لن أخفي أنني وقعت فريسة السؤال: ماذا يريد أن يقول المؤلف لقرائه؟ كلّما تابعت القراءة صفحة تلو الأخرى من رواية "الصامت" الى أن أنهيت قراءة الصفحة الثالثة والعشرين منها. في هذه الصفحات، بدا لي أن الكاتب يتخبط، وهو في حيرةٍ بين متابعته لكتابة إحدى رواياته التي بدأ بكتابتها، دون أن يصرّح عن موضوعها أو عنوانها لقرائه، وبين هواجسه التي تزوره في الكرى وفي يقظته أيضًا. وهنا أظن أن الكاتب بفِعله هذا، كان يحاول الكشف للقرّاء عن تقنية سرده للرواية، وهي الدمج بين الأسطورة والواقع، ويبذل جهدًا ليوصل لهم ماهية العلاقة بين حكايا جدته ومخطوط جده الصامت لينطلق منها الى حكايته مع الباحثة دالية الكرمي، التي تعرّف عليها من خلال أحد مواقع التواصل الاجتماعي. بدا الكاتب في سرده للأحداث في الصفحات الأولى من الرواية، قليل الصبر، فجاءت كتابته للأحداث سريعة ومتسارعة، مكثّفة، قصيرة؛ فما أن يلبث القارئ بالتقاط طرف الحدث، حتى ينقله الكاتب الى حدثٍ آخر. لقد كشف أسلوب السرد هذا، عن اهتمام الروائي بتوصيل الفكرة المركزية، أكثر من الخوض بالتفاصيل المسهبة، ووصف العلاقات والأحداث وجغرافية المكان. فهو موجهٌ نحو تحقيق هدفٍ، وتوصيل رسالة من كتابة الصامت. لذا فقد خنق الروائي أصوات شخصيات الرواية وأبقى على صوت البطل أمين، الذي هو صوته، وراح يتكلم باسم شخوص روايته. فها هو على سبيل المثال، يحدثنا عن حكايا جدته، وعن رسائل دالية وغير ذلك؛ دون أن يفتح حوارًا بينه وبين شخوصه الا ما ندر. على أي حال، أسلوب السرد هذا ليس بالضرورة أن يُحكم عليه سلبًا، وللروائي الحق كله في اختياره تقنية السرد الملائمة لبنية عمله الروائي.
لقد اختار الكاتب شفيق التلولي "الصامت" عنوانًا لروايته، وهو كما جاء في الرواية، اسم أحد أجداد بطل الرواية أمين. والصامت لغويًا، هو اسم فاعل للفعل "صمت"، وهو أيضا نعت للذي يقوم بفعل الصمت. ويقال: " رب صمتٍ أبلغ من الكلام". فجاءت "الصامت" بقلم التلولي كاشفة الكثير. حيث كشفت رواية "الصامت" عن ماضي شعب يعيش فيه، وسيبقى يعيش في ذاكرته، وما زال مؤثرًا في واقعه. ومن هنا جاءت قيمة الرواية، برأيي، حيث أنها تعتبر وثيقة وثّقت حقبة تاريخية، ووثّقت مطالب شعبٍ لم تتحقق بعد.
لقد اختار الكاتب التلولي "الصامت" عنوان روايته رغم أن الشخصية المركزية في الرواية هي شخصية الجّد "المنسي"، فهل لهذا دلالة عند المؤلف؟ برأيي نعم. لأن لمعاني أسماء الشخصيات في العمل الأدبي، دلالة يوظفها الكاتب لترمز وتشير الى فكرة ما. فلم يختر التلولي "المنسي" عنوانًا لروايته، لأنه يوثق تاريخًا يريده أن يظل حيًا في الذاكرة ولا يريده أن يُنسى.
تدور رواية "الصامت" حول شخصية "المنسي"، الذي لم يُعرف مصيره في الرواية، فهناك من يعتبر أنه قُتل وهناك من يعتبر أنه ما زال حيًا. "سرد أحد كتّاب الإنجليز حكاية المنسي في معرض روايته، ادعى أن المنسي قُتل في تلك المعركة قبل أن يقع في قبضة القوات الإنجليزية، ومن ثم نفخ اليسوع الروحَ فيه فانبعثت من جديد، وفي رواية أخرى قيل إنه انبعث من رماد العنقاء بعدما احترق." ص 109. وهنا، قد يسأل القارئ: هل قصد الكاتب التلولي بالمنسي قضية فلسطين؟ على اعتبار أن هذه القضية اليوم غير معروف مصيرها بالضبط. هل ما زال قلبها ينبض بالحياة رغم كل محاولات خنقها؟ هل ما زالت موجودة في ذاكرة وضمير العالم رغم كل المحاولات لطمس ملامحها لتصبح منسيًا؟ "لاحظ المنسي خروج الأفاعي من بين ثقوب تصدعات الكهف، أدرك الخطر الذي يحدّق به فقد تلدغه أفعى أو تنهار على رأسه حجارة الكهف أو تتحطم الجبال وتبتلعه المغارات فيصبح نسيًا منسيًا." ص 128 فمَن هي هذه الأفاعي التي بطبعها الغدر؟ وكيف بإمكان القضية أن تصبح نسيًا منسيًا وهناك "المخطوطة" كما جاء في رواية الصامت والذي ترمز برأيي الى حق الشعب الفلسطيني بأرضه، فالمخطوطة هي إثبات خطي ووثيقة مكتوبة تؤكد حق الشعب الفلسطيني، ولو أصبح هناك اليوم مَن لا يجيد فهم كل الذي في المخطوطة، ولعل هذا يعود الى إحداث التزوير فيها. هذا ما يؤكد لي أن يكونوا قد زوروا ما جاء في المخطوطة، الأمر الذي لن يفيدنا كثيرًا في البحث أو يضللنا فلا يمكننا من الوصول للحقيقة التي تفسر لنا سر المخطوطة ومصير المنسي... ص 140.
إذن، الروائي شفيق التلولي بروايته "الصامت" أراد أن يسّلط الضوء على قضيةٍ لا تموت بمرور الزمن، وأراد من خلال "الصامت" أن يصرخ مطالبًا بحق شعبٍ لم يُنصف، أراد أن يتم البحث عن مصير "المنسي" من خلال اكتشاف التزوير في المخطوطة. فهو ابن غزة الصامدة، وقد اختار أن يحكي، ولو عن طريق الحكاية والأسطورة، عن واقع مُر، وعن شعب مقهور ينتظر الخلاص. أراد أن يحكي عن ظلمٍ ما زال مسكوتًا عنه.
مبارك للروائي الأستاذ شفيق التلولي، روايته، "الصامت" الصادرة عن منشورات دار الشروق، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2021.
لقد اختار الكاتب شفيق التلولي "الصامت" عنوانًا لروايته، وهو كما جاء في الرواية، اسم أحد أجداد بطل الرواية أمين. والصامت لغويًا، هو اسم فاعل للفعل "صمت"، وهو أيضا نعت للذي يقوم بفعل الصمت. ويقال: " رب صمتٍ أبلغ من الكلام". فجاءت "الصامت" بقلم التلولي كاشفة الكثير. حيث كشفت رواية "الصامت" عن ماضي شعب يعيش فيه، وسيبقى يعيش في ذاكرته، وما زال مؤثرًا في واقعه. ومن هنا جاءت قيمة الرواية، برأيي، حيث أنها تعتبر وثيقة وثّقت حقبة تاريخية، ووثّقت مطالب شعبٍ لم تتحقق بعد.
لقد اختار الكاتب التلولي "الصامت" عنوان روايته رغم أن الشخصية المركزية في الرواية هي شخصية الجّد "المنسي"، فهل لهذا دلالة عند المؤلف؟ برأيي نعم. لأن لمعاني أسماء الشخصيات في العمل الأدبي، دلالة يوظفها الكاتب لترمز وتشير الى فكرة ما. فلم يختر التلولي "المنسي" عنوانًا لروايته، لأنه يوثق تاريخًا يريده أن يظل حيًا في الذاكرة ولا يريده أن يُنسى.
تدور رواية "الصامت" حول شخصية "المنسي"، الذي لم يُعرف مصيره في الرواية، فهناك من يعتبر أنه قُتل وهناك من يعتبر أنه ما زال حيًا. "سرد أحد كتّاب الإنجليز حكاية المنسي في معرض روايته، ادعى أن المنسي قُتل في تلك المعركة قبل أن يقع في قبضة القوات الإنجليزية، ومن ثم نفخ اليسوع الروحَ فيه فانبعثت من جديد، وفي رواية أخرى قيل إنه انبعث من رماد العنقاء بعدما احترق." ص 109. وهنا، قد يسأل القارئ: هل قصد الكاتب التلولي بالمنسي قضية فلسطين؟ على اعتبار أن هذه القضية اليوم غير معروف مصيرها بالضبط. هل ما زال قلبها ينبض بالحياة رغم كل محاولات خنقها؟ هل ما زالت موجودة في ذاكرة وضمير العالم رغم كل المحاولات لطمس ملامحها لتصبح منسيًا؟ "لاحظ المنسي خروج الأفاعي من بين ثقوب تصدعات الكهف، أدرك الخطر الذي يحدّق به فقد تلدغه أفعى أو تنهار على رأسه حجارة الكهف أو تتحطم الجبال وتبتلعه المغارات فيصبح نسيًا منسيًا." ص 128 فمَن هي هذه الأفاعي التي بطبعها الغدر؟ وكيف بإمكان القضية أن تصبح نسيًا منسيًا وهناك "المخطوطة" كما جاء في رواية الصامت والذي ترمز برأيي الى حق الشعب الفلسطيني بأرضه، فالمخطوطة هي إثبات خطي ووثيقة مكتوبة تؤكد حق الشعب الفلسطيني، ولو أصبح هناك اليوم مَن لا يجيد فهم كل الذي في المخطوطة، ولعل هذا يعود الى إحداث التزوير فيها. هذا ما يؤكد لي أن يكونوا قد زوروا ما جاء في المخطوطة، الأمر الذي لن يفيدنا كثيرًا في البحث أو يضللنا فلا يمكننا من الوصول للحقيقة التي تفسر لنا سر المخطوطة ومصير المنسي... ص 140.
إذن، الروائي شفيق التلولي بروايته "الصامت" أراد أن يسّلط الضوء على قضيةٍ لا تموت بمرور الزمن، وأراد من خلال "الصامت" أن يصرخ مطالبًا بحق شعبٍ لم يُنصف، أراد أن يتم البحث عن مصير "المنسي" من خلال اكتشاف التزوير في المخطوطة. فهو ابن غزة الصامدة، وقد اختار أن يحكي، ولو عن طريق الحكاية والأسطورة، عن واقع مُر، وعن شعب مقهور ينتظر الخلاص. أراد أن يحكي عن ظلمٍ ما زال مسكوتًا عنه.
مبارك للروائي الأستاذ شفيق التلولي، روايته، "الصامت" الصادرة عن منشورات دار الشروق، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2021.