باب معنى عشق النساء والهوى فيهن
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أسلب لعقول ذوي الألباب منكن ".
سئل بعض الحكماء عن العشق، فقال: شغل قلبٍ فارغ.
وجد في صحيفةٍ لبعض أهل الهند: العشق ارتياحٌ جعل في الروح، وهو معنى تنتجه النجوم بمطارح شعاعها، وتتولد الطوالع بوصلة أشكالها، وتقبله النفوس بلطيف خواطرها، وهو بعد جلاء للقلوب، وصقيل للأذهان ما لم يفرط، فإن أفرط عاد سقما قاتلا، ومرضا منهكا، لا تنفد فيه الآراء، ولا تنجع فيه الحيل، العلاج منه زيادة فيه.
حضر عند المأمون يوماً يحيى بن أكثم، وثمامة بن أشرس، فقال المأمون ليحيى: خبرني عن حد العشق فقال: يا أمير المؤمنين سوانح تسنح للعاشق يؤثرها ويهيم بها تسمى عشقا. فقال ثمامة: اسكت يا يحيى، فإنما عليك أن تجيب في مسألة من الفقه، وهذه صناعتنا. فقال المأمون: أجب يا ثمامة. فقال: يا أمير المؤمنين إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة أثقبت لمحنورٍ ساطع تستضيء به بواطن العقل فتهتز لإشراقه طبائع الحياة، ويتصور من ذلك اللمح نور حاضر بالنفس متصل بجوهرها فيسمى عشقا.
وصف أعرابي عاشقا، فقال: كان يستر عيناً قد درت مآقيها، ويحنو على كبد قد أعيت مداويها.
ذكر رجلٌ أيام شبابه وامرأة كان يهواها، فقال: ذلك هوى شربته النفس أيام شبابها، فاستخفت بالعاذلات وعتابها.
وصف بعض الحكماء الهوى الذي هو عشقٌ للنساء، فقال: بطن فرقَّ، وظهر فكثف، وامتنع وصفه عن اللسان فهو بين السحر والجنون، لطيف المسلك والكمون.
وقال بعض الأدباء: الهوى جليسٌ ممتع، وأليف مؤنس وصاحب مملّك، مسالكه لطيفة، ومذاهبه متضادة وأحكامه سائرة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطى عنان طاعتها، وقاد نصرفها،توارى الأبصار مدخله، وغمض في القلوب مسلكه.
قال عباس بن الأحنف،فيما أنشده إسحاق الموصلي له.
فلو كان لي قلبان عشت بواحدٍ ... وخلّيت قلباً في هواك يعذّب
ولكنّما أحيا بقلبٍ مروّع ... فلا العيش يصفو لي الموت يقرب
تعلمت ألوان الرّضا خوف سخطها ... وعلّمها حبّي لها كيف تغضب
ولي ألف وجهٍ قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلبٍ إلى أين أذهب
وللصّمّة القشيري:
لعمري لئن كنتم على النّأى والغني ... بكم مثل مابي إنّكم لصديق
إذا زفرات الحبّ صعّدن في الحشى ... رددن ولم يفتح لهن طريق
للعباس بن الأحنف:
أرى الطّريق قريباً حين أسلكه ... إلى الحبيب بعيداً حين أنصرف
أنشدنا أبو القاسم محمد بن نصر الكاتب رحمه الله لنفسه في معنى بيت عباس هذا:
أمر نشيطاً إذا زرتكم ... وأرجع كسلان لا أنشط
وسير المطية ما كدني ... ولكن هوى لكم مفرط
وقال العباس بن الأحنف:
يقرب الشوق داراً وهي نازحةٌ ... من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
وله:
مت على من غبت عنه أسفاً ... لست منهم بمصيبٍ خلفا
لن ترى قرة عين أبداً ... أو ترى نحوهم منصرفا
قلت لما شفَّني وجدي بهم ... حسبي الله لما بي وكفى
بين الدمع لمن يبصرني ... ما تضمني إذا ما ذرفا
ولمحمد اليزيدي:
أتيتك عائداً بك من ... ك لما ضاقت الحيل
وصيرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل
فإن سلمت لكم نفسي ... فما لاقيته جلل
وإن قتل الهوى رجلاً ... فإني ذلك الرجل
كتب المهدي إلى الخيزران وهو بمكة:
نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور
فأجدوا المسير، بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح فطيروا
فأجابته:
قد أتانا الذي وصفت من الشو ... ق فكدنا وما فعلنا نطير
ليت أنّ الرياح كن يؤدي ... ن إليكم ما قد يجنّ الضمير
لم أزل صبّةً فإن كنت بعدى ... في سرورٍ فدام ذاك السرور
قال بعض الأدباء: ما أشد جولة الرأي عند الهوى وفطام النفس عند الصبّا، لقد تصدعت كبدي للمحبّين لو العاذلين قرطة في آذانهم ونيران متأججة في أبدانهم لهم دموع غزيزةٌ على المغائي، كغروب السّواني وأنشد:
سقى الله أطلالاً لليلي وشقّقت ... عليهنّ من غرّ الغمام جيوب
فما تقشعرّ الأرض إن نزلت بها ... ولكنها تزهي بها وتطيب
وقال آخر:
وقال أناسٌ: لا يضريك نأيها ... يلي كلّ ما شفّ النفوس يضيرها
أليس يضير العين أن تكثر البكاء ... ويمنع منها نومها وسرورها
وقال آخر:
فلو أن شرق الشّمس بيني وبينها ... وأهلي وراء الشمس حيث تغيب
لحاولت قطع الأرض بيني وبينه ... وقال الهوى لي إنه لقريب
وقال الصمّة بن عبد الله القشيري:
إذا ما أتتنا الريح نحو أرضكم ... أتينا برياكم فطاب هبوبها
أتينا بريح المسك خالط عنبراً ... وريح الخزامي باكرتها جنوبها
وقال آخر:
ضاف قلبي الهوى فأكثر سهوى ... وجوى الحب مفظع كلّ حلو
لو علا بعض ما علاني ثبيراً ... ظلّ ضعفاً ثبير من ذاك يهوى
من يكن من هوى الغواني خلواً ... يا ثقاتي فإنني غير خلو
قال العبّاس بن الأحنف:
جرى السّيل فاستبكاني السيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيّ غروب
وما ذاك إلاّ أن تيقنت أننّي ... أمرّ بوادٍ أنت منه قريب
يكون أجاجا قبلكم فإذا انتهى ... إليكم تلقّى طيبكم فيطيب
أيا ساكني شرقيّ دجلة كلكم ... إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
قال بعضهم: لو لم يكن في العشق إلاّ أنه يشجع قلب الجبان، ويسخي كف البخيل، ويصفّي ذهن الغبي، ويبعث حزم العاقل، ويخضع له عزّ الملوك، وتصرع له صولة الشجاع، وينقاد له كلّ ممتنع، لكفي به شرفا.
قال الأصمي:سمعت أعرابيّا يقول: إذا ترعت هتوف الضحى على الغصون، أرسلت الشئون مياها إلى العيون،فمن ذاد عينيه عن البكا أورث قلبه حزنا.
عشق أبو القمقام بن بحر السقا امرأة موسرة، فأطمعته في نفسها، فبعث يستهديها طعاماً، حتى فعل ذلك غير مرة، فلما أكثر عليها، بعثت إليه:رأيت العشق يكون في القلب ويفيض إلى الكبد، ثم يستبطن الأحشاء، وحبّك لا أراه تجاوز المعدة.
قال أعرابيّ من فزارة: عشقت امرأة من طّي، فكانت تظهر لي مودّة، فو الله ما جرى بيني وبينها شئ من ريبة، غير أني رأيت بياض كفها ليلة، فوضعت كّفي على كفها، فقالت: مه! لا تفسد ما صلح، فأرفضضت عرقا من قولها، فما عدت لمثل ذلك.
قال بعضهم: الرجل يكتم بغض المرأة أربعين يوماً، ولا يمكنه أن يكتم حبها يوماً واحدا، والمرأة تكتم حب الرجل أربعين يوماً، ولا يمكنها أن تكتم بغضه يوما واحداً.
قال يوسف بن هرون:
دقّت معاني الحبّ عن أذهانهم ... فتأوّلوها أقبح التأويل
وقال كثيرّ:
إذا ما رادت خلّةً أن تستميلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أوّل
وقال حبيب:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكّنا
لعلىّ بن الجهم:
يا سائلي ما الهوى اسمع إلى صفتي ... الحّب أعظم من وصفي ومقداري
ماء المدامع نار الشوق تحدره ... فهل سمعت بماءٍ فاض من نار
وقال أبو العتاهية:
أذاهب الهوى جسمي ولحمي وقوّتي ... فلم يبق إلاّ الروح والجسد النضو
رأيت الهوى حجر الغضا غير أنّه ... على كلّ حال عند صاحبه حلو
وقال آخر:
أسرّ الذي بي والدموع تبوح ... وجسمي سقيم والفؤاد قريح
وبين ضلوعي لوعة لم أزل بها ... أذوب اشتياقاً والفؤاد صحيح
وقال الصّمّة القشيري:
أما وجلال الله لو تذكرينني ... كذكريك ما كفكفت للعين مدمعا
فقالت: بلى والله ذكراً لو انّه ... يصبّ على صمّ الصفا لتصدّعا
وأكثرهم ينسون إليه في هذا الشعر قوله:
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ليلي وشعبا كما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعاً ... وتجزع أن داعي الصّبابة أسما
بكت عيني اليسرى فلمّا زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
وأذكر أيّام الحمى ثم أنثي ... على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا
فليست عشيّات الحمى برواجعٍ ... إليك ولكن خلّ عينيك تدمعا
ومهم من ينسبها إلى قيس بن ذريح، وللمجنون أيضا تنسب، والأكثر أنّها للصّمّة.
/باب في وصف النساء بالحسن والرقة وما يحمد من نعوتهن، ووصف منطقهن قال أنس بن مالك: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره في حجة الوداع، ومعه نساؤه، وكان له حادٍ يحدو بهن يقال له أنْجَشةَ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أنجشة رفقاً! رويداً بالقوارير ". يعني أنهن ضعاف يسرع إليهن الكسر، ولا يقبلن الجبر.
ذكر أعرابي امرأة، فقال: كاد الغزال يكونها لولا ماتم فيها ونقص منه.
وصف أعرابي النساء، فقال: ظعائن في سوالفهن طول، غير قبيحات العطول، إذا مشين أسبلن الذيول، وإذا ركبن أثقلن الحمول.
كتب الحجاج بن يوسف إلى محمد أخيه، وهو أمير على اليمن: أن اخطب على ابني امرأة حسناء من بعيد، مليحة من قريب شريفة في قومها، ذليلة في نفسها، أمة لبعلها. فكتب إليه: قد أصبتها لك، وهي خولة بين مسمع، على عظم ثدييها. فكتب إليه: إن المرأة لا يحسن صدرها حتى يعظم ثدياها.
قال المهلب: عليكم من بنات خراسان بمن عظمت هامتها، وطالت قامتها.
قال محمد بن حسين: عليكم بذوات الأعجاز فإنهن أنجب.
كان يقال: إذا طال ساعد المرأة وعنقها وساقها لم يشك أنها تنجب.
قيل لأعرابي: أي النساء أفضل؟ قال: الطويلة السالفة، الرقيقة الرادفة، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، التي في حجرها غلام، وفي بطنها غلام، ولها في الغلمان غلام.
وصف علي بن أبي طالب رضى الله عنه امرأةً، فقال: تدفئ الضجيع، وتروى الرضيع. يعني بعظم ثدييها.
قال ابن شبرمة: سمعت محمد بن سيرين يقول: ما رأيت على رجل لباساً أزين من فصاحة، ولا رأيت لباساً على امرأة أزين من شحم.
كان يقال: لو قيل للشحم أين تذهب؟ لقال: أقوم العوج.
وقال مصعب بن الزبير: المرأة فرش فاستوثروا.
كان يقال: من تزوج امرأة فليستجد شعرها، فإن الشعر أحد الوجهين.
كان يقال: النساء لعب فتخيروا.
من الأمثال السائرة: لن تعدم الحسناء ذاماً.
وقالوا: عقل المرأة في جمالها، وجمال الرجل في عقله.
وصف رجل امرأة فقال: كأن عينيها السقم لمن رآها، وكلامها البرء لمن ناجاها.
قال أشهب بن عبد العزيز. سئل مالك بن أنس: أيسلم الرجل على المرأة؟ فقال: أما المتجالّة فلا بأس، وأما التي كلامها أشهى من الرطب فلا.
وقال سحنون: سمعت أشهب يقول: المكيات أخنث النساء، والمدنيات أغنج النساء.
وشبه الأخطل كلام امرأة بعقد انقطع فتحدر لؤلؤه، فقال:
قد يكون بها سلمى تُحَدّثني ... تَسَاقُطَ الْحَلْيِ حاجاتي وأَسْرَارِي
وقال القطامي:
فهن يَنْبِذْنَ من قولٍ يَصِبْن به ... مواقعَ الماء من ذي الغُلَّةِ الصّادِي
وقال الراعي:
لهنَّ حديثٌ فاترٌ يترُك الفَتَى ... خفوقَ الْحَشَا مُسْتَهلَكَ اللُّبِّ طامِعاَ
وقال أعرابي:
وحديثها كالقَطْرِ يسمعُهُ ... راعى سِنينَ تتابَعَتْ جَدْبَا
فأصاخ يرجو أن يكون حَياً ... ويقولُ من فرحٍ هيا رباَّ
وفي رواية أخرى:
فأصاخ مُسْتَمِعاً لِدَرَّتِها
وقال جِرَانُ العَوْد:
حَديثٌ لو أنّ اللّحمَ يصلى بحرِّه ... غَرِيضاً أتى أصحابَه وهو مُنْضَجُ
وقال بشار:
كأنّ حديثَها سكَرُ الَّشراب
ولبشّار أيضاً:
وحديثٍ كأنه قطعُ الرّو ... ضِ وفيه الحمراءُ والصفراءُ
وله:
وكأنّ تحتَ لِسَانِها ... هاروتَ ينفثُ فيه سِحراَ
وكأنّ رجْعَ حديثها ... قِطَعُ الِّرياض كسينَ زَهْرا
وله:
ولها مَبْسِمٌ كغُرِّ الأقَاحي ... وحديثُ كالوَشْيِ وشْىِ الْبُرُودِ
وقال علي بن العباس الرومي:
وحديثُها السِّحْرُ الحلالُ لو أنّه ... لم يَجْنِ قتلَ الْمُسْلِمِ المتحرِّزِ
وإن طال لمُ يمْلَلْ وإن هي أوْجَزتْ ... ودّ المحدِّث أنها لم تُوجِزِ
شَرَكُ العقول ونُهْزَهٌ ما مِثْلُها ... للمطمئن وعُقلة المستوفز
وقال امرؤ القيس:
وهي هيفاءُ لطيفٌ خصْرُها ... ضخمةُ الثِّدْي وَلمّا ينكسرْ
وقال المرار بن سعد الجبلي:
صَلْتَةُ الخَدّ طويلٌ جيدُها ... ضخمةُ الثّدْيِ ولمّا يَنْكَسِرْ
وقال غيره:
موسومةُ بالحسن ذات حواسدٍ ... إنّ الحسان مَظَنةٌ للحُسَّدِ
وترى مَآقِيَها تقلِّبُ مُقْلَةً ... سوداءَ ترغبُ عن سَوَاد إحد
وقال آخر:
إن النّساءَ رياحينٌ خلقنَ لَنا ... وكلنا يَشتهى شمَّ الرَّيَاحِينِ
وقال آخر:
ونحن بَنْو الدُّنْيَا وهنّ بَنَاتُها ... وعيشُ بنى الدُّنيا لقاءُ بَناتِها
وقال حسان بن ثابت:
لو يدبُّ الحَوْلِيُّ من وَلَدِ الّذ (م) ... رِّ عليها لأدمَأَتْها الكُلُومُ
الحولي من ولد الذر لا يعرف من المسن، وإنما أراد الصغير من ولد الذر، كما قال الآخر:
يُلَقَّطُ حَوْلِيُّ الحصا من منازِلٍ ... من الحيِّ أمست بالجَبِيبَيْنِ بَلْقَعَا
وحولي الحصا صغارها، فشبهه بالحولي من ذوات الأربع.
وقال حميد بن ثور:
منعمةٌ لو يًصْبح الذَّرُّ سارياً ... على جلدها بَضَّت مَدَارِجُهُ دَمَا
وقال عمر بن أبي ربيعة:
لو دَبّ ذَرٌّ فوق ضَاحِي جِلْدِها ... لأبَان مِنْ آثارهن حُدُورَا
وقال آخر:
من القاصَرات الطَّرْفِ لو دب مُحْوِلٌ ... من الذَّرِ فوق الإتْبِ منها لأثّرا
وقال الحسنُ بن هانئ:
وكأن مَنْثُور رُمَّانٍ بوجنتها ... لو دبَّ فيها خيالُ الذَّرِ لا نجرها
وقال النظام:
رقَ فلو دبَّ به نملةٌ ... لخضبّتُه بدمٍ جاَرِى
أُضمرُ أن أضمرَ حبِّي له ... فيشتكى إضمارَ إضماري
وبلغ قول النظام هذا أبا الهذيل، فقال: لقد رقّ هذا الموصوف حتى لا يناكُ إلا بزب الوهم.
وأخذ ابن الرومي قول النظام، فقال:
رقّ فلو دبّ به ذرةٌ ... منعَّلةٌ أَرْجُلها بالحريرِ
لأثّرت فيه كما أثّرت ... مَدَامَةٌ في العارض المستدير
قال بعض حكماء أهل الأدب، كمال حسن المرأة أن تكون أربعة أشياء منها شديدة البياض، وأربعة أشياءٍ شديدة السواد، وأربعة أشياء شديدة الحمرة، وأربعة أشياء مدورة، وأربعة واسعة، وأربعة ضيقة، وأربعة رقيقة، وأربعة عظيمة، وأربعة صغاراً، وأربعة طيبة الريح. فأما الأربعة الشديدة البياض. فبياض اللون، وبياض العين، وبياض الأسنان، وبياض الظفر.
وأما الأربعة الشديدة السواد، فشعر الرأس، والحاجبين، والحدقة والأهداب.
وأما الشديدة الحمرة: فاللسان، والشفتان، والوجنتان، واللثة.
وأما المدورة: فالرأس، والعين، والساعد، والعرقوبان.
وأما الواسعة: فالجبهة، والعين، والصدر، والوركان.
وأما الضيقة: فالمنخران، والأذنان، والسرة، والفرج.
وأما الصغار: فالأذنان، والفم، واليدان، والرجلان.
وأما الرقاق: فالحاجب، والأنف، والشفتان، والخصر.
وأما الطيبة الريح: فالأنف، والفم، والأبط، والفرج.
وأما العظيمة: الهامة، والمنكبان، والأضلاع، والعجز.
أنشد ابن أبي طاهر لشريك الجعدي:
ولو كنتُ بَعْد الشَّيْبِ طالبَ صَبوَةٍ ... لأَصْبَى فؤَادِي نِسْوَة بِحُلاَحِلِ
عفيفاتُ أسْوَارٍ بَعِيدَاتُ ريبةٍ ... كثيراتُ إخْلافٍ قليلاتُ نائلِ
تعلَّمْنَ والإِسْلاَم فيهن والتقى ... شَوَاكِلَ من علمِ الذّين ببَابلِ
مِراضُ العُيون في احْمِرار مَحَاجِرٍ ... طوالُ المتونِ راحجاتُ الأسَافِلِ
هضيماتُ ما بين الَّترائب والحشَا ... لِطَافُ البُطونِ ظامِئاتُ الخلاخِلِ
تعوضن يوم الغيدِ من جَدَل المَهَا ... عيوناً وأعناقَ الظباءِ العَواطلِ
كأن ذُرَا الأنْقَاءِ من رَمْلِ عَالِجٍ ... خَبَتْ وَالْتَقَتْ منهنّ تحت المفاصلِ
ولدعبل بن علي الخزاعي:
له منظر وَطْفٌ ومنسدل وحفُ ... ومبتسم يحيى إذا قتل الطّرفُ
وللظَّبى عينَاه وللدًّرِّ ثغرُه ... وَللقُضُبِ الأعْلى وللكُثُب الرِّدْفُ
ظلمتُكَ لما قلتُ أشْبَهَكِ الخِشْفُ ... أو القمرُ المعدود من شهره النصف
ولكنك الُّنورُ المركبُ جوهراً ... من الحُسْن لم يبلغ له الوهُم وَالوصفُ
أنشدني أبو عمر يوسف بن هَرون لنفسه:
بحتُ بُحبِّي ولو غَرَامِي ... ويكونُ في صخرةٍ لَباحاَ
ضيَّعْتمُ الرُّشْدَ من مُحبٍّ ... ليسَ يَرَى في الَهَوى جُنَاحاَ
لم يستطع حَمْلَ ما يُلاقى ... فشقَّ أثْوابَهُ وَصَاحاَ
مُحيِّرَ المقلَتْين قل لِى ... هل شَرِبَتْ مُقْلَتَاكَ رَاحاَ
نَفْسيِ فدى لَمٍ وخدٍّ ... قد جَمَعَا اللَّيْل والصبَّاَحاَ
وَعَقْرَبٍ سُلِّطَتْ عَلَيْنا ... تَملأُ أكبادَنا جِراحاَ
قد طارَ من شوقِهِ فؤادي ... فصارَ شَوْقِي له جَنَاحاَ
أنشدني أبو القاسم محمد بن نصير الكاتب لنفسه:
لَثَاتُك ياقوتٌ وَثَغْرُك لُؤْلؤ ... وريقُك شهدٌ والنَّسيِمُ عَبيِرُ
ومن وَرَقِ الْوَرْدِ الجنيِّ مُقَبَّلٌ ... تَرَشُّفُهُ عند المماتِ نشُورُ
وخدُّكَ وردُ الرَّوضِ والصّدغ عَقْربٌ ... وطرْفكَ سحرٌ والمجسُّ حريرُ
وحاجبُك المَقْرُون نونان صُفِّفَا ... وقد لاح سَوْسَانٌ عليه نضيرُ
وشعرُكَ ليلٌ فاحُم اللونِ حالكٌ ... ووجهْكَ بدرٌ تحت ذاكَ مُنِيرُ
وأنفُك من دُرًّ مذَابٍ مركّبٌ ... وجيدُك جيدُ الظّبْيِ وهو غريرُ
وصدرُك عاجٌ أبيضُ اللون مشرِقٌ ... ورُمّانُ كافورٍ عليه صَغِيرُ
ومن فضةٍ بيضاءَ كَفّاك صِيغَتَا ... ولكنْ بمحِّمر العَقِيق تشيرُ
وقدُّك غصنٌ حين هبَّت به الصبَّاَ ... وردْفكَ دعصٌ للرمال وثيرُ
وتخطو على أنبوبتين حًكاَهما ... من النخل جُمَّارٌ يجذّ؟ ُ قشير
وتحتهما مشطان رَخْصاَنِ دَلّها ... عُقُولَ ذوى الألْبَابِ حين تدورُ
ودَلُّكَ سحرٌ يَخْلِسُ العقل فاتنٌ ... ولفظُك دُرٌّ إن نطقت نشيرُ
فمالك في الدُّنيا من الناسِ مُشبْهٌ ... ولاَلَكَ في حوُر الجنان نظيرُ
وهذا الشعر من أحسن ما قاله متقدم أو متأخر في عموم وصف المرأة وأجمعه وأطبعه إن شاء الله تعالى، على أن هذا الوصف معدوم.
باب النظر إلى الوجه الحسن
قال الله عز وجل " قُلْ للمُؤْمِنين يَغُضُّوا من أبْصاَرِهم "، " وقلْ للمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ من أبصاَرِهِنّ ".
ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس وهو رديفه، عام حجة الوداع، من النظر إلى الخثعمية، وصرف وجهه عنها.
ومنع بعض أصحابه الدخول عليه من أجل صفية زوجته، وقال لهم: إنها صفية.
ومنه امرأتين من نسائه من النظر إلى ابن أم مكتوم، فقالتا: أليس أعمى؟ فقال: أفعمياوان أنتما؟.
قال عقيل بن علفة: لأن ينظر إلى ابنتي مائة رجل خير من أن تنظر هي إلى رجل واحد.
نظر أبو حازم بن دينار إلى امرأة حسناء ترمى الجمار أو تطوف بالبيت، وقد شغلت الناس بالنظر إليها لبراعة حسنها، فقال لها: أمة الله! خمري وجهك، فقد فتنت الناس، فهذا موضع رغبةٍ ورهبة. فقالت له: إحرامي في وجهي أصلحك الله يا أبا حازم، وأنا من اللواتي قال فيهن العرجي:
من اللاّءِ لم يَحْجُجْنَ يبغين حِسْبةً ... ولكنْ ليقْتُلْن التَّقَّى المُغَفّلاَ
فقال أبو حازم لأصحابه: تعالوا ندع الله ألا يعذب هذه الصورة الحسنة بالنار، فقيل له: أفتنتك يا أبا حازم، فقال: لا، ولكن الحسن مرحوم.
هكذا روينا هذا الخبر عن أبي حازم من وجوه بألفاظ مختلفة ومعنى متقارب.
وذكر المدائني عن عبد الله بن عمر العمري، قال: خرجت حاجاً فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلامٍ أرفثت فيه، فأدنيت ناقتي منها، وقلت: يا أمة الله! ألست خاجة؟ أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا، ثم قالت: تأمل يا عمري، فإني ممن عناه العرجي بقوله:
أماطت كِساَءَ الخزّ عن حُرِّ وجهها ... وأدْنَتْ على الخدين بُردْاً مُهَلهْلاَ
من اللاّءِ لم يَحْجُجْنَ يبغين حِسبَةً ... ولكنْ ليقتُلْنَ البريءَ المغَفّلاَ
وترمى بعينيها القلوبَ ولحظِها ... إذا ما رَمَتْ لم تُخْط منهن مَقْتَلاَ
قال: فقلت: فأنا أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار، قال: وبلغ ذلك سعيد بن المسيب؛ فقال: أما والله لو كان من أهل العراق، لقال: اغربي قبحك الله، ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز.
قال عبد الله بن طاهر:
وجه يدلُّ الناظرين ... عليه في اللّيلِ البَهِيمْ
فكأنه روحُ الحَيا ... ةِ يَهْبُّ مِسْكيّ النسيمْ
في خدِّه ورد الجَمَا ... لِ يُعَلُّ من ماءِ النعيمْ
سقْمُ الصّحيح المُستَقِلِّ ... وصحة الرَجُلِ السَّقيم
نظر رجلان إلى جارية حسناء في بعض طرق مكة فمالا إليها فاستسقياها ماءً، لسقتهما فجعلا يشربانه ولا يسيغانه فعرفت ما بهما فجعلت تقول:
هما استسقيا ماءً على غير ظمأة ... ليستمتعا باللحظ ممن سقاهما
فعجبا من ذلك ودفعا الإناء إليها فمرت وهي تقول:
وكنتَ متى أرسلتَ طَرْفَك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبَتْكَ المناظرُ
رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ ... عليه ولا عَنْ بعضهِ أنت صابر
وقال آخر:
خليليَّ للبغضاء عينٌ مُبيِنَةٌ ... وللحبِّ آياتٌ تُرَى ومعارفُ
ألا إنّما العينانِ للقلبِ رَائدٌ ... فما تألفُ العينانِ فالقلبُ يألفُ
يحبُّ ويُدْنِى من يقلُّ خلافُهُ ... وليس بمحبوبٍ حبيبٌ مخالفُ
قال آخر:
ومَالَكَ منها غير أنَك رائدٌ ... بعينيْك عينيها فهلْ ذاكَ نافِعُ
دخل الشعبي على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا شعبي! بلغني أنه اختصم إليك رجلٌ وامرأته، فقضيتَ للمرأة على زوجها، فقال فيك شعراً، فأخبرني بقصتيهما وأنشدني الشعر إن كنت سمعته. فقال: يا أمير المؤمنين! لا تسألني عن ذلك. فقال: عزمت عليك لتخبرني. قال: نعم، اختصمت إلى امرأة وبعلها، فقضيت للمرأة إذ توجه لها القضاء، فقام الرجل وهو يقول:
فُتِن الشّعْبيُّ لّما ... رَفَعَ الطَّرْفَ إليها
بفتاةٍ حين قامتْ ... رفَعَتْ مَأكَمَتَيْها
ومشت مشياً رُوَيْداً ... ثم هزّت مِنْكبَيْها
فتنتهُ بقوامٍ ... وبخطَّىْ حاجبيها
وبنانٍ كالمَدَارِي ... واسْودادِ مُقْلتَيْها
قال للجِلْوَازِ قَرّب ... هَاوأحْضِر شاهديْها
فقضى جوراً علينا ... ثم لم يَقْضِ عَلَيها
كيف لو أبْصر منها ... نحرَها أو سَاعِدَيها
لصَباَ حتى تَرَاهُ ... ساجداً بينَ يَدَيْها
بنتُ عيسى بن حَرادٍ ... ظُلِمَ الخَصْمُ لَدَيْها
قال عبد الملك: فما صنعت يا شعبي؟ قال: أوجعتُ ظهرهَ حين جوّرني في شعره.
هذا ما رواه سفيانُ بن عيينة، عن سالم بن أبي حفصة، عن الشعبي، وهو أصح إسنادٍ لهذا الخبر. وذكر الهيثم بن عدي، قال: خاصمت أم جعفر بين عيسى بن حراد زوجها إلى الشعبي، فلما قامت بين يديه، قيل لها: ما صعنت؟ قالت: سألني البينة، ومن سأل البينة فقد فلج، ثم قضى لها، فقال هذيل الأشجعي:
فنن الشّعبىّ لما ... رفع الطرفَ إليها
وذكر الأبيات: وفي رواية الهيثم بن عدي: أن الشعر لهذيل الأشجعي فيها، فبلغ ذلك الشعبي، فقال: أبعده الله، ما قضينا إلا بحق. قال الهيثم: فحدثني ابن أبي ليلى، قال: خرجنا مع الشعبي من المسجد، وقد قام من مجلس القضاء، فمررنا بجارية تغسل في إجانة فلما رأت الشعبي قالت:
فُتن الشّعبيّ لما
فقال الشعبي:
رفع الطّرفَ إليها
خاصم الوليد بن صريع، مولى عمرو بن حريث، أخته أم كلثوم ابنة صريع إلى عبد الملك بن عمير، قاضي الكوفة، وكان يقال له: القبطي، لفرسٍ كان له فقضى لها على أخيها، فقال هذيل الأشجعي:
لقد عثرَ القبطيُّ أو زَلَّ زلةً ... وما كان منه لا العثارُ ولا الزّللْ
أتاه وليدٌ بالشُّهودِ يقودُهُمْ ... على ما ادّعَى من صامتِ المالِ والخَوَلْ
يقودُ إليه كلْثُماً وكلاُمها ... شفاءٌ من الدَّاءِ المخامرِ والخَبَلْ
فأدْلى وليدٌ عند ذاك بحجةٍ ... وكان وليدٌ ذا مِراءٍ وذا جَدَلْ
وكان لها دَلٌّ وعينٌ كحيلةٌ ... فأدْلَتْ بحُسنِ الدَّلِّ منها وبالكَحَلْ
فأفْتنَت القبطيَّ حتّى قضى لها ... بغيرِ قضاءِ الله في مُحْكَم الطُّوَلْ
فلو أنّ من في القصرِ يعلمُ علْمَه ... لما اسْتَعملَ القبِطيَّ يوماً على عَمَلْ
له حين يقضي للنساء تَخَاوُصٌ ... وكان ومات فيه التخَاوص والحَوَلْ
إذا ذاتُ دَلٍّ كلمتهُ بحاجةٍ ... فهمَّ بأنْ يقضى تَنَحْنَح أو سَعَلْ
وبرّقَ عينيه ولاكَ لسانَهُ ... ويَرَى كل شيءٍ ما خلا شخصَها خَلَلْ
فبلغ ذلك عبد الملك بن عمير، فقال: ما لهذيل أخزاه الله؟ والله لربما جاءتني النحنحة أو السعلة وأنا في المتوضأ فأردها مخافة ما قال.
لعبد الله بن سليمان النحوي المكفوف:
تقولُ من للعمى بالحُسْن قلتُ لَها ... كَفَى عَن الله في تحقيقهِ الخبرُ
القلبُ يُدرك مالا عينَ تدركُهُ ... والحُسْنُ ما استحسنتْه النفس لا البَصرُ
وما العيونُ التي تعمى إذا نظرَتْ ... بل القلوبُ التي يَعْمىَ بها النظرُ
وقال أيضاً ينقُضه:
ما إن يُمتِّع بالمعشوقِ عاشِقَهُ ... سمعٌ إذا لم يمتّعْهُ به البَصرُ
وكل قلبٍ له حبٌّ يقلبه ... وأعذب الحبِّ ما أحباكه النظرُ
ولو تكافي الهوى مرأى ومستعماً ... لما تبَاينَت الأصواتُ والصورُ
أنشد إسحق بن إبراهيم لعمر بن أبي ربيعة في محمد بن عروة بن الزبير، وكان جميلاً:
إني امرؤٌ مُولَعٌ بالحسن أتبعُه ... لاحظَّ لي فيه إلاّ لذةُ النظرِ
وقال محمود الوراق:
من أطلق الطَّرْفَ اجتنى شَهْوَةً ... وحارس الشَّهوةِ غضُّ البَصَرْ
والطّرْفُ للقلبِ لسانٌ فإنْ ... أرادَ نطقاً فليكرَّ النَّظَرْ
يُفْهَمُ بالعينِ عن العينِ ما في الْ ... قلبِ من مكنونِ خيرٍ وشَرْ
يَطْوِي لسانُ المرءِ أَخبارَه ... والطرفُ لا يملكُ طيَّ الخَبرْ
وقال آخر:
لا تكثرنَّ تأمُّلاً ... وامْلِكْ عَلَيْك عنانَ طَرْفِكْ
فَلرُبَّما أرسلتَه ... فَرَمَاكَ في ميدانِ حَتْفِكْ
وقال أعرابي:
نظرتُ إليها نظرةً ما يَسرُّنِي ... وإِنْ كنت محتاجاً بها ألفُ دِرْهَمِ
قال شيخ من بني نمير: نظرت إلى مولدةٍ باليمامة، فقالت: ملأت عينيك وملك غيرك.
وقال ذو الرمة:
على وجهِ مَيٍّ مِسْحةٌ من مَلاَحَةٍ ... وتحتَ الثِّيابِ العارُ لو كان باَدياَ
ألم ترَ أنّ الماءَ يخبُثُ طعمهُ ... ولو كان لونُ الماءِ أَبيضَ صافياَ
وقال بعض الأعراب:
جزى الله البراقعَ من ثيابِ ... عن الفتيانِ شراً ما بَقِيناَ
يوارينَ الملاَحَ فلا أرَاها ... ويوهِمْنَ القِبَاحَ فيزْدَهيِناَ
وقال آخر:
لقد أعجبَتْها نفسُها فتملّحت ... بأيِّ جمالٍ ليتَ شِعْرِى تَمَلَّحُ
وقال إسماعيل القراطيسي:
وقد أتانِي خبرٌ راعني ... مِنْ قولِها في السِّرِّ واضَيْعَتَاهْ
أمثلُ هذا يبتغى وصلنَا ... أما يرى ذا وجهْهَ في المرَاهْ
وقال عباس بن الأحنف:
هَمّتْ بإتيانِنا حتّى إذا نظرتْ ... إلى المِرَاةِ نهاها وجههُا الحَسَنُ
ما كان هذا جزائِي من مَحاسِنِهَا ... أغَرتْ بي الشَّوْق حتى شفَّني الشَّجَنُ
كان يقال: أربعة تزيد في البصر: النظر إلى الوجه الحسن، وإلى الخضرة وإلى الماء الجاري، والنظر في المصحف.
دخل الشعبي سوق الرقيق، فقيل له: هل من حاجة؟ فقال: حاجتي صورة حسنة، يتنعم فيها طرفي، ويلتذ بها قلبي، وتعينني على عبادة ربي.
أدام إبراهيم النظام النظر إلى جاريةٍ حسناء، فقال مولاها: أراك تديم النظر إليها، فقال: مالي لا أتأمل منها ما أحل الله، وفيه دليل على حكمة صنعة الله، ومعه اشتياق إلى ما وعد الله.
قال الحسن البصري: ينبغي للوجه الحسن ألا يشين وجهه بقبيح فعله وينبغي لقبيح الوجه ألا يجمع بين قبيحين.
قال الشاعر:
إنّ حُسْنَ الوجهِ يحتا ... جُ إلى حُسْنِ فِعَال
حاجةَ الصَّادِي من الما ... ءِ إلى العَذْبِ الزَّلاَلْ
باب جامع ذكر النساء وتزويج الأكفاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدُّنيا كلها متاع، وخير متاع الدُّنيا المرأةُ الصالحة ".
ويروى أن داود عليه السلام قال لابنه سليمان: يا بني! إن المرأة الصالحة كمثل التاج على رأس الملك، والمرأة السوء كمثل الحمل الثقيل على ظهر الشيخ الكبير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأة كالضلع العوجاء؛ إن رفقت بها استمتعت منها " أخذه الشاعر فقال:
هي الضِّلَعُ العوجاءُ لستَ تُقِيمُها ... ألاَ إنّ تقويمَ الضلوعِ انكسارُها
قيل لبعض الأعراب: من تركت عند نسائك؟ فقال: حافظين: الجوع والعري، عرين فلا يظهرن، وجعن فلا يأشرن.
مما أوصى به محمد بن عبد الله بن حسين ابنيه، فقال: واعلما أن لن تسقط امرأة واظبت على ثلاث خلال: الماء والسواك والكحل فعليكما بهن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم وخضراء الدمن. قالوا: وما خضراء الدمن؟ فقال: المرأة الحسناء في المنبت السوء ". شبهها بنبات أخضر نضر نبت على دمنة، وهي الأبعار والأبوال تبلبل بعضها على بعض.
قال معاذ بن جبل: أخوف ما أخاف عليكم النساء، إذا تسورن الذهب، ولبسن عصب اليمن، ورباط الشام، فأتعبن الغنىّ وكلفن الفقير مالا يجد.
قال سمرة بن جندب: سمعت عمر بن الخطاب يقول: النساء ثلاث والرجال ثلاثة: امرأة عاقلة مسلمة عفيفة هينة لينة ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقليلا ما تجدها. وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك، وأخرى غلٌ قملٌ يجعله الله في عنق من يشاء، ثم إذا شاء أن ينزعه نزعه.
وذكر الرجال بما قد ذكرته في باب ثلاثة.
قال منصور الفقيه:
أفضلُ ما نال الفَتَى ... بعد الهُدَى وَالْعَافِيَهْ
قرينةٌ مُسْلمِةٌ ... عفيفةٌ موَاتَيهْ
ذكر ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: قالوا: النساء خلقن من ضعف، فداووا ضعفهن بالسكوت، وعوراتهن بالبيوت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُنكح المرأة لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فعليك بذوات الدين تربت يداك ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالأبكار؛ فإنهن أطيب أفواهاً، وأرتق أرحاماً، وإياكم والعجائز ".
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " أعظم النساء بركةً أحسنهنّ وجوها، وأرخصهن مهوراً ".
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " ترفقوا ولا تطلقوا، وانكحوا الأكفاء واختاروا لنطفكم، فإن العرق دساس ".
كان يقال: إياكم ومناكحة الحمقاء، فإن صبحتها أذى ومناكحتها أذى ".
قال أبو الأسود لبنيه: يا بني! قد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: التمست لكم من النساء الموضع الذي لا تعابون به.
وشوور بعض الحكماء في تزويجٍ، فقال للمشاور: يا ابن أخي! إياك أن تزوج لأهل دناءةٍ أصابوا من الدنيا، فإنك تشركهم في دناءتهم، ويستأثرون عليك بدنياهم. قال: فقمت عنه وقد اكتفيت بما قال لي.
كان يقال: لا تسترضعوا الحمقاء؛ فإن اللبن ينزع بالشبه إليها.
قال عمر بن الخطاب: لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، واستعينوا عليهن بالعرى.
قال عمر بن الخطاب رحمه الله: استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر.
وقال أيضاً: عليكم بالسراري؛ فإنا رأيناهن يأخذنَ بعز العرب وملك العجم.
قال علي بن أبي طالب: خيرُ نسائكم الطيبة الرائحة، الطيبة الطعام، التي إن أنفقت أنفقت قصدا، وإن أمسكت أمسكت قصدا، فتلك من عمال الله، وعامل الله لا يخيب.
قال علي بن أبي طالب: من أراد البقاء - ولا بقاء - فليخفف الرداء، وليباكر الغداء، وليقل مجامعة النساء. قيل له: وما خفة الرداء؟ قال: الدين. ثم قال: المرء بجدّه والسيف بحدّه، والثناء بعد البلاء.
قال عمرو بن العاص: الناكح مغترس، فلينظر امرؤ حيث يقع غرسه.
قال المغيرة بن شعبة: صاحب المرأة الواحدة امرأة مثلها، إن بانت بان معها، وإن حاضت حاض معها، وإن مرضت مرض معها، وصاحب المرأتين على جمرتين، وصاحب الثلاث على رستاق، وصاحب الأربعة كل ليلةٍ عروس، أخذه الشاعر فقال:
وصاحبُ ضرتَّينِ على الليالي ... كما قد قيل بين الْجَمْرَتَيْنِ
رضَا هذِى يُهيَجّ سُخْط هَذِى ... فما يَعْرَى من إحدَى السُّخْطَتين
دخل أعرابي على الحجاج فسمعه يقول: لا تكمل النعمة على المرء حتى ينكح أربع نسوة يجتمعن عنده، فانصرف الأعرابي فباع متاع بيته، وتزوج أربع نسوة، فلم توافقه منهن واحدة، خرجت واحدة حمقاء رعناء، والثانية متبرجة، والثالثة فارك أو قال فروك، والرابعة مذكرة، فدخل على الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، سمعت منك كلاماً أردت أن تتم لي به قرة عين؛ فبعت جميع ما أملك، حتى تزوجت أربع نسوةٍ، فلم توافقني منهن واحدة، وقد قلت فيهن شعراً، فاسمع مني، قال: قُل. فقال:
تزوجتُ أبغي قُرّةَ العينِ أربَعا ... فياليتَ أنّى لم أكن أتزوَّجُ
وياليتنى أَعْمَى أصمُّ ولم أكُنْ ... تزوجتُ بل ياليت أنى مُخَدَّجُ
فواخدةٌ ما تعرفُ الله ربَّها ... ولا ما التُّقَى تدري وَلا ما التَّحرُّجُ
وثانيةٌ ما إن تقرَّ ببيتها ... مذكّرة مشهورة تتبرَّجُ
وثالثة حمقاءُ رَعْنَا سخيفةٌ ... فكل الذي تأتي من الأمر أعوجُ
ورابعةٌ مفروكةٌ ذاتُ شِرَّةٍ ... فليستْ بها نفسي مَدَى الدهر تُبْهَجُ
فهنَّ طلاقٌ كلُّهُن بوائنُ ... ثلاثاً ثلاثاً فاسْهَدُوا لا تلجلجوا
فضحك الحجاج حتى كاد يسقط من سريره، ثم قال له: كم مهورهنّ؟ قال: أربعة آلاف درهم. فأمر له بثمانية آلاف درهم.
قال أكثم بن صيفي لبنيه: يا بني لا ينكبنكم جمال النساء عن صراحة النسب، فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف.
روى أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر: أن عبد الله بن رواحة وقع على جارية له، فاتهمته امرأته، فقال: ما فعلت. فقالت: فاقرأ القرآن إذاً. فقال:
وفينا رسولُ اللهِ يتلوُ كتابَهُ ... كما انشقّ مشهورٌ من الصبح سَاطِعُ
أتانا الهُدى بعد العَمى فقلوبُنَا ... به موقنات أن ما قال واقعُ
يبيتُ يجافى جنبه عن فِرَاشه ... إذا استثقلَتْ بالهَاجعينَ المضاجعُ
فقالت: أولى لك. وفي رواية أخرى في هذه القصة أنها لما قالت له: فاقرأ إذاً شيئاً من القرآن، قال:
سمعتُ بأنّ وعدَ الله حقٌّ ... وأن النَّار مثوى الكاَفِرِينا
وأن العرشَ فوقَ الماءِحقٌّ ... وفوقَ العرشِ ربُّ العالَمِينا
قالت: ما شاء الله! كذبت عيني، وأنت الصادق. أو نحو هذا.
قال المغيرة بن شعبة: إذا كان الرجل مذكراً والمرأة مذكرة تصادما العيش، وإذا كان الرجل مؤنثا والمرأة مؤنثة ماتا هزلاً، وإذا كان الرجل مؤنثاً والمرأة مذكرة كان الرجل هو المرأة، والمرأة هي الرجل، وإذا كان الرجل مذكراً والمرأة مؤنثة طاب عيشهما.
قال الحسن: إياكم وسمنة البنات، فإن كنتم لابد فاعلين، فاحفظوهن.
قال إياس بن معاوية: من يمن المرأة الولد، ومن بركتها مياسرتها في المهر.
كان يقال: لا تزوج كريمتك إلا من عاقل، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها أنصفها.
قال غيره: لا تزوج وليتك إلا من ذي دين، فإن أحبها أحسن إليها، وإن أبغضها لم يظلمها.
روى أبو العباس عن الأصمعي قال: قال أعرابي لامرأته: صفيني بما تعلمي مني ولا تكتمي. فقالت: أما والله إن كنت لخفيفاً على ظهر الفرس، ثقيلاً على العدو، ضحوكاً مقبلا، كسوباً مدبراً، لا تشبع ليلة تضاف، ولا تنام ليلة تخاف.
وعن الأصمعي أيضاً، قال: هلك رجل من العرب، فقيل لامرأته: صفي بعلك، فقالت: والله إن كان - فيما علمت - لضحوكاً إذ ولج، كسوباً إذا خرج، آكلا ما وجد، غير سائلٍ ما فقد.
قال الأصمعي، قال الحسن: كان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل المرأة تقول: ما حسبه، وما حسبها؟ فلما جاء الإسلام، قالوا: ما دينه، وما دينها؟ وأنتم اليوم تقولون: ما ماله، وما مالها؟.
قال الشاعر:
لا يأمننَّ على النساءِ أخٌ أَخَا ... ما في الرجالِ على النساءِ أَمينُ
إن الأمينَ وإنْ تحفّظَ جَهْدَهُ ... لابدّ أنّ بنظرةٍ سيخونُ
قيل لبعضهم: ما تقول في الباه؟ قال: عندي ما يقطع حجتها، ولا يقضي حاجتها.
قيل لمدني: ما عندك من هذا الأمر؟ قال: إن منعت غضبت، وإن تركتُ عجزت.
قيل لآخر: ما عندك للنساء؟ قال: أطيل الظمأ، ثم أرد فلا أشرب.
مرت بعيسى بن موسى جاريةٌ، فقام إليها فصرعها، فلما رامها عجز عنها فقال:
القلبُ يطمعُ والأسبابُ عاجزةٌ ... والنفسُ تهلكُ بين العجزِ والطمع
كان يقال: لعن كل فاجر عند الجماع!!.
قالوا: لذة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبتها.
تزوج رجل - وهو روح بن زنباع - أم جعفر بنت النعمان بن بشير، زوجها له عبد الملك بن مروان، وقال: إنها جارية حسناء، فاصبر على بذاء لسانها، فصحبها ثم أبغضها. فمن قوله فيها:
ريحُ الكرائِم معروفٌ لَهَا أَرَجٌ ... وريحُها ريحُ كلبٍ مسَّهُ مطرُ
وقد هجته هي أيضاً، فمن قولها فيه:
بكى الخَزُّ من رَوْحٍ وأنكرَ جلْدَهُ ... وعجَّتْ عجيباً من جُذامَ المطارِفُ
قال بعض الأعراب:
من منزلي قد أخْرجتنِي زوجَتِي ... تهرُّ في وجْهِي هَرِيَر الكلبةِ
زُوِّجتُها فقيرةً منْ حِرْفَتِي ... قلتُ لها لمّا أراقَتْ جَرَّتِي
أمّ هلالٍ أبْشري بالحسرةٍ ... وأبْشري منّي بوقع الضرّةِ
خطب النوار بنت أعين بن ضبعة المجاشعية رجل من قيس، فجعلت العقد عليها إلى الفرزدق، وكان أبوها قتلته الخوارج أيام الحكمين، وكان علي رضى الله عنه بعثه إلى البصرة، فقال لها الفرزدق: أشهدي لي أنك جعلت أمرك إلى فإني أخاف من هو أقرب إليك مني من أوليائك. فأشهدت له. فأنكحها الفرزدق من نفسه، وأشهدهم، فلم ترض النوار، فتنازعا. فخرجا إلى عبد الله بن الزبير، وكان العراق والحجاز يومئذ إليه. فتشفعت النوار يومئذ بخولة بنت منظور بن زبان الفزاري، وتشفع الفرزدق بابنها حمزة بن عبد الله بن الزبير، فأنجحت خولة وشفّعها زوجها ابن الزبير وقال الفرزدق: لا تقربها حتى تصير إلى البصرة فتحكم معها إلى عاملي بها، فقال الفرزدق:
أمّا بِنوه فلم يقبلْ شفاعَتَهمُ ... وشّفعوا بنتَ منظورِ بنِ زَبَّانَا
ليس الشفيعُ الذي يأتِيكَ مُئْتَزراً ... مثلَ الشفيعِ الذي يأتيك عُرْيَانَا
خطب العريان بن الهذيل البرجمي امرأةً، فكان أصم وكانت عوراء، فقالت: تسأل عنا ونسأل عنك، فقال:
فإن تسألِى عنّا وَعَنْكِ فإنَّنا ... كِلانَا به داءٌ أصمَّ وأعْورَا
فقالت: أمّا إذ عرفت الداء فاجلس، فبعثت إلى وليها فزوجها إياه.
قال الأصمعي: قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق لذة العيش، فتزوج امرأتين ثم ندم، فقال:
تزوجتُ اثنتين لفرطِ جَهْلي ... بما يَشْقَى به زوجُ اثنتين
فقلتُ أصِيرُ بينهما خروفاً ... أنَّعم بين أَكرمِ نعجتينِ
فصرتُ كنعجةٍ تُمْسِى وتُضْحِى ... تَرَدَّدُ بين أخبثِ ذئبتينِ
رضى هَذِى يهيّجُ سُخطْ هذى ... فما أعْرَى من إحدى السّخْطتينِ
وأَلْقَى في المعيشة كلَّ بُوسٍ ... كذاك المرءُ بين الضّرَّتينِ
لَهذِى ليلةُ ولتلك أُخرْى ... عِتابٌ دائمٌ في الليلتينِ
وقال الغزال:
إن الفتاةَ وإن بَدَا لك حبهُّا ... فبقلبها داءٌ عليكَ دفينُ
وإذا ادّعين هوى الكبير فإنّما ... هو للكبير خديعةٌ وقُرُونُ
وإذا رأيتَ الشيخَ يهوىَ كاعباً ... فَعَلَيْه من دركِ القُرُون دُيُونُ
وقال الغزال أيضاً:
أنا شيخٌ وقلتُ في الشيخ مَا يَعْ ... لمُه كلُّ أبْلهٍ وذَهِينِ
كلُّ شيخ تراه يكثر من كس ... ب الجوارِي فخذه لي بالقرونِ
قال الأحنف بن قيس: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النكاح، وأحسنوا الأخلاق.
قيل لأعرابي: ما تقول في نساء طيى؟ قال: إذا شئت. قيل: فما تقول في نساء ضبة؟ قال: نك ودحرج.
روى عن النبي عليه السلام أنه قال: " النساء حبائل الشيطان ".
قال معاوية: ما رأيت منهوماً في النساء إلا رأيت ذلك في ضعف منته.
قال عبد الملك: من أراد النجابة فبنات فارس، ومن أراد النكاح فبنات البربر، ومن أراد الخدمة فالروميات.
قال سعيد بن المسيب: ما عرفنا أولادنا حتى عرفنا بنات فارس.
قال أبو هلال الراسبي: جاء رجل إلى أهله بجزر، فقال: يا هذه! اطبخيه أو اشويه وكليه، فإن المطبوخ جيد للبطن، والمشوي جيد للظهر، والنِّئ جيد للجماع، قالت: ليس عندنا نار فكله.
غاضب رجلٌ امرأته ثم ترضاها، فلجت فكابرها حتى جامعها، فقالت: أخزاك الله، كلما وقع بيني وبينك شيء جئتني بشفيع لا يمكنني رده.
قال الشاعر أيمن بن خريم:
لقيتُ من الغانياتِ العُجَابَا ... لو أدركَ منى العَذَارى الشَّبابَا
ولكنّ جِمَاعُ العذاري الحِسَانِ ... عذابٌ شديدٌ إذا المرءُ شاباَ
يُرَضْنَ بكلِّ عَصَا رائضٍ ... ويُصْبحْنَ كلَّ غداةٍ صِعَاباَ
عَلاَمَ يكَحِّلْن حور العُيونِ ... ويُحْدثْنَ بعد خَضابٍ خِضَاباَ
ويبرُقْنَ إلاّ لما تَعْلَمُون ... فلا تحْرِمُوا الغانياتِ الضّراباَ
فلو كلْتَ بالمُدِّ للغانياتِ ... وظاهَرْتَ بعد الثيابِ الثياباَ
ولم تُنِلْهُنّ من ذاك قُرْباَ ... كأنَّك حَدَّثْتَهُنّ الكذَابَا
إذا لم يُخَالَطْنَ كلَّ الخِلاَ ... طِ أصْبَحْنَ مُخْرَ نْطِماتٍ غِضاباَ
يميتُ العتابَ خِلاَطْ النساءِ ... ويُحْيى اجتنابُ الخلاطِ السّبَاباَ
قضى سلمان بن ربيعة على رجل بأن يأتي امرأته في كل أربع ليلة، فرضى ذلك عمر، وجعله قاضياً بالكوفة، وخبره مشهور قد ذكرناه في مواضع.
وروى يعقوب بن طلحة، وإسحق بن محمد السني أن عمر بن الخطاب شكت إليه امرأة أن زوجها لا يأتيها إلا في كل طهر مرة، فقال لها: ليس لك غير ذلك ولا كرامة.
روى عن أبي هريرة، وبعضهم يرويه مرفوعاً: أنه قال: فضلت المرأة على الرجل بتسعةٍ وتسعين جزءاً من اللذة، أو قال من الشهوة، ولكن الله ألقى عليهن الحياء.
قال المأمون: النساء شر كلهن، وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن.
قال غيره: الصبر عنهن أهون من الصبر عليهن.
قال معاوية: هن يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام.
كان يقال: النكاح فرح شهر، وغم دهر، ووزن مهر، ودق ظهر.
ودخل معاوية بن أبي سفيان على ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد، ومعه خديج الخصى فاستترت منه، فقال لها معاوية: إن هذا بمنزلة المرأة، فعلام تستترين منه. فقالت: كأنك ترى المثلى به أحلت له مني ما حرم الله.
كان محمد بن حسين يقول: اللهم ارزقني امرأة تسرني إذا نظرت، وتطيعني إذا أمرت، وتحفظني إذا غبت.
قالت أسماء بنت أبي بكر: النكاح رق النساء، فلتنظر المرأة عند من تضع رقها.
ضرب عبد الملك بن مروان بعثاً إلى اليمن، فأقاموا سنين، جنى إذا كان ذات ليلة وهو بدمشق، قال: والله لأعسن الليلة مدينة دمشق، ولأسمعن ما يقول الناس في البعث الذي غربت فيه رجالهم، وغرمت فيه أموالهم. فبينما هو في بعض أزقتها إذا هو بصوت امرأة قائمة تصلي، فتسمع إليها، فلما انصرفت إلى مضجعها قالت: اللهم يا غليظ الحجب، ويا منزل الكتب، ويا معطي الرغب، ويا مؤدي الغرب. أسألك أن ترد غائبي، فتكشف به همي، وتصفي به لذتي، وتقر به عيني، وأسألك أن تحكم بيني وبين عبد الملك بن مروان الذي فعل بي هذا، فقد صير الرجل نازحاً عن وطنه، والمرأة مقلقةً على فراشها، ثم أنشأت تقول:
تطاول هذا اللّيلُ فالعينُ تدمَعُ ... وأَرّقني حُزْنِي وقلبِيَ مُوجَعُ
فبتّ أقاسي الليلَ أرعَى نجومَهُ ... وباتَ فؤادي هامداً يتفزّعُ
إذا غابَ منها كوكبٌ في مغيِبهِ ... لمحتُ بعيني آخراً حين يطلعُ
إذا ما تذكرتُ الذي كان بينَنَا ... وجدتُ فؤادي للهَوَى يتقطّعُ
وكلُّ حبيبٍ ذاكرٌ لحبيبِهِ ... يرَجِّى لِقاهُ كلّ يومٍ ويطمعُ
فذا العرشِ فُرج ما ترى من صَبابتي ... فأنت الذي ترعى أموري وتسمعُ
دعوتُك في السّراءِ وَالضُّرِّ دعوةً ... على غُلة بين الشراشيف تلْذَعُ
فقال عبد الملك لحاجبه: تعرف لمن هذا المنزل؟ قال: نعم، هذا منزل زيد بن سنان. قال: فما المرأة منه؟ قال: زوجته. فلما أصبح سأل كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالوا: ستة أشهر. فأمر ألا يمكث العسكر أكثر من ثلاثة أشهر.
قال سليمان بن داود صلى الله عليهما: يا بني! لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبة، فترمى بالشر من أجلك وإن كانت بريئة.
قال طفيل الغنوي:
إنّ النساءَ كأشجارٍ نَبَتْنَ معاً ... منها المُرَارُ وبعضُ المرِّمأ كولُ
إن النساءَ متى يُنْهَيْنَ عن خُلُقٍ ... فإنّه واجبٌ لابدَّ مفعولُ
وجد صبي منبوذ في بعض مساجد أصفهان، ومعه صرة فيها مائة دينار، ورقعة مكتوب فيها: هذا جزاء من لا يزوج ابنته.
كان رجل من أهل الشام مع الحجاج بن يوسف يحضر طعامه، فكتب إلى أهله يخبرهم بما هو فيه من الخصب، وأنه قد سمن، فكتبت إليه امرأته:
أُتُهدى ليَ القرطاسَ والخبزُ حاجتي ... وأنتَ على بابِ الأميرِ بطينُ
إذا غبتَ لم تذكْر صديقاً وإن تُقِمْ ... فأنت على ما في يديك ضنينُ
فأنت ككلبِ السُّوءِ جوَّعَ أَهلَه ... فيهزلُ أهلُ البيت وهو سمينُ
لأبي عيينة المهلبي في رجل من قومه، تزوج امرأة قد تزوجت قبلة مائة زوج فماتوا عنها:
رأيتَ أثاثها فرغبت فيه ... وكم نصبتْ لغيرك بالأثاث
إلى دارِ المنُون فرحّلَتْهم ... بأجنحةٍ تطيرُ بهم حِثاثِ
فصيّر أمرَها بيديّ كَميْا ... أبثُّ حبالها لك بالثلاثِ
وإلاّ فالسلامُ عليك مِنّى ... سآخذُ من غدٍ لك في المراثيِ
قال إسحاق الموصلي، أنشدني ابن كناسة لنفسه:
لقد كان فيها للأَمانِة موضعٌ ... وللسِّرِّ كتمانٌ وللعينِ منظرُ
فقلت: ما بقى؟ فقال: أين الموافقة.
قال ابن المقفع: وطءُ العجوز وأكل القديد يهرم.
قال الشاعر:
لا تَنكِحَنّ عجوزاً إن دَعَوْكَ لها ... ولو حَبَوْكَ على تزويجها الذَّهَبَا
وإنْ أَتَوْك فقالوا: إنّها نَصَفُ ... فإنّ أَطيبَ نصفيها الَّذي ذَهَبَاَ
كتب رجل إلى صديق له نكح عجوزاً:
أمسكتَ نفسَكَ حتى إذا ... أتيتَ على الخمسِ والأرْبَعيِنَا
تزوجتَها شارفاً فَخْمَةً ... فَلاَ بالرِّفَاءِ ولا بالبنينَا
فلا ذاتُ مالٍ تزوجْتَها ... ولا ولدٍ تَرْتجي أن يكوناَ
بِهَا أبداً فالتمسْ غيرها ... لعلَّك تُعْطَى بَغثٍ سميناَ
قال دعبل، ويقال: إنها لأبي دلف:
تعجَّبَتْ إذ رأتْ شيبي فقلتُ لها ... لا تعجبي، من يطل عمرٌ بهِ يُشِبِ
شيبُ الرجالِ لهم زينٌ وَمكْرُمةٌ ... وشيبُكُنّ لكنَّ الويلُ فاكتئبي
فينا لكنَّ وإن شيبٌ بدا أربٌ ... وليس فيكنّ بعد الشيب من أَرَبِ
ولبعض الأعراب:
عجوز تُرَجّى أن تكونَ صبيهً ... وقد شابَ منها الرأسُ واحدودب الظهر
تَدُسُّ إلى العطار ميرةَ أَهلِهَا ... وَهَلْ يصلح العطارُ ما أفسد الدهر؟
وقال امرؤ القيس:
أراهُنّ لا يُحْبِبْنَ من قلَّ مالُه ... ولا مَنْ بدا في عارضَيْهِ مشيبُ
وقال آخر:
كَفَاكَ بالشيب ذنباً عند غانيةٍ ... وبالشَّبَابِ شفيعاً أيُّها الرَّجُلُ
وقال الأعشى:
وأرى الغوانِي لا يُواصلن امْرَءا ... فقد الشبابَ وقد يَصِلْنَ الامْرَدَا
وقال علقمة بن عبدة:
فإن تسألُوني بالنساءِ فإنّني ... بصيرٌ بأدواء النساءِ طبيبُ
إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالُه ... فليس له في وُدِّهِنّ نصيبُ
يُردْنَ ثراءَ المالِ حيثُ علمنَهُ ... وشرخُ الشبابِ عندَهُنّ عجيبُ
قال منصور الفقيه:
إذا ما استحَرَّ ولم يتَّسِعْ ... ولم يكُ رَطْباً ولا يابساً
وحلَّ وأمكَنَ من نفسِهِ ... فنبِّه له جَارَكَ النّاعِساَ
وقال منصور النمري:
ما واجه الشيبَ من عين وإن وَمِقَتْ ... إلاّ لها نبوةٌ عنه ومرتَدعُ
وقال حبيب:
أحْلى الرجالِ من النساءِ مواقعاً ... من كان أشبههم بهنّ خُدودَا
وقال آخر:
أرى شيب الرجال من الغوانِي ... بموقع شيبهنّ من الرّجَالِ
شاورَ رجلٌ رجلا في النكاح، فقال له: إيّاك والجمالَ الفائق، فإن الشاعر قال:
ولن تصادِفَ مرعًى مُونقاً أبداً ... إلاّ وجدتَ به آثارَ مأكُولِ
قال آخر:
لا تأمنَنْ أُنْثى حبَتَك بودّها ... إن النساءَ ودادُهُنّ مُقَسَّمُ
اليومَ عندك دَلُّهَا وحديثُها ... وغداً لغيِرك كفَهُّا والمعصمُ
وقال ابن هبيرة:
يا راعى الذَّودِ لا تَرْحل لِمكْرُمَةٍ ... إنّ القلاصَ إذا ما غَابَ رَاعيها
لم يَثْنِها أَحدٌ دون الفحولِ فلا ... تهملْ قلوصَكَ إمّا كنت تَحميِها
ولا تَلمُهَا على وِرْدٍ وقد ظَمِئَتْ ... لو شئتَ أَرْوَيْتها إذْ كنتَ سَاقيِها
احُظرْ مشاربَها، واحففْ جوانبهِا ... وارْمُمْ مذاهِبَها، تسلم قَوَاصِيها
خليّتَها لفحولٍ غير فاخرةٍ ... في كلَ برِيَّةٍ قفْرٍ فَيَافِيها
حتى إذا أَخْدَجَت في كل منزلةٍ ... بكيتَ، أبْكى إلهي عينَ مُبْكيِها
باب الأمثال السائرة في النساء
لا تحمد الحرة عام هدائها، ولا الأمة عام شرائها.
من ينكح الحسناء يعط مهراً.
من يمدح العروس إلا أهلها؟.
لكل فتاة خاطب، ولكل أمر طالب.
كل ذات دل تختال.
كاد العروس أن يكون أميراً.
وليس لمخضوب البنان يمين.
لا تسد الثغور بالمحصنات.
قال الشاعر:
كُتِبَ القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى المُحْصَنَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ
وهذا الشعر لعبد الرحمن بن حسان، وذلك أنه كانت عند المختار بن أبي عبيد امرأتان، إحداهما أم ثابت بنت سمرة بن جندب، والأخرى عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري، فعرضهما مصعب على البراءة من المختار، فأما بنت سمرة فتبرأت منه فخلاها، وأما الأنصارية فامتنعت فقتلها، فقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك:
إنّ من أعجبِ العَجائبِ عِندِي ... قتلُ بيضاءَ حرةٍ عُطبولِ
قُتِلَتْ باطلاً على غير جُرْمٍ ... إن للهِ دَرَّهَا من قتيلِ
كُتبَ القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى الغانياتِ جَرُّ الذُّيولِ
النساء بالنساء أشبه من الماء بالماء، ومن الغراب بالغراب، ومن الذئاب بالذئاب. كل غانية هند.
نعم لهوُ المرأة المغزل.
البياض نصف الحسن، والعجيزة أحد الوجهين.
لا عطر بعد عروس. أخذه الشاعر فقال:
من كان يبكى لِمَا بِي ... من طولِ وَجْدٍ رَسيِسِ
فالآنَ قبلَ وفاتِي ... لا عِطْرَ بعد عَرُوسِ
العوان لا تعلم الخمرة.
لما زوج أسماء بن خارجة ابنته، دخل عليها ليلة بنائها، فقال: يا بنية، إن كان النساء أحق بتأديبك، ولا بدّ من تأديبك، كوني لزوجك أمةً يكن لك عبداً، ولا تقربي منه جداً فيملك أو تمليه، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه، وكوني له كما قلت لأمك:
خُذِي العَفْوَ منّى تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سوْرَتِي حينَ أغضبُ
ولا تَنْقٌرِيني نَقْرَةَ الدُّفِّ مَرَّةً ... فإنّك لا تدرِين كيفَ الْمُغَيّبُ
فإنّي رأيتُ الحبّ في القلب والأذى ... إذا اجتمعا لم يَلْبث الحبُّ يذهبُ
بابُ اللّباس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحريرُ حلالٌ لباسهُ لإناث أمتي، حرامٌ على ذكورها ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّما يلبس الحريرُ من لا خلاق له في الآخرة ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لبس ثوبَ شهرةٍ وعزةٍ في الدنيا أكسبه الله ثوب مذلة يوم القيامة ".
سئل عمر بن الخطاب عن لبس الحرير للنساء، فقال: هن لعبكم؛ فزينوهن بما شئتم.
وروى مرفوعاً أيضاً: " من ليس منظوراً، وركب مشهوراً، لم يزل الله عنه معرضاً، وإن كان عليه كريماً ".
قال عبد الله بن عمر: من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه وإن كان ولياً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل من ذلك في النار، لا ينظر الله عزّ وجل إلى من جرّ ثوبه خُيَلاَء ".
ولما ذكر الإزار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها. قال: " فذراعٌ لا تزيد عليه ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من كاسيةٍ في الدنيا، عاريةٍ يوم القيامة ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " كاسياتٌ عاريات، مائلاتٌ مميلاتٌ، لا يدخلن الجنة ولا يجدنَ ريحها " وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة عام.
كان يقال: كل من الطعام ما اشتهيت، وألبس من الثياب ما اشتهى الناس.
نظمه الشاعر، فقال:
إن العيونَ رَمَتْك مُذ فَاجَأتَهَا ... وعليك من شَهْرِ اللِّباسِ لباسُ
أمّا الطعامُ فكلْ لنفسك ما اشتهتْ ... واجعل لباسَك ما اشتهاه الناسُ
ويروى:
أمّا الطعام فكل لنفسك ما اشتهتْ ... والبس لباساً يَشْتهيه الناسُ
وقال هلال بن العلاء الرقي:
أجِدِ الّثيابَ إذا اكتسيتَ فإنّها ... زينُ الرجالِ بها تُهاب وتُكْرَمُ
ودع التَّواضُعَ في اللّباس تحرّياً ... فاللهُ يعلم ما تجنُّ وتكتمُ
فَدَنِىّ ثوبِك لا يزيدُك زُلْفَةً ... عند الإله وأنت عبدٌ مُجْرمُ
وبهاءُ ثوبِك لا يضرُّك بعد أنّ ... تخشى الإله، وتَتّقى ما يَحْرُمُ
كان بكر بن عبد الله المزني، يقول: البسوا ثياب الملوك، وأميتوا قلوبكم بالخشية.
وقال الحسن: إن قوماً جعلوا خشوعهم في لباسهم، وكبرهم في صدورهم، وشهروا أنفسهم بلباس هذا الصوف، حتى إن أحدهم بما يلبس من الصوف أعظم كبراً من صاحب المطرف بمطرفه.
قال الوليد بن مزيد: كان الناس عندنا يلبسون الأردية، وكان الأوزاعي يلبسها، فترك الناس لبسها ولبسوا السيجان، فرأيت الأوزاعي قد ترك لبس الأردية ولبس الساج، فقلت له: يا أبا عمرو! كنت تلبس الأردية فتركتها ولبست الساج، فما الذي دعاك إلى ذلك، فقال: يا ابن أخي! رأيت الناس يلبسون الأردية فلبستها معهم، وتركوها فتركتها معم، ولبسوا السيجان فلبست معهم، ولو عادوا إلى الأردية لعدت معهم.
قال سفيان بن حسين: قلت لإياس بن معاوية: ما المروءة؟ قال: أما في بلدك فالتقوى، وأما حيث لا تعرف فاللباس.
روى بقية عن الأوزاعي، قال: بلغني أن لباس الصوف في السفر سنة، وفي الحضر بدعة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم، يحب من الألوان الخضرة ويكره الحمرة، ويقول: " هي زينة السلطان ".
قال مالك بن الأشتر لعلي بن أبي طالب: تمام جمال المرأة في خفها، وتمام جمال الرجل في عمامته.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد في بعض السرايا فعممه بيده وسدل طرف عمامته.
قيل لأعرابي: إنك لتديم لبس العمامة؟ قال: إن عضواً فيه السمع والبصر لحقيق أن يوقى من الحر والقر.
روى عن النبي عليه السلام، أنه قال: " الشعر الحسن كسوة الله، فأكرموه ".
وقال عليه السلام لأبي قتادة: " رجل جمتك وأحسن إليها وأكرمها ".
قال أبو هريرة: إذا كان في الرجل ثلاث فهو الكامل، إذا فخر في المجلس وأحسن جوابات الكتب، وأحسن كور العمامة.
روى الرياشي وأبو حاتم عن الأصمعي، قال: ألا أدلك على لباس إن لبسته كان سريا، وإن رفعته كان بهيا، وإن ذخرته كان طرياً؟ قال: نعم. قال: عليك بالتقوى. قال: ألا أدلك على خليلٍ إن صحبته صانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن تجرت به أربحك، وإن ترحلت به حملك؟ قال: نعم. قال: عليك بالأدب. ثم قال: ألا أدلك على بستانٍ تكون منه في أكمل روضة، وميت يخبرك عن المتقدمين، ويذكرك إذا نسيت، ويؤنسك إذا استوحشت، ويكف عنك إذا سئمت؟ قال: نعم. قال: عليك بالكتاب.
قالت ابنة العوام أخت الزبير لزوجها حكيم بن حزام - وكان كثير المال -: مالك لا تلبس لباس الناس اليوم؟ قال: وما تنكرين من لباسي، وإزاري قطري، وردائي مغافري، وقميصي سابري، وعمامتي خرقانية.
نظر بعض الأمراء إلى رجلٍ في أطماره فازدراه، فقال له: أصلحك الله، لا تنظر إلى هيئتي، ولكن انظر إلى همتي، فأنا - والله - كما قال عبد الله بن زياد:
فإنْ أَكُ قَصْداً في الرجالِ فإنّني ... إذا حلَّ امرؤٌ ساحتي لجسيمُ
وكما قال الآخر:
لا تنظرنّ إلى الثيابِ فإنّني ... خَلِقُ الثَّيَاب، من المُروءةِ كاَسِي
أنشد ثعلب:
وإنما الشّعر عقلٌ أنت تَعْرِضه ... على المجالس إنْ كَيْساً وإن حُمُقا
وإنّ أشعرَ بيتٍ أنت قائُلهُ ... بيتٌ يقالُ إذا أنشَدتَه صَدَقا
البس جديدَك إنّي لابسٌ خَلَقي ... ولا جديدَ لمن لا يلبسُ الخَلَقا
قال عبد الله بن المبارك: مخامر الرجال في اللحى والأكمام، ومخامر النساء تحت القمص.
وأنشد غير واحد للشافعي رحمه الله تعالى:
علّى ثيابٌ لو تباعُ جميعُها ... بفَلْسٍ لكان الفَلْسُ منهنّ أكثّرا
وفيهنّ نفسٌ لو يقاسُ ببعضها ... نقوسُ الورى كانت أجلَّ وأكبراَ
وأخذ هذا المعنى ابن أبي الفضل البصري الشاعر يخاطب المتنبي، فقال:
لئن كان ثوبي فوقَ قيمته الفَلْسُ ... فلي فيه نفسٌ دون قيمتها الإِنسُ
فثوبُك بدر تحت أنواره دُجًي ... وثوبَي ليلٌ تحتَ أطمارِه شمسُ
وسبق إلى هذا المعنى ابن هرمه، فقال:
قد يدركُ الشرفُ الفَتَى وردَاؤُهُ ... خَلَقٌ وجَيبُ قميصِهِ مرقوعُ
كان القاسم بن محمد يلبس الخز، وسالم بن عبد الله يلبس الصوف، وكانا يتجالسان في المجلس ويتحدثان الدهر، لا ينكر واحد منهما لباس صاحبه.
نظر ابن المبارك ببغداد إلى رجل عليه ثياب صوف لا تخالطها غيرها، فقال من هذا؟ فقيل له: هذا أبو العتاهية الشاعر، فكتب إليه ابن المبارك:
أيُّها القارئ الذي لبس الصُّو ... ف وأضحى يُعَدُّ في العُبّادِ
الْزَمِ الثَّغْرَ والتعبُّدَ فيهِ ... ليس بغدادُ موضعَ الزُّهَّادِ
إن بغدادَ للملوكِ محلٌّ ... ومناخ للقارئ الصَّيَّادِ
وقال محمود الوراق:
تصَوَّف فازْدَهَي بالصُّوف جَهْلاً ... وبعضُ النّاسِ يَلْبَسهُ مَجاَنَه
يُريكَ مَهَانَةً ويُجِنّ كِبْراً ... وليس الكبر من شكل المَهَانَه
تصنّع كيْ يُقال له أمين ... وما معنَى التَّصَنُّع للأَمَانْه
ولم يردِ الإلَه به ولكنْ ... أرادَ به الطريقَ إلى الخيَانَهْ
وقال آخر:
وثياب المرء جِلْوا ... زٌ له بَيْنَ يديَهْ
وقال آخر:
لا يعجبنّك من بَصُون ثيابَهُ ... حَذَرَ الْغُبَارِ وَعِرْضُهُ مَبْذولُ
ولربّما افتقرَ الفتى فرأيَتهُ ... دنسَ الثيابِ وعِرْضُهُ مَغسُولُ
أنشدني إبراهيم بن محمد، قال: أنشدني أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي لنفسه في أبي مسلم ابن فهد الهذلي الإشبيلي، وذكر حكاية عرضت له معه:
أبا مُسْلم إنّ الفَتَى بجَنَانِهِ ... ومِقْوَلِهِ لا بالمراكبِ واللُّبْسِ
وليسَ ثيَابُ المرءِ تُغْنِى قُلاَمةً ... إذا كان مقصوراً على قِصَرِ النَّفْسِ
وليس يُفيدُ العلمَ والحلمَ والُّتقى ... أبا مُسْلمٍ طولُ القُعود على الكُرْسِي
ولا تُبْتني العليا بكأسٍ وقينةٍ ... وصهباءَ لم تَنْغَرْ بها القِدْرُ كالوَرْسِ
أعيَّرْتَني أن لم أفرِّه مَطِيَّتي ... وأنّ ثيابِي غيرُ بيضٍ ولا مُلْسِ
فربَّ ثيابٍ رثّة حشوُها فتىً ... أجدُّ مُمِرٌّ غيرُ فَسْلٍ ولا نِكْسِ
وآخرُ بَرَّاقُ الثيابِ وعِرْضُهُ ... من العَارِ والتَّدْنِيسِ رجِسٌ عَلَى رِجْسِ
فإمَّا تَهوُلَنْكَ البغالُ فإنّها ... منوّعةٌ عند اليّهُوديِّ والقَسِّ
قال رجل للحسن بن أبي الحسن: يا أبا سعيد! إنا قد وسع الله علينا أفنناك من كسوة وعطر ما لو شئنا اكتفينا بدونه، فما نقول؟ قال: أيها الرجل! إن الله قد أدب أهل الإيمان فأحسن أدبهم، قال تعالى: " ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ من سَعَتِهِ، ومَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُهُ فلينفِقْ مما آتاهُ اللهُ "، وإن الله ما عذب قوماً أعطاهم الدنيا فشكروه، وما عذر قوماً زوى عنهم الدنيا فعصوه.
روى عن لقمان الحكيم، أنه قال: التقنع بالليل ريبة، وبالنهار مذلة. وقد روى هذا عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم.
قال رجل لإبراهيم النخعي: ما ألبس من الثياب؟ فقال: مالا يشهرك عند العلماء، ولا يحقرك عند السفهاء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أسلب لعقول ذوي الألباب منكن ".
سئل بعض الحكماء عن العشق، فقال: شغل قلبٍ فارغ.
وجد في صحيفةٍ لبعض أهل الهند: العشق ارتياحٌ جعل في الروح، وهو معنى تنتجه النجوم بمطارح شعاعها، وتتولد الطوالع بوصلة أشكالها، وتقبله النفوس بلطيف خواطرها، وهو بعد جلاء للقلوب، وصقيل للأذهان ما لم يفرط، فإن أفرط عاد سقما قاتلا، ومرضا منهكا، لا تنفد فيه الآراء، ولا تنجع فيه الحيل، العلاج منه زيادة فيه.
حضر عند المأمون يوماً يحيى بن أكثم، وثمامة بن أشرس، فقال المأمون ليحيى: خبرني عن حد العشق فقال: يا أمير المؤمنين سوانح تسنح للعاشق يؤثرها ويهيم بها تسمى عشقا. فقال ثمامة: اسكت يا يحيى، فإنما عليك أن تجيب في مسألة من الفقه، وهذه صناعتنا. فقال المأمون: أجب يا ثمامة. فقال: يا أمير المؤمنين إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة أثقبت لمحنورٍ ساطع تستضيء به بواطن العقل فتهتز لإشراقه طبائع الحياة، ويتصور من ذلك اللمح نور حاضر بالنفس متصل بجوهرها فيسمى عشقا.
وصف أعرابي عاشقا، فقال: كان يستر عيناً قد درت مآقيها، ويحنو على كبد قد أعيت مداويها.
ذكر رجلٌ أيام شبابه وامرأة كان يهواها، فقال: ذلك هوى شربته النفس أيام شبابها، فاستخفت بالعاذلات وعتابها.
وصف بعض الحكماء الهوى الذي هو عشقٌ للنساء، فقال: بطن فرقَّ، وظهر فكثف، وامتنع وصفه عن اللسان فهو بين السحر والجنون، لطيف المسلك والكمون.
وقال بعض الأدباء: الهوى جليسٌ ممتع، وأليف مؤنس وصاحب مملّك، مسالكه لطيفة، ومذاهبه متضادة وأحكامه سائرة، ملك الأبدان وأرواحها، والقلوب وخواطرها، والعيون ونواظرها، والعقول وآراءها، وأعطى عنان طاعتها، وقاد نصرفها،توارى الأبصار مدخله، وغمض في القلوب مسلكه.
قال عباس بن الأحنف،فيما أنشده إسحاق الموصلي له.
فلو كان لي قلبان عشت بواحدٍ ... وخلّيت قلباً في هواك يعذّب
ولكنّما أحيا بقلبٍ مروّع ... فلا العيش يصفو لي الموت يقرب
تعلمت ألوان الرّضا خوف سخطها ... وعلّمها حبّي لها كيف تغضب
ولي ألف وجهٍ قد عرفت مكانه ... ولكن بلا قلبٍ إلى أين أذهب
وللصّمّة القشيري:
لعمري لئن كنتم على النّأى والغني ... بكم مثل مابي إنّكم لصديق
إذا زفرات الحبّ صعّدن في الحشى ... رددن ولم يفتح لهن طريق
للعباس بن الأحنف:
أرى الطّريق قريباً حين أسلكه ... إلى الحبيب بعيداً حين أنصرف
أنشدنا أبو القاسم محمد بن نصر الكاتب رحمه الله لنفسه في معنى بيت عباس هذا:
أمر نشيطاً إذا زرتكم ... وأرجع كسلان لا أنشط
وسير المطية ما كدني ... ولكن هوى لكم مفرط
وقال العباس بن الأحنف:
يقرب الشوق داراً وهي نازحةٌ ... من عالج الشوق لم يستبعد الدارا
وله:
مت على من غبت عنه أسفاً ... لست منهم بمصيبٍ خلفا
لن ترى قرة عين أبداً ... أو ترى نحوهم منصرفا
قلت لما شفَّني وجدي بهم ... حسبي الله لما بي وكفى
بين الدمع لمن يبصرني ... ما تضمني إذا ما ذرفا
ولمحمد اليزيدي:
أتيتك عائداً بك من ... ك لما ضاقت الحيل
وصيرني هواك وبي ... لحيني يضرب المثل
فإن سلمت لكم نفسي ... فما لاقيته جلل
وإن قتل الهوى رجلاً ... فإني ذلك الرجل
كتب المهدي إلى الخيزران وهو بمكة:
نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتم السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنكم غبتم ونحن حضور
فأجدوا المسير، بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح فطيروا
فأجابته:
قد أتانا الذي وصفت من الشو ... ق فكدنا وما فعلنا نطير
ليت أنّ الرياح كن يؤدي ... ن إليكم ما قد يجنّ الضمير
لم أزل صبّةً فإن كنت بعدى ... في سرورٍ فدام ذاك السرور
قال بعض الأدباء: ما أشد جولة الرأي عند الهوى وفطام النفس عند الصبّا، لقد تصدعت كبدي للمحبّين لو العاذلين قرطة في آذانهم ونيران متأججة في أبدانهم لهم دموع غزيزةٌ على المغائي، كغروب السّواني وأنشد:
سقى الله أطلالاً لليلي وشقّقت ... عليهنّ من غرّ الغمام جيوب
فما تقشعرّ الأرض إن نزلت بها ... ولكنها تزهي بها وتطيب
وقال آخر:
وقال أناسٌ: لا يضريك نأيها ... يلي كلّ ما شفّ النفوس يضيرها
أليس يضير العين أن تكثر البكاء ... ويمنع منها نومها وسرورها
وقال آخر:
فلو أن شرق الشّمس بيني وبينها ... وأهلي وراء الشمس حيث تغيب
لحاولت قطع الأرض بيني وبينه ... وقال الهوى لي إنه لقريب
وقال الصمّة بن عبد الله القشيري:
إذا ما أتتنا الريح نحو أرضكم ... أتينا برياكم فطاب هبوبها
أتينا بريح المسك خالط عنبراً ... وريح الخزامي باكرتها جنوبها
وقال آخر:
ضاف قلبي الهوى فأكثر سهوى ... وجوى الحب مفظع كلّ حلو
لو علا بعض ما علاني ثبيراً ... ظلّ ضعفاً ثبير من ذاك يهوى
من يكن من هوى الغواني خلواً ... يا ثقاتي فإنني غير خلو
قال العبّاس بن الأحنف:
جرى السّيل فاستبكاني السيل إذ جرى ... وفاضت له من مقلتيّ غروب
وما ذاك إلاّ أن تيقنت أننّي ... أمرّ بوادٍ أنت منه قريب
يكون أجاجا قبلكم فإذا انتهى ... إليكم تلقّى طيبكم فيطيب
أيا ساكني شرقيّ دجلة كلكم ... إلى القلب من أجل الحبيب حبيب
قال بعضهم: لو لم يكن في العشق إلاّ أنه يشجع قلب الجبان، ويسخي كف البخيل، ويصفّي ذهن الغبي، ويبعث حزم العاقل، ويخضع له عزّ الملوك، وتصرع له صولة الشجاع، وينقاد له كلّ ممتنع، لكفي به شرفا.
قال الأصمي:سمعت أعرابيّا يقول: إذا ترعت هتوف الضحى على الغصون، أرسلت الشئون مياها إلى العيون،فمن ذاد عينيه عن البكا أورث قلبه حزنا.
عشق أبو القمقام بن بحر السقا امرأة موسرة، فأطمعته في نفسها، فبعث يستهديها طعاماً، حتى فعل ذلك غير مرة، فلما أكثر عليها، بعثت إليه:رأيت العشق يكون في القلب ويفيض إلى الكبد، ثم يستبطن الأحشاء، وحبّك لا أراه تجاوز المعدة.
قال أعرابيّ من فزارة: عشقت امرأة من طّي، فكانت تظهر لي مودّة، فو الله ما جرى بيني وبينها شئ من ريبة، غير أني رأيت بياض كفها ليلة، فوضعت كّفي على كفها، فقالت: مه! لا تفسد ما صلح، فأرفضضت عرقا من قولها، فما عدت لمثل ذلك.
قال بعضهم: الرجل يكتم بغض المرأة أربعين يوماً، ولا يمكنه أن يكتم حبها يوماً واحدا، والمرأة تكتم حب الرجل أربعين يوماً، ولا يمكنها أن تكتم بغضه يوما واحداً.
قال يوسف بن هرون:
دقّت معاني الحبّ عن أذهانهم ... فتأوّلوها أقبح التأويل
وقال كثيرّ:
إذا ما رادت خلّةً أن تستميلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أوّل
وقال حبيب:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلباً خالياً فتمكّنا
لعلىّ بن الجهم:
يا سائلي ما الهوى اسمع إلى صفتي ... الحّب أعظم من وصفي ومقداري
ماء المدامع نار الشوق تحدره ... فهل سمعت بماءٍ فاض من نار
وقال أبو العتاهية:
أذاهب الهوى جسمي ولحمي وقوّتي ... فلم يبق إلاّ الروح والجسد النضو
رأيت الهوى حجر الغضا غير أنّه ... على كلّ حال عند صاحبه حلو
وقال آخر:
أسرّ الذي بي والدموع تبوح ... وجسمي سقيم والفؤاد قريح
وبين ضلوعي لوعة لم أزل بها ... أذوب اشتياقاً والفؤاد صحيح
وقال الصّمّة القشيري:
أما وجلال الله لو تذكرينني ... كذكريك ما كفكفت للعين مدمعا
فقالت: بلى والله ذكراً لو انّه ... يصبّ على صمّ الصفا لتصدّعا
وأكثرهم ينسون إليه في هذا الشعر قوله:
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت ... مزارك من ليلي وشعبا كما معا
فما حسن أن تأتي الأمر طائعاً ... وتجزع أن داعي الصّبابة أسما
بكت عيني اليسرى فلمّا زجرتها ... عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا
وأذكر أيّام الحمى ثم أنثي ... على كبدي من خشيةٍ أن تصدّعا
فليست عشيّات الحمى برواجعٍ ... إليك ولكن خلّ عينيك تدمعا
ومهم من ينسبها إلى قيس بن ذريح، وللمجنون أيضا تنسب، والأكثر أنّها للصّمّة.
/باب في وصف النساء بالحسن والرقة وما يحمد من نعوتهن، ووصف منطقهن قال أنس بن مالك: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره في حجة الوداع، ومعه نساؤه، وكان له حادٍ يحدو بهن يقال له أنْجَشةَ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أنجشة رفقاً! رويداً بالقوارير ". يعني أنهن ضعاف يسرع إليهن الكسر، ولا يقبلن الجبر.
ذكر أعرابي امرأة، فقال: كاد الغزال يكونها لولا ماتم فيها ونقص منه.
وصف أعرابي النساء، فقال: ظعائن في سوالفهن طول، غير قبيحات العطول، إذا مشين أسبلن الذيول، وإذا ركبن أثقلن الحمول.
كتب الحجاج بن يوسف إلى محمد أخيه، وهو أمير على اليمن: أن اخطب على ابني امرأة حسناء من بعيد، مليحة من قريب شريفة في قومها، ذليلة في نفسها، أمة لبعلها. فكتب إليه: قد أصبتها لك، وهي خولة بين مسمع، على عظم ثدييها. فكتب إليه: إن المرأة لا يحسن صدرها حتى يعظم ثدياها.
قال المهلب: عليكم من بنات خراسان بمن عظمت هامتها، وطالت قامتها.
قال محمد بن حسين: عليكم بذوات الأعجاز فإنهن أنجب.
كان يقال: إذا طال ساعد المرأة وعنقها وساقها لم يشك أنها تنجب.
قيل لأعرابي: أي النساء أفضل؟ قال: الطويلة السالفة، الرقيقة الرادفة، العزيزة في قومها، الذليلة في نفسها، التي في حجرها غلام، وفي بطنها غلام، ولها في الغلمان غلام.
وصف علي بن أبي طالب رضى الله عنه امرأةً، فقال: تدفئ الضجيع، وتروى الرضيع. يعني بعظم ثدييها.
قال ابن شبرمة: سمعت محمد بن سيرين يقول: ما رأيت على رجل لباساً أزين من فصاحة، ولا رأيت لباساً على امرأة أزين من شحم.
كان يقال: لو قيل للشحم أين تذهب؟ لقال: أقوم العوج.
وقال مصعب بن الزبير: المرأة فرش فاستوثروا.
كان يقال: من تزوج امرأة فليستجد شعرها، فإن الشعر أحد الوجهين.
كان يقال: النساء لعب فتخيروا.
من الأمثال السائرة: لن تعدم الحسناء ذاماً.
وقالوا: عقل المرأة في جمالها، وجمال الرجل في عقله.
وصف رجل امرأة فقال: كأن عينيها السقم لمن رآها، وكلامها البرء لمن ناجاها.
قال أشهب بن عبد العزيز. سئل مالك بن أنس: أيسلم الرجل على المرأة؟ فقال: أما المتجالّة فلا بأس، وأما التي كلامها أشهى من الرطب فلا.
وقال سحنون: سمعت أشهب يقول: المكيات أخنث النساء، والمدنيات أغنج النساء.
وشبه الأخطل كلام امرأة بعقد انقطع فتحدر لؤلؤه، فقال:
قد يكون بها سلمى تُحَدّثني ... تَسَاقُطَ الْحَلْيِ حاجاتي وأَسْرَارِي
وقال القطامي:
فهن يَنْبِذْنَ من قولٍ يَصِبْن به ... مواقعَ الماء من ذي الغُلَّةِ الصّادِي
وقال الراعي:
لهنَّ حديثٌ فاترٌ يترُك الفَتَى ... خفوقَ الْحَشَا مُسْتَهلَكَ اللُّبِّ طامِعاَ
وقال أعرابي:
وحديثها كالقَطْرِ يسمعُهُ ... راعى سِنينَ تتابَعَتْ جَدْبَا
فأصاخ يرجو أن يكون حَياً ... ويقولُ من فرحٍ هيا رباَّ
وفي رواية أخرى:
فأصاخ مُسْتَمِعاً لِدَرَّتِها
وقال جِرَانُ العَوْد:
حَديثٌ لو أنّ اللّحمَ يصلى بحرِّه ... غَرِيضاً أتى أصحابَه وهو مُنْضَجُ
وقال بشار:
كأنّ حديثَها سكَرُ الَّشراب
ولبشّار أيضاً:
وحديثٍ كأنه قطعُ الرّو ... ضِ وفيه الحمراءُ والصفراءُ
وله:
وكأنّ تحتَ لِسَانِها ... هاروتَ ينفثُ فيه سِحراَ
وكأنّ رجْعَ حديثها ... قِطَعُ الِّرياض كسينَ زَهْرا
وله:
ولها مَبْسِمٌ كغُرِّ الأقَاحي ... وحديثُ كالوَشْيِ وشْىِ الْبُرُودِ
وقال علي بن العباس الرومي:
وحديثُها السِّحْرُ الحلالُ لو أنّه ... لم يَجْنِ قتلَ الْمُسْلِمِ المتحرِّزِ
وإن طال لمُ يمْلَلْ وإن هي أوْجَزتْ ... ودّ المحدِّث أنها لم تُوجِزِ
شَرَكُ العقول ونُهْزَهٌ ما مِثْلُها ... للمطمئن وعُقلة المستوفز
وقال امرؤ القيس:
وهي هيفاءُ لطيفٌ خصْرُها ... ضخمةُ الثِّدْي وَلمّا ينكسرْ
وقال المرار بن سعد الجبلي:
صَلْتَةُ الخَدّ طويلٌ جيدُها ... ضخمةُ الثّدْيِ ولمّا يَنْكَسِرْ
وقال غيره:
موسومةُ بالحسن ذات حواسدٍ ... إنّ الحسان مَظَنةٌ للحُسَّدِ
وترى مَآقِيَها تقلِّبُ مُقْلَةً ... سوداءَ ترغبُ عن سَوَاد إحد
وقال آخر:
إن النّساءَ رياحينٌ خلقنَ لَنا ... وكلنا يَشتهى شمَّ الرَّيَاحِينِ
وقال آخر:
ونحن بَنْو الدُّنْيَا وهنّ بَنَاتُها ... وعيشُ بنى الدُّنيا لقاءُ بَناتِها
وقال حسان بن ثابت:
لو يدبُّ الحَوْلِيُّ من وَلَدِ الّذ (م) ... رِّ عليها لأدمَأَتْها الكُلُومُ
الحولي من ولد الذر لا يعرف من المسن، وإنما أراد الصغير من ولد الذر، كما قال الآخر:
يُلَقَّطُ حَوْلِيُّ الحصا من منازِلٍ ... من الحيِّ أمست بالجَبِيبَيْنِ بَلْقَعَا
وحولي الحصا صغارها، فشبهه بالحولي من ذوات الأربع.
وقال حميد بن ثور:
منعمةٌ لو يًصْبح الذَّرُّ سارياً ... على جلدها بَضَّت مَدَارِجُهُ دَمَا
وقال عمر بن أبي ربيعة:
لو دَبّ ذَرٌّ فوق ضَاحِي جِلْدِها ... لأبَان مِنْ آثارهن حُدُورَا
وقال آخر:
من القاصَرات الطَّرْفِ لو دب مُحْوِلٌ ... من الذَّرِ فوق الإتْبِ منها لأثّرا
وقال الحسنُ بن هانئ:
وكأن مَنْثُور رُمَّانٍ بوجنتها ... لو دبَّ فيها خيالُ الذَّرِ لا نجرها
وقال النظام:
رقَ فلو دبَّ به نملةٌ ... لخضبّتُه بدمٍ جاَرِى
أُضمرُ أن أضمرَ حبِّي له ... فيشتكى إضمارَ إضماري
وبلغ قول النظام هذا أبا الهذيل، فقال: لقد رقّ هذا الموصوف حتى لا يناكُ إلا بزب الوهم.
وأخذ ابن الرومي قول النظام، فقال:
رقّ فلو دبّ به ذرةٌ ... منعَّلةٌ أَرْجُلها بالحريرِ
لأثّرت فيه كما أثّرت ... مَدَامَةٌ في العارض المستدير
قال بعض حكماء أهل الأدب، كمال حسن المرأة أن تكون أربعة أشياء منها شديدة البياض، وأربعة أشياءٍ شديدة السواد، وأربعة أشياء شديدة الحمرة، وأربعة أشياء مدورة، وأربعة واسعة، وأربعة ضيقة، وأربعة رقيقة، وأربعة عظيمة، وأربعة صغاراً، وأربعة طيبة الريح. فأما الأربعة الشديدة البياض. فبياض اللون، وبياض العين، وبياض الأسنان، وبياض الظفر.
وأما الأربعة الشديدة السواد، فشعر الرأس، والحاجبين، والحدقة والأهداب.
وأما الشديدة الحمرة: فاللسان، والشفتان، والوجنتان، واللثة.
وأما المدورة: فالرأس، والعين، والساعد، والعرقوبان.
وأما الواسعة: فالجبهة، والعين، والصدر، والوركان.
وأما الضيقة: فالمنخران، والأذنان، والسرة، والفرج.
وأما الصغار: فالأذنان، والفم، واليدان، والرجلان.
وأما الرقاق: فالحاجب، والأنف، والشفتان، والخصر.
وأما الطيبة الريح: فالأنف، والفم، والأبط، والفرج.
وأما العظيمة: الهامة، والمنكبان، والأضلاع، والعجز.
أنشد ابن أبي طاهر لشريك الجعدي:
ولو كنتُ بَعْد الشَّيْبِ طالبَ صَبوَةٍ ... لأَصْبَى فؤَادِي نِسْوَة بِحُلاَحِلِ
عفيفاتُ أسْوَارٍ بَعِيدَاتُ ريبةٍ ... كثيراتُ إخْلافٍ قليلاتُ نائلِ
تعلَّمْنَ والإِسْلاَم فيهن والتقى ... شَوَاكِلَ من علمِ الذّين ببَابلِ
مِراضُ العُيون في احْمِرار مَحَاجِرٍ ... طوالُ المتونِ راحجاتُ الأسَافِلِ
هضيماتُ ما بين الَّترائب والحشَا ... لِطَافُ البُطونِ ظامِئاتُ الخلاخِلِ
تعوضن يوم الغيدِ من جَدَل المَهَا ... عيوناً وأعناقَ الظباءِ العَواطلِ
كأن ذُرَا الأنْقَاءِ من رَمْلِ عَالِجٍ ... خَبَتْ وَالْتَقَتْ منهنّ تحت المفاصلِ
ولدعبل بن علي الخزاعي:
له منظر وَطْفٌ ومنسدل وحفُ ... ومبتسم يحيى إذا قتل الطّرفُ
وللظَّبى عينَاه وللدًّرِّ ثغرُه ... وَللقُضُبِ الأعْلى وللكُثُب الرِّدْفُ
ظلمتُكَ لما قلتُ أشْبَهَكِ الخِشْفُ ... أو القمرُ المعدود من شهره النصف
ولكنك الُّنورُ المركبُ جوهراً ... من الحُسْن لم يبلغ له الوهُم وَالوصفُ
أنشدني أبو عمر يوسف بن هَرون لنفسه:
بحتُ بُحبِّي ولو غَرَامِي ... ويكونُ في صخرةٍ لَباحاَ
ضيَّعْتمُ الرُّشْدَ من مُحبٍّ ... ليسَ يَرَى في الَهَوى جُنَاحاَ
لم يستطع حَمْلَ ما يُلاقى ... فشقَّ أثْوابَهُ وَصَاحاَ
مُحيِّرَ المقلَتْين قل لِى ... هل شَرِبَتْ مُقْلَتَاكَ رَاحاَ
نَفْسيِ فدى لَمٍ وخدٍّ ... قد جَمَعَا اللَّيْل والصبَّاَحاَ
وَعَقْرَبٍ سُلِّطَتْ عَلَيْنا ... تَملأُ أكبادَنا جِراحاَ
قد طارَ من شوقِهِ فؤادي ... فصارَ شَوْقِي له جَنَاحاَ
أنشدني أبو القاسم محمد بن نصير الكاتب لنفسه:
لَثَاتُك ياقوتٌ وَثَغْرُك لُؤْلؤ ... وريقُك شهدٌ والنَّسيِمُ عَبيِرُ
ومن وَرَقِ الْوَرْدِ الجنيِّ مُقَبَّلٌ ... تَرَشُّفُهُ عند المماتِ نشُورُ
وخدُّكَ وردُ الرَّوضِ والصّدغ عَقْربٌ ... وطرْفكَ سحرٌ والمجسُّ حريرُ
وحاجبُك المَقْرُون نونان صُفِّفَا ... وقد لاح سَوْسَانٌ عليه نضيرُ
وشعرُكَ ليلٌ فاحُم اللونِ حالكٌ ... ووجهْكَ بدرٌ تحت ذاكَ مُنِيرُ
وأنفُك من دُرًّ مذَابٍ مركّبٌ ... وجيدُك جيدُ الظّبْيِ وهو غريرُ
وصدرُك عاجٌ أبيضُ اللون مشرِقٌ ... ورُمّانُ كافورٍ عليه صَغِيرُ
ومن فضةٍ بيضاءَ كَفّاك صِيغَتَا ... ولكنْ بمحِّمر العَقِيق تشيرُ
وقدُّك غصنٌ حين هبَّت به الصبَّاَ ... وردْفكَ دعصٌ للرمال وثيرُ
وتخطو على أنبوبتين حًكاَهما ... من النخل جُمَّارٌ يجذّ؟ ُ قشير
وتحتهما مشطان رَخْصاَنِ دَلّها ... عُقُولَ ذوى الألْبَابِ حين تدورُ
ودَلُّكَ سحرٌ يَخْلِسُ العقل فاتنٌ ... ولفظُك دُرٌّ إن نطقت نشيرُ
فمالك في الدُّنيا من الناسِ مُشبْهٌ ... ولاَلَكَ في حوُر الجنان نظيرُ
وهذا الشعر من أحسن ما قاله متقدم أو متأخر في عموم وصف المرأة وأجمعه وأطبعه إن شاء الله تعالى، على أن هذا الوصف معدوم.
باب النظر إلى الوجه الحسن
قال الله عز وجل " قُلْ للمُؤْمِنين يَغُضُّوا من أبْصاَرِهم "، " وقلْ للمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ من أبصاَرِهِنّ ".
ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس وهو رديفه، عام حجة الوداع، من النظر إلى الخثعمية، وصرف وجهه عنها.
ومنع بعض أصحابه الدخول عليه من أجل صفية زوجته، وقال لهم: إنها صفية.
ومنه امرأتين من نسائه من النظر إلى ابن أم مكتوم، فقالتا: أليس أعمى؟ فقال: أفعمياوان أنتما؟.
قال عقيل بن علفة: لأن ينظر إلى ابنتي مائة رجل خير من أن تنظر هي إلى رجل واحد.
نظر أبو حازم بن دينار إلى امرأة حسناء ترمى الجمار أو تطوف بالبيت، وقد شغلت الناس بالنظر إليها لبراعة حسنها، فقال لها: أمة الله! خمري وجهك، فقد فتنت الناس، فهذا موضع رغبةٍ ورهبة. فقالت له: إحرامي في وجهي أصلحك الله يا أبا حازم، وأنا من اللواتي قال فيهن العرجي:
من اللاّءِ لم يَحْجُجْنَ يبغين حِسْبةً ... ولكنْ ليقْتُلْن التَّقَّى المُغَفّلاَ
فقال أبو حازم لأصحابه: تعالوا ندع الله ألا يعذب هذه الصورة الحسنة بالنار، فقيل له: أفتنتك يا أبا حازم، فقال: لا، ولكن الحسن مرحوم.
هكذا روينا هذا الخبر عن أبي حازم من وجوه بألفاظ مختلفة ومعنى متقارب.
وذكر المدائني عن عبد الله بن عمر العمري، قال: خرجت حاجاً فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلامٍ أرفثت فيه، فأدنيت ناقتي منها، وقلت: يا أمة الله! ألست خاجة؟ أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا، ثم قالت: تأمل يا عمري، فإني ممن عناه العرجي بقوله:
أماطت كِساَءَ الخزّ عن حُرِّ وجهها ... وأدْنَتْ على الخدين بُردْاً مُهَلهْلاَ
من اللاّءِ لم يَحْجُجْنَ يبغين حِسبَةً ... ولكنْ ليقتُلْنَ البريءَ المغَفّلاَ
وترمى بعينيها القلوبَ ولحظِها ... إذا ما رَمَتْ لم تُخْط منهن مَقْتَلاَ
قال: فقلت: فأنا أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار، قال: وبلغ ذلك سعيد بن المسيب؛ فقال: أما والله لو كان من أهل العراق، لقال: اغربي قبحك الله، ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز.
قال عبد الله بن طاهر:
وجه يدلُّ الناظرين ... عليه في اللّيلِ البَهِيمْ
فكأنه روحُ الحَيا ... ةِ يَهْبُّ مِسْكيّ النسيمْ
في خدِّه ورد الجَمَا ... لِ يُعَلُّ من ماءِ النعيمْ
سقْمُ الصّحيح المُستَقِلِّ ... وصحة الرَجُلِ السَّقيم
نظر رجلان إلى جارية حسناء في بعض طرق مكة فمالا إليها فاستسقياها ماءً، لسقتهما فجعلا يشربانه ولا يسيغانه فعرفت ما بهما فجعلت تقول:
هما استسقيا ماءً على غير ظمأة ... ليستمتعا باللحظ ممن سقاهما
فعجبا من ذلك ودفعا الإناء إليها فمرت وهي تقول:
وكنتَ متى أرسلتَ طَرْفَك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبَتْكَ المناظرُ
رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ ... عليه ولا عَنْ بعضهِ أنت صابر
وقال آخر:
خليليَّ للبغضاء عينٌ مُبيِنَةٌ ... وللحبِّ آياتٌ تُرَى ومعارفُ
ألا إنّما العينانِ للقلبِ رَائدٌ ... فما تألفُ العينانِ فالقلبُ يألفُ
يحبُّ ويُدْنِى من يقلُّ خلافُهُ ... وليس بمحبوبٍ حبيبٌ مخالفُ
قال آخر:
ومَالَكَ منها غير أنَك رائدٌ ... بعينيْك عينيها فهلْ ذاكَ نافِعُ
دخل الشعبي على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا شعبي! بلغني أنه اختصم إليك رجلٌ وامرأته، فقضيتَ للمرأة على زوجها، فقال فيك شعراً، فأخبرني بقصتيهما وأنشدني الشعر إن كنت سمعته. فقال: يا أمير المؤمنين! لا تسألني عن ذلك. فقال: عزمت عليك لتخبرني. قال: نعم، اختصمت إلى امرأة وبعلها، فقضيت للمرأة إذ توجه لها القضاء، فقام الرجل وهو يقول:
فُتِن الشّعْبيُّ لّما ... رَفَعَ الطَّرْفَ إليها
بفتاةٍ حين قامتْ ... رفَعَتْ مَأكَمَتَيْها
ومشت مشياً رُوَيْداً ... ثم هزّت مِنْكبَيْها
فتنتهُ بقوامٍ ... وبخطَّىْ حاجبيها
وبنانٍ كالمَدَارِي ... واسْودادِ مُقْلتَيْها
قال للجِلْوَازِ قَرّب ... هَاوأحْضِر شاهديْها
فقضى جوراً علينا ... ثم لم يَقْضِ عَلَيها
كيف لو أبْصر منها ... نحرَها أو سَاعِدَيها
لصَباَ حتى تَرَاهُ ... ساجداً بينَ يَدَيْها
بنتُ عيسى بن حَرادٍ ... ظُلِمَ الخَصْمُ لَدَيْها
قال عبد الملك: فما صنعت يا شعبي؟ قال: أوجعتُ ظهرهَ حين جوّرني في شعره.
هذا ما رواه سفيانُ بن عيينة، عن سالم بن أبي حفصة، عن الشعبي، وهو أصح إسنادٍ لهذا الخبر. وذكر الهيثم بن عدي، قال: خاصمت أم جعفر بين عيسى بن حراد زوجها إلى الشعبي، فلما قامت بين يديه، قيل لها: ما صعنت؟ قالت: سألني البينة، ومن سأل البينة فقد فلج، ثم قضى لها، فقال هذيل الأشجعي:
فنن الشّعبىّ لما ... رفع الطرفَ إليها
وذكر الأبيات: وفي رواية الهيثم بن عدي: أن الشعر لهذيل الأشجعي فيها، فبلغ ذلك الشعبي، فقال: أبعده الله، ما قضينا إلا بحق. قال الهيثم: فحدثني ابن أبي ليلى، قال: خرجنا مع الشعبي من المسجد، وقد قام من مجلس القضاء، فمررنا بجارية تغسل في إجانة فلما رأت الشعبي قالت:
فُتن الشّعبيّ لما
فقال الشعبي:
رفع الطّرفَ إليها
خاصم الوليد بن صريع، مولى عمرو بن حريث، أخته أم كلثوم ابنة صريع إلى عبد الملك بن عمير، قاضي الكوفة، وكان يقال له: القبطي، لفرسٍ كان له فقضى لها على أخيها، فقال هذيل الأشجعي:
لقد عثرَ القبطيُّ أو زَلَّ زلةً ... وما كان منه لا العثارُ ولا الزّللْ
أتاه وليدٌ بالشُّهودِ يقودُهُمْ ... على ما ادّعَى من صامتِ المالِ والخَوَلْ
يقودُ إليه كلْثُماً وكلاُمها ... شفاءٌ من الدَّاءِ المخامرِ والخَبَلْ
فأدْلى وليدٌ عند ذاك بحجةٍ ... وكان وليدٌ ذا مِراءٍ وذا جَدَلْ
وكان لها دَلٌّ وعينٌ كحيلةٌ ... فأدْلَتْ بحُسنِ الدَّلِّ منها وبالكَحَلْ
فأفْتنَت القبطيَّ حتّى قضى لها ... بغيرِ قضاءِ الله في مُحْكَم الطُّوَلْ
فلو أنّ من في القصرِ يعلمُ علْمَه ... لما اسْتَعملَ القبِطيَّ يوماً على عَمَلْ
له حين يقضي للنساء تَخَاوُصٌ ... وكان ومات فيه التخَاوص والحَوَلْ
إذا ذاتُ دَلٍّ كلمتهُ بحاجةٍ ... فهمَّ بأنْ يقضى تَنَحْنَح أو سَعَلْ
وبرّقَ عينيه ولاكَ لسانَهُ ... ويَرَى كل شيءٍ ما خلا شخصَها خَلَلْ
فبلغ ذلك عبد الملك بن عمير، فقال: ما لهذيل أخزاه الله؟ والله لربما جاءتني النحنحة أو السعلة وأنا في المتوضأ فأردها مخافة ما قال.
لعبد الله بن سليمان النحوي المكفوف:
تقولُ من للعمى بالحُسْن قلتُ لَها ... كَفَى عَن الله في تحقيقهِ الخبرُ
القلبُ يُدرك مالا عينَ تدركُهُ ... والحُسْنُ ما استحسنتْه النفس لا البَصرُ
وما العيونُ التي تعمى إذا نظرَتْ ... بل القلوبُ التي يَعْمىَ بها النظرُ
وقال أيضاً ينقُضه:
ما إن يُمتِّع بالمعشوقِ عاشِقَهُ ... سمعٌ إذا لم يمتّعْهُ به البَصرُ
وكل قلبٍ له حبٌّ يقلبه ... وأعذب الحبِّ ما أحباكه النظرُ
ولو تكافي الهوى مرأى ومستعماً ... لما تبَاينَت الأصواتُ والصورُ
أنشد إسحق بن إبراهيم لعمر بن أبي ربيعة في محمد بن عروة بن الزبير، وكان جميلاً:
إني امرؤٌ مُولَعٌ بالحسن أتبعُه ... لاحظَّ لي فيه إلاّ لذةُ النظرِ
وقال محمود الوراق:
من أطلق الطَّرْفَ اجتنى شَهْوَةً ... وحارس الشَّهوةِ غضُّ البَصَرْ
والطّرْفُ للقلبِ لسانٌ فإنْ ... أرادَ نطقاً فليكرَّ النَّظَرْ
يُفْهَمُ بالعينِ عن العينِ ما في الْ ... قلبِ من مكنونِ خيرٍ وشَرْ
يَطْوِي لسانُ المرءِ أَخبارَه ... والطرفُ لا يملكُ طيَّ الخَبرْ
وقال آخر:
لا تكثرنَّ تأمُّلاً ... وامْلِكْ عَلَيْك عنانَ طَرْفِكْ
فَلرُبَّما أرسلتَه ... فَرَمَاكَ في ميدانِ حَتْفِكْ
وقال أعرابي:
نظرتُ إليها نظرةً ما يَسرُّنِي ... وإِنْ كنت محتاجاً بها ألفُ دِرْهَمِ
قال شيخ من بني نمير: نظرت إلى مولدةٍ باليمامة، فقالت: ملأت عينيك وملك غيرك.
وقال ذو الرمة:
على وجهِ مَيٍّ مِسْحةٌ من مَلاَحَةٍ ... وتحتَ الثِّيابِ العارُ لو كان باَدياَ
ألم ترَ أنّ الماءَ يخبُثُ طعمهُ ... ولو كان لونُ الماءِ أَبيضَ صافياَ
وقال بعض الأعراب:
جزى الله البراقعَ من ثيابِ ... عن الفتيانِ شراً ما بَقِيناَ
يوارينَ الملاَحَ فلا أرَاها ... ويوهِمْنَ القِبَاحَ فيزْدَهيِناَ
وقال آخر:
لقد أعجبَتْها نفسُها فتملّحت ... بأيِّ جمالٍ ليتَ شِعْرِى تَمَلَّحُ
وقال إسماعيل القراطيسي:
وقد أتانِي خبرٌ راعني ... مِنْ قولِها في السِّرِّ واضَيْعَتَاهْ
أمثلُ هذا يبتغى وصلنَا ... أما يرى ذا وجهْهَ في المرَاهْ
وقال عباس بن الأحنف:
هَمّتْ بإتيانِنا حتّى إذا نظرتْ ... إلى المِرَاةِ نهاها وجههُا الحَسَنُ
ما كان هذا جزائِي من مَحاسِنِهَا ... أغَرتْ بي الشَّوْق حتى شفَّني الشَّجَنُ
كان يقال: أربعة تزيد في البصر: النظر إلى الوجه الحسن، وإلى الخضرة وإلى الماء الجاري، والنظر في المصحف.
دخل الشعبي سوق الرقيق، فقيل له: هل من حاجة؟ فقال: حاجتي صورة حسنة، يتنعم فيها طرفي، ويلتذ بها قلبي، وتعينني على عبادة ربي.
أدام إبراهيم النظام النظر إلى جاريةٍ حسناء، فقال مولاها: أراك تديم النظر إليها، فقال: مالي لا أتأمل منها ما أحل الله، وفيه دليل على حكمة صنعة الله، ومعه اشتياق إلى ما وعد الله.
قال الحسن البصري: ينبغي للوجه الحسن ألا يشين وجهه بقبيح فعله وينبغي لقبيح الوجه ألا يجمع بين قبيحين.
قال الشاعر:
إنّ حُسْنَ الوجهِ يحتا ... جُ إلى حُسْنِ فِعَال
حاجةَ الصَّادِي من الما ... ءِ إلى العَذْبِ الزَّلاَلْ
باب جامع ذكر النساء وتزويج الأكفاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدُّنيا كلها متاع، وخير متاع الدُّنيا المرأةُ الصالحة ".
ويروى أن داود عليه السلام قال لابنه سليمان: يا بني! إن المرأة الصالحة كمثل التاج على رأس الملك، والمرأة السوء كمثل الحمل الثقيل على ظهر الشيخ الكبير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأة كالضلع العوجاء؛ إن رفقت بها استمتعت منها " أخذه الشاعر فقال:
هي الضِّلَعُ العوجاءُ لستَ تُقِيمُها ... ألاَ إنّ تقويمَ الضلوعِ انكسارُها
قيل لبعض الأعراب: من تركت عند نسائك؟ فقال: حافظين: الجوع والعري، عرين فلا يظهرن، وجعن فلا يأشرن.
مما أوصى به محمد بن عبد الله بن حسين ابنيه، فقال: واعلما أن لن تسقط امرأة واظبت على ثلاث خلال: الماء والسواك والكحل فعليكما بهن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم وخضراء الدمن. قالوا: وما خضراء الدمن؟ فقال: المرأة الحسناء في المنبت السوء ". شبهها بنبات أخضر نضر نبت على دمنة، وهي الأبعار والأبوال تبلبل بعضها على بعض.
قال معاذ بن جبل: أخوف ما أخاف عليكم النساء، إذا تسورن الذهب، ولبسن عصب اليمن، ورباط الشام، فأتعبن الغنىّ وكلفن الفقير مالا يجد.
قال سمرة بن جندب: سمعت عمر بن الخطاب يقول: النساء ثلاث والرجال ثلاثة: امرأة عاقلة مسلمة عفيفة هينة لينة ودود ولود، تعين أهلها على الدهر، ولا تعين الدهر على أهلها، وقليلا ما تجدها. وأخرى وعاء للولد لا تزيد على ذلك، وأخرى غلٌ قملٌ يجعله الله في عنق من يشاء، ثم إذا شاء أن ينزعه نزعه.
وذكر الرجال بما قد ذكرته في باب ثلاثة.
قال منصور الفقيه:
أفضلُ ما نال الفَتَى ... بعد الهُدَى وَالْعَافِيَهْ
قرينةٌ مُسْلمِةٌ ... عفيفةٌ موَاتَيهْ
ذكر ثعلب عن ابن الأعرابي، قال: قالوا: النساء خلقن من ضعف، فداووا ضعفهن بالسكوت، وعوراتهن بالبيوت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تُنكح المرأة لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فعليك بذوات الدين تربت يداك ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالأبكار؛ فإنهن أطيب أفواهاً، وأرتق أرحاماً، وإياكم والعجائز ".
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " أعظم النساء بركةً أحسنهنّ وجوها، وأرخصهن مهوراً ".
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " ترفقوا ولا تطلقوا، وانكحوا الأكفاء واختاروا لنطفكم، فإن العرق دساس ".
كان يقال: إياكم ومناكحة الحمقاء، فإن صبحتها أذى ومناكحتها أذى ".
قال أبو الأسود لبنيه: يا بني! قد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً، وقبل أن تولدوا، قالوا: وكيف ذلك؟ قال: التمست لكم من النساء الموضع الذي لا تعابون به.
وشوور بعض الحكماء في تزويجٍ، فقال للمشاور: يا ابن أخي! إياك أن تزوج لأهل دناءةٍ أصابوا من الدنيا، فإنك تشركهم في دناءتهم، ويستأثرون عليك بدنياهم. قال: فقمت عنه وقد اكتفيت بما قال لي.
كان يقال: لا تسترضعوا الحمقاء؛ فإن اللبن ينزع بالشبه إليها.
قال عمر بن الخطاب: لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، واستعينوا عليهن بالعرى.
قال عمر بن الخطاب رحمه الله: استعيذوا بالله من شرار النساء، وكونوا من خيارهن على حذر.
وقال أيضاً: عليكم بالسراري؛ فإنا رأيناهن يأخذنَ بعز العرب وملك العجم.
قال علي بن أبي طالب: خيرُ نسائكم الطيبة الرائحة، الطيبة الطعام، التي إن أنفقت أنفقت قصدا، وإن أمسكت أمسكت قصدا، فتلك من عمال الله، وعامل الله لا يخيب.
قال علي بن أبي طالب: من أراد البقاء - ولا بقاء - فليخفف الرداء، وليباكر الغداء، وليقل مجامعة النساء. قيل له: وما خفة الرداء؟ قال: الدين. ثم قال: المرء بجدّه والسيف بحدّه، والثناء بعد البلاء.
قال عمرو بن العاص: الناكح مغترس، فلينظر امرؤ حيث يقع غرسه.
قال المغيرة بن شعبة: صاحب المرأة الواحدة امرأة مثلها، إن بانت بان معها، وإن حاضت حاض معها، وإن مرضت مرض معها، وصاحب المرأتين على جمرتين، وصاحب الثلاث على رستاق، وصاحب الأربعة كل ليلةٍ عروس، أخذه الشاعر فقال:
وصاحبُ ضرتَّينِ على الليالي ... كما قد قيل بين الْجَمْرَتَيْنِ
رضَا هذِى يُهيَجّ سُخْط هَذِى ... فما يَعْرَى من إحدَى السُّخْطَتين
دخل أعرابي على الحجاج فسمعه يقول: لا تكمل النعمة على المرء حتى ينكح أربع نسوة يجتمعن عنده، فانصرف الأعرابي فباع متاع بيته، وتزوج أربع نسوة، فلم توافقه منهن واحدة، خرجت واحدة حمقاء رعناء، والثانية متبرجة، والثالثة فارك أو قال فروك، والرابعة مذكرة، فدخل على الحجاج فقال: أصلح الله الأمير، سمعت منك كلاماً أردت أن تتم لي به قرة عين؛ فبعت جميع ما أملك، حتى تزوجت أربع نسوةٍ، فلم توافقني منهن واحدة، وقد قلت فيهن شعراً، فاسمع مني، قال: قُل. فقال:
تزوجتُ أبغي قُرّةَ العينِ أربَعا ... فياليتَ أنّى لم أكن أتزوَّجُ
وياليتنى أَعْمَى أصمُّ ولم أكُنْ ... تزوجتُ بل ياليت أنى مُخَدَّجُ
فواخدةٌ ما تعرفُ الله ربَّها ... ولا ما التُّقَى تدري وَلا ما التَّحرُّجُ
وثانيةٌ ما إن تقرَّ ببيتها ... مذكّرة مشهورة تتبرَّجُ
وثالثة حمقاءُ رَعْنَا سخيفةٌ ... فكل الذي تأتي من الأمر أعوجُ
ورابعةٌ مفروكةٌ ذاتُ شِرَّةٍ ... فليستْ بها نفسي مَدَى الدهر تُبْهَجُ
فهنَّ طلاقٌ كلُّهُن بوائنُ ... ثلاثاً ثلاثاً فاسْهَدُوا لا تلجلجوا
فضحك الحجاج حتى كاد يسقط من سريره، ثم قال له: كم مهورهنّ؟ قال: أربعة آلاف درهم. فأمر له بثمانية آلاف درهم.
قال أكثم بن صيفي لبنيه: يا بني لا ينكبنكم جمال النساء عن صراحة النسب، فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف.
روى أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر: أن عبد الله بن رواحة وقع على جارية له، فاتهمته امرأته، فقال: ما فعلت. فقالت: فاقرأ القرآن إذاً. فقال:
وفينا رسولُ اللهِ يتلوُ كتابَهُ ... كما انشقّ مشهورٌ من الصبح سَاطِعُ
أتانا الهُدى بعد العَمى فقلوبُنَا ... به موقنات أن ما قال واقعُ
يبيتُ يجافى جنبه عن فِرَاشه ... إذا استثقلَتْ بالهَاجعينَ المضاجعُ
فقالت: أولى لك. وفي رواية أخرى في هذه القصة أنها لما قالت له: فاقرأ إذاً شيئاً من القرآن، قال:
سمعتُ بأنّ وعدَ الله حقٌّ ... وأن النَّار مثوى الكاَفِرِينا
وأن العرشَ فوقَ الماءِحقٌّ ... وفوقَ العرشِ ربُّ العالَمِينا
قالت: ما شاء الله! كذبت عيني، وأنت الصادق. أو نحو هذا.
قال المغيرة بن شعبة: إذا كان الرجل مذكراً والمرأة مذكرة تصادما العيش، وإذا كان الرجل مؤنثا والمرأة مؤنثة ماتا هزلاً، وإذا كان الرجل مؤنثاً والمرأة مذكرة كان الرجل هو المرأة، والمرأة هي الرجل، وإذا كان الرجل مذكراً والمرأة مؤنثة طاب عيشهما.
قال الحسن: إياكم وسمنة البنات، فإن كنتم لابد فاعلين، فاحفظوهن.
قال إياس بن معاوية: من يمن المرأة الولد، ومن بركتها مياسرتها في المهر.
كان يقال: لا تزوج كريمتك إلا من عاقل، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها أنصفها.
قال غيره: لا تزوج وليتك إلا من ذي دين، فإن أحبها أحسن إليها، وإن أبغضها لم يظلمها.
روى أبو العباس عن الأصمعي قال: قال أعرابي لامرأته: صفيني بما تعلمي مني ولا تكتمي. فقالت: أما والله إن كنت لخفيفاً على ظهر الفرس، ثقيلاً على العدو، ضحوكاً مقبلا، كسوباً مدبراً، لا تشبع ليلة تضاف، ولا تنام ليلة تخاف.
وعن الأصمعي أيضاً، قال: هلك رجل من العرب، فقيل لامرأته: صفي بعلك، فقالت: والله إن كان - فيما علمت - لضحوكاً إذ ولج، كسوباً إذا خرج، آكلا ما وجد، غير سائلٍ ما فقد.
قال الأصمعي، قال الحسن: كان أهل الجاهلية إذا خطب الرجل المرأة تقول: ما حسبه، وما حسبها؟ فلما جاء الإسلام، قالوا: ما دينه، وما دينها؟ وأنتم اليوم تقولون: ما ماله، وما مالها؟.
قال الشاعر:
لا يأمننَّ على النساءِ أخٌ أَخَا ... ما في الرجالِ على النساءِ أَمينُ
إن الأمينَ وإنْ تحفّظَ جَهْدَهُ ... لابدّ أنّ بنظرةٍ سيخونُ
قيل لبعضهم: ما تقول في الباه؟ قال: عندي ما يقطع حجتها، ولا يقضي حاجتها.
قيل لمدني: ما عندك من هذا الأمر؟ قال: إن منعت غضبت، وإن تركتُ عجزت.
قيل لآخر: ما عندك للنساء؟ قال: أطيل الظمأ، ثم أرد فلا أشرب.
مرت بعيسى بن موسى جاريةٌ، فقام إليها فصرعها، فلما رامها عجز عنها فقال:
القلبُ يطمعُ والأسبابُ عاجزةٌ ... والنفسُ تهلكُ بين العجزِ والطمع
كان يقال: لعن كل فاجر عند الجماع!!.
قالوا: لذة المرأة على قدر شهوتها، وغيرتها على قدر محبتها.
تزوج رجل - وهو روح بن زنباع - أم جعفر بنت النعمان بن بشير، زوجها له عبد الملك بن مروان، وقال: إنها جارية حسناء، فاصبر على بذاء لسانها، فصحبها ثم أبغضها. فمن قوله فيها:
ريحُ الكرائِم معروفٌ لَهَا أَرَجٌ ... وريحُها ريحُ كلبٍ مسَّهُ مطرُ
وقد هجته هي أيضاً، فمن قولها فيه:
بكى الخَزُّ من رَوْحٍ وأنكرَ جلْدَهُ ... وعجَّتْ عجيباً من جُذامَ المطارِفُ
قال بعض الأعراب:
من منزلي قد أخْرجتنِي زوجَتِي ... تهرُّ في وجْهِي هَرِيَر الكلبةِ
زُوِّجتُها فقيرةً منْ حِرْفَتِي ... قلتُ لها لمّا أراقَتْ جَرَّتِي
أمّ هلالٍ أبْشري بالحسرةٍ ... وأبْشري منّي بوقع الضرّةِ
خطب النوار بنت أعين بن ضبعة المجاشعية رجل من قيس، فجعلت العقد عليها إلى الفرزدق، وكان أبوها قتلته الخوارج أيام الحكمين، وكان علي رضى الله عنه بعثه إلى البصرة، فقال لها الفرزدق: أشهدي لي أنك جعلت أمرك إلى فإني أخاف من هو أقرب إليك مني من أوليائك. فأشهدت له. فأنكحها الفرزدق من نفسه، وأشهدهم، فلم ترض النوار، فتنازعا. فخرجا إلى عبد الله بن الزبير، وكان العراق والحجاز يومئذ إليه. فتشفعت النوار يومئذ بخولة بنت منظور بن زبان الفزاري، وتشفع الفرزدق بابنها حمزة بن عبد الله بن الزبير، فأنجحت خولة وشفّعها زوجها ابن الزبير وقال الفرزدق: لا تقربها حتى تصير إلى البصرة فتحكم معها إلى عاملي بها، فقال الفرزدق:
أمّا بِنوه فلم يقبلْ شفاعَتَهمُ ... وشّفعوا بنتَ منظورِ بنِ زَبَّانَا
ليس الشفيعُ الذي يأتِيكَ مُئْتَزراً ... مثلَ الشفيعِ الذي يأتيك عُرْيَانَا
خطب العريان بن الهذيل البرجمي امرأةً، فكان أصم وكانت عوراء، فقالت: تسأل عنا ونسأل عنك، فقال:
فإن تسألِى عنّا وَعَنْكِ فإنَّنا ... كِلانَا به داءٌ أصمَّ وأعْورَا
فقالت: أمّا إذ عرفت الداء فاجلس، فبعثت إلى وليها فزوجها إياه.
قال الأصمعي: قيل لأعرابي: من لم يتزوج امرأتين لم يذق لذة العيش، فتزوج امرأتين ثم ندم، فقال:
تزوجتُ اثنتين لفرطِ جَهْلي ... بما يَشْقَى به زوجُ اثنتين
فقلتُ أصِيرُ بينهما خروفاً ... أنَّعم بين أَكرمِ نعجتينِ
فصرتُ كنعجةٍ تُمْسِى وتُضْحِى ... تَرَدَّدُ بين أخبثِ ذئبتينِ
رضى هَذِى يهيّجُ سُخطْ هذى ... فما أعْرَى من إحدى السّخْطتينِ
وأَلْقَى في المعيشة كلَّ بُوسٍ ... كذاك المرءُ بين الضّرَّتينِ
لَهذِى ليلةُ ولتلك أُخرْى ... عِتابٌ دائمٌ في الليلتينِ
وقال الغزال:
إن الفتاةَ وإن بَدَا لك حبهُّا ... فبقلبها داءٌ عليكَ دفينُ
وإذا ادّعين هوى الكبير فإنّما ... هو للكبير خديعةٌ وقُرُونُ
وإذا رأيتَ الشيخَ يهوىَ كاعباً ... فَعَلَيْه من دركِ القُرُون دُيُونُ
وقال الغزال أيضاً:
أنا شيخٌ وقلتُ في الشيخ مَا يَعْ ... لمُه كلُّ أبْلهٍ وذَهِينِ
كلُّ شيخ تراه يكثر من كس ... ب الجوارِي فخذه لي بالقرونِ
قال الأحنف بن قيس: إذا أردتم الحظوة عند النساء فأفحشوا في النكاح، وأحسنوا الأخلاق.
قيل لأعرابي: ما تقول في نساء طيى؟ قال: إذا شئت. قيل: فما تقول في نساء ضبة؟ قال: نك ودحرج.
روى عن النبي عليه السلام أنه قال: " النساء حبائل الشيطان ".
قال معاوية: ما رأيت منهوماً في النساء إلا رأيت ذلك في ضعف منته.
قال عبد الملك: من أراد النجابة فبنات فارس، ومن أراد النكاح فبنات البربر، ومن أراد الخدمة فالروميات.
قال سعيد بن المسيب: ما عرفنا أولادنا حتى عرفنا بنات فارس.
قال أبو هلال الراسبي: جاء رجل إلى أهله بجزر، فقال: يا هذه! اطبخيه أو اشويه وكليه، فإن المطبوخ جيد للبطن، والمشوي جيد للظهر، والنِّئ جيد للجماع، قالت: ليس عندنا نار فكله.
غاضب رجلٌ امرأته ثم ترضاها، فلجت فكابرها حتى جامعها، فقالت: أخزاك الله، كلما وقع بيني وبينك شيء جئتني بشفيع لا يمكنني رده.
قال الشاعر أيمن بن خريم:
لقيتُ من الغانياتِ العُجَابَا ... لو أدركَ منى العَذَارى الشَّبابَا
ولكنّ جِمَاعُ العذاري الحِسَانِ ... عذابٌ شديدٌ إذا المرءُ شاباَ
يُرَضْنَ بكلِّ عَصَا رائضٍ ... ويُصْبحْنَ كلَّ غداةٍ صِعَاباَ
عَلاَمَ يكَحِّلْن حور العُيونِ ... ويُحْدثْنَ بعد خَضابٍ خِضَاباَ
ويبرُقْنَ إلاّ لما تَعْلَمُون ... فلا تحْرِمُوا الغانياتِ الضّراباَ
فلو كلْتَ بالمُدِّ للغانياتِ ... وظاهَرْتَ بعد الثيابِ الثياباَ
ولم تُنِلْهُنّ من ذاك قُرْباَ ... كأنَّك حَدَّثْتَهُنّ الكذَابَا
إذا لم يُخَالَطْنَ كلَّ الخِلاَ ... طِ أصْبَحْنَ مُخْرَ نْطِماتٍ غِضاباَ
يميتُ العتابَ خِلاَطْ النساءِ ... ويُحْيى اجتنابُ الخلاطِ السّبَاباَ
قضى سلمان بن ربيعة على رجل بأن يأتي امرأته في كل أربع ليلة، فرضى ذلك عمر، وجعله قاضياً بالكوفة، وخبره مشهور قد ذكرناه في مواضع.
وروى يعقوب بن طلحة، وإسحق بن محمد السني أن عمر بن الخطاب شكت إليه امرأة أن زوجها لا يأتيها إلا في كل طهر مرة، فقال لها: ليس لك غير ذلك ولا كرامة.
روى عن أبي هريرة، وبعضهم يرويه مرفوعاً: أنه قال: فضلت المرأة على الرجل بتسعةٍ وتسعين جزءاً من اللذة، أو قال من الشهوة، ولكن الله ألقى عليهن الحياء.
قال المأمون: النساء شر كلهن، وشر ما فيهن قلة الاستغناء عنهن.
قال غيره: الصبر عنهن أهون من الصبر عليهن.
قال معاوية: هن يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام.
كان يقال: النكاح فرح شهر، وغم دهر، ووزن مهر، ودق ظهر.
ودخل معاوية بن أبي سفيان على ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد، ومعه خديج الخصى فاستترت منه، فقال لها معاوية: إن هذا بمنزلة المرأة، فعلام تستترين منه. فقالت: كأنك ترى المثلى به أحلت له مني ما حرم الله.
كان محمد بن حسين يقول: اللهم ارزقني امرأة تسرني إذا نظرت، وتطيعني إذا أمرت، وتحفظني إذا غبت.
قالت أسماء بنت أبي بكر: النكاح رق النساء، فلتنظر المرأة عند من تضع رقها.
ضرب عبد الملك بن مروان بعثاً إلى اليمن، فأقاموا سنين، جنى إذا كان ذات ليلة وهو بدمشق، قال: والله لأعسن الليلة مدينة دمشق، ولأسمعن ما يقول الناس في البعث الذي غربت فيه رجالهم، وغرمت فيه أموالهم. فبينما هو في بعض أزقتها إذا هو بصوت امرأة قائمة تصلي، فتسمع إليها، فلما انصرفت إلى مضجعها قالت: اللهم يا غليظ الحجب، ويا منزل الكتب، ويا معطي الرغب، ويا مؤدي الغرب. أسألك أن ترد غائبي، فتكشف به همي، وتصفي به لذتي، وتقر به عيني، وأسألك أن تحكم بيني وبين عبد الملك بن مروان الذي فعل بي هذا، فقد صير الرجل نازحاً عن وطنه، والمرأة مقلقةً على فراشها، ثم أنشأت تقول:
تطاول هذا اللّيلُ فالعينُ تدمَعُ ... وأَرّقني حُزْنِي وقلبِيَ مُوجَعُ
فبتّ أقاسي الليلَ أرعَى نجومَهُ ... وباتَ فؤادي هامداً يتفزّعُ
إذا غابَ منها كوكبٌ في مغيِبهِ ... لمحتُ بعيني آخراً حين يطلعُ
إذا ما تذكرتُ الذي كان بينَنَا ... وجدتُ فؤادي للهَوَى يتقطّعُ
وكلُّ حبيبٍ ذاكرٌ لحبيبِهِ ... يرَجِّى لِقاهُ كلّ يومٍ ويطمعُ
فذا العرشِ فُرج ما ترى من صَبابتي ... فأنت الذي ترعى أموري وتسمعُ
دعوتُك في السّراءِ وَالضُّرِّ دعوةً ... على غُلة بين الشراشيف تلْذَعُ
فقال عبد الملك لحاجبه: تعرف لمن هذا المنزل؟ قال: نعم، هذا منزل زيد بن سنان. قال: فما المرأة منه؟ قال: زوجته. فلما أصبح سأل كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالوا: ستة أشهر. فأمر ألا يمكث العسكر أكثر من ثلاثة أشهر.
قال سليمان بن داود صلى الله عليهما: يا بني! لا تكثر الغيرة على أهلك من غير ريبة، فترمى بالشر من أجلك وإن كانت بريئة.
قال طفيل الغنوي:
إنّ النساءَ كأشجارٍ نَبَتْنَ معاً ... منها المُرَارُ وبعضُ المرِّمأ كولُ
إن النساءَ متى يُنْهَيْنَ عن خُلُقٍ ... فإنّه واجبٌ لابدَّ مفعولُ
وجد صبي منبوذ في بعض مساجد أصفهان، ومعه صرة فيها مائة دينار، ورقعة مكتوب فيها: هذا جزاء من لا يزوج ابنته.
كان رجل من أهل الشام مع الحجاج بن يوسف يحضر طعامه، فكتب إلى أهله يخبرهم بما هو فيه من الخصب، وأنه قد سمن، فكتبت إليه امرأته:
أُتُهدى ليَ القرطاسَ والخبزُ حاجتي ... وأنتَ على بابِ الأميرِ بطينُ
إذا غبتَ لم تذكْر صديقاً وإن تُقِمْ ... فأنت على ما في يديك ضنينُ
فأنت ككلبِ السُّوءِ جوَّعَ أَهلَه ... فيهزلُ أهلُ البيت وهو سمينُ
لأبي عيينة المهلبي في رجل من قومه، تزوج امرأة قد تزوجت قبلة مائة زوج فماتوا عنها:
رأيتَ أثاثها فرغبت فيه ... وكم نصبتْ لغيرك بالأثاث
إلى دارِ المنُون فرحّلَتْهم ... بأجنحةٍ تطيرُ بهم حِثاثِ
فصيّر أمرَها بيديّ كَميْا ... أبثُّ حبالها لك بالثلاثِ
وإلاّ فالسلامُ عليك مِنّى ... سآخذُ من غدٍ لك في المراثيِ
قال إسحاق الموصلي، أنشدني ابن كناسة لنفسه:
لقد كان فيها للأَمانِة موضعٌ ... وللسِّرِّ كتمانٌ وللعينِ منظرُ
فقلت: ما بقى؟ فقال: أين الموافقة.
قال ابن المقفع: وطءُ العجوز وأكل القديد يهرم.
قال الشاعر:
لا تَنكِحَنّ عجوزاً إن دَعَوْكَ لها ... ولو حَبَوْكَ على تزويجها الذَّهَبَا
وإنْ أَتَوْك فقالوا: إنّها نَصَفُ ... فإنّ أَطيبَ نصفيها الَّذي ذَهَبَاَ
كتب رجل إلى صديق له نكح عجوزاً:
أمسكتَ نفسَكَ حتى إذا ... أتيتَ على الخمسِ والأرْبَعيِنَا
تزوجتَها شارفاً فَخْمَةً ... فَلاَ بالرِّفَاءِ ولا بالبنينَا
فلا ذاتُ مالٍ تزوجْتَها ... ولا ولدٍ تَرْتجي أن يكوناَ
بِهَا أبداً فالتمسْ غيرها ... لعلَّك تُعْطَى بَغثٍ سميناَ
قال دعبل، ويقال: إنها لأبي دلف:
تعجَّبَتْ إذ رأتْ شيبي فقلتُ لها ... لا تعجبي، من يطل عمرٌ بهِ يُشِبِ
شيبُ الرجالِ لهم زينٌ وَمكْرُمةٌ ... وشيبُكُنّ لكنَّ الويلُ فاكتئبي
فينا لكنَّ وإن شيبٌ بدا أربٌ ... وليس فيكنّ بعد الشيب من أَرَبِ
ولبعض الأعراب:
عجوز تُرَجّى أن تكونَ صبيهً ... وقد شابَ منها الرأسُ واحدودب الظهر
تَدُسُّ إلى العطار ميرةَ أَهلِهَا ... وَهَلْ يصلح العطارُ ما أفسد الدهر؟
وقال امرؤ القيس:
أراهُنّ لا يُحْبِبْنَ من قلَّ مالُه ... ولا مَنْ بدا في عارضَيْهِ مشيبُ
وقال آخر:
كَفَاكَ بالشيب ذنباً عند غانيةٍ ... وبالشَّبَابِ شفيعاً أيُّها الرَّجُلُ
وقال الأعشى:
وأرى الغوانِي لا يُواصلن امْرَءا ... فقد الشبابَ وقد يَصِلْنَ الامْرَدَا
وقال علقمة بن عبدة:
فإن تسألُوني بالنساءِ فإنّني ... بصيرٌ بأدواء النساءِ طبيبُ
إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالُه ... فليس له في وُدِّهِنّ نصيبُ
يُردْنَ ثراءَ المالِ حيثُ علمنَهُ ... وشرخُ الشبابِ عندَهُنّ عجيبُ
قال منصور الفقيه:
إذا ما استحَرَّ ولم يتَّسِعْ ... ولم يكُ رَطْباً ولا يابساً
وحلَّ وأمكَنَ من نفسِهِ ... فنبِّه له جَارَكَ النّاعِساَ
وقال منصور النمري:
ما واجه الشيبَ من عين وإن وَمِقَتْ ... إلاّ لها نبوةٌ عنه ومرتَدعُ
وقال حبيب:
أحْلى الرجالِ من النساءِ مواقعاً ... من كان أشبههم بهنّ خُدودَا
وقال آخر:
أرى شيب الرجال من الغوانِي ... بموقع شيبهنّ من الرّجَالِ
شاورَ رجلٌ رجلا في النكاح، فقال له: إيّاك والجمالَ الفائق، فإن الشاعر قال:
ولن تصادِفَ مرعًى مُونقاً أبداً ... إلاّ وجدتَ به آثارَ مأكُولِ
قال آخر:
لا تأمنَنْ أُنْثى حبَتَك بودّها ... إن النساءَ ودادُهُنّ مُقَسَّمُ
اليومَ عندك دَلُّهَا وحديثُها ... وغداً لغيِرك كفَهُّا والمعصمُ
وقال ابن هبيرة:
يا راعى الذَّودِ لا تَرْحل لِمكْرُمَةٍ ... إنّ القلاصَ إذا ما غَابَ رَاعيها
لم يَثْنِها أَحدٌ دون الفحولِ فلا ... تهملْ قلوصَكَ إمّا كنت تَحميِها
ولا تَلمُهَا على وِرْدٍ وقد ظَمِئَتْ ... لو شئتَ أَرْوَيْتها إذْ كنتَ سَاقيِها
احُظرْ مشاربَها، واحففْ جوانبهِا ... وارْمُمْ مذاهِبَها، تسلم قَوَاصِيها
خليّتَها لفحولٍ غير فاخرةٍ ... في كلَ برِيَّةٍ قفْرٍ فَيَافِيها
حتى إذا أَخْدَجَت في كل منزلةٍ ... بكيتَ، أبْكى إلهي عينَ مُبْكيِها
باب الأمثال السائرة في النساء
لا تحمد الحرة عام هدائها، ولا الأمة عام شرائها.
من ينكح الحسناء يعط مهراً.
من يمدح العروس إلا أهلها؟.
لكل فتاة خاطب، ولكل أمر طالب.
كل ذات دل تختال.
كاد العروس أن يكون أميراً.
وليس لمخضوب البنان يمين.
لا تسد الثغور بالمحصنات.
قال الشاعر:
كُتِبَ القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى المُحْصَنَاتِ جَرُّ الذُّيُولِ
وهذا الشعر لعبد الرحمن بن حسان، وذلك أنه كانت عند المختار بن أبي عبيد امرأتان، إحداهما أم ثابت بنت سمرة بن جندب، والأخرى عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري، فعرضهما مصعب على البراءة من المختار، فأما بنت سمرة فتبرأت منه فخلاها، وأما الأنصارية فامتنعت فقتلها، فقال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك:
إنّ من أعجبِ العَجائبِ عِندِي ... قتلُ بيضاءَ حرةٍ عُطبولِ
قُتِلَتْ باطلاً على غير جُرْمٍ ... إن للهِ دَرَّهَا من قتيلِ
كُتبَ القتلُ والقتالُ علينا ... وعلى الغانياتِ جَرُّ الذُّيولِ
النساء بالنساء أشبه من الماء بالماء، ومن الغراب بالغراب، ومن الذئاب بالذئاب. كل غانية هند.
نعم لهوُ المرأة المغزل.
البياض نصف الحسن، والعجيزة أحد الوجهين.
لا عطر بعد عروس. أخذه الشاعر فقال:
من كان يبكى لِمَا بِي ... من طولِ وَجْدٍ رَسيِسِ
فالآنَ قبلَ وفاتِي ... لا عِطْرَ بعد عَرُوسِ
العوان لا تعلم الخمرة.
لما زوج أسماء بن خارجة ابنته، دخل عليها ليلة بنائها، فقال: يا بنية، إن كان النساء أحق بتأديبك، ولا بدّ من تأديبك، كوني لزوجك أمةً يكن لك عبداً، ولا تقربي منه جداً فيملك أو تمليه، ولا تباعدي عنه فتثقلي عليه، وكوني له كما قلت لأمك:
خُذِي العَفْوَ منّى تستديمي مودّتي ... ولا تنطقي في سوْرَتِي حينَ أغضبُ
ولا تَنْقٌرِيني نَقْرَةَ الدُّفِّ مَرَّةً ... فإنّك لا تدرِين كيفَ الْمُغَيّبُ
فإنّي رأيتُ الحبّ في القلب والأذى ... إذا اجتمعا لم يَلْبث الحبُّ يذهبُ
بابُ اللّباس
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحريرُ حلالٌ لباسهُ لإناث أمتي، حرامٌ على ذكورها ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّما يلبس الحريرُ من لا خلاق له في الآخرة ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لبس ثوبَ شهرةٍ وعزةٍ في الدنيا أكسبه الله ثوب مذلة يوم القيامة ".
سئل عمر بن الخطاب عن لبس الحرير للنساء، فقال: هن لعبكم؛ فزينوهن بما شئتم.
وروى مرفوعاً أيضاً: " من ليس منظوراً، وركب مشهوراً، لم يزل الله عنه معرضاً، وإن كان عليه كريماً ".
قال عبد الله بن عمر: من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه وإن كان ولياً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، ما أسفل من ذلك في النار، لا ينظر الله عزّ وجل إلى من جرّ ثوبه خُيَلاَء ".
ولما ذكر الإزار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت أم سلمة: إذاً ينكشف عنها. قال: " فذراعٌ لا تزيد عليه ".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من كاسيةٍ في الدنيا، عاريةٍ يوم القيامة ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " كاسياتٌ عاريات، مائلاتٌ مميلاتٌ، لا يدخلن الجنة ولا يجدنَ ريحها " وريحها يوجد من مسيرة خمس مائة عام.
كان يقال: كل من الطعام ما اشتهيت، وألبس من الثياب ما اشتهى الناس.
نظمه الشاعر، فقال:
إن العيونَ رَمَتْك مُذ فَاجَأتَهَا ... وعليك من شَهْرِ اللِّباسِ لباسُ
أمّا الطعامُ فكلْ لنفسك ما اشتهتْ ... واجعل لباسَك ما اشتهاه الناسُ
ويروى:
أمّا الطعام فكل لنفسك ما اشتهتْ ... والبس لباساً يَشْتهيه الناسُ
وقال هلال بن العلاء الرقي:
أجِدِ الّثيابَ إذا اكتسيتَ فإنّها ... زينُ الرجالِ بها تُهاب وتُكْرَمُ
ودع التَّواضُعَ في اللّباس تحرّياً ... فاللهُ يعلم ما تجنُّ وتكتمُ
فَدَنِىّ ثوبِك لا يزيدُك زُلْفَةً ... عند الإله وأنت عبدٌ مُجْرمُ
وبهاءُ ثوبِك لا يضرُّك بعد أنّ ... تخشى الإله، وتَتّقى ما يَحْرُمُ
كان بكر بن عبد الله المزني، يقول: البسوا ثياب الملوك، وأميتوا قلوبكم بالخشية.
وقال الحسن: إن قوماً جعلوا خشوعهم في لباسهم، وكبرهم في صدورهم، وشهروا أنفسهم بلباس هذا الصوف، حتى إن أحدهم بما يلبس من الصوف أعظم كبراً من صاحب المطرف بمطرفه.
قال الوليد بن مزيد: كان الناس عندنا يلبسون الأردية، وكان الأوزاعي يلبسها، فترك الناس لبسها ولبسوا السيجان، فرأيت الأوزاعي قد ترك لبس الأردية ولبس الساج، فقلت له: يا أبا عمرو! كنت تلبس الأردية فتركتها ولبست الساج، فما الذي دعاك إلى ذلك، فقال: يا ابن أخي! رأيت الناس يلبسون الأردية فلبستها معهم، وتركوها فتركتها معم، ولبسوا السيجان فلبست معهم، ولو عادوا إلى الأردية لعدت معهم.
قال سفيان بن حسين: قلت لإياس بن معاوية: ما المروءة؟ قال: أما في بلدك فالتقوى، وأما حيث لا تعرف فاللباس.
روى بقية عن الأوزاعي، قال: بلغني أن لباس الصوف في السفر سنة، وفي الحضر بدعة.
كان النبي صلى الله عليه وسلم، يحب من الألوان الخضرة ويكره الحمرة، ويقول: " هي زينة السلطان ".
قال مالك بن الأشتر لعلي بن أبي طالب: تمام جمال المرأة في خفها، وتمام جمال الرجل في عمامته.
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد في بعض السرايا فعممه بيده وسدل طرف عمامته.
قيل لأعرابي: إنك لتديم لبس العمامة؟ قال: إن عضواً فيه السمع والبصر لحقيق أن يوقى من الحر والقر.
روى عن النبي عليه السلام، أنه قال: " الشعر الحسن كسوة الله، فأكرموه ".
وقال عليه السلام لأبي قتادة: " رجل جمتك وأحسن إليها وأكرمها ".
قال أبو هريرة: إذا كان في الرجل ثلاث فهو الكامل، إذا فخر في المجلس وأحسن جوابات الكتب، وأحسن كور العمامة.
روى الرياشي وأبو حاتم عن الأصمعي، قال: ألا أدلك على لباس إن لبسته كان سريا، وإن رفعته كان بهيا، وإن ذخرته كان طرياً؟ قال: نعم. قال: عليك بالتقوى. قال: ألا أدلك على خليلٍ إن صحبته صانك، وإن احتجت إليه مانك، وإن تجرت به أربحك، وإن ترحلت به حملك؟ قال: نعم. قال: عليك بالأدب. ثم قال: ألا أدلك على بستانٍ تكون منه في أكمل روضة، وميت يخبرك عن المتقدمين، ويذكرك إذا نسيت، ويؤنسك إذا استوحشت، ويكف عنك إذا سئمت؟ قال: نعم. قال: عليك بالكتاب.
قالت ابنة العوام أخت الزبير لزوجها حكيم بن حزام - وكان كثير المال -: مالك لا تلبس لباس الناس اليوم؟ قال: وما تنكرين من لباسي، وإزاري قطري، وردائي مغافري، وقميصي سابري، وعمامتي خرقانية.
نظر بعض الأمراء إلى رجلٍ في أطماره فازدراه، فقال له: أصلحك الله، لا تنظر إلى هيئتي، ولكن انظر إلى همتي، فأنا - والله - كما قال عبد الله بن زياد:
فإنْ أَكُ قَصْداً في الرجالِ فإنّني ... إذا حلَّ امرؤٌ ساحتي لجسيمُ
وكما قال الآخر:
لا تنظرنّ إلى الثيابِ فإنّني ... خَلِقُ الثَّيَاب، من المُروءةِ كاَسِي
أنشد ثعلب:
وإنما الشّعر عقلٌ أنت تَعْرِضه ... على المجالس إنْ كَيْساً وإن حُمُقا
وإنّ أشعرَ بيتٍ أنت قائُلهُ ... بيتٌ يقالُ إذا أنشَدتَه صَدَقا
البس جديدَك إنّي لابسٌ خَلَقي ... ولا جديدَ لمن لا يلبسُ الخَلَقا
قال عبد الله بن المبارك: مخامر الرجال في اللحى والأكمام، ومخامر النساء تحت القمص.
وأنشد غير واحد للشافعي رحمه الله تعالى:
علّى ثيابٌ لو تباعُ جميعُها ... بفَلْسٍ لكان الفَلْسُ منهنّ أكثّرا
وفيهنّ نفسٌ لو يقاسُ ببعضها ... نقوسُ الورى كانت أجلَّ وأكبراَ
وأخذ هذا المعنى ابن أبي الفضل البصري الشاعر يخاطب المتنبي، فقال:
لئن كان ثوبي فوقَ قيمته الفَلْسُ ... فلي فيه نفسٌ دون قيمتها الإِنسُ
فثوبُك بدر تحت أنواره دُجًي ... وثوبَي ليلٌ تحتَ أطمارِه شمسُ
وسبق إلى هذا المعنى ابن هرمه، فقال:
قد يدركُ الشرفُ الفَتَى وردَاؤُهُ ... خَلَقٌ وجَيبُ قميصِهِ مرقوعُ
كان القاسم بن محمد يلبس الخز، وسالم بن عبد الله يلبس الصوف، وكانا يتجالسان في المجلس ويتحدثان الدهر، لا ينكر واحد منهما لباس صاحبه.
نظر ابن المبارك ببغداد إلى رجل عليه ثياب صوف لا تخالطها غيرها، فقال من هذا؟ فقيل له: هذا أبو العتاهية الشاعر، فكتب إليه ابن المبارك:
أيُّها القارئ الذي لبس الصُّو ... ف وأضحى يُعَدُّ في العُبّادِ
الْزَمِ الثَّغْرَ والتعبُّدَ فيهِ ... ليس بغدادُ موضعَ الزُّهَّادِ
إن بغدادَ للملوكِ محلٌّ ... ومناخ للقارئ الصَّيَّادِ
وقال محمود الوراق:
تصَوَّف فازْدَهَي بالصُّوف جَهْلاً ... وبعضُ النّاسِ يَلْبَسهُ مَجاَنَه
يُريكَ مَهَانَةً ويُجِنّ كِبْراً ... وليس الكبر من شكل المَهَانَه
تصنّع كيْ يُقال له أمين ... وما معنَى التَّصَنُّع للأَمَانْه
ولم يردِ الإلَه به ولكنْ ... أرادَ به الطريقَ إلى الخيَانَهْ
وقال آخر:
وثياب المرء جِلْوا ... زٌ له بَيْنَ يديَهْ
وقال آخر:
لا يعجبنّك من بَصُون ثيابَهُ ... حَذَرَ الْغُبَارِ وَعِرْضُهُ مَبْذولُ
ولربّما افتقرَ الفتى فرأيَتهُ ... دنسَ الثيابِ وعِرْضُهُ مَغسُولُ
أنشدني إبراهيم بن محمد، قال: أنشدني أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي لنفسه في أبي مسلم ابن فهد الهذلي الإشبيلي، وذكر حكاية عرضت له معه:
أبا مُسْلم إنّ الفَتَى بجَنَانِهِ ... ومِقْوَلِهِ لا بالمراكبِ واللُّبْسِ
وليسَ ثيَابُ المرءِ تُغْنِى قُلاَمةً ... إذا كان مقصوراً على قِصَرِ النَّفْسِ
وليس يُفيدُ العلمَ والحلمَ والُّتقى ... أبا مُسْلمٍ طولُ القُعود على الكُرْسِي
ولا تُبْتني العليا بكأسٍ وقينةٍ ... وصهباءَ لم تَنْغَرْ بها القِدْرُ كالوَرْسِ
أعيَّرْتَني أن لم أفرِّه مَطِيَّتي ... وأنّ ثيابِي غيرُ بيضٍ ولا مُلْسِ
فربَّ ثيابٍ رثّة حشوُها فتىً ... أجدُّ مُمِرٌّ غيرُ فَسْلٍ ولا نِكْسِ
وآخرُ بَرَّاقُ الثيابِ وعِرْضُهُ ... من العَارِ والتَّدْنِيسِ رجِسٌ عَلَى رِجْسِ
فإمَّا تَهوُلَنْكَ البغالُ فإنّها ... منوّعةٌ عند اليّهُوديِّ والقَسِّ
قال رجل للحسن بن أبي الحسن: يا أبا سعيد! إنا قد وسع الله علينا أفنناك من كسوة وعطر ما لو شئنا اكتفينا بدونه، فما نقول؟ قال: أيها الرجل! إن الله قد أدب أهل الإيمان فأحسن أدبهم، قال تعالى: " ليُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ من سَعَتِهِ، ومَنْ قُدِرَ عليه رِزْقُهُ فلينفِقْ مما آتاهُ اللهُ "، وإن الله ما عذب قوماً أعطاهم الدنيا فشكروه، وما عذر قوماً زوى عنهم الدنيا فعصوه.
روى عن لقمان الحكيم، أنه قال: التقنع بالليل ريبة، وبالنهار مذلة. وقد روى هذا عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم.
قال رجل لإبراهيم النخعي: ما ألبس من الثياب؟ فقال: مالا يشهرك عند العلماء، ولا يحقرك عند السفهاء.