* أ. د. عادل الأسطة - القدس ثانية… وماذا بعد؟… ماذا بعد؟
ينهي محمود درويش قصيدته "في القدس" من ديوانه «لا تعتذر عما فعلت»، 2003، بالآتي:
"وماذا بعد؟“
ماذا بعد؟ صاحت فجأة جندية:
هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟
قلت: قتلتني… ونسيت، مثلك، أن أموت.“
لم يصدق محمود درويش نفسه حين زار القدس ثانية، فقد انقطع عن زيارتها ما لا يقل عن 25 عاماً. وفي القدس التي زارها ثانية رأى المجندة الإسرائيلية ثانية وبعد ربع قرن فصاحت هي حين رأته مندهشة، إذ كانت قتلته.
قتلت المجندة الإسرائيلية الشاعر ولكنه لم يمت، وهي أيضاً مثله لم تمت. لقد نسيا الموت على الرغم من القتل. هل ما ورد في القصيدة حقيقي وهو ما حدث حقاً بين الشاعر الفلسطيني والمجندة الاسرائيلية؟ إذن أين هو عنصر الخيال في الشعر؟
لا أعرف كيف قارب النقاد هذه القصيدة التي قاربتها في دراسة لي نشرتها في مجلة "الأسوار" العكاوية في العام 2004. وأغلب الظن أنني فرقت بين القتل والموت وقلت: ليس كل قتل يؤدي إلى الموت. كلمة ”قتل" تحيل إلى مدلولات عديدة أحدها الموت البيولوجي، وهناك القتل النفسي والقتل المعنوي والقتل الروحي.
تحيل القصيدة وعلاقة الشاعر بالمرأة اليهودية إلى قصة حب درويش فتاة يهودية وإلى قصائد سابقة له عديدة ظهرت في أشعاره قبل خروجه من الأرض المحتلة وأشعاره بعد خروجه، وتحيل أيضاً إلى نثره مثل كتاب «ذاكرة للنسيان.. سيرة يوم: المكان آب.. الزمان بيروت»، 1986، وإلى المقابلات العديدة التي أجريت معه وأتى فيها على ذكر علاقته بالمرأة اليهودية وما أكثرها.
وخلاصة تلك العلاقة أن الشاعر أحب فتاة يهودية شيوعية ثم انفصلا بسبب حرب حزيران 1967 والتحاقها بالجيش، وقد أتى على افتراق الحلمين في قصيدته "شتاء ريتا الطويل“، 1991، وكتب عن حلمين يتقاطعان "فواحد يستل سكيناً وآخر يودع الناي الوصايا“.
هل رأى درويش في زيارته القدس، بعد ربع قرن، الفتاة التي أحبها وهل صاحت به: ألم أقتلك؟ يوم افترقنا بسبب التحاقي بالجيش فما الذي أعادك؟
لو كان الشاعر على قيد الحياة لربما سألته عن المعنى وعن نسبة الواقع والخيال في هذه القصيدة ولكن.. القصيدة هذه وقصيدة أخرى سبقتها تأتيان على القدس ومكانتها لدى درويش. شاعت واحدة ولم تشع الثانية وقد يعود السبب إلى بروز دال القدس فيها بروزاً واضحاً لافتاً، وفي هذه كتب الشاعر عن المدينة التي تندلع فيها الحروب بسبب حجر شحيح الضوء. وبغض النظر عن سبب اندلاع الحروب في القدس فإن كتابة الشاعر عن المدينة كانت لافتة. ليست هذه القصيدة أول قصيدة يكتب فيها درويش عن القدس التي زارها أول مرة بعد احتلال الاسرائيليين لها في حرب حزيران 1967.
إثر هزيمة العرب واحتلال المدينة تمكن الشاعر من زيارتها خلسة، فقد كان يخضع للإقامة الجبرية في حيفا. تسلل في القطار إلى القدس وزارها فرأى مدينة حزينة شبه مهجورة وكتب قصيدته "تحت الشبابيك العتيقة " وأهداها "إلى مدينة القدس وأخواتها" وكتب نصاً نثرياً عنوانه "تقاسيم في سورة القدس" ونشره في كتاب «يوميات الحزن العادي» عام 1973.
كان حزن الشاعر كبيراً، فالدرج مهجور والشبابيك مغلقة و..و..و…
كان محمود درويش يومها شاعراً ماركسياً ورأى في القدس مدينة محتلة ولم ينعتها بأي نعت ديني ولم ينظر إليها من منظور ديني. إنها مدينة عتيقة من مدن وطنه السليب، وفيما بعد، بعد إعادة طباعة الديوان، وبعد محاولات إسرائيل تهويد القدس خص درويش القصيدة بالقدس وحدها وحذف دال "وأخواتها "من الإهداء، ومع مرور الأيام حذف الإهداء كله.
لم تكن قصيدته "تحت الشبابيك العتيقة "القصيدة الوحيدة في القدس. فقد عاد وكتب وهو في المنفى قصائد أخرى. غادر الشاعر حيفا في 1970 ليدرس الفلسفة في موسكو ولم يعد في 1971 إلى حيفا. لقد سافر إلى مصر واستقر فيها، فهل نسي القدس؟
في 1972 أصدر درويش ديوانه »أحبك أو لا أحبك» وفيه ذكر القدس غير مرة.
في قصيدة "مزامير" كتب عن أورسليم وفي قصيدة "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا" التي كتب فيها عن سرحان بشارة سرحان أتى على القدس وبين مكانتها لدى الحكام العرب أو من يفكر منهم أن يصبح حاكماً.
كان في هذه الأثناء في مصر وبدأت فجيعته من العالم العربي تكبر و تزداد، ورأى أن الحكام العرب يستغلون اسم القدس ليصلوا إلى كراسي الحكم. وقد عبر عن هذا بقوله:
"وما القدس والمدن الضائعة سوى ناقة تمتطيها البداوة إلى السلطة الجائعة" و"وما القدس إلا صندوق تبغ وزجاجة خمر".
لم يكتب الشاعر في قصيدة "سرحان..." ما تعنيه القدس له. كتب عما تعنيه للعرب/ البداوة.
القدس مطية الحاكم العربي للبقاء في كرسي الحكم أو هي مطية من يريد أن يعتلي سدة الحكم، إنها صندوق تبغ أو زجاجة خمر للحاكم ولكنها لدرويش وطنه "ولكنها وطني“.
هل كان للقدس بعد 1972 حتى 2003 حضور في شعر الشاعر؟
في الرسائل المتبادلة بينه وبين الشاعر سميح القاسم أتى على الطلب منه أن يقرأ قصائد عن القدس في إحدى الدول الأوروبية، هو وشاعرة يهودية. كيف كتب الفلسطيني عن القدس وكيف كتب عنها الاسرائيلي؟
مرة تجادلت أنا والشاعر فاروق مواسي حول قصيدة القدس في أشعار محمود درويش واختلفنا. هو كتب عن خلافنا في كتاب أصدره عن القدس في الشعر الفلسطيني وأنا كتبت دراسة عنوانها "إشكالية قصيدة القدس: محمود درويش نموذجاً"ونشرتها في مجلة كنعان في حزيران 1998.
هل كتب محمود درويش قصائد عن القدس؟
موضوع أثرناه من قبل وها نحن نثيره من جديد. إنه موضوع إشكالية مثل المدينة نفسها؛ المدينة التي دُمّرت ثماني عشرة مرة وأعيد بناؤها ثماني عشرة مرة.
"وماذا بعد؟" ماذا بعد؟
صاح (ترامب): ألم أقتلكم أيها الفلسطينيون؟
ولا شك أن الإجابة ينطق بها الشباب الفلسطيني على مداخل رام الله والمدن والقرى والمخيمات: "قتلتنا ونسينا، مثلك، أن نموت"
وماذا بعد؟
ماذا بعد؟
===================
* أ. د. عادل الأسطة - محمود درويش والقدس وسؤال المجندة
كتب محمود درويش في ديوانه «لا تعتذر عما فعلت»، 2003، غير قصيدة عن القدس أتيت عليها في دراستي للديوان التي نشرتها في مجلة «الأسوار» في عكا في العام 2004.
إن قصيدة "في القدس"مرتبطة بالقصيدة التي تليها "بغيابها كونت صورتها“.
مرة عاشرة أشير إلى الناقد الفرنسي ميخائيل ريفاتيري الذي درس قصيدتين للشاعر الفرنسي بودلير ولاحظ أنهما تعكسان البنية نفسها، وإلى ما قام به الناقد العربي كمال أبو ديب في كتابه «جدلية الخفاء والتجلي» حيث درس ثلاث قصائد لأبي نواس ولاحظ أيضاً أنها تعكس البنية نفسها.
كلا الناقدين يتكئ على مقولة بنيوية هي "الصلة بين" -الأصح هي أحد تعريفات البنيوية- فالبنيويون يربطون بين الأجزاء وينظرون إلى التشابه والتوازي بين النصوص وإلى الأنساق الثابتة.
كما لو أن الشعراء كتبوا قصيدتين؛ قصيدة حب وقصيدة حرب. هذا ما تقوله البنية العميقة وهي خلاف ما تقوله الأشياء في الظاهر. ما صلة هذا كله بمحمود درويش وقصيدة القدس لديه؟
الجدل حول قصيدة القدس في شعر محمود درويش دار بيني وبين الشاعر فاروق مواسي في تسعينيات القرن العشرين وعلى إثره كتبت دراسة مكثفة هي "إشكالية قصيدة القدس“ ونشرتها في مجلة «كنعان» في صيف 1998.
نفى مواسي أن تكون قصيدة محمود درويش "تحت الشبابيك العتيقة" قصيدة قدس وأنا درستها على أنها قصيدة قدس. وأنا أكتب "إشكالية قصيدة القدس” غاب عن ذهني رسائل محمود إلى سميح القاسم. في رسالة “هو.. أو هي" (الرسائل ط2 1990. ص 99/ حيفا) يأتي درويش على قراءته في مدينة روتردام قصائد عن القدس تمثل الشعر الفلسطيني، في الوقت الذي قرأت فيه شاعرة إسرائيلية هي شيرلي هوفمان قصائد عبرية عن القدس أيضاً.
يكتب درويش في رسالته "قرأت شعراً عن أزقة القدس، وهي قرأت شعراً عن حجارة القدس“. هذا يعني أن الشاعر خص القدس بقصائد، وليس من قصيدة في أشعاره حتى 1986 أبرز من "تحت الشبابيك العتيقة“.
في كتابه «يوميات الحزن العادي»، 1973، هناك مقال نثري عنوانه "تقاسيم على سورة القدس“ يظهر فيه تصوره للمدينة. كان الشاعر زار القدس بعد حزيران 67 حين كان ماركسياً، ولذا قدّم تصوره الماركسي.
لم ينظر إلى المدينة من منظور ديني. نظر إليها من منظور ماركسي فبين ما تعنيه للنظام العربي ولبرجوازية القدس، وبين أيضاً ما تعنيه لبائع الصحف الفقير.
"اليوم تبكون على القدس والقدس لا تبكي على أحد“
"والقدس عاصمة الخيام البعيدة وعاصمة الأموال البعيدة والشهداء البعيدين“
"سأستبدل القدس بالجنة“
"من علّم القدس هذا الجمال. من علّم القدس هذه السخرية؟"
"من يشتري صدر تاريخي وظهر تاريخي وعورة تاريخي بلحظة انتصار واحدة؟“
والقدس كما يقول بائع الصحف: "لم تكن القدس لي في يوم من الأيام… أنا بائع الصحف في كل زمان ومكان" و"أصحاب القدس يبيعونني ويستقبلون الفاتحين“.
كل ما سبق يقول إن الشاعر كتب قصائد عن القدس قبل رحيله عن فلسطين في 1970، وأن ما كتبه عن المدينة بعد خروجه ليس بعيداً عما كتبه بعد خروجه وبدا واضحاً في ديوان «أحبك.. أو لا أحبك»، 1971. والسؤال الآن هو: هل تعد قصيدتا "في القدس" و"بغيابها كوّنت صورتها“، 2003، قصيدتين منفصلتين عمّا كتبه الشاعر قبل 1973؟
تتطلب الإجابة عن السؤال قراءة دقيقة لكل ما كتبه الشاعر وذكر فيه القدس؛ شعراً ونثراً. هنا يمكن العودة ثانية إلى تعريفات كلمة بنية وموقف البنيويين من علاقة النصوص ببعضها. في "في القدس“، 2003، سطر شعري لافت عن الشاعر والمجندة: "هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟“
سؤال المجندة يعيدنا إلى "تقاسيم على سورة القدس“، 1973، الذي يسترجع زيارة الشاعر للمدينة بعد حرب حزيران، 1967. في «يوميات الحزن العادي» في "تقاسيم على سورة القدس” يكتب درويش: "أوقفتني جندية صغيرة وسألتني عن قنبلة وصلاتي. حسبتني الجندية شاعراً فأخلت سبيلي وتساءلت: لماذا جئت إلى القدس إذن؟" وسيجيبها الشاعر: "أنا لا أحارب ولا أصلي" .إذا لم تحارب وتصلي فلماذا جئت إلى القدس؟“ وفي "بغيابها كوّنت صورتها" يأتي على تلال سبعة وكان كتب عن هذا في ”تقاسيم…“: "لوحة من الصخر معلقة على تلال سبعة".
هل كتب درويش إذن قبل 1971 قصائد عن القدس؟ وهل ما كتبه في «لا تعتذر عما فعل»، 2003، منقطع الصلة عما كتبه قبل 1973؟ لن تنتهي قراءاتي لأشعار الشاعر. حتى وأنا أموت سيظل في نفسي شيء من أشعار الشاعر.
============================
* أ. د . عادل الأسطة - هل قرأ الشاعر محمود درويش القاصة سميرة عزام؟
عاش محمود درويش حتى العام 1970 في فلسطين التي تغنّى بها وخصص عنواناً من عناوين مجموعاته لها "عاشق من فلسطين"، وسافر إلى موسكو للتثقف في الفكر الماركسي والفلسفة حتى يعود إلى حيفا ليواصل نضاله تحت راية الحزب الشيوعي معتمداً على ثقافته الماركسية.
لم يعد الشاعر إلى حيفا، فقد سافر إلى مصر وأقام فيها حتى 1973 تقريباً، ليغادرها إلى بيروت وليستقر فيها حتى 1982. لم يلتق درويش في بيروت بغسان كنفاني ولا بسميرة عزام، فقد توفيت القاصة في آب 1967. قرأ درويش كنفاني ورثاه بمقالة معروفة "غزال يبشر بزلزال“، ولا أعرف إن كان قرأ القاصة أو إن كان رثاها شعراً أو نثراً. استشهد كنفاني في تموز 1972 وتوفيت عزام ودرويش في آب، وبين وفاتهما واحد وأربعون عاماً.
هل كان الشاعر من قرّاء فن القصة القصيرة وفن الرواية؟ وهل تأثّر، بوعي أو دون وعي، بقراءاته النثرية؟
الإجابة عن السؤالين السابقين ليست صعبة. يتطلب الأمر أن ننظر في كتبه النثرية وفي مقالاته وفي كتاب ”الرسائل" المتبادلة مع الشاعر سميح القاسم الذي توفي أيضاً في شهر آب.
تقول لنا رسائل محمود إلى سميح أنه قرأ روايات من الأدب العبري والعالمي، فحضور النص العبري في نصوصه الإبداعية واضح، وتقول لنا رسائله و"خطب الدكتاتور الموزونة“ أنه قرأ روايات من الأدب الأميركي اللاتيني وتأثر بها. إن "خطب الدكتاتور الموزونة“ هي النص العربي الموازي لرواية الدكتاتور في روايات أميركا اللاتينية التي نقلت إلى العربية في سبعينيات القرن العشرين.
أعود إلى السؤال الأساس: هل قرأ الشاعر القاصة وتأثر بها؟ وحتى يعثر المرء على إجابة يطمئن إليها فيجب أن يقرأ نتاج الكاتبين معاً.
ما الذي أثار الفكرة في ذهني؟ أهي مناسبة وفاة الكاتبين في هذا الشهر؟
كنت أقرأ في أشعار الشاعر الأولى فلفت نظري سطر للشاعر يقول فيه إن وكالة الغوث لا تسأل عن موته فهو كلاجئ فلسطيني لا يعنيها. وكنت اقرأ في الوقت نفسه قصة سميرة عزام "لأنه يحبهم“ فلاحظت اختلافاً واضحاً بين موقف الشاعر والقاصة من موقف وكالة الغوث من اللاجئ الفلسطيني. إن الوكالة في قصة عزام يعنيها موت اللاجئ حتى تقطع عنه المعونات، وكان أبو سليم جاسوس المخيم سرعان ما يخبر مكتب الوكالة في المخيم بمن مات أو هاجر لتباشر الوكالة إجراءاتها.
ما سبق قال لي إن درويش لم يقرأ سميرة حين كان في الأرض المحتلة، ولعل قصصها لم تعرف في فلسطين إلا بعد أن نشرها يعقوب حجازي صاحب دار ”الأسوار“ في سبعينيات القرن العشرين.
وأنا أبحث عن قصة "الحاج محمد باع حجته" ألتفت إلى التصدير، فتذكرت أشعار درويش بعد خروجه من الأرض المحتلة، وفكرت في الصلة بين بعض قصص القاصة وبعض قصائد الشاعر، وهذا ما يجب أن نتوقف أمامه.
تصدّر القاصة قصتها بالآتي: "إليها تلك الغريبة التي سألتها في بيت صفافا من وراء الشريط "كيف تشعرون أنتم في سجنكم"، فقالت: "بل قولي كيف تشعرون أنتم في (حريتكم)؟..." فألقمتني حجراً بهذا السؤال الجواب".
والتصدير يأتي على واقع الفلسطينيين بعد نكبة 1948، فـ 650 ألف فلسطيني صاروا لاجئين، و150ألف بقوا في قراهم ومدنهم وصحرائهم. أي الفريقين يعاني أكثر؟
من هي وراء الحدود تنظر إلى من بقي في أرضه على أنه سجين، إذ أصبحت فلسطين كلها سجناً، وعلى العكس منها تنظر المرأة الباقية في أرضها.
تضع سميرة عزام السؤال بين علامات تنصيص، وتضع كلمة "حريتكم" بين قوسين، ما يعني أن الدال يقول أكثر مما يقوله ظاهره. أنه محمل بمدلولات بعيدة فيها من السخرية المرة ما فيها، وأن الحرية ليست متوفرة لفلسطينيي المنفى، كما أن البقاء في فلسطين ليس بالضرورة إقامة في سجن.
إن قصص سميرة عزام ذات المحتوى الوطني تقول أيضاً إن الحرية غير موجودة في المنفى. قصة "فلسطيني" مثلاً.
تحفل أشعار درويش، بعد خروجه من الأرض المحتلة، بالكتابة عن الغزاة والطغاة وعدم التفريق بينهما. يستطيع المرء أن يأتي بمقاطع شعرية ونثرية ليدلل على ما يقوله.
منذ 1979، في قصيدة "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا“ يبرز دالا الطغاة والغزاة معاً، وفي قصيدة الشاعر في رثاء راشد حسين "كان ما سوف يكون“ عام 1977 نقرأ عن قسوة المنفى وتفضيل سجن الوطن عليه:
"والتقينا بعد عام في مطار القاهرة
قال لي بعد ثلاثين دقيقة:
"ليتني كنت طليقاً
في سجون الناصرة ".
هل ثمة فرق بين المقطع السابق وتصدير قصة سميرة؟
في رثاء ماجد أبو شرار يكتب درويش:
"وكان السجن في الدنيا مكاناً
فحررنا ليقتلنا البديل"
و:
"ويا لحم الفلسطيني فوق موائد الحكام، يا حجر التوازن والتضامن بين جلاديك، حرف الضاد لا يحميك، فاختصر الطريق عليك يا لحم الفلسطيني".
هل اختلفت الكتابة في مقالته "في وصف حالتنا"؟
"عشرون مملكة ونيف
كوليرا طاعون ونيف
من ليس بوليساً علينا
فليشرف
من ليس جاسوساً علينا
فليشرف"
بلغ الأمر ذروته في مجموعة "حالة حصار" عام 2002 حين كتب الشاعر، وهو في رام الله، عن إخوته في العالم العربي:
"لنا إخوة خلف هذا المدى
إخوة طيبون، يحبوننا، ينظرون إلينا
ويبكون، ثم يقولون في سرهم:
"ليت هذا الحصار هنا علني.."
ولا يكملون العبارة: "لا تتركونا
وحيدين...لا تتركونا"
هل قرأ الشاعر القاصة أم هي التجربة المتشابهة؟
======================================
* أ. د. عادل الأسطة - "لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد"
وأنا أقرأ أشعار محمود درويش ونثره، وأيضاً أشعار سميح القاسم ونثره، غالباً ما أقول إن المنهج الاجتماعي الماركسي يسعفنا كثيراً في تقديم تفسيرات وتأويلات وتعليلات أكثر إقناعاً، ولا يعني هذا عدم الاستعانة بمناهج أخرى أو عدم جدوى تلك المناهج.
منذ بداية حياتهما الشعرية، بخاصة في ستينيات القرن العشرين، اعتنق الشاعران الفكر الماركسي وكتبا من وحيه وينبغي ألا يُغفل هذا وألا يُغفل أيضاً تأثيره فيهما حتى بعد تركهما الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
يذهب المنهج الاجتماعي الماركسي إلى ضرورة الالتفات إلى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أثناء دراسة الشاعر ونصه، ويربط ما بين الموقع والموقف ويرى تأثير الأول على الثاني، ويعطي الأولوية للمواقف الأيديولوجية ولا يهتم كثيراً بالصداقات الفردية، ويطالب بحزبية الأدب والأديب، ولهذا فليس ثمة صداقات نهائية.
سيهاجم الرفاق رفيقاً تخلى عن الحزب وسيوجعونه و..و…
لما ترك محمود درويش فلسطين هاجمه رفاق الأمس ومنهم إميل حبيبي وسميح القاسم، ولما ترك إميل حبيبي الحزب منحازاً إلى "البيروستريكا" هاجمه الشاعر توفيق زياد ونعته بـ"المرتد" و"النرجس".
هل ظلت علاقة سميح القاسم بإميل حبيبي بعد تركهما الحزب الشيوعي الإسرائيلي كما كانت عليه وهما رفيقان في الحزب؟
ظل الأديبان رفيقين صديقين ثلاثين عاماً، ثم اختلفا.
ثانية أعود إلى محمود درويش.
قلت إن قراءة أشعاره وأشعار سميح القاسم يناسبها المنهج الاجتماعي الماركسي. يعني لا بد من مراعاة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والموقع والموقف وأضيف والحالة النفسية التي تلم بالشاعر لحظة كتابة النص. "نحن بشر يا بشر" كان يصرخ إميل حبيبي حين يرد على من يتهمه بالتطبيع أو بعدم اتخاذ مواقف حاسمة.
في العام 1981 كتب الشاعر محمود درويش نصاً نثرياً/شعرياً في رثاء القائد السياسي ماجد أبو شرار الذي اغتاله الموساد في روما، وسيعود الشاعر إلى النص النثري/الشعري ليخفف من بعض نثره ولينشره على أنه قصيدة. ولما كنت قرأت النصين فقد علق في ذهني مقطع يربط فيه الشاعر بين فلسطين والأندلس. المقطع هذا لم يظهر في القصيدة. نص المقطع:
"نمضي إلى مطعم هادئ، لنقول: كبرنا/ ولم يذهب العمر في درب حيفا سدى/
أتحسبها الأندلس؟
ولكنها طائر في يد مزقتها الرماح ولم تنبسط".
هل ستؤول فلسطين إلى ما آلت إليه الأندلس؟ يسأل أحدهما الآخر فيرد الثاني، لعله ماجد: ولكنها طائر في يد مزقتها الرماح ولم تنبسط. أي ما زال الفلسطينيون يقبضون على فلسطين بأيديهم ولم يستسلموا ولم يتخلوا عن وطنهم على الرغم مما فعلته الرماح بيدهم. كان هذا في 1981 يوم كانت الثورة الفلسطينية في بيروت وكانت قريبة من فلسطين وقوية.
هل ظل الشاعر يؤمن بما أورده في فترات لاحقة اختلفت فيها المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والموقع والحالة النفسية للشاعر؟
بعد الخروج من بيروت في 1982 ضعفت الثورة وتوزع الفدائيون على بلدان عربية لا تحد فلسطين وأصبحوا مقاتلين متقاعدين. وهنا ستقبل القيادة الفلسطينية ما كانت ترفضه وهي في بيروت. وستوقع اتفاق أوسلو الذي لم يلبّ الحد الأدنى للطموحات الفلسطينية. ولم يرق هذا للشاعر الذي انزوى.
في ديوان «لماذا تركت الحصان وحيدا؟» 1995، بعد توقيع اتفاقية أوسلو، قصيدة عنوانها "خلاف، غير لغوي، مع امرئ القيس". والقصيدة لا تخلو من مغزى. كما لو أن الشاعر يقصد "خلاف، غير لغوي، مع ياسر عرفات". الخلاف غير لغوي وقد التقط إدوارد سعيد المغزى فأشار إلى روح الانكسار التي حلت بالفلسطينيين بعد توقيع اتفاقية أوسلو.
هل يمكن أن يتقارب ما ورد في هذه القصيدة بما ورد في نص رثاء المرحوم الشهيد ماجد أبو شرار؟
في "خلاف، غير لغوي، مع امرئ القيس" نقرأ:
"أغلقوا المشهد/ انتصروا/ عبروا أمسنا كله/" و"أغلقوا المشهد/ انتصروا/ صوروا ما يريدونه من سماواتنا/ نجمة..نجمة/ صوروا ما يريدونه من نهاراتنا/ غيمة غيمة،/غيروا جرس الوقت / انتصروا…".
ثمة شعور بالخسارة وثمة إقرار بالهزيمة. انتصروا تعني أيضاً: "انهزمنا" وإن لم يورد الشاعر الفعل بحروفه، فالحضور يستحضر الغياب. هكذا يستحضر الفعل انتصر الفعل انهزم. ثمة منتصر وثمة مهزوم.
كان درويش الماركسي وبتأثير من الفكر الماركسي كتب بعد هزيمة حزيران 1967:
"خسرت حلماً جميلا
خسرت لسع الزنابق
وكان ليلي طويلاً
على سياج الحدائق
وما خسرت السبيلا"
ثمة اعتراف بخسران ولكن ليس ثمة إقرار بالهزيمة.
في «جدارية»، 2000، يقرأ المرء:
"لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد".
هل أدرك درويش بعد إقامته خمس سنوات في رام الله أن الإسرائيليين لم ينتصروا وأن الفلسطينيين لم ينهزموا بعد؟
بعد كتابته «جدارية» بأشهر اندلعت انتفاضة الأقصى ليواصل الفلسطينيون مقاومتهم. كما لو أنهم لم يقروا بالهزيمة ولم يستسلموا.
ماذا كتب الشاعر في ظل انتفاضة الأقصى؟
مجموعة «حالة حصار» تقول إن الشاعر عاد إلى ما كتبه إثر حرب حزيران 1967 "وما خسرت السبيلا ". إنه ما زال يقيم على أرضه "يربي الأمل "، يمارس ما يمارسه العاطلون العمل ويتفحص خصيتيه ليتأكد من صلاحيتهما، فصلاحيتهما تقول له إنه ما زال يقاوم.
في «حالة حصار» يصر الشاعر على البقاء في أرضه حتى يشعر العدو بالضجر والملل ويرحل، فالضجر والملل صفتان من صفات البشر.
أليس اليهود بشراً مثلنا؟
ألم يترك محمود درويش شايلوك يعبر عن نفسه: "أليس لليهودي قلب؟". فلماذا نستكثر عليه الحب؟ ولماذا نستكثر عليه الشعور بالضجر والملل؟
ربما لهذا السبب كتب الشاعر قصيدته: "عابرون في كلام عابر".
ما سبق اجتهاد، مجرد اجتهاد.
ينهي محمود درويش قصيدته "في القدس" من ديوانه «لا تعتذر عما فعلت»، 2003، بالآتي:
"وماذا بعد؟“
ماذا بعد؟ صاحت فجأة جندية:
هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟
قلت: قتلتني… ونسيت، مثلك، أن أموت.“
لم يصدق محمود درويش نفسه حين زار القدس ثانية، فقد انقطع عن زيارتها ما لا يقل عن 25 عاماً. وفي القدس التي زارها ثانية رأى المجندة الإسرائيلية ثانية وبعد ربع قرن فصاحت هي حين رأته مندهشة، إذ كانت قتلته.
قتلت المجندة الإسرائيلية الشاعر ولكنه لم يمت، وهي أيضاً مثله لم تمت. لقد نسيا الموت على الرغم من القتل. هل ما ورد في القصيدة حقيقي وهو ما حدث حقاً بين الشاعر الفلسطيني والمجندة الاسرائيلية؟ إذن أين هو عنصر الخيال في الشعر؟
لا أعرف كيف قارب النقاد هذه القصيدة التي قاربتها في دراسة لي نشرتها في مجلة "الأسوار" العكاوية في العام 2004. وأغلب الظن أنني فرقت بين القتل والموت وقلت: ليس كل قتل يؤدي إلى الموت. كلمة ”قتل" تحيل إلى مدلولات عديدة أحدها الموت البيولوجي، وهناك القتل النفسي والقتل المعنوي والقتل الروحي.
تحيل القصيدة وعلاقة الشاعر بالمرأة اليهودية إلى قصة حب درويش فتاة يهودية وإلى قصائد سابقة له عديدة ظهرت في أشعاره قبل خروجه من الأرض المحتلة وأشعاره بعد خروجه، وتحيل أيضاً إلى نثره مثل كتاب «ذاكرة للنسيان.. سيرة يوم: المكان آب.. الزمان بيروت»، 1986، وإلى المقابلات العديدة التي أجريت معه وأتى فيها على ذكر علاقته بالمرأة اليهودية وما أكثرها.
وخلاصة تلك العلاقة أن الشاعر أحب فتاة يهودية شيوعية ثم انفصلا بسبب حرب حزيران 1967 والتحاقها بالجيش، وقد أتى على افتراق الحلمين في قصيدته "شتاء ريتا الطويل“، 1991، وكتب عن حلمين يتقاطعان "فواحد يستل سكيناً وآخر يودع الناي الوصايا“.
هل رأى درويش في زيارته القدس، بعد ربع قرن، الفتاة التي أحبها وهل صاحت به: ألم أقتلك؟ يوم افترقنا بسبب التحاقي بالجيش فما الذي أعادك؟
لو كان الشاعر على قيد الحياة لربما سألته عن المعنى وعن نسبة الواقع والخيال في هذه القصيدة ولكن.. القصيدة هذه وقصيدة أخرى سبقتها تأتيان على القدس ومكانتها لدى درويش. شاعت واحدة ولم تشع الثانية وقد يعود السبب إلى بروز دال القدس فيها بروزاً واضحاً لافتاً، وفي هذه كتب الشاعر عن المدينة التي تندلع فيها الحروب بسبب حجر شحيح الضوء. وبغض النظر عن سبب اندلاع الحروب في القدس فإن كتابة الشاعر عن المدينة كانت لافتة. ليست هذه القصيدة أول قصيدة يكتب فيها درويش عن القدس التي زارها أول مرة بعد احتلال الاسرائيليين لها في حرب حزيران 1967.
إثر هزيمة العرب واحتلال المدينة تمكن الشاعر من زيارتها خلسة، فقد كان يخضع للإقامة الجبرية في حيفا. تسلل في القطار إلى القدس وزارها فرأى مدينة حزينة شبه مهجورة وكتب قصيدته "تحت الشبابيك العتيقة " وأهداها "إلى مدينة القدس وأخواتها" وكتب نصاً نثرياً عنوانه "تقاسيم في سورة القدس" ونشره في كتاب «يوميات الحزن العادي» عام 1973.
كان حزن الشاعر كبيراً، فالدرج مهجور والشبابيك مغلقة و..و..و…
كان محمود درويش يومها شاعراً ماركسياً ورأى في القدس مدينة محتلة ولم ينعتها بأي نعت ديني ولم ينظر إليها من منظور ديني. إنها مدينة عتيقة من مدن وطنه السليب، وفيما بعد، بعد إعادة طباعة الديوان، وبعد محاولات إسرائيل تهويد القدس خص درويش القصيدة بالقدس وحدها وحذف دال "وأخواتها "من الإهداء، ومع مرور الأيام حذف الإهداء كله.
لم تكن قصيدته "تحت الشبابيك العتيقة "القصيدة الوحيدة في القدس. فقد عاد وكتب وهو في المنفى قصائد أخرى. غادر الشاعر حيفا في 1970 ليدرس الفلسفة في موسكو ولم يعد في 1971 إلى حيفا. لقد سافر إلى مصر واستقر فيها، فهل نسي القدس؟
في 1972 أصدر درويش ديوانه »أحبك أو لا أحبك» وفيه ذكر القدس غير مرة.
في قصيدة "مزامير" كتب عن أورسليم وفي قصيدة "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا" التي كتب فيها عن سرحان بشارة سرحان أتى على القدس وبين مكانتها لدى الحكام العرب أو من يفكر منهم أن يصبح حاكماً.
كان في هذه الأثناء في مصر وبدأت فجيعته من العالم العربي تكبر و تزداد، ورأى أن الحكام العرب يستغلون اسم القدس ليصلوا إلى كراسي الحكم. وقد عبر عن هذا بقوله:
"وما القدس والمدن الضائعة سوى ناقة تمتطيها البداوة إلى السلطة الجائعة" و"وما القدس إلا صندوق تبغ وزجاجة خمر".
لم يكتب الشاعر في قصيدة "سرحان..." ما تعنيه القدس له. كتب عما تعنيه للعرب/ البداوة.
القدس مطية الحاكم العربي للبقاء في كرسي الحكم أو هي مطية من يريد أن يعتلي سدة الحكم، إنها صندوق تبغ أو زجاجة خمر للحاكم ولكنها لدرويش وطنه "ولكنها وطني“.
هل كان للقدس بعد 1972 حتى 2003 حضور في شعر الشاعر؟
في الرسائل المتبادلة بينه وبين الشاعر سميح القاسم أتى على الطلب منه أن يقرأ قصائد عن القدس في إحدى الدول الأوروبية، هو وشاعرة يهودية. كيف كتب الفلسطيني عن القدس وكيف كتب عنها الاسرائيلي؟
مرة تجادلت أنا والشاعر فاروق مواسي حول قصيدة القدس في أشعار محمود درويش واختلفنا. هو كتب عن خلافنا في كتاب أصدره عن القدس في الشعر الفلسطيني وأنا كتبت دراسة عنوانها "إشكالية قصيدة القدس: محمود درويش نموذجاً"ونشرتها في مجلة كنعان في حزيران 1998.
هل كتب محمود درويش قصائد عن القدس؟
موضوع أثرناه من قبل وها نحن نثيره من جديد. إنه موضوع إشكالية مثل المدينة نفسها؛ المدينة التي دُمّرت ثماني عشرة مرة وأعيد بناؤها ثماني عشرة مرة.
"وماذا بعد؟" ماذا بعد؟
صاح (ترامب): ألم أقتلكم أيها الفلسطينيون؟
ولا شك أن الإجابة ينطق بها الشباب الفلسطيني على مداخل رام الله والمدن والقرى والمخيمات: "قتلتنا ونسينا، مثلك، أن نموت"
وماذا بعد؟
ماذا بعد؟
===================
* أ. د. عادل الأسطة - محمود درويش والقدس وسؤال المجندة
كتب محمود درويش في ديوانه «لا تعتذر عما فعلت»، 2003، غير قصيدة عن القدس أتيت عليها في دراستي للديوان التي نشرتها في مجلة «الأسوار» في عكا في العام 2004.
إن قصيدة "في القدس"مرتبطة بالقصيدة التي تليها "بغيابها كونت صورتها“.
مرة عاشرة أشير إلى الناقد الفرنسي ميخائيل ريفاتيري الذي درس قصيدتين للشاعر الفرنسي بودلير ولاحظ أنهما تعكسان البنية نفسها، وإلى ما قام به الناقد العربي كمال أبو ديب في كتابه «جدلية الخفاء والتجلي» حيث درس ثلاث قصائد لأبي نواس ولاحظ أيضاً أنها تعكس البنية نفسها.
كلا الناقدين يتكئ على مقولة بنيوية هي "الصلة بين" -الأصح هي أحد تعريفات البنيوية- فالبنيويون يربطون بين الأجزاء وينظرون إلى التشابه والتوازي بين النصوص وإلى الأنساق الثابتة.
كما لو أن الشعراء كتبوا قصيدتين؛ قصيدة حب وقصيدة حرب. هذا ما تقوله البنية العميقة وهي خلاف ما تقوله الأشياء في الظاهر. ما صلة هذا كله بمحمود درويش وقصيدة القدس لديه؟
الجدل حول قصيدة القدس في شعر محمود درويش دار بيني وبين الشاعر فاروق مواسي في تسعينيات القرن العشرين وعلى إثره كتبت دراسة مكثفة هي "إشكالية قصيدة القدس“ ونشرتها في مجلة «كنعان» في صيف 1998.
نفى مواسي أن تكون قصيدة محمود درويش "تحت الشبابيك العتيقة" قصيدة قدس وأنا درستها على أنها قصيدة قدس. وأنا أكتب "إشكالية قصيدة القدس” غاب عن ذهني رسائل محمود إلى سميح القاسم. في رسالة “هو.. أو هي" (الرسائل ط2 1990. ص 99/ حيفا) يأتي درويش على قراءته في مدينة روتردام قصائد عن القدس تمثل الشعر الفلسطيني، في الوقت الذي قرأت فيه شاعرة إسرائيلية هي شيرلي هوفمان قصائد عبرية عن القدس أيضاً.
يكتب درويش في رسالته "قرأت شعراً عن أزقة القدس، وهي قرأت شعراً عن حجارة القدس“. هذا يعني أن الشاعر خص القدس بقصائد، وليس من قصيدة في أشعاره حتى 1986 أبرز من "تحت الشبابيك العتيقة“.
في كتابه «يوميات الحزن العادي»، 1973، هناك مقال نثري عنوانه "تقاسيم على سورة القدس“ يظهر فيه تصوره للمدينة. كان الشاعر زار القدس بعد حزيران 67 حين كان ماركسياً، ولذا قدّم تصوره الماركسي.
لم ينظر إلى المدينة من منظور ديني. نظر إليها من منظور ماركسي فبين ما تعنيه للنظام العربي ولبرجوازية القدس، وبين أيضاً ما تعنيه لبائع الصحف الفقير.
"اليوم تبكون على القدس والقدس لا تبكي على أحد“
"والقدس عاصمة الخيام البعيدة وعاصمة الأموال البعيدة والشهداء البعيدين“
"سأستبدل القدس بالجنة“
"من علّم القدس هذا الجمال. من علّم القدس هذه السخرية؟"
"من يشتري صدر تاريخي وظهر تاريخي وعورة تاريخي بلحظة انتصار واحدة؟“
والقدس كما يقول بائع الصحف: "لم تكن القدس لي في يوم من الأيام… أنا بائع الصحف في كل زمان ومكان" و"أصحاب القدس يبيعونني ويستقبلون الفاتحين“.
كل ما سبق يقول إن الشاعر كتب قصائد عن القدس قبل رحيله عن فلسطين في 1970، وأن ما كتبه عن المدينة بعد خروجه ليس بعيداً عما كتبه بعد خروجه وبدا واضحاً في ديوان «أحبك.. أو لا أحبك»، 1971. والسؤال الآن هو: هل تعد قصيدتا "في القدس" و"بغيابها كوّنت صورتها“، 2003، قصيدتين منفصلتين عمّا كتبه الشاعر قبل 1973؟
تتطلب الإجابة عن السؤال قراءة دقيقة لكل ما كتبه الشاعر وذكر فيه القدس؛ شعراً ونثراً. هنا يمكن العودة ثانية إلى تعريفات كلمة بنية وموقف البنيويين من علاقة النصوص ببعضها. في "في القدس“، 2003، سطر شعري لافت عن الشاعر والمجندة: "هو أنت ثانية؟ ألم أقتلك؟“
سؤال المجندة يعيدنا إلى "تقاسيم على سورة القدس“، 1973، الذي يسترجع زيارة الشاعر للمدينة بعد حرب حزيران، 1967. في «يوميات الحزن العادي» في "تقاسيم على سورة القدس” يكتب درويش: "أوقفتني جندية صغيرة وسألتني عن قنبلة وصلاتي. حسبتني الجندية شاعراً فأخلت سبيلي وتساءلت: لماذا جئت إلى القدس إذن؟" وسيجيبها الشاعر: "أنا لا أحارب ولا أصلي" .إذا لم تحارب وتصلي فلماذا جئت إلى القدس؟“ وفي "بغيابها كوّنت صورتها" يأتي على تلال سبعة وكان كتب عن هذا في ”تقاسيم…“: "لوحة من الصخر معلقة على تلال سبعة".
هل كتب درويش إذن قبل 1971 قصائد عن القدس؟ وهل ما كتبه في «لا تعتذر عما فعل»، 2003، منقطع الصلة عما كتبه قبل 1973؟ لن تنتهي قراءاتي لأشعار الشاعر. حتى وأنا أموت سيظل في نفسي شيء من أشعار الشاعر.
============================
* أ. د . عادل الأسطة - هل قرأ الشاعر محمود درويش القاصة سميرة عزام؟
عاش محمود درويش حتى العام 1970 في فلسطين التي تغنّى بها وخصص عنواناً من عناوين مجموعاته لها "عاشق من فلسطين"، وسافر إلى موسكو للتثقف في الفكر الماركسي والفلسفة حتى يعود إلى حيفا ليواصل نضاله تحت راية الحزب الشيوعي معتمداً على ثقافته الماركسية.
لم يعد الشاعر إلى حيفا، فقد سافر إلى مصر وأقام فيها حتى 1973 تقريباً، ليغادرها إلى بيروت وليستقر فيها حتى 1982. لم يلتق درويش في بيروت بغسان كنفاني ولا بسميرة عزام، فقد توفيت القاصة في آب 1967. قرأ درويش كنفاني ورثاه بمقالة معروفة "غزال يبشر بزلزال“، ولا أعرف إن كان قرأ القاصة أو إن كان رثاها شعراً أو نثراً. استشهد كنفاني في تموز 1972 وتوفيت عزام ودرويش في آب، وبين وفاتهما واحد وأربعون عاماً.
هل كان الشاعر من قرّاء فن القصة القصيرة وفن الرواية؟ وهل تأثّر، بوعي أو دون وعي، بقراءاته النثرية؟
الإجابة عن السؤالين السابقين ليست صعبة. يتطلب الأمر أن ننظر في كتبه النثرية وفي مقالاته وفي كتاب ”الرسائل" المتبادلة مع الشاعر سميح القاسم الذي توفي أيضاً في شهر آب.
تقول لنا رسائل محمود إلى سميح أنه قرأ روايات من الأدب العبري والعالمي، فحضور النص العبري في نصوصه الإبداعية واضح، وتقول لنا رسائله و"خطب الدكتاتور الموزونة“ أنه قرأ روايات من الأدب الأميركي اللاتيني وتأثر بها. إن "خطب الدكتاتور الموزونة“ هي النص العربي الموازي لرواية الدكتاتور في روايات أميركا اللاتينية التي نقلت إلى العربية في سبعينيات القرن العشرين.
أعود إلى السؤال الأساس: هل قرأ الشاعر القاصة وتأثر بها؟ وحتى يعثر المرء على إجابة يطمئن إليها فيجب أن يقرأ نتاج الكاتبين معاً.
ما الذي أثار الفكرة في ذهني؟ أهي مناسبة وفاة الكاتبين في هذا الشهر؟
كنت أقرأ في أشعار الشاعر الأولى فلفت نظري سطر للشاعر يقول فيه إن وكالة الغوث لا تسأل عن موته فهو كلاجئ فلسطيني لا يعنيها. وكنت اقرأ في الوقت نفسه قصة سميرة عزام "لأنه يحبهم“ فلاحظت اختلافاً واضحاً بين موقف الشاعر والقاصة من موقف وكالة الغوث من اللاجئ الفلسطيني. إن الوكالة في قصة عزام يعنيها موت اللاجئ حتى تقطع عنه المعونات، وكان أبو سليم جاسوس المخيم سرعان ما يخبر مكتب الوكالة في المخيم بمن مات أو هاجر لتباشر الوكالة إجراءاتها.
ما سبق قال لي إن درويش لم يقرأ سميرة حين كان في الأرض المحتلة، ولعل قصصها لم تعرف في فلسطين إلا بعد أن نشرها يعقوب حجازي صاحب دار ”الأسوار“ في سبعينيات القرن العشرين.
وأنا أبحث عن قصة "الحاج محمد باع حجته" ألتفت إلى التصدير، فتذكرت أشعار درويش بعد خروجه من الأرض المحتلة، وفكرت في الصلة بين بعض قصص القاصة وبعض قصائد الشاعر، وهذا ما يجب أن نتوقف أمامه.
تصدّر القاصة قصتها بالآتي: "إليها تلك الغريبة التي سألتها في بيت صفافا من وراء الشريط "كيف تشعرون أنتم في سجنكم"، فقالت: "بل قولي كيف تشعرون أنتم في (حريتكم)؟..." فألقمتني حجراً بهذا السؤال الجواب".
والتصدير يأتي على واقع الفلسطينيين بعد نكبة 1948، فـ 650 ألف فلسطيني صاروا لاجئين، و150ألف بقوا في قراهم ومدنهم وصحرائهم. أي الفريقين يعاني أكثر؟
من هي وراء الحدود تنظر إلى من بقي في أرضه على أنه سجين، إذ أصبحت فلسطين كلها سجناً، وعلى العكس منها تنظر المرأة الباقية في أرضها.
تضع سميرة عزام السؤال بين علامات تنصيص، وتضع كلمة "حريتكم" بين قوسين، ما يعني أن الدال يقول أكثر مما يقوله ظاهره. أنه محمل بمدلولات بعيدة فيها من السخرية المرة ما فيها، وأن الحرية ليست متوفرة لفلسطينيي المنفى، كما أن البقاء في فلسطين ليس بالضرورة إقامة في سجن.
إن قصص سميرة عزام ذات المحتوى الوطني تقول أيضاً إن الحرية غير موجودة في المنفى. قصة "فلسطيني" مثلاً.
تحفل أشعار درويش، بعد خروجه من الأرض المحتلة، بالكتابة عن الغزاة والطغاة وعدم التفريق بينهما. يستطيع المرء أن يأتي بمقاطع شعرية ونثرية ليدلل على ما يقوله.
منذ 1979، في قصيدة "سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا“ يبرز دالا الطغاة والغزاة معاً، وفي قصيدة الشاعر في رثاء راشد حسين "كان ما سوف يكون“ عام 1977 نقرأ عن قسوة المنفى وتفضيل سجن الوطن عليه:
"والتقينا بعد عام في مطار القاهرة
قال لي بعد ثلاثين دقيقة:
"ليتني كنت طليقاً
في سجون الناصرة ".
هل ثمة فرق بين المقطع السابق وتصدير قصة سميرة؟
في رثاء ماجد أبو شرار يكتب درويش:
"وكان السجن في الدنيا مكاناً
فحررنا ليقتلنا البديل"
و:
"ويا لحم الفلسطيني فوق موائد الحكام، يا حجر التوازن والتضامن بين جلاديك، حرف الضاد لا يحميك، فاختصر الطريق عليك يا لحم الفلسطيني".
هل اختلفت الكتابة في مقالته "في وصف حالتنا"؟
"عشرون مملكة ونيف
كوليرا طاعون ونيف
من ليس بوليساً علينا
فليشرف
من ليس جاسوساً علينا
فليشرف"
بلغ الأمر ذروته في مجموعة "حالة حصار" عام 2002 حين كتب الشاعر، وهو في رام الله، عن إخوته في العالم العربي:
"لنا إخوة خلف هذا المدى
إخوة طيبون، يحبوننا، ينظرون إلينا
ويبكون، ثم يقولون في سرهم:
"ليت هذا الحصار هنا علني.."
ولا يكملون العبارة: "لا تتركونا
وحيدين...لا تتركونا"
هل قرأ الشاعر القاصة أم هي التجربة المتشابهة؟
======================================
* أ. د. عادل الأسطة - "لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد"
وأنا أقرأ أشعار محمود درويش ونثره، وأيضاً أشعار سميح القاسم ونثره، غالباً ما أقول إن المنهج الاجتماعي الماركسي يسعفنا كثيراً في تقديم تفسيرات وتأويلات وتعليلات أكثر إقناعاً، ولا يعني هذا عدم الاستعانة بمناهج أخرى أو عدم جدوى تلك المناهج.
منذ بداية حياتهما الشعرية، بخاصة في ستينيات القرن العشرين، اعتنق الشاعران الفكر الماركسي وكتبا من وحيه وينبغي ألا يُغفل هذا وألا يُغفل أيضاً تأثيره فيهما حتى بعد تركهما الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
يذهب المنهج الاجتماعي الماركسي إلى ضرورة الالتفات إلى الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أثناء دراسة الشاعر ونصه، ويربط ما بين الموقع والموقف ويرى تأثير الأول على الثاني، ويعطي الأولوية للمواقف الأيديولوجية ولا يهتم كثيراً بالصداقات الفردية، ويطالب بحزبية الأدب والأديب، ولهذا فليس ثمة صداقات نهائية.
سيهاجم الرفاق رفيقاً تخلى عن الحزب وسيوجعونه و..و…
لما ترك محمود درويش فلسطين هاجمه رفاق الأمس ومنهم إميل حبيبي وسميح القاسم، ولما ترك إميل حبيبي الحزب منحازاً إلى "البيروستريكا" هاجمه الشاعر توفيق زياد ونعته بـ"المرتد" و"النرجس".
هل ظلت علاقة سميح القاسم بإميل حبيبي بعد تركهما الحزب الشيوعي الإسرائيلي كما كانت عليه وهما رفيقان في الحزب؟
ظل الأديبان رفيقين صديقين ثلاثين عاماً، ثم اختلفا.
ثانية أعود إلى محمود درويش.
قلت إن قراءة أشعاره وأشعار سميح القاسم يناسبها المنهج الاجتماعي الماركسي. يعني لا بد من مراعاة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والموقع والموقف وأضيف والحالة النفسية التي تلم بالشاعر لحظة كتابة النص. "نحن بشر يا بشر" كان يصرخ إميل حبيبي حين يرد على من يتهمه بالتطبيع أو بعدم اتخاذ مواقف حاسمة.
في العام 1981 كتب الشاعر محمود درويش نصاً نثرياً/شعرياً في رثاء القائد السياسي ماجد أبو شرار الذي اغتاله الموساد في روما، وسيعود الشاعر إلى النص النثري/الشعري ليخفف من بعض نثره ولينشره على أنه قصيدة. ولما كنت قرأت النصين فقد علق في ذهني مقطع يربط فيه الشاعر بين فلسطين والأندلس. المقطع هذا لم يظهر في القصيدة. نص المقطع:
"نمضي إلى مطعم هادئ، لنقول: كبرنا/ ولم يذهب العمر في درب حيفا سدى/
أتحسبها الأندلس؟
ولكنها طائر في يد مزقتها الرماح ولم تنبسط".
هل ستؤول فلسطين إلى ما آلت إليه الأندلس؟ يسأل أحدهما الآخر فيرد الثاني، لعله ماجد: ولكنها طائر في يد مزقتها الرماح ولم تنبسط. أي ما زال الفلسطينيون يقبضون على فلسطين بأيديهم ولم يستسلموا ولم يتخلوا عن وطنهم على الرغم مما فعلته الرماح بيدهم. كان هذا في 1981 يوم كانت الثورة الفلسطينية في بيروت وكانت قريبة من فلسطين وقوية.
هل ظل الشاعر يؤمن بما أورده في فترات لاحقة اختلفت فيها المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والموقع والحالة النفسية للشاعر؟
بعد الخروج من بيروت في 1982 ضعفت الثورة وتوزع الفدائيون على بلدان عربية لا تحد فلسطين وأصبحوا مقاتلين متقاعدين. وهنا ستقبل القيادة الفلسطينية ما كانت ترفضه وهي في بيروت. وستوقع اتفاق أوسلو الذي لم يلبّ الحد الأدنى للطموحات الفلسطينية. ولم يرق هذا للشاعر الذي انزوى.
في ديوان «لماذا تركت الحصان وحيدا؟» 1995، بعد توقيع اتفاقية أوسلو، قصيدة عنوانها "خلاف، غير لغوي، مع امرئ القيس". والقصيدة لا تخلو من مغزى. كما لو أن الشاعر يقصد "خلاف، غير لغوي، مع ياسر عرفات". الخلاف غير لغوي وقد التقط إدوارد سعيد المغزى فأشار إلى روح الانكسار التي حلت بالفلسطينيين بعد توقيع اتفاقية أوسلو.
هل يمكن أن يتقارب ما ورد في هذه القصيدة بما ورد في نص رثاء المرحوم الشهيد ماجد أبو شرار؟
في "خلاف، غير لغوي، مع امرئ القيس" نقرأ:
"أغلقوا المشهد/ انتصروا/ عبروا أمسنا كله/" و"أغلقوا المشهد/ انتصروا/ صوروا ما يريدونه من سماواتنا/ نجمة..نجمة/ صوروا ما يريدونه من نهاراتنا/ غيمة غيمة،/غيروا جرس الوقت / انتصروا…".
ثمة شعور بالخسارة وثمة إقرار بالهزيمة. انتصروا تعني أيضاً: "انهزمنا" وإن لم يورد الشاعر الفعل بحروفه، فالحضور يستحضر الغياب. هكذا يستحضر الفعل انتصر الفعل انهزم. ثمة منتصر وثمة مهزوم.
كان درويش الماركسي وبتأثير من الفكر الماركسي كتب بعد هزيمة حزيران 1967:
"خسرت حلماً جميلا
خسرت لسع الزنابق
وكان ليلي طويلاً
على سياج الحدائق
وما خسرت السبيلا"
ثمة اعتراف بخسران ولكن ليس ثمة إقرار بالهزيمة.
في «جدارية»، 2000، يقرأ المرء:
"لا القوة انتصرت ولا العدل الشريد".
هل أدرك درويش بعد إقامته خمس سنوات في رام الله أن الإسرائيليين لم ينتصروا وأن الفلسطينيين لم ينهزموا بعد؟
بعد كتابته «جدارية» بأشهر اندلعت انتفاضة الأقصى ليواصل الفلسطينيون مقاومتهم. كما لو أنهم لم يقروا بالهزيمة ولم يستسلموا.
ماذا كتب الشاعر في ظل انتفاضة الأقصى؟
مجموعة «حالة حصار» تقول إن الشاعر عاد إلى ما كتبه إثر حرب حزيران 1967 "وما خسرت السبيلا ". إنه ما زال يقيم على أرضه "يربي الأمل "، يمارس ما يمارسه العاطلون العمل ويتفحص خصيتيه ليتأكد من صلاحيتهما، فصلاحيتهما تقول له إنه ما زال يقاوم.
في «حالة حصار» يصر الشاعر على البقاء في أرضه حتى يشعر العدو بالضجر والملل ويرحل، فالضجر والملل صفتان من صفات البشر.
أليس اليهود بشراً مثلنا؟
ألم يترك محمود درويش شايلوك يعبر عن نفسه: "أليس لليهودي قلب؟". فلماذا نستكثر عليه الحب؟ ولماذا نستكثر عليه الشعور بالضجر والملل؟
ربما لهذا السبب كتب الشاعر قصيدته: "عابرون في كلام عابر".
ما سبق اجتهاد، مجرد اجتهاد.