودة إلى الطريقة القديمة أبان فترة حكم الإنقاذ.

تعرض كوكا للتهديد بتطبيق لوائح السجن عليه، وعند ما طالب بالاطلاع لم يتلق جوابًا، وتابع حديثه قائلًا: "المشكلة تكمن في استمرارية وجود الدولة العميقة داخل السجون السودانية، ووجود ذات اللوائح منذ العهد البائد، دون تعديلات أو مناقشة من مختصين في قضايا حقوق الإنسان"، وأشار المخرج كوكا إلى الأوضاع المزرية التي يعاني منها المساجين في ظل غياب المعالجين النفسيين والاجتماعين، وطالب بفتح أبواب السجن للإعلام والمختصين لتحسين البيئة العامة.

احتجاجات الفنانين

في ذات السياق، أكد الفنان رامي ماجد استمرار حالة الطوارئ الفنية، وإعلان اعتصام فني لمدة أربعة أيام، وقال إن الفكرة مستمدة من التحديات اليومية التي يواجهها الفنانون، وأوضح أن الاعتصام هو وسيلة ضغط على الحكومة لتحسين القوانين، وتطوير الميثاق الفني، وكشف لـ"الترا سودان" عن مساعٍٍ للتحضير لمهرجان فني ضخم، يتضمن ورشة تقدم فيها أوراق عمل تطرح قضايا ومشكلات مهنة الفن بالسودان، واصفًا الاعتصام بالخطوة التمهيدية الأولى في طريق التصعيد الذي يعتزم الفنانون المضي فيه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
654
آخر تحديث
أعلى