محمد عباس محمد عرابي - من روائع الرثاء في الشعر العربي

كثيرة هي قصائد الرثاء
يتناول هذا المقال عرض لبعض القصائد التي تعد من روائع الرثاء في الشعر العربي(رثاء الذات- رثاء الابن – رثاء الأخ – رثاء الأم – رثاء الزوجة )على النحو التالي :
أولا: رثاء الذات:
  1. رثاء مالك بن الريب لنفسه :
يقول مالك بن الريب في رثاء نفسه لما لدغته أفعى وأحس بالموت وهو في الغزو :ويمكن سماعها بصوت الأستاذ عبدالكريم مهيوب على الرابط :
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً ** بوادي الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه **وليت الغضى ماشى الرِّكاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى** مزارٌ ولكنَّ الغضى ليس دانيا
ألم ترَني بِعتُ الضلالةَ بالهدى** وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيا
وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد ما ** أرانيَ عن أرض الآعاديّ قاصِيا
دعاني الهوى من أهل أُودَ وصُحبتي ** بذي (الطِّبَّسَيْنِ) فالتفتُّ ورائيا
أجبتُ الهوى لمّا دعاني بزفرةٍ ** تقنَّعتُ منها أن أُلامَ ردائيا
أقول وقد حالتْ قُرى الكُردِ بيننا ** جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كان جازيا
إنِ اللهُ يُرجعني من الغزو لا أُرى ** وإن قلَّ مالي طالِباً ما ورائيا
تقول ابنتيْ لمّا رأت طولَ رحلتي ** سِفارُكَ هذا تاركي لا أبا ليا
لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي ** لقد كنتُ عن بابَي خراسان نائيا
فإن أنجُ من بابَي خراسان لا أعدْ ** إليها وإن منَّيتُموني الأمانيا
فللهِ دّرِّي يوم أتركُ طائعاً ** بَنيّ بأعلى الرَّقمتَينِ وماليا
ودرُّ الظبَّاء السانحات عشيةً ** يُخَبّرنَ أنّي هالك مَنْ ورائيا
ودرُّ كبيريَّ اللذين كلاهما ** عَليَّ شفيقٌ ناصح لو نَهانيا
ودرّ الرجال الشاهدين تَفتُكي ** بأمريَ ألاّ يَقْصُروا من وَثاقِيا
ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتي ** ودّرُّ لجاجاتي ودرّ انتِهائيا
تذكّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلم أجدْ ** سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
وأشقرَ محبوكاً يجرُّ عِنانه ** إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا
ولكنْ بأطرف (السُّمَيْنَةِ) نسوةٌ ** عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا
صريعٌ على أيدي الرجال بقفزة ** يُسّوُّون لحدي حيث حُمَّ قضائيا
ولمّا تراءتْ عند مَروٍ منيتي ** وخلَّ بها جسمي، وحانتْ وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنّه ** يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزِلا ** برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليوم أو بعضَ ليلةٍ ** ولا تُعجلاني قد تَبيَّن شانِيا
وقوما إذا ما استلَّ روحي فهيِّئا ** لِيَ السِّدْرَ والأكفانَ عند فَنائيا
وخُطَّا بأطراف الأسنّة مضجَعي** ورُدّا على عينيَّ فَضْلَ رِدائيا
ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكما ** من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثوبي إليكما ** فقد كنتُ قبل اليوم صَعْباً قِياديا
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبَرتْ** سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى**وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجارِ وانيا
فَطَوْراً تَراني في ظِلالٍ ونَعْمَةٍ ** وطوْراً تراني والعِتاقُ رِكابيا
ويوما تراني في رحاً مُستديرةٍ ** تُخرِّقُ أطرافُ الرِّماح ثيابيا
وقوماً على بئر السُّمَينة أسمِعا ** بها الغُرَّ والبيضَ الحِسان الرَّوانيا
بأنّكما خلفتُماني بقَفْرةٍ ** تَهِيلُ عليّ الريحُ فيها السّوافيا
ولا تَنْسَيا عهدي خليليَّ بعد ما ** تَقَطَّعُ أوصالي وتَبلى عِظاميا
ولن يَعدَمَ الوالُونَ بَثَّا يُصيبهم ** ولن يَعدم الميراثُ مِنّي المواليا
يقولون: لا تَبْعَدْ وهم يَدْفِنونني ** وأينَ مكانُ البُعدِ إلا مَكانيا
غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسي على غدٍ ** إذا أدْلجُوا عنّي وأصبحتُ ثاويا
وأصبح مالي من طَريفٍ وتالدٍ ** لغيري، وكان المالُ بالأمس ماليا
فيا ليتَ شِعري هل تغيَّرتِ الرَّحا ** رحا المِثْلِ أو أمستْ بَفَلْوجٍ كما هيا
إذا الحيُّ حَلوها جميعاً وأنزلوا ** بها بَقراً حُمّ العيون سواجيا
رَعَينَ وقد كادَ الظلام يُجِنُّها ** يَسُفْنَ الخُزامى مَرةً والأقاحيا
وهل أترُكُ العِيسَ العَواليَ بالضُّحى ** بِرُكبانِها تعلو المِتان الفيافيا
إذا عُصَبُ الرُكبانِ بينَ (عُنَيْزَةٍ) ** و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقياتِ النَّواجِيا
فيا ليتَ شعري هل بكتْ أمُّ مالكٍ ** كما كنتُ لو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا
إذا مُتُّ فاعتادي القبورَ وسلِّمي**على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جرّتِ الريحُ فوقه**تُراباً كسَحْق المَرْنَبانيَّ هابيا
رَهينة أحجارٍ وتُرْبٍ تَضَمَّنتْ ** قرارتُها منّي العِظامَ البَواليا
فيا صاحبا إما عرضتَ فبلِغاً ** بني مازن والرَّيب أن لا تلاقيا
وعرِّ قَلوصي في الرِّكاب فإنها ** سَتَفلِقُ أكباداً وتُبكي بواكيا
وأبصرتُ نارَ (المازنياتِ) مَوْهِناً** بعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّرف رانيا
بِعودٍ أَلنْجوجٍ أضاءَ وَقُودُها ** مَهاً في ظِلالِ السِّدر حُوراً جَوازيا
غريبٌ بعيدُ الدار ثاوٍ بقفزةٍ ** يَدَ الدهر معروفاً بأنْ لا تدانيا
اقلبُ طرفي حول رحلي فلا أرى ** به من عيون المُؤنساتِ مُراعيا
وبالرمل منّا نسوة لو شَهِدْنَني ** بَكينَ وفَدَّين الطبيبَ المُداويا
فمنهنّ أمي وابنتايَ وخالتي ** وباكيةٌ أخرى تَهيجُ البواكيا
وما كان عهدُ الرمل عندي وأهلِهِ**ذميماً ولا ودّعتُ بالرمل قالِيا
ثانيا :رثاء الابن :
  1. قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه:
تعد قصيدة ابن الرومي في رثاء ابنه (محمد)من أشهر القصائد في رثاء الأبناء ،وهذه
القصيدة يمكن سماعها على الرابط :
وفيها يقول :
بكاؤكُما يشفي وإن كان لا يجدي *** فجودا فقد أودى نظيركمُا عندي
بُنَيَّ الذي أهدتهُ كفَّاي للثَّرَى *** فيا عزَّة َ المهدى ويا حسرة المهدي
ألا قاتل اللَّهُ المنايا ورميها *** من القومِ حَبّات القلوب على عَمدِ
توخَّى حِمَامُ الموت أوسطَ صبيتي *** فلله كيف اختار واسطة َ العقدِ
على حين شمتُ الخيرَ من لَمَحاتِهِ *** وآنستُ من أفعاله آية َ الرُّشدِ
طواهُ الرَّدى عنِّي فأضحى مَزَارهُ *** بعيداً على قُرب قريباً على بُعدِ
لقد أنجزتْ فيه المنايا وعيدَها *** وأخلفَتِ الآمالُ ماكان من وعدِ
لقد قلَّ بين المهد واللَّحد لبثُهُ *** فلم ينسَ عهد المهد إذ ضمَّ في اللَّحدِ
تنغَّصَ قَبلَ الرَّيِّ ماءُ حَياتهِ *** وفُجِّعَ منه بالعذوبة والبردِ
ألحَّ عليه النَّزفُ حتى أحالهُ *** إلى صُفرة الجاديِّ عن حمرة الوردِ
وظلَّ على الأيدي تساقط نَفْسْه *** ويذوِي كما يذوي القضيبُ من الرَّنْدِ
فَيالكِ من نفس تساقط أنفساً *** تساقط درٍّ من نِظَام بلا عقدِ
عجبتُ لقلبي كيف لم ينفطرْ لهُ *** ولو أنَّهُ أقسى من الحجر الصَّلدِ
بودِّي أني كنتُ قُدمْتُ قبلهُ *** وأن المنايا دُونهُ صَمَدَتْ صَمدِي
ولكنَّ ربِّي شاءَ غيرَ مشيئتي *** وللرَّبِّ إمضاءُ المشيئة ِ لا العبدِ
وما سرني أن بعتُهُ بثوابه *** ولو أنه التَّخْليدُ في جنَّة ِ الخُلدِ
ولا بعتُهُ طَوعاً ولكن غُصِبته *** وليس على ظُلمِ الحوداث من معدِي
وإنّي وإن مُتِّعتُ بابنيَّ بعده *** لَذاكرُه ما حنَّتِ النِّيبُ في نجدِ
وأولادنا مثلُ الجَوارح أيُّها *** فقدناه كان الفاجع البَيِّنَ الفقدِ
لكلٍّ مكانٌ لا يسُدُّ اختلالهُ *** مكانُ أخيه في جَزُوعٍ ولا جلدِ
هلِ العينُ بعدَ السَّمع تكفي مكانهُ *** أم السَّمعُ بعد العينِ يهدي كما تهدي
لَعمري لقد حالتْ بيَ الحالُ بعدهُ *** فيا ليتَ شِعري كيف حالتْ به بعدِي
ثَكلتُ سُرُوري كُلُّه إذْ ثَكلتُهُ *** وأصبحتُ في لذَّاتِ عيشي أَخا زُهدِ
أرَيحانة َ العَينينِ والأنفِ والحشا *** ألا ليتَ شعري هلْ تغيَّرتَ عن عهدي
سأسقيكَ ماءَ العين ما أسعدتْ به *** وإن كانت السُّقيا من الدَّمعِ لا تُجدي
أعينيَّ جودا لي فقد جُدتُ للثَّرى *** بأنفس ممَّا تُسأَلانِ من الرِّفدِ
أعينيَّ إنْ لا تُسعداني أَلُمْكُما *** وإن تُسعداني اليوم تَستوجبا حَمدي
عذرتُكما لو تُشغلانِ عن البكا *** بنومٍ وما نومُ الشَّجيِّ أخي الجَهدِ
أقرَّة َ عيني قدْ أطلت بُكاءها *** وغادرتها أقْذَى من الأعْيُنِ الرُّمدِ
أقرة عيني لو فَدى الحَيُّ ميِّتاً *** فديتُك بالحوبَاء أوَّلَ من يفدِي
كأني ما استَمْتَعتُ منك بنظرة *** ولا قُبلة ٍ أحلى مذَاقاً من الشَّهدِ
كأني ما استمتعتُ منك بضمّة ٍ *** ولا شمَّة ٍ في ملعبٍ لك أو مهدِ
ألامُ لما أُبدي عليك من الأسى *** وإني لأخفي منه أضعافَ ما أبدي
محمَّدُ ما شيءٌ تُوهِّم سلوة ً *** لقلبي إلاَّ زاد قلبي من الوجدِ
أرى أخويكَ الباقِيينِ فإنما *** يكونان للأحزَانِ أورى من الزَّندِ
إذا لعِبا في ملعب لك لذَّعا *** فؤادي بمثل النار عن غير ما قَصدِ
فما فيهما لي سَلوة ٌ بلْ حَزَازة ٌ *** يَهيجانِها دُوني وأَشقى بها وحدي
وأنتَ وإن أُفردْتَ في دار وحْشة ٍ *** فإني بدار الأنسِ في وحشة الفردِ
أودُّ إذا ما الموتُ أوفدَ مَعشَراً *** إلى عَسكر الأمواتِ أنِّي من الوفْدِ
ومن كانَ يَستهدي حَبِيباً هَديَّة ً *** فطيفُ خيالٍ منك في النوم أستهدي
عليك سلامُ الله مني تحيَّة ً *** ومنْ كل غيثٍ صادقِ البرْقِ والرَّعدِ
2- قصيدة أبي الحسن التهامي في رثاء ابنه:
دارت قصيدة رثاء الابن لأبي الحسن التهامي حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري ،وهي من بحر الكامل (1) حول ثلاث محاور رئيسة :
المحور الأول :رثاء ابنه ال صغير .
المحور الثاني :الافتخار بفضله .
المحور الثالث :شكوى من أحوال الزمان
وفيما يلي عرض لهذه القصيدة التي لجمالها أنشهدها الكثير منهم على سبيل المثال :
وإنشاد عبدالكريم مهيوب
إنشاد فالح القضاع
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري**ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً**حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها**صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها**مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
وَإِذا رَجَوتَ المُستَحيل فَإِنَّما**تَبني الرَجاءَ عَلى شَفيرٍ هارِ
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ**وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت**مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ
فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما**أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ
وَتَراكَضوا خَيلَ الشَبابِ وَبادِروا**إِن تُستَرَدَّ فَإِنَّهُنَّ عَواري
فالدهر يَخدَع بِالمني وَيغُصُّ إِن**هَنّا وَيَهدِمُ ما بَنى بِبوارِ
لَيسَ الزَمانَ وَإِن حرصت مُسالِماً**خُلُق الزَمانِ عَداوَة الأَحرارِ
إِنّي وُتِرتُ بِصارِمٍ ذي رَونَقٍ**أَعدَدتَهُ لِطِلابَةِ الأَوتارِ
أَثني عَلَيهِ بِأثرِهِ وَلَو أَنَّهُ**لَم يَغتَبِط أَثنَيتُ بِالآثارِ
لَو كنت تُمنَعُ خاض نحوكَ فَتية**مِنّا بحار عَوامِل وَشفارِ
وَدَحوا فُوَيقَ الأَرض أَرضاً مِن دَمٍ*ثُمَّ اِنثَنوا فَبَنوا سَماءَ غبارِ
قَومٌ إِذا لَبِسوا الدُروعَ حَسِبتَها**سُحُباً مزرَّرَة عَلى الأَقمارِ
وَتَرى سيوفَ الدارِعينَ كَأَنَّها**خَلج تَمُدُّ بِها أَكُفَّ بِحارِ
لَو أَشرَعوا أَيمانِهِم مِن طولِها**طَعَنوا بِها عوض القَنا الخَطَّارِ
شَوسٌ إِذا عدموا الوَغى انتَجَعوا لَها**في كُلِّ أَوبٍ نَجعَة الأَمطّارِ
جنبوا الجِيادَ إِلى المُطيِّ وَراوجوا**بَينَ السُروجِ هُناكَ وَالأَكوارِ
فَكَأَنَّما مَلأوا عِياب دروعهم**وَغمود أَنصلهم سَراب قِفارِ
وَكَأَنَّما صَنع السَوابِغ عَزَّهُ**ماء الحَديد فَصاعَ ماءَ قِرارِ
زَرَداً فَأحكم كل موصل حَلقَةٍ**بِجُبابَة في مَوضع المُسمارِ
فَتَدَرَّعوا بمتون ماء جامِدٍ**وَتَقنَّعوا بِحَباب ماء جاري
أسد ولكن يؤثرونَ بِزادِهِم**وَالأسد لَيسَ تدين بالإِيثارِ
يَتَزَّيَنُ النادي بِحُسنِ وُجوهِهِم**كَتَزَيُّنِ الهالاتِ بالأَقمارِ
يَتَعَطَّفونَ عَلى المَجاوِر فيهِم**بالمنفسات تعطُّف الآظارِ
مِن كل مَن جَعلَ الظُبى أَنصارَهُ**وَكرُمنَ فاِستَغنى عَنِ الأَنصارِ
وَاللَيثُ إِن بارَزتُهُ لَم يَعتَمِد**إِلّا عَلى الأَنيابِ وَالأَظفارِ
وَإِذا هوَ اعتَقَلَ القَناة حَسِبتُها**صِلاً تأبَّطُهُ هزبَرٌ ضاري
زَرَدُ الدِلاصِ مِنَ الطِعانِ بِرُمحِهِ**مِثلَ الأَساوِر في يد الإِسوارِ
وَيَجُرُّ حينَ يُجَرُّ صَعدَةَ رُمحِهِ**في الجَحفَلِ المُتَضائِق الجِرارِ
ما بَينَ ثَوبٍ بِالدماءِ مُلَبَّدٍ**زَلقٍ وَتَقَع بِالطِرادِ مثارِ
وَالهَون في ظِلِّ الهوَينا كامِنٌ**وَجَلالَة الأَخطارِ في الإِخطارِ
تندى أسرة وَجهِهِ وَيَمينَهُ**في حالَةِ الإِعسارِ والإِيسارِ
وَيَمُدُّ نَحوَ المَكرُماتِ أَنامِلاً**لِلرِزقِ في أَثنائِهِنَّ مَجاري
يَحوي المَعالي كاسِباً أَو غالِباً**أَبداً يُدارى دونَها وَيُداري
قَد لاحَ في لَيلِ الشَبابِ كَواكِبٌ**إِن أَمهلت آلَت إِلى الإِسفارِ
يا كَوكَباً ما كانَ أَقصَرَ عُمرَهُ**وَكَذاكَ عُمرُ كَواكِبِ الأَسحارِ
وَهلال أَيّامٍ مَضى لَم يَستَدِر**بَدراً وَلَم يمهل لِوَقت سِرارِ
عَجِلَ الخُسوف عَلَيهِ قَبلَ أَوانِهِ**فَمَحاهُ قَبلَ مَظَنَّة الإِبدارِ
واستَلَّ مِن أَترابِهِ وَلِداتِهِ**كَالمُقلَةِ استَلَت مِنَ الأَشفارِ
فَكَأَنَّ قَلبي قبره وَكَأَنَّهُ**في طَيِّهِ سِرٌّ مِنَ الأَسرارِ
إِن يُحتقر صِغَراً فَرُبٌ مُفَخَّمٍ**يَبدو ضَئيل الشَخصِ لِلنُّظّارِ
إِنَّ الكَواكِبِ في عُلُوِّ مَكانِها**لَتُرى صِغاراً وَهيَ غَيرُ صِغارِ
ولدُ المُعَزّى بَعضه فَإِذا مَضى**بَعضُ الفتى فَالكُلُّ في الآثارِ
أَبكيهِ ثُمَّ أَقولُ مُعتَذِراً لَهُ**وُفِّقتَ حينَ تَرَكتَ آلامَ دارِ
جاوَرتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّهُ**شَتّان بَينَ جِوارِهِ وَجِواري
أَشكو بُعادك لي وَأَنت بَمَوضِعٍ**لولا الرَدى لَسَمِعتَ فيهِ سَراري
وَالشَرق نَحوَ الغَربِ أَقرَبُ شُقة**مِن بُعدِ تِلكَ الخَمسَةِ الأَشبارِ
هَيهات قَد علقتك أَشراك الرَدى**واعتاقَ عُمرَكَ عائِق الأَعمارِ
وَلَقَد جَرَيتَ كَما جريتُ لِغايَةٍ**فبلغتها وَأَبوكَ في المِضمارِ
فَإِذا نَطَقتُ فَأَنت أَوَل مَنطِقي**وَإِذا سكت فَأَنتَ في إِضماري
أَخفي مِنَ البُرَحاء ناراً مِثلَما**يَخفى مِنَ النارِ الزِنادَ الواري
وَأُخَفِّضُ الزَفرات وَهيَ صَواعِدٌ**وَأُكَفكِفُ العَبرات وَهيَ جَواري
وَشِهابُ زَندِ الحُزنِ إِن طاوَعتُهُ**وَآرٍ وَإِن عاصَيتَهُ مُتَواري
وَأَكُفُّ نيران الأَسى وَلَرُبَّما**غلب التَصَبُّر فارتَمَت بِشَرارِ
ثَوب الرِياء يَشِفُّ عَن ما تَحتَهُ**فَإِذا التحفت بِهِ فَإِنَّكَ عاري
قَصُرت جُفوني أَم تَباعَد بَينَها**أَم صُوِّرت عَيني بِلا أَشفارِ
جَفَت الكَرى حَتّى كَأَنَّ غراره**عِندَ اِغتِماضِ العَينَ حد غِرارِ
وَلَو اِستَزارَت رقدة لَدَجابِها**ما بَينَ أَجفاني إِلى التَيّارِ
أُحَيي لَيالي التَمِّ وَهيَ تُميتُني**وَيُميتُهُنَّ تبلج الأَنوارِ
حَتّى رَأَيتُ الصُبحَ يَرفَعُ كفه**بِالضوءِ رَفرَف خيمَة كالقارِ
وَالصُبحُ قَد غمر النُجوم كَأَنَّهُ**سيل طَغى فَطمى عَلى النَوارِ
وَتلهُّب الأَحشاء شَيَّب مفرقي**هَذا الضِياء شَواظ تِلكَ النارِ
شابَ القذال وَكُلُّ غُصنٍ صائِرٍ**فينانه الأَحوى إِلى الإِزهارِ
وَالشِبه مُنجَذِبٌ فَلِم بَيضُ الدُمى**عَن بَيضِ مفرقه ذَوات نِفارِ
وَتَوَدُّ لَو جعلت سواد قُلوبِها**وَسواد أَعيُنها خِضاب عِذاري
لا تَنفِر الظَبَياتُ عَنه فَقَد رأت**كَيفَ اختِلاف النَبت في الأَطوارِ
شَيئانِ يَنقَشِعانِ أَوَّل وَهلَةٍ**ظِلُّ الشَبابِ وَخِلَّةُ الأَشرارِ
لا حَبَّذا الشيب الوَفيُّ وَحَبَّذا**شَرخ الشَبابِ الخائِنِ الغَدّارِ
وَطري مِنَ الدُنيا الشَباب وَروقه**فَإِذا اِنقَضى فَقَد انقَضَت أَوطاري
قصرت مَسافَته وَما حَسَناتُهُ**عِندي وَلا آلاؤُهُ بِقِصارِ
نَزدادُ هَمّاً كُلَمّا اِزدَدنا غِنَىً**وَالفَقرُ كُلَّ الفَقرِ في الإِكثارِ
ما زادَ فَوق الزادِ خُلِّف ضائِعاً**في حادِثٍ أَو وارِث أَو عاري
إِنّي لأَرحَم حاسِديَّ لِحَرِ ما**ضَمَّت صُدورُهُم مِنَ الأَوغارِ
نَظَروا صَنيعَ اللَهِ بي فَعُيونُهُم**في جَنَّةٍ وَقُلوبهم في نارِ
لا ذَنبَ لي كَم رمت كتم فَضائِلي**فَكَأَنَّما برقعت وَجه نَهاري
وَسترتها بِتَواضعي فَتطلَّعت**أَعناقها تَعلو عَلى الأَستارِ
وَمِنَ الرِجال مَعالِم وَمَجاهِل**وَمِنَ النُجومِ غَوامِض وَداري
وَالناسُ مُشتَبِهونَ في إِيرادِهِم**وَتَباين الأَقوامِ في الإِصدارِ
عَمري لَقَد أَوطأتُهُم طُرق العُلى**فَعَموا وَلَم يَقَعوا عَلى آثاري
لَو أَبصَروا بِقُلوبِهِم لاستَبصَروا**وَعمى البَصائِرِ مَن عَمى الأَبصارِ
هَلّا سَعوا سَعيَ الكِرامِ فَأَدرَكوا**أَو سَلَّموا لِمَواقِعِ الأَقدارِ
ذهب التَكرم وَالوَفاء مِنَ الوَرى**وَتصرَّما إِلّا مِنَ الأَشعارِ
وَفَشَت خِيانات الثِقاتِ وَغيرهم**حَتّى أتَّهمنا رُؤية الأَبصارِ
وَلَرُبَّما اعتَضد الحَليم بِجاهِلٍ**لا خَير في يُمني بِغَيرِ يَسارِ
لِلَّهِ دُرُّ النائِباتِ فَإِنَّها**صَدأُ اللِئامِ وَصيقل الأَحرارِ
هَل كنت إِلّا زَبرَةً فَطَبَعنَني**سَيفاً وَأطلق صرفهن غراري
زَمن كأمِّ الكلب تر أُم جروها**وَتصد عَن ولد الهزبر الضاري
3- رثاء أبي ذؤيب الهذلي لأبنائه:
رثى أبو ذويب الهذلي أبناءه الخمس في قصيدة يمكن سماعها بصوت ظفر بن راشد على الرابط
:
وفيها يقول :
أودَى بنيَّ و أعقبوني حسرة**بعد الرقاد و عبرةً لا تُقلـع
ولقد أرى أن البكـاء سفاهة**ولسوف يُولع بالبكى من يُفجع
فغَبَرت بعدهم بعيش ناصـب**وأخال أني لاحـقٌ مستتبِـع
ولقد حرصتُ بأن أدافع عنهم**فإذا المنيَّـة أقبلت لا تُدفـع
وإذا المنية أنشبـت أظفارها**ألفيـت كل تميمـة لا تنفـع
فالعيـن بعدهم كأن حداقـها**سُملت بشوك فهي عُود تَدمع
حتى كأني للحـوادث مروة**بصفا المشرق كل يوم تقـرع
وتجلـدي للشامتين أريهـم**أني لريب الدهـر لا أتضعضع
والنفـس راغبة إذا رغَّبتها**وإذا تُـردُ إلى قليـل تقنـع
والدهـر لا يبقى على حدثانه**جَوْنُ السراةِ له جدائـل أربع
صخِب الشوارب لا يزال كأنه**عبـدٌ لآل أبي ربيعـة مسبَع
فلبثـن حيناً يعْتلجن بروضة**فيجد حينا في العلاج ويشَمَعْ
والدهـر لا يَبْقى على حدثانه**شَبَبٌ أفـزّته الكلاب مُـروِّع
سعف الكلابُ الضاريات فؤاده**فإذا يُرى الصبحَ المصدّق يَفزع

ثالثا :رثاء الأخ :
شعر الخنساء في رثاء أخيها صخر والتي يمكن سماعها بصوت فالح محمد القضاع. على الرابط : الخنساء في رثاء صخر - بصوت فالح القضاع
قذى بعينكِ أمْ بالعينِ عـوَّارُ ** أمْ ذرَّفتْ إذْ خلتْ منْ أهلهَا الدَّارُ
كانَّ عيني لذكـراهُ إذَا خطرتْ ** فيضٌ يسـيلُ علَى الخدَّينِ مدرارُ
تبكي لصخرٍ هي العبرَى وَقدْ ولهتْ ** وَدونـهُ منْ جديدِ التُّربِ أستارُ
تبكي خناسٌ فما تنـفكُّ مَا عمرتْ ** لَها عليهِ رنـينٌ وَهيَ مفتـارُ
تبكي خناسٌ علَى صـخرٍ وحقَّ لهَا ** إذْ رابـهَا الدَّهـرُ إنَّ الدَّهـرَ ضـرَّارُ
لاَ بدَّ منْ ميـتةٍ في صرفهَا عبرٌ ** وَالدَّهرُ في صرفهِ حولٌ وَأطوارُ
قدْ كانَ فيكمْ أبـو عمـرٍو يسودكمُ ** نعمَ المعمَّمُ للدَّاعـينَ نصَّـارُ
صـلبُ النَّـحـيزةِ وَهَّـابٌ إذَا منـعُوا ** وَفي الحـروبِ جريءُ الصَّدرِ مهصارُ
يا صخرُ ورَّادَ مــاءٍ قدْ تـنـاذرهُ ** أهلُ المواردِ مَا في وردهِ عارُ
مشَي السَّبنـتى إلى هيـجاءِ معضلةٍ ** لهُ سلاحانِ أنيابٌ وَأظـفارُ
وَما عجولٌ علَى بوٍ تطـيـفُ بـهِ ** لهَا حنـيـننانِ إعلانٌ وَإسرارُ
ترتـعُ مَا رتعـتْ حتَّى إذا ادّكرتْ ** فإنَّـنما هيَ إقـبالٌ وَإدبـارُ
لاَ تسمنُ الدَّهرَ في أرضٍ وَإنْ رتـعتْ ** فإنَّـما هيَ تـحـنانٌ وَتسجارُ
يوماً بأوجدَ منّي يـومَ فارقني ** صخـرٌ وَللـدَّهرِ إحلاءٌ وَإمرارُ
وإنَّ صخراً لواليـنَا وَسيّـدنَا ** وإنَّ صخراً إذَا نـشتُـو لنحَّـارُ
وإنَّ صخراً لـمقدامٌ إذَا ركبـوا ** وإنَّ صـخراً إذَا جاعُـوا لعقّارُ
وإنَّ صخراً لتأتـمُّ الهـداةُ بـهِ ** كأنَّـهُ علمٌ في رأسـهِ نـارُ
جلـدٌ جميـلُ المحـيَّا كاملٌ ورعٌ ** وَللحروبِ غـداةََ الـرَّوعِ مسعـارُ
حمَّالُ ألويةٍ هـبّــَاطُ أوديـةٍ ** شهَّادُ أنـديـةٍ للجـيشِ جرَّارُ
فقلتُ لمَّا رأيـتُ الدَّهرَ ليسَ لهُ ** معاتـبٌ وحدهُ يسدي وَنيَّـارُ
لقدْ نعى ابنُ نهيكٍ لي أخاَ ثـقـةٍ ** كانتْ ترجَّـمُ عـنهُ قبلُ أخبارُ
فبـتُّ ساهـرةً للنَّجمِ أرقـبهُ ** حتَّى أتَى دونَ غورِ النَّجمِ أستارُ
لمْ ترهُ جارةٌ يمـشِي بساحتهَا ** لريبةٍ حـينَ يخـلِي بيـتهُ الجارُ
ولا تراهُ وما في البيـتِ يأكلهُ ** لكنَّهُ بارزٌ بالصَّحنِ مهمـارُ
ومطعمُ القومِ شحماً عندَ مسغبهمْ ** وَفي الجدوبِ كريمُ الجدِّ ميسارُ
قدْ كانَ خالصتي منْ كلِّ ذي نسبٍ ** فقدْ أصيبَ فما للعـيشِ أوطارُ
مثلَ الرُّدينيِّ لمْ تنـفـدْ شبيـبتهُ ** كأنَّهُ تـحتَ طيِّ البـردِ أسوارُ
جهمُ المحيَّا تضيءُ اللَّيل صورتهُ ** آباؤهُ منْ طوالِ السَّـمكِ أحرارُ
مورَّثُ المجـدِ ميمـونٌ نقيبتهُ ** ضخمُ الدَّسيـعـةِ في العـزَّاءِ مغوارُ
فـرعٌ لفرعٍ كريمٍ غيـرِ مؤتشبٍ ** جلدُ المريرةِ عندَ الجمعِ فخَّـارُ
في جوفِ لحـدٍ مقيمٌ قدْ تضمَّـنهُ ** في رمسهِ مقمطرَّاتٌ وَأحجارُ
طلقُ اليدينِ لفعلِ الخـيـرِ ذو فجـرٍ ** ضخمُ الدَّسيـعةِ بالـخيراتِ أمَّـارُ
ليبكهِ مقتـرٌ أفنى حريبـتهُ ** دهرٌ وَحالفهُ بؤسٌ وَإقتـارُ
ورفقةٌ حارَ حاديهـمْ بمهلكةٍ ** كأنَّ ظلمتَها في الطّـخيةِ القارُ
لا يمنعُ القومَ إنْ سألوهُ خلعـتهُ ** وَلاَ يـجاوزهُ باللَّـيـلِ مـرَّارُ”
رابعًا – رثاء الأم :
  1. قصيدة أبو العتاهية يرثي فيها أمه:
ويمكن سماعها على الرابط التالي :
رحلت يا أمي قصيدة مبكية لأبي العتاهية
  1. [HEADING=1]رثاء الأم لابن الرومي:[/HEADING]
يقول ابن الرومي في رثاء زوجته :
أفيضا دماً إنَّ الرزايا لها قِيم
فليس كثيراً أن تجودا لها بِدم
ولاتستريحا من بُكاء إلى كرًى
فلا حمد مالم تُسعداني على السأم
ويا لذة العيشِ التي كنتُ أرتضي
تقطَّعَ مابيني وبينكِ فانصرمُ
رُميتُ بخطٍ لا يقوم لمثله
شرَوْرَى ولارَضْوَى ولا الهَضْبُ من خيم
بأنكر ذي نُكرْ وأقطعَ ذي شباً
وأمقر ذي طعم وأوخم ذي وَخَمْ
رزيئة ِ أمٍّ كنتُ أحيا بِرُوحِها
وأستدفعُ البلوى وأستكشفُ الغُمم
وما الأم إلا إمَّة في حياتها
وأم إذا فادتْ وما الأم بالأمَم
بنفسي غداة الأمس من بانَ من غدٍ
وبتَّ مع الأمسِ القرينة فانجذم
ولما قضى الحاثونَ حَثْوَ ترابِهم
عليها وحالتْ دونها مِرَّة الوذم
أظلَّتْ غواشي رحمة الله قبرَها
فأضحى جناباهُ من النارِ في حرم
أقولُ وقد قالوا أتبكي كفاقدٍ
رضاعاً وأين الكهلُ من راضع الحلم
هي الأم يا للنَّاس جُرعت ثُكْلَها
ومن يبك أُمًّا لم تُذَم قَطُّ لا يذَم
فقدتُ رضاعاً من سُرورٍ عهدتُها
تُعللِّنيه فانقضى غيرَ مستتم
رضاعُ بناتِ القلبِ بان بِبَيْنِها
حَمِيداً وما كُلُّ الرَّضاعِ رضاعُ فم
إلى الله أشكو جهد بلواي إنه
بمستمعِ الشكوى ومُستَوهب العصمْ
وإني لم إيتم صغيراً وإنني
يتمتُ كبيراً أسوأ اليُتْم واليَتم
على حين لم ألق المصيبة جاهلاً
ولا آهلاً والدَّهرُ دهرٌ قد اعترمْ
أُقاسي وصِنْوي منه كلَّ شديدة
تُبرحُ بالجَلْدِ الصَّبورِ وبالبرم
خَلِيلَّي هذا قبرُ أمي فورِّعا
من العَذْل عني واجعلا جابتي نَعم
فما ذَرفْت عيني على رسمِ منزلٍ
ولاعكفَتْ نفسي هناك على صنم
خليليَّ رِقّا لي أعِينا أخاكما
نَشَدْتُكما مَنْ تَرْعيانِ مِنَ الحُرم
أمِنْ كَرَى الشكوى تَمَلاَّني جُزْتُما
سبيل اغتنامِ الحمد والحمدُ يُغْتنَم
فكيف اصطباري للمُصابِ وأنتما
تَمَلاَّنِ شكواهُ وفي جانبي ثَلم
عجبتُ لذي سمع يملُّ شِكاية ً
ويعجبُ من صَدْرٍ يضيقُ بما كظم
ألا رُبَّ أيام سَحَبْتُ ذُيولَها
سليماً من الأرزاء أملسَ كالزُّلم
أُرشِّحُ آمالاً طِوالاً وأجتني
جنى العيشِ في ظل ظليلٍ من النِّعم
ولو كنتُ أدْرِي أنَّ ماكانَ كائنٌ
لقُمْتُ لِرَوْعاتِ الخُطوب على قدم
غدا يَقْسمُ الأسواءَ قَسْمَ سويَّة ٍ
وماعَدْلُ من سوَّى وسوّاءُ ماقسم
تعُمُّ ببلواهُ يد منه سُلْطة
يصول بها فظٌ إذا اقْتَدَرَ اهْتَضَم
وليستْ من الأيدي الحميد بلاؤها
يدٌ قسمتْ سُوءاً وإن سوّتِ القَسَمْ
أمالَ عُروشي ثم ثنَّى بَهدْمِها
وكم من عُروشٍ قد أمال وقد هَدَم
وأصبح يُهدي لي الأسى متَنَصِّلاً
فمِنْ سُوقة ٍ أرْدَى ومِن مَلِكٍ قصم
وإنِّي وإنْ أهْدى أُساه لساخطٌ
عليه ولكن هل من الدهر منتقم
كأنَّ الفتى نصبَ الليالي بنية ٌ
فليس كثيراً أن تَجُودَا لها بِدمْ
أمالَ عُروشي ثم ثنَّى بَهدْمِها
وكم من عُروشٍ قد أمال وقد هَدَم
وأصبح يُهدي لي الأسى متَنَصِّلاً
فمِنْ سُوقة ٍ أرْدَى ومِن مَلِكٍ قصم
وإنِّي وإنْ أهْدى أُساه لساخطٌ
عليه ولكن هل من الدهر منتقم
كأنَّ الفتى نصبَ الليالي بنية
بمُصْطَفِق من موج بحْر ومُلْتَطم
تقاذفُ عنها موجة ٌ بعد موجة
إلى موجة تأتي ذُراها من الدِّعم
كذاك الفتى نَصْب الليالي يمُرها
إلى ليلة ترمي به سالفَ الأُمم
يُخَبِّرك أنَّ الموتَ رَسْمٌ مؤبد
ولن تعدو الرسمَ القديم الذي رسَمَ
رأيتُ طويلَ العُمْرِ مثلَ قصيرهِ
إذا كان مُفْضاه إلى غاية ٍ تُؤم
وما طولُ عمر لا أبا لك ينقضي
وماخيرُ عيشٍ قصُر وجدانه العدم
ألا كلُّ حيٍّ ماخلا الله مَيِّتٌ
وإن زعمَ التأميلَ ذو الإفك مازعم
يروحُ ويغدو الشيء يُبنَى فربمّا
جنى وهْيَهُ الباني وإن أُغْفِلَ انهدم
إذا أخطأتْهُ ثُلمة ٌ لا يجرُّها
له غيرهُ جاءتْه من ذاته الثُّلمَ
تُضَعْضِعُهُ الأوقاتُ وهْي بقاؤهُ
وتغتاله الأقواتُ وهْي له طُعم
3- رثاء الشاعر حيدر الغدير لأمه
-قال الشاعر حيدر الغدير في رثاء أمه (رحمها الله )
قد كنتُ أرجو أن أضمَّ ثراك
وترينني قبلَ الردى وأراك
وأقبّلَ الكفَ الطهور متمتماً
بالآي آمل أن أحوز رضاك
وأنام بين يديك نومةَ هانئ
وكأنني وبيَ المشيب فتاك
وكأنني الطفل الذي رضع الهدى
والدَرَّ منك ودفأه وحجاك
وتجول في الوجه المكرم مقلتي
وتجول فيّ سعيدةً عيناك
لكنْ سبقتِ وكلنا في رحلة
يجتازها الراضي بها والشاكي
• • •
بوركتِ يا أماه كنتِ أبيةً
ومُناك عالية سمتْ ومداك
أيقنتِ أن العمر برق خلّب
فزهدتِ زهد الصِّيد والنسّاك
وجعلتِ للرحمن أمرك كلَّه
في النعميات البيض والأشواك
ونسجتِ من زَرَدِ التوكل بُرْدةً
قد أحكمتها فاستوت كفاك
وبلغتِ بالعزم العنيد المرتقى
وغلبت بالصبر الجميل أساك
وصبرتِ والأهوال حولك جمةٌ
صَبْرَ الحرائر في الأذى الفتاك
تترى وأَنت عنيدةٌ ورضيةٌ
والحمد قد لهجتْ به شفتاك
حتى لقيتِ الموتَ مُنْيةَ وامقٍ
فأتيته مشتاقةً وأتاك
ووجدتِ في القبر المنوَّر روضةً
طابت بعاقبةِ التقى وشذاك
ممطورةً بالآيِ قد رتَّلتِها
وجزيلِ ما جادت به يمناك
والشكرِ قد أُشْرِبْتِه وعشقتهِ
فغدا لك الكنزَ الذي أعلاك
والشوقِ للفردوس وَهْوَ المنتهى
إني لأقسم أنه مثواك
• • •
وتعودُ بي الذكرى فتورق فرحتي
((والذكريات صدى السنين الحاكي))
والذكريات كثيرةٌ وأجلّها
لما رأيتُ الحجَ قد ناداك
فعدتكِ أشواق وسالت دمعة
وتزاحمت في أصغريك رؤاك
فغدا لك الحلم الأثيرَ ومُنْيَةً
ممساكِ صدّاحٌ بها وضُحاك
وأتيتُ أسألكِ الأناةَ فقلتِ لي
محمومةً والشوقُ قد أضناك
الحجُ أكرمُ أمنياتي إنها
أبداً معي في هدأتي وحَراكي
كيف القرارُ إذنْ وإن خواطر
يتعدو كأني في جناح مَلاك
وهرعتِ والشوقُ القديمُ مطيةٌ
وسنا التوكل والرضا يرعاك
تبكين من فرحٍ وأكرمُ مدمع
ما سال من عين السعيد الباكي
ورجعتِ تطوين الزمان صبيةً
تتقافزين بفرحةٍ تغشاك
ورأيتِ بيتَ الله فانهلَّ الرضا
كالغيثِ في ريعانه فرواك
وبسمتِ والرضوانُ فيك غلالةٌ
وسألتِ مالكه الرضا فحباك
شرفَ القبول فعدتِ تسبقك المنى
والبشرياتُ بعطرهن الزاكي
يهتفن إن الله جَل جلاله
أعطاك يا أماه كل مناك
فرجعتِ مَحْضَ السعدِ في محضِ الرضا
عيناك تشكر ربّها ويداك
• • •
أما الدعاءُ وأنتِ مَنْ أدمنتِه
فغدا المنى محبورةً وشِفاك
وغدا نجيّك حيث كنت ورحلةً
تجدين فيها كالشِهاد هَناك
أسرى بروحك في مفازات الهدى
فوجدتِ في آلائها بُشْراك
وطمعتُ فيك ويا له من مطمع
أن تجعلي لي حصةً بدعاك
فهششتِ لي وبششتِ لي ودعوتِ لي
وأجدتِ ثم أطلتِ لي بثناك
فشعرتُ أن مكاسبي لا تنتهي
وشعرت أني في ذرى الأفلاك
وأنا المظفّر بالذي هتفتْ به
شفتاكِ والودُّ الذي أصفاك
أترينني أنساكِ كلا والذي
خلق الوفاء الحرَّ لنْ أنساك
وأنا الوفيّ وتعلمين شمائلي
وَهْيَ التي شبّت على نعماك
سأظلّ أهتف بالدعاء لك المدى
وتظلّ فيَّ طريةً ذكراك
• • •
أماه إن الموتَ غايتنا التي
تطوي قناةَ البَرِّ والأفاك
والموتُ صيّادٌ يصيدُ بسهمه
حيناً وأحياناً بدون شباك
لا بدّ من لقياه يوماً فارقبي
مَنْ كان ذا بِرٍّ ومن أشقاك
فيفوزُ ميمونٌ ويخسرُ فاجرٌ
ألف العقوقَ وعارَه وعصاك
والحشرُ موعدُ صادقٍ ومنافقٍ
وأخي البكاء الحق والمتباكي
والسارقِ الأموالَ وَهْيَ أمانةٌ
جهراً ويزعم أنه لبّاك
والكاذبِ النمام يسعى بالأذى
لعدايَ في أحقاده وعِداك
والمفتري زوراً وفي أحشائه
حسد يؤرّقه يريد هلاكي
والعابدِ الأهواءَ قد أزرتْ به
تجتاحه في قسوة ودِراك
والجاحدِ النعمَ الجزيلةَ حازها
من غيره فأتته دون عِراك
والصامتِ المزجي الكرائمَ يبتغي
وجهَ الكريم البرّ ثم رضاك
• • •
أماه إن عزَّ اللقاء وفاتني
فغداً يطيب على الجنان لقاك(2)
4- رثاء الأم لمحمود سامي البارودي
رثى الشاعر محمود سامي البارودي أمه فقال :
هوى كانَ لي أنْ ألبسَ المجدَ معلماً
فلما ملكتُ السبقَ عفتُ التقدما
وَمَنْ عَرفَ الدُّنْيَا رَأَى مَا يَسُرُّه
منَ العيشِ هماً يتركُ الشهدَ علقما
وَ أيُّ نعيمٍ في حياة وراءها
مَصَائِبُ لَوْ حَلَّتْ بِنجْمٍ لأَظْلَمَا
إذا كانَ عقبى كلَّ حيًّ منية ٌ
فَسِيَّانِ مَنْ حَلَّ الْوِهَادَ وَمَنْ سَمَا
ومن عجبٍ أنا نرى الحقَّ جهرة ٌ
وَنَلْهُو، كَأَنَّا لاَ نُحَاذِرُ مَنْدَمَا
يودُّ الفتى في كلَّ يومٍ لبانة ً
فإنْ نالها أنحى لأخرى وصمما
طماعة نفسٍ توردُ المرءَ مشرعاً
منَ البؤسِ لا يعدوهُ أوْ يتحطما
أَرَى كُلَّ حَيٍّ غَافِلاً عَنْ مَصِيرِهِ
وَلَوْ رَامَ عِرْفَانَ الْحَقِيقَة لانْتَمَى
فَأَيْنَ الأُلَى شَادُوا وَبَادُوا؟ أَلَمْ نَكُنْ
نحلُّ كما حلوا ونرحلُ مثلما؟
مَضَوْا وَعَفَتْ آثارُهُمْ غَيْرَ ذُكْرَة ٍ
تُشِيدُ لَنَا مِنْهُمْ حَدِيثاً مُرَجَّمَا
سلِ الأورقَ الغريدَ في عذباتهِ
أَنَاحَ عَلَى أَشْجَانِهِ، أَمْ تَرَنَّمَا؟
تَرَجَّحَ فِي مَهْدٍ مِنَ الأَيْكِ، لا يَنِي
يميلُ عليهِ مائلاً وَمقوا
ينوحُ على َ فقدِ الهديلِ ولمْ يكنْ
رآهْ، فيا للهِ! كيفَ تهكما؟
وَشَتَّانَ مَنْ يَبْكِي عَلَى غَيْرِ عِرْفَة
جزافاً ومنْ يبكي لعهدٍ تجرما
لَعَمْرِي لَقَدْ غَالَ الرَّدَى مَنْ أُحِبُّهُ
وكانَ بودي أنْ أموتَ وَ يسلما
وأيُّ حياة بعد أم فقدتها
كَمَا يفْقِدُ الْمَرْءُ الزُّلاَلَ عَلَى الظَّمَا
تَوَلَّتْ، فَوَلَّى الصَّبْرُ عَنِّي وَعَادَنِي
غرامٌ عليها، شفَّ جسمي وأسقما
وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ ذُكْرَة ٌ تَبْعَثُ الأَسى
وَطَيْفٌ يُوَافِيني إِذَا الطَّرْفُ هَوَّمَا
وكانتْ لعيني قرة ولمهجتي
سروراً، فخابَ الطرفُ والقلبُ منهما
فَلَوْلاَ اعْتِقَادِي بِالْقَضَاءِ وَحُكْمِهِ
لقطعتُ نفسي لهفة وتندما
فيا خبراً شفَّ الفؤادَ، فأوشكتْ
سويدَاؤهُ أنْ تستحيلَ، فتسجما
إِلَيْكَ، فَقَدْ ثَلَّمْتَ عَرْشاً مُمنَّعاً
وفللتَ صمصاماً وذللتَ ضيغما
أشادَ بهِ الناعي وكنتُ محارباً
فألقيتُ منْ كفى الحسامَ المصمما
وَطَارَتْ بِقَلْبِي لَوْعَة ٌ لَوْ أَطَعْتُهَا
لأَوْشَكَ رُكْنُ الْمَجْدِ أَنْ يَتَهَدَّمَا
وَلَكِنَّنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي، لأَنْثَنِي
عنِ الحربِ محمودَ اللقاءِ مكرما
فَلَمَّا اسْتَرَدَّ الْجُنْدَ صِبْغٌ مِنَ الدُّجَى
وعاد كِلاَ الْجَيْشَيْن يَرْتَادُ مَجْثِمَا
صَرَفْتُ عِنَانِي رَاجِعاً ومَدَامِعِي
على َ الخدَّ يفضحنَ الضميرَ المكتما
فَيَا أُمَّتَا زَالَ الْعَزَاءُ وَأَقْبَلَتْ
مَصَائِبُ تَنْهَى الْقَلْبَ أَنْ يَتَلَوَّمَا
وَكُنْتُ أَرَى الصَّبْرَ الْجَمِيلَ مَثُوبَة ً
فَصِرْتُ أَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَأْثَمَا
وكيفَ تلذُّ العيشَ نفسٌ تدرعتْ
منَ الحزنِ ثوباً بالدموعِ منمنما؟
تألمتُ فقدانَ الأحبة جازعاً
ومنْ شفهُ فقدُ الحبيبِ تألما
وقدْ كنتُ أخشى أنْ أراكِ سقيمة ً
فكيفَ وقدْ أصبحتِ في التربِ أعظما؟
بَلَغْتِ مَدَى تِسْعِينَ فِي خَيْرِ نِعْمَةٍ
ومنْ صحبَ الأيامَ دهراً تهدما
إِذَا زَادَ عُمْرُ الْمَرْءِ قَلَّ نَصِيبُهُ
منَ العيش والنقصانُ آفة من نما
فيا ليتنا كنا تراباً ولمْ نكنْ
خلقنا ولمْ نقدمْ إلى الدهرِ مقدما
أَبَى طَبْعُ هَذَا الدَّهْرِ أَنْ يَتَكَرَّمَا
وَكَيْفَ يَدِي مَنْ كَانَ بِالْبُخْلِ مُغْرَمَا؟
أَصَابَ لَدَيْنَا غِرَّة، فَأَصَابَنَا
وَأَبْصَرَ فِينَا ذِلَّة؛ فَتَحَكَّمَا
وَ كيفَ يصونُ الدهرُ مهجة َ عاقلٍ
وقدْ أهلكَ الحيينِ: عاداً وجرهما
هوَ الأزلمُ الخداعُ، يحفرُ إنْ رعى
وَيَغْدِرُ إِنْ أَوْفَى ويُصْمِي إِذَا رَمَى
فَكَمْ خَانَ عَهْداً واسْتَبَاحَ أَمَانَة ً
وأخلفَ وعداً واستحلَّ محرما
فإنْ تكنِ الأيامُ أخنتْ بصرفها
عَلَيَّ، فَأَيُّ النَّاسِ يَبْقَى مُسَلَّمَا؟
وإني لأدري أنَّ عاقبة الأسى
وإِنْ طَال لاَ يُرْوِي غَلِيلاً تَضَرَّمَا
وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَرَى الصَّبْرَ سُبَّة ً
عَلَيْهَا وَتَرْضَى بِالتَّلَهُّفِ مَغْنَمَا
وَكَيْفَ أَرَانِي نَاسِياً عَهْدَ خُلَّة
ألفتُ هواها: ناشئاً ومحكما
وَلَوْلاَ أَلِيمُ الْخَطْبِ لَمْ أَمْرِ مُقْلَة ً
بِدَمْعٍ وَلَمْ أَفْغَرْ بِقَافِيَة ً فَمَا
فيا ربة القبرِ الكريمِ بما حوى
وَقَتْكِ الرَّدَى نَفْسِي وَأَيْنَ؟ وَقَلَّمَا
وَهَلْ يَسْتَطِيعُ الْمَرْءُ فِدْيَة رَاحِلٍ
تَخَرَّمَهُ الْمِقْدَارُ فِيمَنْ تَخَرَّمَا؟
سقتكِ يدُ الرضوانِ كأسَ كرامةٍ
منَ الكوثرِ الفياضِ معسولة اللمى
ولا زال ريحانُ التحية ناضراً
عليكِ وهفافُ الرضا متنسماً
لِيَبْكِ عَلَيْكِ الْقَلْبُ، لاَ الْعَينُ إِنَّنِي
أرى القلبَ أوفى بالعهود وأكرما
فواللهِ لاَ أنساكِ ما ذرَّ شارقٌ
وَمَا حَنَّ طَيْرٌ بِالأَرَاكِ مُهَيْنِمَا
عَلَيْكَ سَلاَمٌ لاَ لِقَاءَة بعده
إِلَى الْحَشْر إذ يَلْقى الأَخِير المقدما
خامسًا - رثاء الزوجة
1-رثاء جرير لزوجته
ويمكن استماعها على الرابط :
جرير يرثي زوجته أم حزرة | قصيدة لولا الحياء لعادني استعبار | رثاء جرير لزوجته | بصوت وائل العبابسة
لـولا الـحياء لهاجني أستعبارُ....... ولـزرت قبركِ والحبيب يزارُ
ولـقد نـظرت وما تمتع نظرةٍ ........ فـي اللحد حيث تمكن المِحفارُ
فـجزاكِ ربُكِ في عشيركِ نظرةٍ...... وسـقى صـداك مجلجل مدرارُ
ولـهت قـلبي إذ عـلتني كَبرةٌ......... وذوو الـتمائم من بينك صغارُ
أرعى النجوم وقد مضت غوريةً .... عـصبُ الـنجوم كأنهن صوارُ
نـعم القرينُ وكنتِ عِلق مضنة......... وارى بـنعف بُـلية الأحـجارُ
كـانت مكرمة العشير ولم يكن ...... يـخشى غـوائل أم حزرة جارُ
ولـقد أراك كُسيت أجمل منظرٍ..... ومـع الـجمال سـكينةُ ووقارُ
والـريح طـيبةٌ إذا اسـتقبلتِها.......... والـعرض لا دنـسُ ولا خَوارُ
وإذا سريت رأيت ناركِ نورت........ وجـهاً أغـر يـزينه الإسـفارُ
صـلى الـملائكة الذين تُخُيروا ........ والـصالحون عـليكِ والأبرارُ
وعـليك من صلوات ربكِ كلما........ نـصِب الحجيج ملبين وغاروا
2-رثاء مالك الدندشي لزوجته :
عيدٌ أتى والحزنُ مِلءُ جوانحي
والدمعُ في الخدين جِدُّ غزيرُ
عيد أتيتَ وزوجتي في برزخٍ
والحزن في نفسي عليها كبير
فالحمدُ والتسبيح يعظمُ شأنُه
والشكرُ يغمرُنا وتنمو زهور
ناديتُ يوم العيد روحَكِ لم تُجِبْ
فتشتُ في بيتي عساها تدور
يا بهجتي في كل وقتٍ ساطع
يا بسمتي البيضاء حيث أسير
ما فارقتْ يوما جميلَ حياتِنا
كلا ولا ناب الحياةَ شُقُور
ما زال في بيتي سماتُ وجودكم
وحِراكِكُم في كل ركن سور
ما غاب إلا شخصُكم وجلالُكم
وكأن روحكِ في الحياة بحور
فحمدتُ ربي أن حباني قوةً
فلعلني أغدو بها وأطير
ما ذقتُ طعمَ الحلو مذ فارقْتِنا
وطواكِ قبرٌ واحتواكِ الجِيْر
لا أنسى نسْمَتَكِ اللطيفة في الدجى
فالنورُ أنتِ وقلبُكِ التنوير
يا هالةَ الخيرِ الأصيلِ ترفقي
بأليفِكِ المكلومِ وهو كسير
غُيِّبْتِ عني فجأة وأتاكِ من
قدر الإله مُكَلَّفٌ مأمور
فاللهَ أسالُ أن يُبَرِّدَ قلبَنا
بالصبر نحيا وفعلُنا مأجور
والكرب ـ ما لم تختلطه شوائبٌ -
من فطرة الإنسانِ وهو حسير
شأنُ الحياةِ بأن يُعَانَ عسيرُها
ويقَدَّمُ التيسـير والتبشـير
ولَّهْتِ قلبي إذ غزتني غُمَّةٌ
فلها بأوصالي أذى وحضور
فعبرتُ عبْرةَ ثاكل فتواصلت
مني الهمومُ وقد رمتْني حَرور
وسئمتُ هذي الدار لولا أنني
آمنتُ أن المحسنين صدور
والشكرُ مني دائمٌ متتابعٌ
للأوفياء وفي الحياة جدير
بصباح يوم العيد أسمع ضجة
فإذا هُوَيْلةُ في المسار تسير
لتشيع في البيت المُغَرَّبِ بهجةً
عنوانُها في ذي الحياةِ سرور
شاركْتِني نأيَ الأحبةِ حقبةً
بالصبر والتسليم يُنْصَرُ نور
ورفعْتِ راية حقِّنا في قوة
ما هِنْتِ يوما أو عراكِ فُتُور
فكأنكِ الجبلُ الأشمُّ صلابة
وكأنك بين النساء بدور
سرنا وأنت على الطريق فلم نحِدْ
حتى أتاكِ من الإله بشير
أبلغْتِني بشجاعة وعزيمة
يا مالِ سِرْ: إن الحياة غرور
علمتِني درسا ألوذ بنفعه
أن المبادئ للجِنَان مُهُور
فقنعتِ بالعيش الزهيدِ تجلدا
كيما يفوزُ الدينُ وهو هَصُور
شرف البناء بأن يُصَلَّبَ عودُه
دوما وإن حكم الزمانَ الجورُ
نامي بقبركِ نومةً مرضيةً
ورضا الكريمِ محبةٌ وحُبُور
سأزور يوم العيد قبر حليلتي
ومن الوفاء بأن يُزارَ مَزور
مني الدعاء لكم ومنكم فرحةٌ
أرتاح في جنباتها وأَحُوْرُ
وإذا ذكرتُ من سداني نُصْحَه
وغذاني لطفا إنه لكبير
لله دركِ يا أميرةً بيتِها
كم نعمةٍ منكِ عليَّ غزير
فَتَخِذْتَني إذ فارقتْني زوجتي:
هل أنت إلا والدٌ ونصير؟
يا سيفُ إنكَ فاضلٌ ومفَضَّلٌ
ولك المعاشُ مُكَرَّمٌ مسرور
وإذا أمد الله في أعمارنا
فأنا الشكور وغيريَ المشكور.


(1)أحمد الجابري :المنتزه العاطر في أحلى الخواطر ،الرياض دار طويق ،1424ه،ص138 وما بعدها
(2): قد كنت أرجو (قصيدة)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى