نتحدث كثيرا عن خطورة الإصابة بالفيروس المستجد كوفيد-19 ونحث على الإجراءات الوقائية للحد من انتشار العدوى؛ بما في ذلك التلقيح ضد الفيروس والمواصلة على احترام مسافة الأمان ووضع الكمامة وتجنب الأمكنة المكتظة وغيرها. ولكنّنا لا نسلّط الضوء على الأضرار الخفيّة الناتجة عن هذه الجائحة. لا أحد يسمع عن تفاقم الأمراض المزمنة التي بطبيعتها تستلزم المتابعة الطبية الدقيقة وتدهور الصحة النفسية وتقليص الخدمات الصحية وانخفاض معدل إنتاج الأدوية، نظرا للارتجاج الذي شهدته القطاعات الصحية في أنحاء العالم. صار التركيز كله حول هذا المرض الدخيل على حساب باقي الأمراض الأخرى التي تقتل الإنسان بنسبة أكبر بكثير من كوفيد-19.
ورد في مسح حديث للمنظمة العالمية للصحة شمل 155 دولة أن الخدمات الصحية تعطلت بشكل جزئي أو كلّي منذ تسلّط جائحة كوفيد-19 على العالم. حيث إن التعطّل بعلاج فرط ضغط الدم وُجد في أكثر من نصف البلدان المشمولة بالمسح، والخدمات الخاصة بعلاج مرض السكري ومضاعفاته في 49٪ منها، وخدمات علاج السرطان في 42٪ منها، والخدمات الخاصة بطوارئ أمراض القلب والأوعية في 31٪ منها. وكان من بين الأسباب التي ذكرت في هذا المسح إلغاء المواعيد المقررة للعلاج، ونقص في توفر وسائل النقل العام، ونقص الموظفين بسبب إعادة التكليف لدعم الخدمات الخاصة بكوفيد-19. كما أن 20٪ من الدول عانت من نقص في الأدوية ووسائل التشخيص نظرا للضغط الناجم عن الجائحة.
كانت هذه نبذة موضوعية بسيطة عن مخلّفات كوفيد-19 التي لا تتناولها وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام وبالتالي فهي لا تصل إلى المواطن العادي. لا نسمع عن استفحال الأمراض غير السارية وتدهورها بسبب توقف الإشراف الطبي. حصدت العديد من الدراسات العالمية ارتفاع الحالات المتقدمة للسرطان بسبب تقلص زيارات الفحص المبكر، حيث رصدت دراسة أمريكية (ASCO journals) أنه خلال شهر أبريل 2020، انخفضت الفحوصات المبكرة لسرطان الثدي بنسبة 85٪، وسرطان القولون بنسبة 75٪. كان هذا الانخفاض متوقّعا لأن الهيئات الصحية عالميا كانت تنصح بتجنب الزيارات الطبية الروتينية للحد من انتشار العدوى. وهذا ما يُفسر ارتفاع نسبة تطور بعض السرطانات سريعة الانتشار والتي يصعب ضبطها بعد توغلها في الجسم.
أما تعطيل المتابعة الطبية للأمراض غير السارية مثل مرض السكري وارتفاع الضغط الدموي وأمراض الأوعية القلبية فقد نتج عنه تدهور الحالات المرضية المستدعية إلى الاستشفاء وأحيانا الوصول إلى العناية المشددة، في وقت كانت فيه أسرّة المستشفيات في نفاد كبير بسبب الحالات المتقدمة من عدوى الكوفيد-19. وكانت من بين العوامل المساهمة في هذا التدهور خوف الناس من التقاط المرض وخوف الأطباء كذلك على سلامته قبل وجود اللقاح، حيث تمتّ الاستعانة بعالم عن بعد ولكنه لم يُلائم كل الفئات المرضية.
كانت للفترة الأولية من انتشار كوفيد-19 خاصة بكل ما حدث فيها من فرض الحجر الصحي والانتقال إلى العمل عن بعد وتقييد الأنشطة خارج المنزل التأثير الأكبر على الصحة البدنية والنفسية للمواطنين. رغم أنه هناك بعض الأبحاث التي أظهرت أن الحجر الصحي ساعد الناس على ضبط نظامهم الغذائي من أجل نظام مناعي أقوى لمكافحة العدوى، مما نتج عنه ضبط معدل السكر في الدم بشكل أحسن، إلا أن هذا التحسن لُوحظ في فترة مؤقتة من الحجر فقط (BMJ Open Diabetes Res Care). بعد تمديد الحجر الصحي، أخذت النتائج مجرى عكسيا، حيث تكاثرت العادات السيئة فيما يخص النوم والتغذية والرياضة وغيرها من أساسيات العيش السليم.
تعتبر منصة الأبحاث العلمية محدودة فيما يخص مخلّفات الجائحة الكوفيدية على الصحة النفسية وتأثيرها على الحالات المرضية وارتفاع نسبة الرغبة في الانتحار عالميا، ولكنّ الأطباء يُشاهدون هذا التأثير يوميا منذ الإعلان عن وجود هذا الفيروس. شُوهد ارتفاع كبير في نسبة استهلاك الكحول والمخدرات بعد فرض الحجر الصحي. تدهور وضع المرضى النفسيين بعد تقليص الحصص العلاجية واستبدالها بحصص إشرافية عن بعد. هذا بالإضافة إلى حد التواصل مع الأقارب والأصدقاء الذين يمثلون نظام دعم قوي لمعظم المرضى وإغلاق جميع مساحات الترفيه وقاعات الرياضة والانقطاع عن ممارسة الهوايات.
حسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، سُجل ارتفاع في أعراض القلق والاكتئاب ما بين شهري غشت 2020 وفبراير2021 من 36.4% إلى 41.5%. لا يدرج الإعلام هذه الإحصائيات في نشراته اليومية ولكنّها من قلب الواقع المُعاش. يجب أيضا توضيح أن معظم معامل البحث العلمي كانت ولازالت تركز بحثها على خاصيات الفيروس وأضراره المباشرة، وليس المخلّفات الجانبية والتي لا تقل أهمية ولا ضررا عن الأضرار المباشرة لهذه الجائحة.
إنّنا مع الأسف وإن تمكّنا من السيطرة على فيروس كوفيد-19، فإننا سنواجه ظاهرة تفاقم الأمراض المزمنة بعد هذه الفجوة الطويلة من انعدام المتابعة الطبية. سنواجه كذلك معضلة العادات السيئة المكتسبة بعد الحجر الصحي. وسنواجه مضاعفات التعب النفسي الناتج عن كل ما سبق ذكره. يجب أن تصل هذه المعلومات إلى المواطن العادي ليكون النهوض من جديد جماعيا وتعاونيا، لكي نتغلب على هذا المنعرج التاريخي معًا ونتجاوزه بأقل الأضرار الممكنة.
هدى بوحمام
هدى، ٢٥سنة، مغربية قاطنة في الولايات المتحدة الأمريكية. أدرس الطب و الناس. بدأت الكتابة منذ زمن قليل، كوسيلة لترسيخ تجاربي البسيطة في الحياة و أيضا مشاركة أفكاري و وجهة نظري في مواضيع مختلفة. لا أتقن قواعد اللغة العربية، فأنا كنت قد هجرتها لمدة طويلة من الزمن، و لكن قوة كتاباتي تتمثّل في إحساسي المدفون فيها. بدأت بالكتابة لنفسي أولاً، ثم أتت فكرة المشاركة مع القرّاء. كتاباتي عميقة المعنى و اختيار الكلمات فيها بسيط و لكنه مقصود.
ورد في مسح حديث للمنظمة العالمية للصحة شمل 155 دولة أن الخدمات الصحية تعطلت بشكل جزئي أو كلّي منذ تسلّط جائحة كوفيد-19 على العالم. حيث إن التعطّل بعلاج فرط ضغط الدم وُجد في أكثر من نصف البلدان المشمولة بالمسح، والخدمات الخاصة بعلاج مرض السكري ومضاعفاته في 49٪ منها، وخدمات علاج السرطان في 42٪ منها، والخدمات الخاصة بطوارئ أمراض القلب والأوعية في 31٪ منها. وكان من بين الأسباب التي ذكرت في هذا المسح إلغاء المواعيد المقررة للعلاج، ونقص في توفر وسائل النقل العام، ونقص الموظفين بسبب إعادة التكليف لدعم الخدمات الخاصة بكوفيد-19. كما أن 20٪ من الدول عانت من نقص في الأدوية ووسائل التشخيص نظرا للضغط الناجم عن الجائحة.
كانت هذه نبذة موضوعية بسيطة عن مخلّفات كوفيد-19 التي لا تتناولها وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام وبالتالي فهي لا تصل إلى المواطن العادي. لا نسمع عن استفحال الأمراض غير السارية وتدهورها بسبب توقف الإشراف الطبي. حصدت العديد من الدراسات العالمية ارتفاع الحالات المتقدمة للسرطان بسبب تقلص زيارات الفحص المبكر، حيث رصدت دراسة أمريكية (ASCO journals) أنه خلال شهر أبريل 2020، انخفضت الفحوصات المبكرة لسرطان الثدي بنسبة 85٪، وسرطان القولون بنسبة 75٪. كان هذا الانخفاض متوقّعا لأن الهيئات الصحية عالميا كانت تنصح بتجنب الزيارات الطبية الروتينية للحد من انتشار العدوى. وهذا ما يُفسر ارتفاع نسبة تطور بعض السرطانات سريعة الانتشار والتي يصعب ضبطها بعد توغلها في الجسم.
أما تعطيل المتابعة الطبية للأمراض غير السارية مثل مرض السكري وارتفاع الضغط الدموي وأمراض الأوعية القلبية فقد نتج عنه تدهور الحالات المرضية المستدعية إلى الاستشفاء وأحيانا الوصول إلى العناية المشددة، في وقت كانت فيه أسرّة المستشفيات في نفاد كبير بسبب الحالات المتقدمة من عدوى الكوفيد-19. وكانت من بين العوامل المساهمة في هذا التدهور خوف الناس من التقاط المرض وخوف الأطباء كذلك على سلامته قبل وجود اللقاح، حيث تمتّ الاستعانة بعالم عن بعد ولكنه لم يُلائم كل الفئات المرضية.
كانت للفترة الأولية من انتشار كوفيد-19 خاصة بكل ما حدث فيها من فرض الحجر الصحي والانتقال إلى العمل عن بعد وتقييد الأنشطة خارج المنزل التأثير الأكبر على الصحة البدنية والنفسية للمواطنين. رغم أنه هناك بعض الأبحاث التي أظهرت أن الحجر الصحي ساعد الناس على ضبط نظامهم الغذائي من أجل نظام مناعي أقوى لمكافحة العدوى، مما نتج عنه ضبط معدل السكر في الدم بشكل أحسن، إلا أن هذا التحسن لُوحظ في فترة مؤقتة من الحجر فقط (BMJ Open Diabetes Res Care). بعد تمديد الحجر الصحي، أخذت النتائج مجرى عكسيا، حيث تكاثرت العادات السيئة فيما يخص النوم والتغذية والرياضة وغيرها من أساسيات العيش السليم.
تعتبر منصة الأبحاث العلمية محدودة فيما يخص مخلّفات الجائحة الكوفيدية على الصحة النفسية وتأثيرها على الحالات المرضية وارتفاع نسبة الرغبة في الانتحار عالميا، ولكنّ الأطباء يُشاهدون هذا التأثير يوميا منذ الإعلان عن وجود هذا الفيروس. شُوهد ارتفاع كبير في نسبة استهلاك الكحول والمخدرات بعد فرض الحجر الصحي. تدهور وضع المرضى النفسيين بعد تقليص الحصص العلاجية واستبدالها بحصص إشرافية عن بعد. هذا بالإضافة إلى حد التواصل مع الأقارب والأصدقاء الذين يمثلون نظام دعم قوي لمعظم المرضى وإغلاق جميع مساحات الترفيه وقاعات الرياضة والانقطاع عن ممارسة الهوايات.
حسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، سُجل ارتفاع في أعراض القلق والاكتئاب ما بين شهري غشت 2020 وفبراير2021 من 36.4% إلى 41.5%. لا يدرج الإعلام هذه الإحصائيات في نشراته اليومية ولكنّها من قلب الواقع المُعاش. يجب أيضا توضيح أن معظم معامل البحث العلمي كانت ولازالت تركز بحثها على خاصيات الفيروس وأضراره المباشرة، وليس المخلّفات الجانبية والتي لا تقل أهمية ولا ضررا عن الأضرار المباشرة لهذه الجائحة.
إنّنا مع الأسف وإن تمكّنا من السيطرة على فيروس كوفيد-19، فإننا سنواجه ظاهرة تفاقم الأمراض المزمنة بعد هذه الفجوة الطويلة من انعدام المتابعة الطبية. سنواجه كذلك معضلة العادات السيئة المكتسبة بعد الحجر الصحي. وسنواجه مضاعفات التعب النفسي الناتج عن كل ما سبق ذكره. يجب أن تصل هذه المعلومات إلى المواطن العادي ليكون النهوض من جديد جماعيا وتعاونيا، لكي نتغلب على هذا المنعرج التاريخي معًا ونتجاوزه بأقل الأضرار الممكنة.
هدى بوحمام
هدى، ٢٥سنة، مغربية قاطنة في الولايات المتحدة الأمريكية. أدرس الطب و الناس. بدأت الكتابة منذ زمن قليل، كوسيلة لترسيخ تجاربي البسيطة في الحياة و أيضا مشاركة أفكاري و وجهة نظري في مواضيع مختلفة. لا أتقن قواعد اللغة العربية، فأنا كنت قد هجرتها لمدة طويلة من الزمن، و لكن قوة كتاباتي تتمثّل في إحساسي المدفون فيها. بدأت بالكتابة لنفسي أولاً، ثم أتت فكرة المشاركة مع القرّاء. كتاباتي عميقة المعنى و اختيار الكلمات فيها بسيط و لكنه مقصود.