تورية لغريب - في الحرب... كلنا خاسرون

أعتقد أنّه قد حان الوقت أخيرا، لكي نستحضر جانبَنا السيّء والمُبعثَر... وأن نُميط اللِّثام عن الحقيقة التي ركنّاها طويلا في الظّل...
تسيل الحروف بمداد وجع يأبى أن يَكفّ، ونحن نتساءل في كَمد...ما جدوى الحياة بلا سلام؟ يجب أن نُقرّ مرغَمين بأن الأفق يضيق، في عالم مشتت، تعمُّه الفوضى والصراعات لدرجة أن الخوف قد خيّم على القلوب، ورائحة الموت قد أزكمت أنوفنا، فبين بقاع الأرض تتمرغ أحذية العساكر، تكسر ما تبقى من الإنسانية، ليس المهم من ينتصر، ففي معارك الحرب كما ظروف المعيشة الضنكى كلنا خاسرون...
وبما أن العالم بشع لهذا الحد، دعونا نقوم بشيء لطيف، لن يكون أمرا مهما ولن يُخلّد ، لأن صفحات التاريخ محجوزة سلفا لقادة الدم والمصالح والمكاسب... دعونا نقوم بآخر شيء قبل أن يتوقف الكون عن الهذيان ... دعونا نعتذر لأبرياء العالم، لِلُعَب الأطفال المطحونة تحت الأقدام، دعونا نُقبِّل رؤوس الأمهات الثكلى، ونُربّت على الأرامل...
ولنهتف بصوت واحد : نستحق هذا البؤس ونحن نتجرع كؤوس اليأس ونحن نفقد الأمل في غد جميل، دعونا نُعلن أن السّلام حلم يتبخر، وبأنه مجرد مُخدِّر، ورثنا عُشبته عمّن سبقونا لهاته الأرض، حتى يخفَّ الألم...
ففي بعض الأحيان، نجد أنفسنا مضطرين لتقاسم حقيقة مريرة، نُقابلها في الحياة، تأتي على هيئة بشر بعيدا عن الادّعاءات الزائفة، تأتي عارية تماما من ألوان ومساحيق التجميل التي نُخفي بها وجه الواقع القبيح...
خارج حديقة المترفين فكريا، مبدعين وفلاسفة، ومُنظّرين...
في الشارع، وفي كل الأماكن التي قد نرتادها، أناس على هيئة ظاهرة بئيسة، تُثيرنا رغما عنّا، تأخذنا إلى موطن الوجع، إلى حيث تستسلم كل مشاعرنا، نتجرد من
زادنا المعرفي، من أفكار ونظريات كل من تشبعنا بقيمهم وجمالية إبداعاتهم...نستكين أمام أنّات المستضعفين
ونحن نتجرع مرارة التقاسُم...
هنا فقط نستدرك أن الإنسانية الخافتة طويلا فينا، لازالت تنازع البقاء، هنا فقط نعي أنّ صراع الكبار، راسخ ومُتعنِّت، لا يرحم المستضعفين، يتجاهل أنّ لهؤلاء أيضا تصوراتُهم عن الواقع، هم أيضا منظِّرون، مبدعون، ويمارسون فعل التفلسف...لكن داخل كومة من المآسي مسيَّجة بجدران ليل متهالك...لا تصلُه عدسات الكاميرا، ولا أبواق القنوات الرسمية، ولا تعتبره قرارات أصحاب الريّادة، وهم يستبيحون الأرواح بجرَّة قلم.


الكاتبة الصحفية : تورية لغريب



* نشر بجريدة الصباح


1646688107357.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى