رضوى عاشور - بستان السيدة راء

سنقفز عن المقدمة التى تصف بستان السيدة راء وزهورها اليانعة التى غرستها وروتها ولم تأل جهدا فى رعايتها صباح مساء. نبدأ مباشرة بجرس الباب. فتحت. ما إن رآها رقم 4 حتى قال: «ليه يا ماما...» لم يكمل الجملة وعلا نشيجه. حاولت أن تسحبه إلى داخل البيت ولكنه بقى مسمرا بالعتبة كأنها تدعوه إلى مصيدة، أو كأن دخوله مشروط باكتمال الجملة.

أعادها ناقصة ثم فى المرة الثالثة تمكن من إكمالها:

«ليه يا ماما راء تعلمينى حاجات غلط!»

فاتها التفكير فى مناولته منديلا لمسح مخاطه إذ استغرقها الشعور بالذنب.

قالت لنفسها: ماذا فعلت يا راء؛ رفعت المفعول؟ نصبت الفاعل؟ هل أوصلك الإرهاق حَدّ الخطأ فى دروس النحو المقررة على الصف الثالث الابتدائى؟

أعادها بكاء رقم 4 ومخاطه إلى الانتباه. أخذت الولد من يده إلى الحمام وطلبت منه أن يغسل وجهه ثم سحبته من يده إلى المطبخ وعلقت ببابه اللافتة الحمراء المكتوب عليها بخط أسود بارز كلمة «طوارئ».

لم يكن من المعتاد رفع اللافتة وإغلاق الباب فى هذا الوقت ــ الموعد اليومى للافتة الطوارئ الثامنة مساء، بعد العشاء ــ اندهش الصغار فتكوموا وراء الباب. فتحت الباب فجأة ــ قدرت بفطنتها أن ذلك سوف يحدث ــ تطايروا كأنهم أوراق شجر داهمته العاصفة.

قالت راء بحسم: كل إلى عمله! كادت تدير ظهرها ثم قررت تذكيرهم بالمهام:

«رقم 1 يغيّر لرقم 8، رقم 2 يعد المائدة، رقم 3 تراجع دروس رقم 5 و 6».

صفقت الباب بقوة لتأكيد حالة الطوارئ. عادت إلى رقم 4 بادرته بالسؤال:

ــ درس النحو؟

ــ أى درس نحو؟!

ــ ألم نخطئ فى النحو؟

ــ لم نخطئ، أعطتنى المدرسة 10 من 10.

تنفست بعمق، ثم بصوت زاجر:

ــ ما الغلط الذى علّمته لك؟!

ــ عاد الولد إلى النشيج. ناولته منديلا. مسح مخاطه.

ــ ألم تنصحينى بأخذ وردة إلى المدرسة بمناسبة عيد الأم؟

ــ حدث.

ــ كان هذا خطأ!

ــ هل وبّختك المدرسة؟

ـ لم توبخنى ولكنها لم تبتسم!

ــ ربما كانت متعبة!

ــ لا يا ماما راء. المدرّسة تحب الهدايا الثمينة. ولد أهداها خاتم ذهب، ابتسمت. بنت أهدتها بوشرون، قبلتها.

ــ ما هذا البوشرون؟

ــ نوع من العطور الغالية

ــ ومن أين لك بمعرفته؟

ــ المدرّسة رفعت زجاجة العطر وقالت: «هذا عطر ممتاز وثمين واسمه بوشرون، أنا، يا أطفال، أحب هذا النوع بالذات!».

ــ ولكن الوردة أيضا هدية ثمينة.

عاد الولد إلى البكاء. نبهته راء للمنديل فى يده.

ــ هذا هو الغلط: المدرسة وضعت العطر والخاتم بعناية فى حقيبتها، ووضعت الهدايا الأخرى فى كيس ونسيت الوردة. بعدها سقطت الوردة من على مكتبها فلم تنتبه، وعندما دق الجرس وتركت الفصل وقام الأولاد وركضوا إلى الباب داسوا على الوردة.

فتح رقم 4 حقيبته وأخرج وردة مسحوقة. رفعها فى وجه أمه. تعثرت راء. تقدم الولد.. قال بحسم:

ــ ماما لو سمحت فى المرة القادمة لا تعلمينى أشياء خاطئة!

تركها معقودة اللسان وغادر المطبخ.

انتبهت راء إلى أن عقدة لسانها وقدميها طالت أكثر مما يجب. ستفكر فى الأمر ليلا بعد أن ينام الأولاد. تطلعت إلى الجدول المثبت بباب الثلاجة:

الأحد 21 مارس 1999 تطلعت إلى ساعتها. قفزت من مقعدها. سيختل الجدول. سكبت الطعام. جلس الأولاد للغداء. انتهوا من وجبتهم. رفعت رقم 2 الأطباق. قام رقم 1 بغسلها. سمحت لرقم 4 بأن يقضى نصف ساعة فى الرسم قبل البدء فى كتابة الواجب.

جلست راء لتدريس رقم 3 مادة الحساب. استيقظ رقم 7 أتت به راء وقامت بإرضاعه وهى تواصل شرح الدرس. قطعته مرتين لأن رقم 5 و6 التوءم بكيا فجأة فتعين عليها أن تهدئهما.

ليست هذه العيِّنة مُمثلة لأيام راء أثناء العام الدراسى. تظل واقعة الوردة واقعة منفردة، والوقائع الأخرى ليست يومية.

وحتى واقعة الوردة نفسها ارتبطت بشىء آخر جميل، ألم يكن 21 مارس عيد الأم؟ لم يُشر أى من الأولاد لذلك،« نسيوا!» قالت راء لنفسها ببعض الأسى. لم ينسوا. انتظروا وصول أبيهم فى المساء اجتمعوا حولها وقدموا لها هدية وقبلوها وغنوا لها. ثم أبرز رقم 4 صورة رسمها. قدمها لها. ألقى بنفسه عليها واحتضنها بقوة وقال:

« باحبك جدا يا ماما راء، وحتى وأنت بتعلمينى حاجات غلط، باحبك. والغلط اللى بتقوليه باكتشف وحدى إنه غلط، فمش مهم!».
أعلى