أ. د. عادل الأسطة - واسيني الأعرج في روايته الجديدة «مي ليالي إيزيس كوبيا»

آخر إصدارات الروائي العربي الجزائري واسيني الأعرج رواية “مي ليالي إيزيس كوبيا – ثلاثمائة ليلة وليلة في جحيم العصفورية “2018.
يعيد الروائي الكاتبة العربية التي ولدت في الناصرة لأم فلسطينية وأب لبناني وعاشت في مصر، من جديد، إلى المشهد الأدبي العربي المعاصر، من خلال عمل روائي. كما لو أن واسيني يلبي لمي أمنيتها هي التي قالت: “أتمنى أن يأتي بعدي من ينصفني” ويصدر الروائي روايته بهذه المقولة للكاتبة، وبمقولة ثانية هي: “أراني في وطني تلك الغريبة التي لا وطن لها”، ويعقبها بفقرة بالفرنسية يترجمها في الهامش لـ(Camille Claaudel 1934).
نص المقولة الفرنسية المترجم هو: “تقول لي إن الله يعطف على المظلومين، وانه طيب…. إلخ، لتسأل إلهك الذي يترك البراءة تتعفن في ملجأ المجانين”.
وليست الاقتباسات هذه مجرد تزيين للعمل الروائي، فهي تمت إلى متنه بصلة واضحة حتى ليمكن القول إنها تكثف المحتوى وتلخصه كما لو أنها بيت القصيد.
ينصف واسيني الأعرج في روايته هذه مي زيادة فيحقق لها أمنيتها، وتقول لنا الرواية إن مي عاشت في وطنها غريبة طريدة؛ وطنها الذي كان يتشكل من بلاد الشام ومصر؛ إنها في مصر شامية، وفي لبنان المجنونة المصرية، ولقد أساء إليها ابن عمها جوزيف الذي أحبته، فتركها إلى باريس وتزوج من امرأة فرنسية تكبره بعشرين عاما، ثم حين ألم بمي انهيار عصبي وضعها في العصفورية، ولم يسأل عنها هناك أقاربها أو أبرز الكتاب الذين كانت لها معهم علاقة أدبية وأكثر، باستثناء أمين الريحاني. بل إن أكثر الصحف لم تعاضدها.
وإذا كانت الفرنسية التي مرت بحالة مشابهة لما مرت به مي (Camille Claudel) كتبت في 1934 متسائلة عن طيبة الله وعطفه على المظلومين وكيف يترك البراءة تتعفن في ملجأ المجانين، فإن مي في الرواية تتساءل: “مريمتك أنا يا الله، فلماذا تخليت عني” 53.
هذا السؤال هو عنوان رئيس من عناوين رواية واسيني، نقرأ في الصفحات التي كتبت وراءه عن معاناة مي في العصفورية والظلم الذي تعرضت له.
تربت مي في بيئة دينية ودرست في مدارس الراهبات، وقد تركت تربيتها الدينية أثرا كبيرا في حياتها منعتها من ممارسة الجنس بطرق غير مشروعة، ومع ذلك فإنها تساءلت، في لحظة ما، عن عدالة الله وتخليه عن عباده.
كانت الذات الإلهية ذات حضور لافت، وكانت ذات تأثير كبير، ويمكن القول إن الله ووالد مي ووالدتها وجبران خليل جبران كانوا الأربعة الأكثر تأثيرا في حياتها، وترك موت الثلاثة الأخيرين فراغا كبيرا في قادم أيامها قادها إلى الكآبة فالانهيار العصبي فالتفكير في الانتحار.
يلجأ واسيني الأعرج في بناء روايته إلى حيلة فنية لجأ إليها روائيون عرب من قبل؛ في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، ما يدفع القارئ إلى إثارة السؤال: لمن الأولوية في أهمية النص الأدبي؟ أهي للمضمون، كما يقول الماركسيون أم للشكل، كما يقول البنيويون؟
إنه سؤال قديم جديد غالبا ما نثيره في أثناء قراءة عمل روائي جديد يتكرر محتواه أو شكله، فإذا ما كان المحتوى غير لافت وقدم بشكل سيئ قلنا: ليس هذا أدبا! وإذا كان الشكل مألوفا تساءلنا: وما الجديد؟ إنه عمل لا إبداع فيه.
لقد أنجزت مؤخرا بحثا تناولت فيه لعبة الشكل في الرواية العربية في القرن الحادي والعشرين، وتتبعت العديد من الروايات التي لجأ كتابها فيها إلى حيل فنية لقول مضمونهم بشكل فيه غرابة أو طرافة ويبعث على الدهشة. والطريف أن أصحاب هذه الروايات فازت رواياتهم هذه بالجائزة العربية للرواية العالمية (بوكر).
من يوسف زيدان إلى عبده خال إلى سعود السنعوسي، واقتربت روايات آخرين من الفوز أو فازت بجوائز أخرى: إلياس خوري وبشير مفتي وعبد الرحيم لحبيبي و..و..و..
يلجأ واسيني إلى اختراع كاتب روائي هو ياسين الأبيض ومثقفة تشتغل في المكتبات هي روز خليل ليبحثا معا عن مخطوط مي زيادة “ليالي العصفورية” وكتابها الثاني عن إقامتها في بيروت بعد خروجها من مشفى المجانين.
يصف واسيني معاناة ياسين وروز في رحلة البحث، وقد عانيا ما عانياه لدرجة أن الله نجاهما من موت محقق، فالطائرة المصرية التي كانا سيستقلانها تحطمت ونجوا بأعجوبة.
يتمكن الاثنان من الحصول على المخطوط ويحققانه ويعلقان عليه ويضيفان بعض مفردات نقصت.
الحيلة هذه تبرز في رواية يوسف زيدان “عزازيل” 2007 وفي رواية عبد الرحيم لحبيبي “تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية”2011 وفي رواية إلياس خوري “أولاد الغيتو..اسمي آدم” 2016 وفي روايات أخرى.
والمرء يقرأ رواية واسيني قد لا يلتفت إلى الحيلة كثيرا، بخاصة إذا ما كان قرأ الروايات السابقة. إنه – أي القارئ – سيلتفت إلى المحتوى، والرواية التي تحفل ببعد معرفي أدبي تكمن قيمتها في هذا الجانب. وهي رواية لا تخلو من عنصر تشويق يحققه روائي محترف.
الكاتب واسيني الأعرج غدا معروفا لقراء الرواية الفلسطينيين وهو يزور فلسطين باستمرار وكان أنجز رواية ثانية عن فلسطين هي رواية “سوناتا لأشباح القدس” والكاتب كما أعماله يحظى بجمهور فلسطيني لافت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى