لكن المبالغة في ادعاء القدرة على الإدراك والإبصار، وتصويرها مضاعفة، يحمل من المعنى ما يتضاد تمامًا مع ما يريد المدعي تصويره؛ ليرى في نفسه فطنة زائفة، هي في عيون كل محيطيه مدعاة للشفقة حينًا.. للتندر أحيانًا.
فـ "ازدواج البصر" هو رؤية الشيء شيئين.. أو رؤية صورتين للشيء نفسه، وثمة فارق هائل لا يدركه الكثيرون بين ذوي ازدواج الرؤية الناتج عن تلف عضلات العين، أو مشكلة في أعصابها كأمرٍ قدري.. ومزدوجي الرؤية ـ "بمحض إرادتهم" ـ الذين لا يختلط لديهم النور والظلمة، بل يرون فيهما ـ كل على حدة ـ صورتين متطابقتين لغيم وخيم.. أولئك المصرّين على ادعاء ما يدركون أنه ليس فيهم؛ حين يرون صورتين متباينتين متناقضتين لثالث لا يرونه عامدين!
فصورة مأساوية واحدة لأطفال الشوارع ـ أو أحدهم ـ دائمي السعي خلف رصيف يتواري عنهم، يهادنونه ليناموا فوقه بأنصاف أعين، قبل أن تداهمهم أقدام حتمية القدوم.. صورة واحدة.. تنتفي معها.. لكل راءٍ لم يفقد جل إنسانيته.. كل احتمالات التساؤل حول كونهم ـ الأطفال ـ جناةً أم مجنيًا عليهم.. تصير كل محاولات الإجابة عبثًا متعمدًا رتيبًا، حين يرى أيٌ منهم ـ مزدوجو الرؤية بمحض إرادتهم ـ في اختفاء واحد، فقط، من بين ملايين من أولئك الصغار البؤساء، أمرًا لا يستحق التوقف عنده، دون أن يكلف نفسه ـ ذلك المزدوج ـ مشقة السؤال: أي الأمرين أجدر ببؤرة اهتمام في بلدنا: ملاذ غير آمن من شموس تترصد رأس المسكين مستعرة حارقة في صيف.. وسماء مروعة خارقة في شتاء.. مع كسرة خبز لذات كبِدٍ أقسي رطوبةً من جدران لفظتها.. أم أن ـ الأجدر بالبؤرة الهزيلة ـ مقاعد.. وثيرة كانت أم فقيرة.. لا تتسع سوى للقاءات عاشقي أنفسهم مراوديها عنها؟!!
لم يرَ مزدوجو الرؤية أكبادًا هم أصل الكَبَد؛ حيث رؤوا صورتين متناقضتين متباينتين بين مستغِلٍ ومستغَل طيعًا طائعًا، التقطتهما أنوفهم المرتفعة على فراغ، وحاولت تصديرهما بوصفهما متطابقتين مطابقتين لأصلٍ ضل طريقه إلى أعينهم المتعالية العليلة.. صورتين إحداهما نصف كاذبة والأخرى نصف صادقة لأصلٍ وحيد.. هو الحقيقة المطلقة.
الأصل.. والأصل فقط يا سادة.. هو الأجدر بكل العيون، وما عداه محض تضليل.. فقر في سيرة.. وقفر في سريرة.
فـ "ازدواج البصر" هو رؤية الشيء شيئين.. أو رؤية صورتين للشيء نفسه، وثمة فارق هائل لا يدركه الكثيرون بين ذوي ازدواج الرؤية الناتج عن تلف عضلات العين، أو مشكلة في أعصابها كأمرٍ قدري.. ومزدوجي الرؤية ـ "بمحض إرادتهم" ـ الذين لا يختلط لديهم النور والظلمة، بل يرون فيهما ـ كل على حدة ـ صورتين متطابقتين لغيم وخيم.. أولئك المصرّين على ادعاء ما يدركون أنه ليس فيهم؛ حين يرون صورتين متباينتين متناقضتين لثالث لا يرونه عامدين!
فصورة مأساوية واحدة لأطفال الشوارع ـ أو أحدهم ـ دائمي السعي خلف رصيف يتواري عنهم، يهادنونه ليناموا فوقه بأنصاف أعين، قبل أن تداهمهم أقدام حتمية القدوم.. صورة واحدة.. تنتفي معها.. لكل راءٍ لم يفقد جل إنسانيته.. كل احتمالات التساؤل حول كونهم ـ الأطفال ـ جناةً أم مجنيًا عليهم.. تصير كل محاولات الإجابة عبثًا متعمدًا رتيبًا، حين يرى أيٌ منهم ـ مزدوجو الرؤية بمحض إرادتهم ـ في اختفاء واحد، فقط، من بين ملايين من أولئك الصغار البؤساء، أمرًا لا يستحق التوقف عنده، دون أن يكلف نفسه ـ ذلك المزدوج ـ مشقة السؤال: أي الأمرين أجدر ببؤرة اهتمام في بلدنا: ملاذ غير آمن من شموس تترصد رأس المسكين مستعرة حارقة في صيف.. وسماء مروعة خارقة في شتاء.. مع كسرة خبز لذات كبِدٍ أقسي رطوبةً من جدران لفظتها.. أم أن ـ الأجدر بالبؤرة الهزيلة ـ مقاعد.. وثيرة كانت أم فقيرة.. لا تتسع سوى للقاءات عاشقي أنفسهم مراوديها عنها؟!!
لم يرَ مزدوجو الرؤية أكبادًا هم أصل الكَبَد؛ حيث رؤوا صورتين متناقضتين متباينتين بين مستغِلٍ ومستغَل طيعًا طائعًا، التقطتهما أنوفهم المرتفعة على فراغ، وحاولت تصديرهما بوصفهما متطابقتين مطابقتين لأصلٍ ضل طريقه إلى أعينهم المتعالية العليلة.. صورتين إحداهما نصف كاذبة والأخرى نصف صادقة لأصلٍ وحيد.. هو الحقيقة المطلقة.
الأصل.. والأصل فقط يا سادة.. هو الأجدر بكل العيون، وما عداه محض تضليل.. فقر في سيرة.. وقفر في سريرة.