ناجح المعموري - علي الوردي خزان علم الاجتماع العراقي

د. لاهاي عالمة اجتماع بارزة ولها حضور ثقافي واجتماعي . لها آراء معروفة في الوسط متميزة بعقلانيتها وموضوعيتها ، بعيدة عن الحماس المبالغ به ، مثلما شاع في الضد من قراءة منجز الوردي .

وبالإمكان الاهتداء لعالم الاجتماع الوردي ، ومعرفة مكانته من الرأي الذي قاله د. إبراهيم الحيدري (علي الوردي معلم من معالم علم الاجتماع) .

رأي مركز ودقيق اختصر كلياً الموقف الفكري والثقافي عن الوردي الذي ابتدأ مبكراً بالكتابة واصدار عدد من الدراسات ، درس فيها الاسهامات النظرية والمنهجية وسجل الوردي بجهوده العلمية لحظة الاعلان عن ظهور علم الاجتماع في بداية الخمسينيات من القرن الماضي ، وقدم تعريفاً لا يمكن تجاوزه وتجاهله ، بعد ظهور علم الاجتماع عالمياً . ابتدأت آراء كثيرة منتقدة ايجابياً ومضاداً ، بمعنى كان الوردي عاملاً فاعلاً في تقديم محاضراته ودراساته المشحونة بالانتقاد للظواهر الاجتماعية المعروفة ، والتي ما زالت ذاكرة حيّة للفكر الاجتماعي العراقي وهي معروفة بقوتها وقسوتها حتى هذه اللحظة ، مما استدعت المواقف المضادة ، لذا وجدت د. لاهاي مثلما قالت من المسؤولية الأدبية والاخلاقية للأستاذ الذي عرّفنا بعلم الاجتماع وشجعنا بصورة مباشرة وغير مباشرة على التخصص فيه أن اسجل موقفي منه ليس على مستوى التعبير عن موقف سياسي يبدأ وينتهي ، يحكم عليه كونه تقدمي أو رجعي ، ديمقراطي تحرري ، أو تحرري راديكالي ، وانما بالتوضيح علمياً وتوثيقياً لمساهمته العلمية التي لا تزال تحظى بالاهتمام حتى الوقت الحاضر بغية وضع حد لهذا الجدل.

اهم ما تميز به د. علي الوردي هو استمرار اهتمام الأفراد والجماعات العراقيين به ، منذ اللحظة الأولى التي قدم منها كتابه المهم " شخصية الفرد العراقي " والذي مازال يطبع ويعاد طبعه حتى الآن ، وهذا دليل واضح على ما يتمتع به من مكانة مرموقة . وتعدد كتبه المثيرة للجدل ، حتى تحولت الى فاعل ثقافي قوي لإثارة الجدل والصراع بين الأدباء والمثقفين ، ومما كرس هذا الحضور ، ما عُرف به الوردي بلغته البسيطة والسهلة المتوفرة على المعلومات القريبة من القارئ . وكان اتساع مساحته في الوسط الثقافي والاجتماعي مثار العديد من التهم . لأنه ذهب بشجاعته المعروفة في ملاحقة المؤسسات والمكونات الاجتماعية ، وهو الأكثر شجاعة بتعامله مع مفاصل الدولة وأعوانهم ، لذا اطلق عليهم "جلاوزة السلطة " .

لا يقوى القارئ والمثقف على انكار دور علي الوردي ، وما عرف به من شجاعة ، لأن عالم الاجتماع لا يستطيع الوصول للحقائق الاجتماعية وأبرز ما تتكون منه المجتمعات من عناصر ذات حضور قوي وتشكل طاقة الخطاب وبروز سلطته وهيمنة القوة ، من هنا حاز علي الوردي شعبية واسعة ومحبة بالغة من قبل جمهور عريض من القرار ، وبخاصة في العراق . لأنه تمكن من تشخيص وتحليل المرضيات التي اصابت المجتمع . ويفضي هذا الرأي الى أن الوردي نجح في استقطاب الجماعات العديدة والمتنوعة وأشارت د. لاهاي بذكاء لمصطلح الوردي "الفرضيات الثلاث " ازدواج الشخصية وصراع الحضارة والبداوة والتناشر الاجتماعي . بما جعله حكيماً وذكياً للغاية لمواجهة النقاد والساخرين منه ، إلا تمكن من ايضاح الفرضيات الثلاث . وذهب بشجاعة الى مصطلح الفرضيات الثلاث ، لم تكن من عندياته ، بل استعارها من روبرت ماكفير وابن خلدون ووليام أوكيرن على التوالي . هذا ما سجله الوردي في الجزء الاول من كتابه المهم للغاية " لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث الجزء الاول" .

أشارت د. لاهاي الى أن الوردي توصل ناقلاً مصطلح صراع الحضارة والبداوة بوصفها ظاهرة تاريخية لها أصول لفترة آدم أبو البشرية ولها علاقة بجغرافية الوطن العربي وللصحراء الواسعة للغاية أثر ودور بارز مع توفر الأراضي الخصبة ووفرة المياه لذا تأهلت وحازت العناصر الجوهرية كي تتخلق وطناً شرساً من بادية وأغرق حضارة وقد غلبت على العراق البداوة ، منذ انهيار الدولة العباسية وهنا تبرز لحظة اجتماعية جديدة اطلق عليها " استفحال المد البدوي " اللاعب القوي في انهيار الدولة العباسية وخلخلة الأمن ، وانهيار الخدمات وصعود هيمنة النظام العشائري وتمركز العصبية " على مستوى المنطقة والطائفة والمذهب . هذا الى جانب قيم الغزو والأخذ بالثأر وغسل العار والمغالبة وما اليها . // ص11 .

قالت د. منى العينة جي : افترض علي الوردي بناءً عراقياً جديداً لم يبرهن على صحبته ولم يجعله حتماً منهجياً وكتبت أيضاً " من منطق العقل والواقع والفكر المنظم ظهرت فجوات في الافتراض الوردي وبدأت صراعات المحافظين التقليديين والمعارضين والمحدثين ومن مسهم فكره الى عملية تبرير ايجاد أدلة وبراهين ، لم تستطع أن تحوّل المرفوض الى نظرية ، ولم تخضع نواميسه الحياتية للتحقق . بل رفضت ورفض معها بلا أسس علمية كما لم يكن فرصة علمياً .
أعلى