قصيدة "يطير الحمام" من القصائد المهمة للشاعر محمود درويش(1941-2008) صاحب ديوان "عاشق من فلسطين"و" لماذا تركت الحصان وحيدًا ؟" و"أثر الفراشة"، وقد وردت القصيدة في ديوانه" حصار لمدائح البحر" الذي صدر عام 1984م .
أكثر ما لفت انتباهي في القصيدة ليس بنيتها الفنية المحكمة، وعمق رؤيتها الفكرية، وغنائيتها الساحرة إنما قدرة الشاعر الفائقة على توظيف التراث الشعبي، للتعبير عن هم عام من خلال تجربة خاصة.
يبدو توظيف التراث الشعبي الفلسطيني من عنوان القصيدة "يطير الحمام"، فالشاعر يستله من لعبة شعبية هي لعبة"طار الحمام. حط الحمام" يمارسها أبناء قرى فلسطين في منازلهم، خاصة في ليالي الشتاء الطويلة وهم يتحلقون حول مواقد الحطب. وتقوم اللعبة على أن يبسط اللاعب يديه على الأرض، أو على طاولة قصيرة (طبليّة)، ويقوم لاعب آخر بمحاولة ضربهما، ويبادر صاحب اليدين برفعهما بسرعة في الهواء. ثم يعود إلى وضعهما مرة أخرى، ويحاول الآخر ضربهما. وهكذا تستمر اللعبة.
نلاحظ في قصيدة" يطير الحمام" تكرار عنوان اللعبة "طار الحمام. حط الحكام" في صيغ مختلفة تقوم على التضاد" يطير الحمام . يحط الحمام"، وقد ظهر في مقاطع القصيدة التسعة ليكون عتبة العنوان الفرعي لكل مقطع. لقد أفاد الشاعر محمود درويش من هذه اللعبة التراثيىة البسيطة بل الساذجة في بناء قصيدة من أجمل القصائد في شعرنا العربي المعاصر.
أمَّا عن التعبير عن الهم العام من خلال التجربة الشخصية فإن درويش أبدع قصيدة" يطير الحمام" بعد تجربة عايشها في حياته الاجتماعية؛ إذ تعرف في إحدى أمسياته الشعرية إلى امرأة، تدعى حياة الحيني، وهي مترجمة مصرية، ثم تزوجها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي بعد زواجه الأول من رنا قباني، وتعايش معها سنة تقريبًا ثم افتراقا. ويقول درويش عن ذلك إنهما انفصلا بسلام، وإنه لن يتزوج مرة ثالثة؛ لأنه مدمن على الوحدة، وما يحتاج إليه هو الاستقرار محور حياته، وإن ما يساعد شعره يفعله وما يضره يتجنبه. ويرى الدكتور عادل الأسطة في مفال له في موقع أنطولوجيا بعنوان" رنا قباني ومحمود درويش" أن المرأتين: رنا وحياة كل منهما تدّعي أن قصيدة "يطير الحمام" كتبت لها. والمعروف أن الشاعر محمود درويش تردد قبل أن يسمح لمارسيل خليفة بأن يلحن هذه القصيدة لخصوصيتها. وهو للأسف لم يعش ليسمع لحن قصيدته؛ إذ توفي قبل تلحينها؛ لهذا ولتاريخ نشرها 1984م نرجح أن القصيدة أنجزها درويش في عهد زواجه بحياة.
لا شك أن القصيدة مثلما قصائد درويش الأخرى التي يبث فيها لواعج الحب نحو أنثى بعينها، كما قصيدة"ريتا والبندقية"، أو تلك التي يتحدث فيها عن الحب، كما في قصيدة"مقهى صغير هو الحب"، يدمج فيها عشقه للمرأة بقضيته الأولى، قضية وطنه فلسطين، إنه لا ينفصل عن حبه للأرض والوطن. نقرأ من قصيدة "ريتا والبندقية"
بين ريتا وعيوني بندقيَّة
والذي يعرف ريتا ينحني
ويصلي
لإلهٍ في العيون العسليَّة
ونقرأ من قصيدة"مقهى صغير هو الحب":
كمقهى صغير على شارع الغرباء
هو الحبّ يفتح أَبوابه للجميع
كمقهى يزيد وينقص وَفْق المناخ
إذا هَطَلَ المطر ازداد روَّاده
وإذا اعتدل الجوّ قَلّوا ومَلّوا
أَنا هاهنا يا غريبة في الركن أجلس
ما لون عينيكِ ما اَسمك كيف
أناديك حين تمرِّين بي وأَنا جالس
في انتظاركِ.
هكذا الشاعر في قصيدة"يطير الحمام" يكرر العنوان نفسه "يطير الحمام" ليشير إلى تحليقه كالحمام بعيدًا عن الواقع الصعب، ليعود بعد ذلك إلى قيوده الأرضية في قوله "يحط الحمام". ويقوده الحب والتعلق بالتراث إلى التناص مع "سفر نشيد الأنشاد" في قوله:
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
أنا لحبيبي أنا وحبيبي لنجمته الشارده
فتأتي الفصيدة غنية بالدلالات عن الحب والأرض والتفاؤل، تبدأ بقول الشاعر:
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبّك حتى التعب
صباحك فاكهةٌ للأغاني
وهذا المساء ذهب
إن الشاعر أتعبه هذا التعلق بمعشوقته لكنه يجد في الحب وصباحات المعشوقة لذة تخفف عنه تعبه. وهو في معظم قصائده العشقية يحضر الوطن بطريقة مباشرة حيث يتجلى ارتباطه به رغم قسوة الاحتلال وبطشه. أو بطريقة غير مباشره حيث الغربة والمنفى والانتظار والعذاب الذي يغرق فيه، ويمنعه من العيش بهدوء وسعادة.
والخلاصة أن قصيدة "يطير الحمام" للشاعر محمود درويش تكشف عن مقدرة الشاعر على توليد المعاني، وتكثيف الدلالات بتوظيف لعبة من الألعاب الشعبية الساذجة؛ للتعبير عن حب الشاعر المنهك لتلك المرأة التي تذكر في سيرته من ناحية، وإلى حبه لوطنه المحتل من ناحية أخرى.
أكثر ما لفت انتباهي في القصيدة ليس بنيتها الفنية المحكمة، وعمق رؤيتها الفكرية، وغنائيتها الساحرة إنما قدرة الشاعر الفائقة على توظيف التراث الشعبي، للتعبير عن هم عام من خلال تجربة خاصة.
يبدو توظيف التراث الشعبي الفلسطيني من عنوان القصيدة "يطير الحمام"، فالشاعر يستله من لعبة شعبية هي لعبة"طار الحمام. حط الحمام" يمارسها أبناء قرى فلسطين في منازلهم، خاصة في ليالي الشتاء الطويلة وهم يتحلقون حول مواقد الحطب. وتقوم اللعبة على أن يبسط اللاعب يديه على الأرض، أو على طاولة قصيرة (طبليّة)، ويقوم لاعب آخر بمحاولة ضربهما، ويبادر صاحب اليدين برفعهما بسرعة في الهواء. ثم يعود إلى وضعهما مرة أخرى، ويحاول الآخر ضربهما. وهكذا تستمر اللعبة.
نلاحظ في قصيدة" يطير الحمام" تكرار عنوان اللعبة "طار الحمام. حط الحكام" في صيغ مختلفة تقوم على التضاد" يطير الحمام . يحط الحمام"، وقد ظهر في مقاطع القصيدة التسعة ليكون عتبة العنوان الفرعي لكل مقطع. لقد أفاد الشاعر محمود درويش من هذه اللعبة التراثيىة البسيطة بل الساذجة في بناء قصيدة من أجمل القصائد في شعرنا العربي المعاصر.
أمَّا عن التعبير عن الهم العام من خلال التجربة الشخصية فإن درويش أبدع قصيدة" يطير الحمام" بعد تجربة عايشها في حياته الاجتماعية؛ إذ تعرف في إحدى أمسياته الشعرية إلى امرأة، تدعى حياة الحيني، وهي مترجمة مصرية، ثم تزوجها في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي بعد زواجه الأول من رنا قباني، وتعايش معها سنة تقريبًا ثم افتراقا. ويقول درويش عن ذلك إنهما انفصلا بسلام، وإنه لن يتزوج مرة ثالثة؛ لأنه مدمن على الوحدة، وما يحتاج إليه هو الاستقرار محور حياته، وإن ما يساعد شعره يفعله وما يضره يتجنبه. ويرى الدكتور عادل الأسطة في مفال له في موقع أنطولوجيا بعنوان" رنا قباني ومحمود درويش" أن المرأتين: رنا وحياة كل منهما تدّعي أن قصيدة "يطير الحمام" كتبت لها. والمعروف أن الشاعر محمود درويش تردد قبل أن يسمح لمارسيل خليفة بأن يلحن هذه القصيدة لخصوصيتها. وهو للأسف لم يعش ليسمع لحن قصيدته؛ إذ توفي قبل تلحينها؛ لهذا ولتاريخ نشرها 1984م نرجح أن القصيدة أنجزها درويش في عهد زواجه بحياة.
لا شك أن القصيدة مثلما قصائد درويش الأخرى التي يبث فيها لواعج الحب نحو أنثى بعينها، كما قصيدة"ريتا والبندقية"، أو تلك التي يتحدث فيها عن الحب، كما في قصيدة"مقهى صغير هو الحب"، يدمج فيها عشقه للمرأة بقضيته الأولى، قضية وطنه فلسطين، إنه لا ينفصل عن حبه للأرض والوطن. نقرأ من قصيدة "ريتا والبندقية"
بين ريتا وعيوني بندقيَّة
والذي يعرف ريتا ينحني
ويصلي
لإلهٍ في العيون العسليَّة
ونقرأ من قصيدة"مقهى صغير هو الحب":
كمقهى صغير على شارع الغرباء
هو الحبّ يفتح أَبوابه للجميع
كمقهى يزيد وينقص وَفْق المناخ
إذا هَطَلَ المطر ازداد روَّاده
وإذا اعتدل الجوّ قَلّوا ومَلّوا
أَنا هاهنا يا غريبة في الركن أجلس
ما لون عينيكِ ما اَسمك كيف
أناديك حين تمرِّين بي وأَنا جالس
في انتظاركِ.
هكذا الشاعر في قصيدة"يطير الحمام" يكرر العنوان نفسه "يطير الحمام" ليشير إلى تحليقه كالحمام بعيدًا عن الواقع الصعب، ليعود بعد ذلك إلى قيوده الأرضية في قوله "يحط الحمام". ويقوده الحب والتعلق بالتراث إلى التناص مع "سفر نشيد الأنشاد" في قوله:
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
أنا لحبيبي أنا وحبيبي لنجمته الشارده
فتأتي الفصيدة غنية بالدلالات عن الحب والأرض والتفاؤل، تبدأ بقول الشاعر:
يطير الحمام
يحطّ الحمام
أعدّي لي الأرض كي أستريح
فإني أحبّك حتى التعب
صباحك فاكهةٌ للأغاني
وهذا المساء ذهب
إن الشاعر أتعبه هذا التعلق بمعشوقته لكنه يجد في الحب وصباحات المعشوقة لذة تخفف عنه تعبه. وهو في معظم قصائده العشقية يحضر الوطن بطريقة مباشرة حيث يتجلى ارتباطه به رغم قسوة الاحتلال وبطشه. أو بطريقة غير مباشره حيث الغربة والمنفى والانتظار والعذاب الذي يغرق فيه، ويمنعه من العيش بهدوء وسعادة.
والخلاصة أن قصيدة "يطير الحمام" للشاعر محمود درويش تكشف عن مقدرة الشاعر على توليد المعاني، وتكثيف الدلالات بتوظيف لعبة من الألعاب الشعبية الساذجة؛ للتعبير عن حب الشاعر المنهك لتلك المرأة التي تذكر في سيرته من ناحية، وإلى حبه لوطنه المحتل من ناحية أخرى.