يعقوب الشوملي - باطلة كل الحضارات

الإنسانية وحدة متكاملة، والأخلاق كذلك، والعدل أيضًا. هي صفات تلازم الإنسان، الخط نفسه يعتمده ويسلكه مع صديقه ومع عدوه، مع القريب والبعيد، نفس البسمة العريضة، واليد المفتوحة، في داخل بلده وفي الخارج، مع الجميع، كالوردة تماما، نفس العطر للص والقديس. مثل هذه الصفات في الدم، في الدين، في كل جارحة من جوارح الإنسان.
فالشعوب المعروف عنها أنها كريمة، ومشهود لها بذلك في كل مجال. وفي مجال واحد تباطأت عن أداء واجبها، مثل هذه الشعوب غير كريمة بالمرة. فالشعوب التي سكتت على مأساة النازحين، المأساة التي انتهت بكارثة الأمس، مثل هذه الشعوب تنقصها الإنسانية، وتعوزها الأخلاق وهي أيضا بعيدة عن معاني العدل.
ومهما كانت أنواع المساعدات، وبالغًا ما بلغت قيمتها، فما دامت خيام النازحين ركعت أمام الرياح، واقتلعتها العواصف، مثل هذه المساعدات لا وزن لها بالمرة بل هي أشبه بالعلف الذي يقدم للدجاج والنعاج توطئة للذبح.
ومع أن كل النازحين لم يموتوا، فالحقيقة أنه كانت أسباب كثيرة وكافية لإنجاز المأساة، ومع ذلك فالشهر يتلو الشهر. وصاحب البيت محكوم عليه بالإبعاد، اضطر ليهجر مسكنه ليفر إلى هذه الخيمة، ولم تعط له فرصة للحياة، بل تتوفر أمامه أكثر من فرصة للموت، وآخرها موجة الثلج الأخيرة.
والحقيقة أن الثلج عندنا غير الثلج عندهم. فبينما يكون الثلج يدفن أطفالنا في المخيمات، يكون كثير من شعوب العالم يكسرون "الويسكي" بالثلج، ومن هنا فلا وجه للمقارنة.
وبينما يكون الثلج يطوي خيام النازحين على من فيها من نساء وشيوخ، يكون الكثيرون من أبناء الشعوب الأخرى يتزلجون على الجليد، ويتزحلقون على الثلج، لذلك فلا وجه للمقارنة أيضا.
إن كل يوم يمضي على مأساة النازحين، ينقص الكثير من معاني الإنسانية والأخلاق والعدل عند كافة الشعوب، وباطلة كل الحضارات التي عنها يتحدثون وفي ظلها أطفالنا يموتون.

18.01.1968
فيتونجي




جريدة "الدستور" للأديب يعقوب الشوملي
أعلى