مقالات في أدب محمود شاهين (10/3)
أصل اليهود
بعد أن تم كشف الحقيقة وتبين زيف الأسماء وبطلانها، ينقلنا "عارف" إلى الحقيقة، إلى الأصل، الجذر الذي جاء منه اليهود، فهل هم (شعب) نقي العرق؟ أم كباقي الشعوب تتعدد وتتنوع الأصول؟: "... أن قبائل يهودية وجدت في اليمن وجنوب الجزيرة العربية، وقد تطرقت النقوش الأشورية والبابلية إلى ذلك، من ضمن تدوينها للغزوات والحروب، ومن هذه المناطق التي وجدوا فيها: بعض مناطق اليمن ويثرب وتيماء وخيبر ودوس واليمامة ونجران، ويرى الباحثون أن هؤلاء كانوا ينحدرون من قبائل رئيسية كبني قينقاع، وبني إسماعيل، كيهود غطفان وكنانة، ويهود من قبائل سبأ وحمير، ويتفقون أيضا على أن الهجرات كانت تتم من الجزيرة العربية إلى خارجها وخاصة إلى بلاد الشام، وليس العكس، نظرا لصحراوية الجزيرة وانهيارات سد مأرب في الجنوب، .. هل هاجرت كل هذه القبائل من بلاد الشام الخصبة، إلى الجزيرة العربية الصحراوية لتنعم بصحراويتها، أم أن العكس هو الذي حدث حسب رؤية المؤرخين؟" ص43و44، اللافت أن عارف ينسف فكرة الأصل (النقي) لليهود، ويجعلهم جزءاً من سكان المنطقة، فهم عاشوا في الجزيرة العربية ونشأوا فيها، بمعنى أن نظرتهم الدونية للعرب تعد نظرة دونية لأصلهم، فهم بالأساس عرب كباقي العرب، وما التدين باليهودية إلا كتدين العرب بالوثنية أو بالمسيحة أو بالإسلام، فالدين لا يمكن أن يكون فاصلا بين الشعب، ولا يمكن أن يمحو حقيقة الأصل الذي ينتمي إليه الإنسان، فالاختلاف في الدين لا يمكن أن يؤدي إلى خلاف عرقي/سلالي، فالأول عقلي، والثاني جسدي.
وهذا ما اكتشفه "يعقوب" بعد أن استمع إلى عارف: "اليهود عرب من الجزيرة واليمن، واليهودية نشأت هناك، وانتقلت مع المهاجرين إلى بلاد الشام، فاليهودية وبنو إسرائيل لا علاقة لهما بالقوميات والأعراق" ص52، ميزة ما يأتي من أفكار في الرواية، أنه يأتي من طرفي الصراع، عارف الفلسطيني، ويعقوب اليهودي، واعتقد أن اختيار السارد لشخصية "يعقوب" العراقي كان موفقا، حيث أن حضارة العراق تمتد إلى آلاف السنين، وقبل أن يظهر إبراهيم كنبي أو رسول، مما يجعله ـ إن تخلى ـ عن الفكرة الصهيونية، التي تعتمد على التوراة، والتي تمتد إلى ألفي عام، أن يستند/يتكئ على فكرة أعمق زمنيا وتاريخا، وانضج حضاريا وثقافيا من تلك التي جاءت بها التوراة، وهذا ما أكده حينما قال: "كان أبي على حق وهو يفتخر بحضارة أجداده العريقة في سومر وآشور وبابل وأكاد، ويلعن الزمن الذي جعل جده يعتنق اليهودية ليعتنقها هو وأبوه من بعده، لتجيء الحركة الصهيونية وتحرمه حتى من قوميته العربية التي تبلورت على مر الزمن" ص53، فهنا يصل "يعقوب" إلى الحقيقة الكاملة، الحقيقة التاريخية، حقيقة كونه عربيا يدين باليهودية، وحقيقة أن عليه أن يتخذ اجراء يصحح به الخطأ الذي وقع عليه وعلى ابناء دينه، والذي وقع على الفلسطيني.
الخالق والخلق
كما تحدث محمود أبو الجدائل في رواية زمن الخراب عن الخالق والخلق، يتحدث "عارف نذير الحق": "أن القائم بالخلق كان في الخلق نفسه أي في المادة، وأن الوجود كله جاء من المادة ..هذا القائم، الذي أطلقت عليه البشرية اسماء مختلفة، بعد اختراع اللغات، كالله او يهوه، أو الرب! والغريب أن تعتمد العقائد السماوية اللاحقة قصة الخلق من الماء، دون أن تقدم مفهوما لماهية الخالق، وجعلته سابقا على الخلق والوجود، وقدمت مفهوما مبهما له، على أنه ليس كمثله شيء، حسب المفهوم الإسلامي" ص 25، بهذا الطرح الجديد يفسر "عارف" وجود الخالق والمخلوق، الله والكون، وهي يرى أن عملية الخلق لم تكتمل بعد، وما زالت مستمرة ومتواصلة: "يمكن القول أن الوجود هو التصوير غير المجلو في العقل الكوني للخالق، أريد لنا أن نراه حقيقة وهو ليس كذلك، لنساهم في صنع التصور وتطويره، إلى أن يكتمل بما يرضي الخالق، ليتم اظهاره كوجود حقيقي مكتمل" ص107، ولا تقتصر عملية الخلق واكتمالها على الجمادات بل تطال الإنسان أيضا: "الكمال هو أن يحقق الإنسان الغاية من وجوده، وهي: تحقيق قيم الخير والمحبة والعدل والجمال والرقي الإنساني" ص108، قد تبدو رؤية "عارف" عن الخلق والخالق صعبة بعض الشيء، لكنه يوضحها من خلال حواره مع "سارة":
" ـ من أوجدنا حسب رأيك؟
ـ أوجدنا قائم بالخلق يمكن أن أسميه الخالق أو المبدع
لماذا ليس الله أو ما يقابلها في لغات أخرى؟
ـ هذه مفردات لغوية أوجدها البشر بعد اختراع اللغات، منذ بعضة آلاف محدودة من الأعوام، بينما الخالق موجود منذ مليارات الأعوام، هو الأول الذي يفترض أنه ليس قبله شيء.
ـ هل هو واحد أم أكثر؟
ـ هو واحد في كل هائل ومتعدد
ـ من أوجده؟
ـ أوجد نفسه بنفسه لنفسه
ـ وما هو من حيث ماهية جوهره؟
ـ طاقة. طاقة تتجلى في مادة متعددة الأشكال والأحجام والفضاءات والحيوات.
ـ هل هو ضمن زمان ومكان؟
ـ لا. هو خارج حدود الزمان والمكان.
ـ وماذا عن الشكل؟
ـ كل الأشكال واللا أشكال شكله دون أن يكون له شكل محدد بعينه.
ـ ماذا لو قلنا أنه يشبه الإنسان؟
ـ مستحيل." ص374-376، اعتقد، أن مثل هذه الافكار بحاجة إلى التوقف عندها والنظر فيها، فهي جديدة، ونجدها ـ أحيانا ـ تتوافق ونظرتنا إلى الله الخالق، و أحيانا تتناقض، لكنها تبقى أفكارا نقرأها ولنا الحق في مناقشتها أو تركها.
الفكرة الرئيسة في الرواية هي التوراة وما جاء فيها، تبدأ عمليه تحليلها من الفصل الأول الذي يتحدث عن الخلق الكون، وحتى الثاني والعشرين الذي يتحدث عن خروج اليهود من مصر على يد موسى، أعتقد أن الهدف من وراء ذلك ليس إبراز نباهة السارد وقدرته المعرفية، بل نسف الأسس الفكرية والدينية التي قامت عليها الحركة الصهيونية، أرض الميعاد وشعب الله المختار، فهو يفند أن أرض فلسطين ليست أرض الميعاد، وأن شعب الله المختار فكرة مخترعة من البشر وليس الله، ومتناولا أن العديد من القصص التوراتية إذا ما توقفنا عند تحليلها عقليا، وقارنا كيفية سرد الأحداث فيها، سنجدها تتنافى مع العقل والمنطق، فهناك أكثر من كاتب/سارد لهذه الأحداث، من هنا نجد فيها التباين وحتى التناقض.
جاء في التوراة عن عملية الخلق: "11:1وقال الله لتنبت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمريعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض وكان كذلك.
12:1 فأخرجت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه ورأى الله ذلك أنه حسن.
مسكين هذا المؤلف كم ظلم الله، فهو لم يكن يعرف ضرورة الشمس والضوء لعملية الخالق، فخلق النباتات والأشجار قبل أن يخلق الشمس، بالتأكيد لم يكن يعرف بعملية التمثيل الضوئي والطاقة والكهرومغناطيسية ومختلف التفاعلات التي تجري بين الضوء وعملية نمو النباتات" ص68، من يقرأ العهد القديم لا يتوقف عند هذا الأمر، كيف يتم ذكر خلق النباتات ونموها، قبل خلق النورين"الشمس والقمر؟، لكن عارف نذير الحق، يجعلنا نعيد النظر في صحة ما نقرأه، ونتوقف عنده، متسائلين، كيف مرت علينا هذا الآيات دون أن نتأملها ونفكر فيها، علما بأننا قرأناها أكثر من مرة، لكن يبدو هيبة (المقدس) تجعل عقلنا مستكينا ومستسلما، بحيث يفقد القدرة على التفكير.
هابيل وقابيل:
أما في مسألة النزاع بين هابيل وقابيل، "لم تمر سوى أيام على عملهما حتى قاما بتقديم
قرابين إلى الله: "
وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من ثمارالارض قربانا للرب، وقدم هابيل ايضا من ابكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن الى قايين وقربانه لم ينظر، فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه.
.
" لا أعرف لماذا يحتاج الله إلى قرابين، وكيف عرف قابيل وهابيل ذلك، غير أن التفكير في النص قد يقودنا إلى أن الله أشبه بالإنسان وأنه يحتاج إلى طعام وشراب بل من يخدمه... فالكاتب بدوي يحب الشواء والإله الذي تخيله، كان بدويا على شاكلته حتى أنه جرده من إنسانيته، فما بالك بألوهيته " ص91-93، أيضا نحن لا نتوقف عند فكرة الصراع بين الأخوين، هابيل وقابيل، ونمر عليها مرور الكرام، لماذا يتقبل الله الأغنام ولا يتقبل الخضار والفاكهة؟، ولماذا لم يتم ابداء أسباب أخلاقية/دينية تحول دون تقبل قربان قابيل، فتكون مقبولة للقارئ، لكن يبدو، كما قال "عارف نذير الحق" أن من كتب النص هو بدوي بامتياز.
"17 وعرف قايين امراته فحبلت وولدت حنوك. وكان يبني مدينة، فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك. لا نعرف من أين جاء قايين بامرأته ومتى تزوج، .. والطريف أن يبني مدينة لأسرة لا يزيد أفرادها عن ثلاثة، ولا نعرف كيف سيبنيها ومن ماذا، يبدو أن الحضارة بدأت تأتي إلى أسرة آدم بسرعات هائلة." ص96، بهذا التحليل يتبين للقارئ الأخطاء التي وقع فيها من كتب العهد القديم، فهو يكتب دون أن يتفكر فيما يكتبه، أو أنه كتبه متسرعا فسقطت أحداث وشخصيات، ما جعل النص مشوها وناقصا.
"في الإصحاح الخامس من سفر التكوين يا يعقوب، نجد أنفسنا أمام كاتب آخر غير السابق الذي قص علينا قصة الخلق، فهذا الكاتب يخبرنا أن آدم أنجب أبنا اسمه شيت، ولم يتطرق لا إلى قابيل ولا إلى هابيل ولا إلى قصتهما. 1 هذا كتاب مواليد ادم، يوم خلق الله الانسان. على شبه الله عمله. 2 ذكرا وانثى خلقه، وباركه ودعا اسمه ادم يوم خلق. 3 وعاش ادم مئة وثلاثين سنة، وولد ولدا على شبهه كصورته ودعا اسمه شيثا.
يتضح هنا أن آدم حمل ذاتيا دون امرأة، بإرجاع الولادة إليه. ...وإذا كان هابيل قد قتل قبل أن ينجب، فلماذا لم يذكر هذا الكاتب ذلك، ولماذا لم يتطرق إلى قايين (قابيل) الذي أنجب قبائل وأمما وبنى مدينة؟ واضح أن هذا الكاتب لا يعترف بوجود حواء وقابيل وهابيل، فلديه تصور مختلف" 109و110، من فينا كان ينتبه أو يتوقف عند هذا الأمر؟، فقد كنا نقرأ العهد القديم بقدسية أو بقراءة عادية ودون أن ننتبه إلى هذه الخروقات والتناقضات، لكن عارف نذير الحق يكشف لنا ضحالة قراءتنا وضحالة ما نقرأ.
أصل اليهود
بعد أن تم كشف الحقيقة وتبين زيف الأسماء وبطلانها، ينقلنا "عارف" إلى الحقيقة، إلى الأصل، الجذر الذي جاء منه اليهود، فهل هم (شعب) نقي العرق؟ أم كباقي الشعوب تتعدد وتتنوع الأصول؟: "... أن قبائل يهودية وجدت في اليمن وجنوب الجزيرة العربية، وقد تطرقت النقوش الأشورية والبابلية إلى ذلك، من ضمن تدوينها للغزوات والحروب، ومن هذه المناطق التي وجدوا فيها: بعض مناطق اليمن ويثرب وتيماء وخيبر ودوس واليمامة ونجران، ويرى الباحثون أن هؤلاء كانوا ينحدرون من قبائل رئيسية كبني قينقاع، وبني إسماعيل، كيهود غطفان وكنانة، ويهود من قبائل سبأ وحمير، ويتفقون أيضا على أن الهجرات كانت تتم من الجزيرة العربية إلى خارجها وخاصة إلى بلاد الشام، وليس العكس، نظرا لصحراوية الجزيرة وانهيارات سد مأرب في الجنوب، .. هل هاجرت كل هذه القبائل من بلاد الشام الخصبة، إلى الجزيرة العربية الصحراوية لتنعم بصحراويتها، أم أن العكس هو الذي حدث حسب رؤية المؤرخين؟" ص43و44، اللافت أن عارف ينسف فكرة الأصل (النقي) لليهود، ويجعلهم جزءاً من سكان المنطقة، فهم عاشوا في الجزيرة العربية ونشأوا فيها، بمعنى أن نظرتهم الدونية للعرب تعد نظرة دونية لأصلهم، فهم بالأساس عرب كباقي العرب، وما التدين باليهودية إلا كتدين العرب بالوثنية أو بالمسيحة أو بالإسلام، فالدين لا يمكن أن يكون فاصلا بين الشعب، ولا يمكن أن يمحو حقيقة الأصل الذي ينتمي إليه الإنسان، فالاختلاف في الدين لا يمكن أن يؤدي إلى خلاف عرقي/سلالي، فالأول عقلي، والثاني جسدي.
وهذا ما اكتشفه "يعقوب" بعد أن استمع إلى عارف: "اليهود عرب من الجزيرة واليمن، واليهودية نشأت هناك، وانتقلت مع المهاجرين إلى بلاد الشام، فاليهودية وبنو إسرائيل لا علاقة لهما بالقوميات والأعراق" ص52، ميزة ما يأتي من أفكار في الرواية، أنه يأتي من طرفي الصراع، عارف الفلسطيني، ويعقوب اليهودي، واعتقد أن اختيار السارد لشخصية "يعقوب" العراقي كان موفقا، حيث أن حضارة العراق تمتد إلى آلاف السنين، وقبل أن يظهر إبراهيم كنبي أو رسول، مما يجعله ـ إن تخلى ـ عن الفكرة الصهيونية، التي تعتمد على التوراة، والتي تمتد إلى ألفي عام، أن يستند/يتكئ على فكرة أعمق زمنيا وتاريخا، وانضج حضاريا وثقافيا من تلك التي جاءت بها التوراة، وهذا ما أكده حينما قال: "كان أبي على حق وهو يفتخر بحضارة أجداده العريقة في سومر وآشور وبابل وأكاد، ويلعن الزمن الذي جعل جده يعتنق اليهودية ليعتنقها هو وأبوه من بعده، لتجيء الحركة الصهيونية وتحرمه حتى من قوميته العربية التي تبلورت على مر الزمن" ص53، فهنا يصل "يعقوب" إلى الحقيقة الكاملة، الحقيقة التاريخية، حقيقة كونه عربيا يدين باليهودية، وحقيقة أن عليه أن يتخذ اجراء يصحح به الخطأ الذي وقع عليه وعلى ابناء دينه، والذي وقع على الفلسطيني.
الخالق والخلق
كما تحدث محمود أبو الجدائل في رواية زمن الخراب عن الخالق والخلق، يتحدث "عارف نذير الحق": "أن القائم بالخلق كان في الخلق نفسه أي في المادة، وأن الوجود كله جاء من المادة ..هذا القائم، الذي أطلقت عليه البشرية اسماء مختلفة، بعد اختراع اللغات، كالله او يهوه، أو الرب! والغريب أن تعتمد العقائد السماوية اللاحقة قصة الخلق من الماء، دون أن تقدم مفهوما لماهية الخالق، وجعلته سابقا على الخلق والوجود، وقدمت مفهوما مبهما له، على أنه ليس كمثله شيء، حسب المفهوم الإسلامي" ص 25، بهذا الطرح الجديد يفسر "عارف" وجود الخالق والمخلوق، الله والكون، وهي يرى أن عملية الخلق لم تكتمل بعد، وما زالت مستمرة ومتواصلة: "يمكن القول أن الوجود هو التصوير غير المجلو في العقل الكوني للخالق، أريد لنا أن نراه حقيقة وهو ليس كذلك، لنساهم في صنع التصور وتطويره، إلى أن يكتمل بما يرضي الخالق، ليتم اظهاره كوجود حقيقي مكتمل" ص107، ولا تقتصر عملية الخلق واكتمالها على الجمادات بل تطال الإنسان أيضا: "الكمال هو أن يحقق الإنسان الغاية من وجوده، وهي: تحقيق قيم الخير والمحبة والعدل والجمال والرقي الإنساني" ص108، قد تبدو رؤية "عارف" عن الخلق والخالق صعبة بعض الشيء، لكنه يوضحها من خلال حواره مع "سارة":
" ـ من أوجدنا حسب رأيك؟
ـ أوجدنا قائم بالخلق يمكن أن أسميه الخالق أو المبدع
لماذا ليس الله أو ما يقابلها في لغات أخرى؟
ـ هذه مفردات لغوية أوجدها البشر بعد اختراع اللغات، منذ بعضة آلاف محدودة من الأعوام، بينما الخالق موجود منذ مليارات الأعوام، هو الأول الذي يفترض أنه ليس قبله شيء.
ـ هل هو واحد أم أكثر؟
ـ هو واحد في كل هائل ومتعدد
ـ من أوجده؟
ـ أوجد نفسه بنفسه لنفسه
ـ وما هو من حيث ماهية جوهره؟
ـ طاقة. طاقة تتجلى في مادة متعددة الأشكال والأحجام والفضاءات والحيوات.
ـ هل هو ضمن زمان ومكان؟
ـ لا. هو خارج حدود الزمان والمكان.
ـ وماذا عن الشكل؟
ـ كل الأشكال واللا أشكال شكله دون أن يكون له شكل محدد بعينه.
ـ ماذا لو قلنا أنه يشبه الإنسان؟
ـ مستحيل." ص374-376، اعتقد، أن مثل هذه الافكار بحاجة إلى التوقف عندها والنظر فيها، فهي جديدة، ونجدها ـ أحيانا ـ تتوافق ونظرتنا إلى الله الخالق، و أحيانا تتناقض، لكنها تبقى أفكارا نقرأها ولنا الحق في مناقشتها أو تركها.
نقد التوراة
"الخلق"
"الخلق"
الفكرة الرئيسة في الرواية هي التوراة وما جاء فيها، تبدأ عمليه تحليلها من الفصل الأول الذي يتحدث عن الخلق الكون، وحتى الثاني والعشرين الذي يتحدث عن خروج اليهود من مصر على يد موسى، أعتقد أن الهدف من وراء ذلك ليس إبراز نباهة السارد وقدرته المعرفية، بل نسف الأسس الفكرية والدينية التي قامت عليها الحركة الصهيونية، أرض الميعاد وشعب الله المختار، فهو يفند أن أرض فلسطين ليست أرض الميعاد، وأن شعب الله المختار فكرة مخترعة من البشر وليس الله، ومتناولا أن العديد من القصص التوراتية إذا ما توقفنا عند تحليلها عقليا، وقارنا كيفية سرد الأحداث فيها، سنجدها تتنافى مع العقل والمنطق، فهناك أكثر من كاتب/سارد لهذه الأحداث، من هنا نجد فيها التباين وحتى التناقض.
جاء في التوراة عن عملية الخلق: "11:1وقال الله لتنبت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمريعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض وكان كذلك.
12:1 فأخرجت الأرض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه ورأى الله ذلك أنه حسن.
مسكين هذا المؤلف كم ظلم الله، فهو لم يكن يعرف ضرورة الشمس والضوء لعملية الخالق، فخلق النباتات والأشجار قبل أن يخلق الشمس، بالتأكيد لم يكن يعرف بعملية التمثيل الضوئي والطاقة والكهرومغناطيسية ومختلف التفاعلات التي تجري بين الضوء وعملية نمو النباتات" ص68، من يقرأ العهد القديم لا يتوقف عند هذا الأمر، كيف يتم ذكر خلق النباتات ونموها، قبل خلق النورين"الشمس والقمر؟، لكن عارف نذير الحق، يجعلنا نعيد النظر في صحة ما نقرأه، ونتوقف عنده، متسائلين، كيف مرت علينا هذا الآيات دون أن نتأملها ونفكر فيها، علما بأننا قرأناها أكثر من مرة، لكن يبدو هيبة (المقدس) تجعل عقلنا مستكينا ومستسلما، بحيث يفقد القدرة على التفكير.
هابيل وقابيل:
أما في مسألة النزاع بين هابيل وقابيل، "لم تمر سوى أيام على عملهما حتى قاما بتقديم
قرابين إلى الله: "
وحدث من بعد أيام أن قايين قدم من ثمارالارض قربانا للرب، وقدم هابيل ايضا من ابكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن الى قايين وقربانه لم ينظر، فاغتاظ قايين جدا وسقط وجهه.
.
" لا أعرف لماذا يحتاج الله إلى قرابين، وكيف عرف قابيل وهابيل ذلك، غير أن التفكير في النص قد يقودنا إلى أن الله أشبه بالإنسان وأنه يحتاج إلى طعام وشراب بل من يخدمه... فالكاتب بدوي يحب الشواء والإله الذي تخيله، كان بدويا على شاكلته حتى أنه جرده من إنسانيته، فما بالك بألوهيته " ص91-93، أيضا نحن لا نتوقف عند فكرة الصراع بين الأخوين، هابيل وقابيل، ونمر عليها مرور الكرام، لماذا يتقبل الله الأغنام ولا يتقبل الخضار والفاكهة؟، ولماذا لم يتم ابداء أسباب أخلاقية/دينية تحول دون تقبل قربان قابيل، فتكون مقبولة للقارئ، لكن يبدو، كما قال "عارف نذير الحق" أن من كتب النص هو بدوي بامتياز.
"17 وعرف قايين امراته فحبلت وولدت حنوك. وكان يبني مدينة، فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك. لا نعرف من أين جاء قايين بامرأته ومتى تزوج، .. والطريف أن يبني مدينة لأسرة لا يزيد أفرادها عن ثلاثة، ولا نعرف كيف سيبنيها ومن ماذا، يبدو أن الحضارة بدأت تأتي إلى أسرة آدم بسرعات هائلة." ص96، بهذا التحليل يتبين للقارئ الأخطاء التي وقع فيها من كتب العهد القديم، فهو يكتب دون أن يتفكر فيما يكتبه، أو أنه كتبه متسرعا فسقطت أحداث وشخصيات، ما جعل النص مشوها وناقصا.
"في الإصحاح الخامس من سفر التكوين يا يعقوب، نجد أنفسنا أمام كاتب آخر غير السابق الذي قص علينا قصة الخلق، فهذا الكاتب يخبرنا أن آدم أنجب أبنا اسمه شيت، ولم يتطرق لا إلى قابيل ولا إلى هابيل ولا إلى قصتهما. 1 هذا كتاب مواليد ادم، يوم خلق الله الانسان. على شبه الله عمله. 2 ذكرا وانثى خلقه، وباركه ودعا اسمه ادم يوم خلق. 3 وعاش ادم مئة وثلاثين سنة، وولد ولدا على شبهه كصورته ودعا اسمه شيثا.
يتضح هنا أن آدم حمل ذاتيا دون امرأة، بإرجاع الولادة إليه. ...وإذا كان هابيل قد قتل قبل أن ينجب، فلماذا لم يذكر هذا الكاتب ذلك، ولماذا لم يتطرق إلى قايين (قابيل) الذي أنجب قبائل وأمما وبنى مدينة؟ واضح أن هذا الكاتب لا يعترف بوجود حواء وقابيل وهابيل، فلديه تصور مختلف" 109و110، من فينا كان ينتبه أو يتوقف عند هذا الأمر؟، فقد كنا نقرأ العهد القديم بقدسية أو بقراءة عادية ودون أن ننتبه إلى هذه الخروقات والتناقضات، لكن عارف نذير الحق يكشف لنا ضحالة قراءتنا وضحالة ما نقرأ.