د. أيمن دراوشة - القراءة واللاقراءة في زمن نهاية القراءة

من المفارقات العجيبة أَنْ يُتهم العربي حين يعقد مقارنة بين أحوالنا وأحوال الغرب بجلد الذات، وتلميع صورة الغرب، مع أنَّ الواقع والدراسات والتقارير والإحصاءات تثبت خلاف ذلك.
فالمسألة كما يُقال لا يتناطح بها عنزان، خاصة فيما يتعلق بمسألة القراءة والمقارنة مع دول العالم الأخرى.
لقد احتلت أُمَّة اقرأ درجات متدنية حسب الدراسات والتقارير الميدانية، مقارنة مع غيرها من دول العالم في نسبة الكتب المطبوعة، أو المواد المنشورة، أو في نسبة القوة الشرائية للكتاب، مما يعني تدني نسبة أعداد القرَّاء؛ معللين ذلك أنَّ الكتاب الإلكتروني قد ألغى الكتاب الورقي عن الوجود، فلا حاجة لنا بالورقي ما دام العم جوجل يجيب عن كل استفساراتنا من خلال ضغطة على كبسة زر، وفي كلتا الحالتين فلا الكتاب الورقي ولا الإلكتروني يجد مَنْ يقرأهما، وهذا مؤشر مخزٍ ومعيب على تدني مستوى القراءة لدى مجتمعاتنا العربية.
فهل يعقل أنَّ ما يترجم سنويًا في العالم العربي يساوي خمس ما يترجم في اليونان، وأقل منها نسبة مقارنة مع دول أخرى، أمَّا الكتب المطبوعة، فالفارق بين ما يطبع في الوطن العربي خلال سنة واحدة، وبين ما يطبع في أمريكا خلال نفس المدة هو عشرات ألوف المطبوعات، هذه الأرقام المفزعة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، تسلط الضوء على الفجوة الثقافية الكبيرة وتكشف عن أسباب التأخر والتخلف في عالمنا العربي، وعن سر التطور العلمي والتكنولوجي لدى الغرب، مما يؤكد أنَّ القراءة مرتبطة بوعي الشعوب، فيما نحن نواجه الغرب بالعواطف التي سقطت بمواجهة العقل والتطور، فأعمت بصيرتنا، مما جعل الكثير من دور النشر بعد أَنْ فشلت بتسويق مطبوعاتها ، إلى طباعة الغث والرديء من الكتب ، بل وإيهام المؤلف الشاب المندفع بأنّ مؤلفه سوف يوزع على أوسع نطاق، وهذا ما يندرج تحت مسمى قلب الحقائق، وهنا تبرز لنا ثقافة النصب والاحتيال على أدباء ربما لا يجدون قوت يومهم، وكل همهم طباعة مؤلفهم ، وتكديس هذه المؤلفات على الرفوف هذا إذا وجت رفوفًا تحتويها.
تقرير التنمية البشرية عام 2011، الصادر عن “مؤسسة الفكر العربي” يشير إلى أن العربي يقرأ بمعدل ست دقائق سنوياً، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل مئتي ساعة سنويًا، وهذا يوضح لنا مدى الكارثة الثقافية والعلمية التي يعيشها المواطن العربي، مقارنة بمواطنين في الدول الأوروبية، كما يؤكد وجود هوة ثقافية شاسعة بين ثقافة المواطن العربي وثقافة المواطن الغربي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى