رايفين فرجاني - الصهيونية

الصهيونية فلسفة سياسية تسعى إلى فرض دولة إسرائيل والمجتمع اليهودي كنظام عالمي.

أي أولا هو نظام خاص جدا مؤسس على أنقاض دولة فلسطين وممثلا في مؤسسة كبرى تسمى إسرائيل ذات نفوذ مترامي الأطراف تسعى إلى توسيعه من خلال وحداتها اليهودية / الصهيونية. وهنا نجد أن أكثر القضايا إلحاحا فيما يتعلق بالقضية الصهيونية,هي أولا إلتحامها بشكل غير قابل للإنفصال بالقضية الفلسطينية. وهذا الإنفصال (المرجو والشبه متحقق) هو ثغرة يحاول دعاة التفكيكية الدخول منها في هدم مبدأ القضية الفلسطينية أصلا في نقدهم لمشكلة إجتماعية من هذا النوع,رغم الفارق الكبير بين (التفكيك) و(الفصل) ثم العزل ثم البحث عن حلول بديلة تخص فلسطين وحدها دون النظر إلى (إسرائيل). أي (إسرائيل لا شأن لها). وثانيا هي القضية الصهيونية / اليهودية,والاتصال الوثيق بين إسرائيل من جهة,والصهيونية من جهة أخرى,مع واحدة من أكبر الديانات في العالم,بل وينظر إليها بإعتبارها من الديانات السماوية الكبرى (اليهودية / المسيحية / الإسلام). في نوع من التغريب / الاستشراق للديانات الشرقية (الأرضية) مثل الكونفوشوسية والبوذية حيث تصدر إلى الغرب باعتبارها نوع من (فلسفة حياة). ما لها ومال السياسة. لذا يجري ضم اليهودية إلى الصهيونية والخلط بينهما,والمسيحية هي فلسفة / ديانة شقيقة كونها واحدة من المرجعيات الكبرى للفلسفة الغربية التي تعد -أي الفلسفة الغربية- حاضنة للصهيونية. فالمسيحية هنا صديق مشترك. وتبقى الخصومة مع العدو الأكبر,أي الإسلام,الذي تتمثل خطورته في ثلاثة مناحي أساسية

1-كونه من الديانات الكبرى
وكما تشكل أي دولة خطورة سياسية بحسب عدد الأفراد المنتمين إلى هذه الدولة,عدد معتنقي الإسلام ليس هينا في العالم يتجاوز المليار مسلم في العلم. بينما تقدر أعداد اليهود ببضعة ملايين.

2-صلة القرابة بين المسلمين واليهود
في الديانات الإبراهيمية وفي العرقيات السامية,وأن مصطلح معاداة السامية يعمل بنجاح حتى الآن في تهميش صورة المسلم بإعتباره معاديا للسامية غير منتميا إليها. بإعتبار أن السامية هي أسمى العرقيات الإنسانية في صورة عنصرية نازية فاضحة. وبهذا يصبح المسلم غصبا عن الأصل العرقي المثبت علميا,وفرضا من السلطان الصهيوني,يصبح المسلم دخيلا على السامية ولا مسمى له. (معادة السامية) مصطلح فعّال وإن قل تأثيره في السنوات الأخيرة لحساب مفهوم آخر هو (رهاب الإسلام).

3-إسلامية القضية الفلسطية
فهي إسلامية لكونها دولة عربية تحتضن العرب (وكل الدول العربية ديانتها الإسلام),وفيها القدس,واحد من أهم المقدسات الدينية لدى المسلمين والعرب معا. أي حتى العرب الغير مسلمين. والسبب الثالث وهو الأدعى هنا,لحساسية قربها ومجاورتها من دول العرب والمسلمين. أعني هنا كل من إسرائيل وفلسطين. فهؤلاء محتلين وأولئك محتلين. فاعلا ومفعولا. ولا ننسى أن الإسلام محسوب عموما على الشرق,في صدام واضح مع الغرب. وحاليا يجري محاولة عزل بين القضية الفلسطينية والشؤون الإسلامية (فهذا ليس من شأنهم).

وثانيا في هذا السعي الصهيوني,ينتهج في نظامه سياسة الإتباع بدلا من الإقناع,تبعية قسرية تفرض على كل من يتصل (عدوا كان أو حليف) بالنظام الصهيوني على جميع الأصعدة, وبخاصة الصعيدين السياسي والثقافي. ومن يرفض ذلك مصيره (حسب هذه المساعي) إما الزوال خارج هذا المجتمع أو الذوبان داخله. وقد نجح هذا النظام الإجتماعي / السياسي في خلق منظومة ثقافية وفكرية تدعمه بالإضافة إلى ما أتيح له بالفعل من أدوات عسكرية واقتصادية وتقنية وإعلامية.

ولأن الصوابية نسبية مفروضة بالقوة,لعبت الإنتماءات الصهيونية أفرادا أو مؤسسات دورا حساسا عبر المال والإعلام في استغلال النفوذ السياسي الهائل لدولة أمريكا في تحقيق الكثير من مساعيها,أولا على الصعيد السياسي العسكري,حيث نجحوا في الاستيلاء على دولة فلسطين إحتلالا كاملا,والاستيطان فيها بشكل جزئي لا يتوقف عن التوسع. وثانيا على الصعيد السياسي الثقافي من أجل تأمين هذا الحضور الدولي في تلك المساحة الجغرافية. إنتقالا إلى الأدوار المؤثرة التي تلعبها دول أخرى غير أمريكا وأوروبا. ونعني هنا الدول العربية,بما فيها السياسة الداخلية لدولة فلسطين نفسها. ولا نستثني أحدا في هذا الخزي من الأقطار السبعة المشكلة للوطن العربي

1-مصر
2-العراق
3-الشام
4-الخليج
5-المغرب
6-السودان
7-أفريقيا
8-بعض من الدول الإسلامية إذا حسبنا ذلك ضمن الأقطار المترامية للأمة العربية

إلا من رحم ربي بالطبع,ونفصل ذلك في مقال آخر,فهناك مبادرات مصرية أصيلة (وأنا هنا أتحدث عن بلدي مثالا). ولكنها لا تخرج عن كونها مجرد مبادرات (حتى ولو من رئيس الجمهورية نفسه) مشكور عليه بالطبع (حتى لو افترضنا أنها تخدم أجندات سياسية).

ثالثا,هذه المنظومة مؤسسة على نظام قوي جدا (يكاد يكون هو الأقوى) ينتهج سياسة تقليدية داخل أطر مغايرة,أي سياسة (الترغيب والترهيب). من ناحية الترغيب,فهو رغبة إنسانية مشروعة بتحقيق جنة الله على الأرض إنطلاقا من الديانة اليهودية. هذا يلتقي مع أحلام المسلمين وأمجادهم السابقة فيما عرف بالعصور الذهبية للإسلام. ولأنها رغبة مشروعة,يتبناها الكثير من اليهود غافلين أو متغافلين عن الطرق الغير مشروعة في سبيل تحقيق ذلك. وربما يعمون عن هذا بالعديد من الطرق المشروعة مثل النظم الإجتماعية العادلة بين أفراد المجتمع من اليهود داخل دولة إسرائيل,ومثل الإنتاجات السينمائية الأمريكية التي لا يشكك أحد في جمالياتها. وحاليا تجري محاولات نقدية وفنية للوصول إلى إصدارات إسرائيلية تنافس أو تقرب من الإبداعات الأمريكية. طموحات اليهود تلك,اتخذها بعض الباحثين مادة لهم في دراساتهم وفي الرد على (الصهاينة) عموما من خلال الإنقاص من مطالب اليهود أو الرد على مزاعمهم أو الهجوم على معتنقاتهم. وهذه الأفعال وإن كانت لها أهميتها إلا أنها فقط تصلح جزئيا في بناء رؤية شاملة للوضع. وبعضها تركز على (اليهودية) كديانة,بدلا من (الصهيونية) كسياسة. لذا هناك كتب قد يحسبها الباحث تفيد وهي قد لا تفيد (في موضوعنا,ولكنها مفيدة بشكل عام للباحث المتعمق الذي يريد تكوين رؤية شاملة كما وضحنا) مثل

-رسالتان في الرد على اليهود
-بذل المجهود في إفحام اليهود
-غاية المقصود في الرد على النصارى واليهود

أما عن الترهيب (وفيها التطرف لأقصى درجة بالوسائل الغير مشروعة) فهو يجري على محورين

1-الذوبان في الداخل
داخل المجتمع الصهيوني خاصة,وداخل المجتمع الإنساني عامة,فإسرائيل,وبحسب إدوارد سعيد هي الدولة الوحيدة في العالم التي تطبق ثلاث نظم مختلفة في سياساتها الداخلية. هذا يضع عرب 48 (فلسطينو الداخل) تحت المقصلة الشك دوما,مهما حاولوا الذوبان في نوع من الإنتماء إلى دولتهم الفلسطينية / الإسرائيلية الجديدة.

أما في المجتمع الإنساني,وتحت ظلال العلمانية والعولمية اللاتي تزعمان الإتيان بالعالم بين يديك,وكلاهما ترعاهما أمريكا وتعد منبعا خصبا لم ينضب بعد,وما شاكلها من تيارات البوب آرت,والحداثة,والنيوليبرالية,والبراجماتية,وأي تيارات أخرى يجري توظيفها لخدمة مصالحهم. صرنا مجرد نسخ من الإله الكبير في الغرب,أو ظلال من ضوءه.

2-الزوال في الخارج
أما المجتمعات التي لا تتبع النظام العالمي الجديد,فهي مجتمعات منغلقة غير متفتحة. وبدلا من القول أنها مختلفة باتت متخلفة. مثل مجتمعاتنا (العربية والإسلامية) والشرق الأقصى (آسيا) والغرب المتمرد (روسيا). وربما الأحداث الجارية فيما يعرف بـ (الحرب الروسية الأوكرانية) نموذجا فاضحا للغرب يستلزم الكثير من الدراسات. فهي تطرح تساؤلات في غاية الأهمية حول

-رؤيتنا للموت

إن الموت يأتي دوما مصاحبا للحروب,والحرب التي (لا يموت فيها أحد) أو لم تطلق فيها رصاصة واحدة,هي حروب معدودة في التاريخ,ومشكوك في صحة خلوها من أي وفيات. أسئلة من قبيل (ماذا يعني موت إنسان بالنسبة لإنسان آخر حي؟) أو (ماذا يعني موت إنسان بالمقارنة مع إنسان آخر ميت؟),(هل قيمة إنسان قد تزيد أو تقل بالنسبة لإنسان آخر؟). الجواب الذي يعطيه لنا الإعلامي الغربي / الأمريكي هو لا؟ وأن قيمة كل إنسان,مساوية للبشر جميعا. بغض النظر عن فعال هذا الإنسان. ولذلك تمنع أحكام الإعدام في بعض الولايات الأمريكية. ولكن هذا بالنسبة لقيمة الإنسان الأمريكي فحسب. أما الإنسان (الآخر) الغير أمريكي,الغير أوروبي. فإن أفعالهم تخالف أقوالهم,والإحصائيات لا تمزح في هذا الصدد. المشكلة هي تجريم الآخرين في أي رد على العدوان. الزعم بأنهم (مجرمين) و(إرهابيين) و(لاإنسانيين). ماذا يفرق قتل عن قتل آخر؟

هناك مجموعة من الضوابط المعروفة للقتل. مثل القاتل يقتل,أو القتل دفاعا عن النفس, والقتل الإضطراري في الحروب. نفس هذه الحروب قد تسمى إرهابا عندنا,وهي مقاومة للعدوان أو فرض للنظام عندهم. وأقول عندنا بقصدنا (نحن الآخر) سواء مسلمين أو عرب أو شرق وثني أو روس لاغربيين. والأمثلة كثيرة جدا في أحداث بإمتداد القرن العشرين ومطلع الألفية ألألفية الثالثة وصولا إلى العقد الثالث. لا ينظر -مهما كانت واضحة- في المقارنة بين المحرقة النازية لليهود,ونفس الإبادة الجماعية (تحت مسمى آخر هو الصهيونية) للفلسطينين. أو المقارنة بين المقاومة الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية ضد إسرائيل مسلحة كانت أو سلمية. والمقاومة العسكرية المنظمة من أوكرانيا ضد روسيا. وقبل ذلك لا ينظر أبدا للمقارنة بين الجهاد الإسلامي والحملات الصليبية,زعما منا أن الأخيرة قد تجاوزت كل الحدود. لا ينظر في المقارنة بين الإسلام فوبيا ومعاداة السامية. والتعتيم السياسي الثقافي الإعلامي يستمر فلا نجد أقلام أو مؤسسات (أو أي جهات مدعومة بأموال) تتناول الأعمال الثقافية الكبرى التي تعمقت في قلب الصهيونية. علما أن أهم عمل إنساني سبر أغوار هذه الظلمات,وفند الحق من الأباطيل,هو العمل الموسوعي الضخم الذي قدمه المفكر المصري الكبير عبد الوهاب المسيري,في (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية) متجاوزا حدود الموسوعة إلى مجمل آثاره الفكرية. وإن فعلت (هذه الأقلام) لم تفعل كما يجب. نلحظ أيضا أن هناك حقل علمي هائل إسمه الدراسات الإستشراقية,لم يقرب كفاية (رغم أن غايته هو دراسة الشرق) من الكيان الصهيوني. وأن أهم عمل في الاستشراق هو كتاب الاستشراق لكاتبه المفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد. أي أن صاحبه ليس مستشرقا حتى وإن تجنس بالأمريكية وكتب بلغتها وامتزج بثقافتها. وعمله هذا -مقترنا بجملة آثاره الفكرية- هو نظير الموسوعة وما خلفه المسيري في دراسة (الصهيونية). ناهيك أنه لا يوجد دراسة واحدة على حد علمي رصينة كفاية لأن تفكك الصهيونية وتفندها وتنقدها من وجهة نظر استشراقية,وهو ما نتعرض له لاحقا.

على الجانب الآخر,هناك إزالة (حرفية) للبشر ولما يمثل الإنسان الفلسطيني أو العربي,في أقبح صور القتل الممكنة؛حروب,تعذيب حتى الموت,إبادات جماعية. وتتجاوز تلك الإبادات المفهوم الإنساني المرتبط بـ حيوات البشر,إلى إزالة ذواتهم. من خلال ما يعرف بـ الإبادة الثقافية. وهي عندي يكاد يتساوى تماما مع فظاعة زوال النفس البشرية,وخطرها مماثل تماما للإبادة العرقية.

المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-موسوعة اليهود واليهودية / عبد الوهاب المسيري,المجلد الأول

2-بين الفكر والفلسفة / نبيل عودة / الحوار المتمدن
نبيل عودة - بين الفكر والفلسفة

3-مقالات متفرقة لإدوارد سعيد

4-من يمثل الإسلام؟ / علاء الدين الخطيب / مؤمنون بلا حدود
مَن يمثّلُ الإسلامَ؟ بين صحّة السؤال وتيه الجواب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى