تألفت جماعة من الكتاب والمترجمين والمثقفين في إيران حول أحمد فرديد في فترة مبكرة، تضم: داريوش آشوري، أمير حسين جهانبگلو، أبو الحسن جليلي، شاهرخ مسكوب، داريوش شايغان، رضا داوري، جلال آل أحمد، نجف دريابندري، إحسان نراقي، داريوش مهرجويي، وغيرهم. أطلق على هذه الجماعة حلقة أو محفل الـ "فرديدية". تداولت هذه الحلقة نقاشات متنوعة في تاريخ الفلسفة، والفلسفة الحديثة في الغرب والشرق، وطرح فيها فرديد آراءه الخلافيّة، ومقولاته المركبة، ومفهوماته الغريبة الملتبسة، ومصطلحاته المبهمة، مثل: "الحكمة الأنسية، حوالة الوجود، علم الأسماء التاريخي، الأسماء المستورة والاسم الغالب، مراحل التاريخ وتجلّي الأسماء، تجلي أسماء الله في التاريخ، النسخ- الفسخ- المسخ، المواقف والمواقيت التاريخيّة، الحقيقة والطريقة والشريعة في مراحل التاريخ.
الودائع أو الأمانات والمآثر التاريخيّة، وباء الغرب أو الإصابة بالغرب، النفس الأمارة، النسناس ... وغيرها". معظم أعضاء الحلقة الفرديديّة انفضوا في مرحلة لاحقة من حول فرديد، ولا نعرف من هؤلاء سوى رضا داوري الذي لبث حتى اليوم غارقًا في مدارات فكر فرديد. وتبنى فيما بعد بعضُهم آراءً ناقدة بشدة لفكر فرديد، ومواقف مناهضة له، بنحو اعتبروا تأثيره بمثابة السُّم للحياة الفكريّة في إيران.
قرأ فرديد الترجمات الفرنسية لهايدغر، التي أنجزها تلميذ هايدغر "هنري كوربن". وهي ترجمات تتجلى فيها بصمة فهم كوربن، وتكوينه، وأفق انتظاره، وتخصصه بالفلسفة والعرفان والميراث الروحي الإيراني، واستغراقه في فهمه بتفسير غنوصي يجرد النصوص من معانيها الظاهرة المباشرة. تأثير كوربن وتفسيراته الغارقة في باطنيتها وتجاهلها للعقل أشد أثرًا في الفكر الديني الإيراني تلك الأيام، من فهم فرديد وتشويش مقولاته ومصطلحاته واضطرابها. يُشّبه كوربن منهج هايدغر بالأداة المفتاحيّة، التي اعتمدها في حلِّ مغالق الميتافيزيقا الإيرانية ـــــ الإسلامية 1. ويمكن ملاحظة أثر تطبيق هرمنيوطيقا هايدغر ومنهجه في آثار كوربن ومقدماته على بعض كتب التراث الفلسفي والعرفاني، كما في مقدمته على رسالة «المشاعر» لملا صدرا الشيرازي.
تواصل فرديد مع كوربن في وقت مبكر من حياته، وترجم له من الفرنسية إلى الفارسية سنة 1325/ 1946 الفصلين الأول والثاني من رسالة تتناول «الحكمة الإشراقيّة والفلسفة الإيرانيّة القديمة». تشكّل فكر فرديد في أفق رؤية هايدغر، التي استقاها عبر ترجمات هنري كوربن وآثاره، وتحدد فهمه لهايدغر تبعًا لكوربن، فأنجز فرديد تفسيرًا لهايدغر في فضاء الحكمة والعرفان الإيراني – الإسلامي، كما حاول أن يوظف هرمنيوطيقا هايدغر ومنهجه في صياغة ما يسميه «الحكمة الإنسية» 2. يصرّح فرديد في مناسبات متعددة على «وحدة خطابه مع هايدغر»، واستناده الى منهجه و»منطقه الهرمنيوطيقي» في تفكيره 3.
بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانيّة حرص فرديد على ابتكار تفسير ثوري إسلامي لهايدغر، يطابق أفكاره مع الجمهورية الإسلامية، كما أفصح عن ذلك بقوله: «فسّرت هايدغر بالإسلام. إنه المفكر الوحيد الذي ينسجم مع الجمهورية الإسلامية 4. «يتحد قولي مع هايدغر، حيال ظهور النهضة، لا تناقض مع تفكير هايدغر، وتلك هي الثورة الإسلامية. تفكير هايدغر قريب جدًّا للثورة الإسلامية» 5.
لفرط تبجيل فرديد لهايدغر منحه مرتبة ملكوتيّة لا ينالها سوى العرفاء، وهي «قرب الفرائض». فقال: «إنَّ هايدغر في مرتبة الوعي الذاتي وصل من قرب النوافل إلى قرب الفرائض». وقرب الفرائض مرتبة يشهد فيها العرفاء «الخلق مرآة للحق. الحق فيها ظاهر، والخلق غائب مختفٍ». وهي أسمى من مرتبة «قرب النوافل»، التي نرى فيها «الخلق في الحق. الحق مرآة والخلق صورة منعكسة فيها». ويعتقد فرديد أنّه هناك «هايدغر سابق، وآخر لاحق. هايدغر قرب النوافل، وهايدغر قرب الفرائض إلى الحق» 6. غير أن موقف فرديد تغير من كوربن أخيرًا، فعبر عنه بأنّه «لا يعلم شيئًا من ألفباء الحكمة... وأنّه يهودي ماسوني، عمل على تخريب التشيّع بتوجيه يهودي ماسوني» 7.
حاول فرديد أن يقدم تأويلًا لمفهوم ابن عربي للأسماء الإلهيّة، ينتزعها من مجالها الأنطولوجي الميتافيزيقي، وعوالمها المجردة، ويقحمها في مجال التاريخ البشري. والذين خبروا عرفان محيي الدين بن عربي لا يجدون أية مناسبة لقبول مثل هذا التأويل، بل يرون ذلك أنموذجًا للخلط بين مقولات متضادة. وقع الفكر الديني في إيران أسيرًا للنزعة الغنوصية الباطنية لهنري كوربن وفكره الميتافيزيقي، الذي ينسى العقل، ولا يحاول أن يوظف شيئًا من مكاسب فلسفة الأنوار والعقلانيّة النقديّة. تتمحور أعمالُ كوربن حول عوالم الميتافيزيقا، وحتى لو تحدث عن الإنسان فهو يتحدث عن إنسان عالم الغيب وليس إنسان عالم الشهادة الذي يعيش في الأرض، كوربن كان مولعًا بشيخ الإشراق السهروردي، وبغنوص وباطنيّة التشيّع الإسماعيلي، وانعكس ذلك في تأويلات كوربن وفهمه لهيدغر والعرفان الإسلامي. لم يكن فكر فرديد وحلقته الفكريّة الأسبوعيّة إلا ولادة جديدة لفكر كوربن، بلغة ومصطلحات إضافية أشدّ التباسًا وغموضًا وتهافتًا.
جماعةٌ من المثقفين الإيرانيين في تلك الأيام ينظرون لهيدغرية كوربن، المهجّنة بالعرفانِ والنزعاتِ الغنوصيّة الشرقيّة، بكثيرٍ من التبجيل والامتنان، بنحوٍ تحولت إلى أحد منابع إلهام الفكر الفلسفي والديني. وإذا كان داريوش شايغان تنبّه لأثرِ فكر أحمد فرديد المُنهِك للوعي، لكنّه لم يتنبّه إلى أن أثرَ فكر كوربن على العقل الايراني أعمقُ وأشدُّ من أثر فرديد. كوربن كان وما زال مبجّلًا لدى كثير من الإيرانيين في الحوزة والجامعة، أسهم حوارُه الذي تواصل لسنواتٍ مع العلامة محمد حسين الطباطبائي بترويجِ فكره، والحذر من مراجعته وتمحيصه.
الطباطبائي ذو تأثيرٍ هائل في إيران، بوصفه أغزرَ منبعٍ لإلهام الفكر الفلسفي والديني منذ منتصف القرن الماضي، اقترانُ اسم كوربن بالطباطبائي عمل على إضفاءِ المشروعية على فكره واحتضانِه وتسويقه وتكريسه. لم أقرأ نقدًا، في ضوء العقلانية النقدية، يُخضِع فكرَ كوربن الغنوصي للتفكيك والغربلة من جيل شايغان. لفرط تأثرهم بكوربن رسّخ مثقفو «الحلقة الفرديدية» منهجَه وطريقةَ تفكيره، وما زالت بصمةُ فكره ماثلةً حتى اليوم، يتوارثها جيلٌ عن جيل. على الرغم من جرأة شايغان النقديّة في المرحلتين اللاحقتين من حياته، غير أنه لبث مسحورًا بكوربن ولم يخرج من جلبابه كليًّا. ما يثير دهشتي في فكر شايغان هذا اللبس الذي يصل حدَّ التناقض بين: موقفه المعلن في المرحلة الثانية والثانية من حياته الفكرية، بضرورة تبني العقلانيّة النقديّة، وتوظيف مكاسب الأنوار في الفلسفة والمعارف الغربيّة، وإلحاحه المتواصل على تبنيها، وضرورة الرحيل عن الماضي والتحرّر من العيش في كهوفه المظلمة، وبين: حنين شايغان لفكر كوربن وعجزه عن التحرّر التام منه. شايغان يعرف جيدًا غموض فكره وباطنيته وبعض آرائه الغرائبيّة، حتى تكاد في شيء منها تقترب من الشعوذة، ويعرف مناهضة تفكير كوربن للعقل ومنطق فلسفة
الأنوار.
هذا الفكر مسكون باستيعاب مكونات وعناصر عرفانيّة ولاهوتيّة وفلسفيّة تنتسب إلى رؤى متنوعة، لا تتطابق ملامح رؤيتها للعالم، بل قد تبدو أحيانًا متضادة، بوصفها تنتمي إلى سياقات أنطولوجية متنوعة. ولا تخلو من عمليات تركيب ودمج أحيانًا غريبة، يتوحّد فيها شيء من عرفان محيي الدين بن عربي مع ميراث فلاسفة الاسلام المشّائين والإشراقيين، وفلاسفة الغرب مثل هيدغر أحيانًا. لعلَّ من أوضح نماذجها تفكير أحمد فرديد، وما بثه عبر جماعة من المثقفين رواد «الحلقة الفرديدية» من خلط وتركيب بين فلسفة هيدغر والعرفان بشكل يثير الدهشة أحيانًا.
(Endnotes)
1 - بستاني، أحمد. «هايدكر، كربن، فرديد» . مهرنامه ع3 «1389= 2000».
2 - المصدر السابق.
3 - فرديد، أحمد. مصدر سابق. ص255، 309.
4 - المصدر السابق. ص11.
5 - ديباج، سيد موسى. آراء وعقايد سيد أحمد فرديد. طهران: 1383= 2004، ص457.
6 - المصدر السابق. ص453-461. “مصاحبه علي رضا ميبدي با أحمد فرديد”. روزناه رستاخيز “20 مهر ماه، و11 آبانماه 1355= 1976”.
-7 بستاني، أحمد. مصدر سابق.
الودائع أو الأمانات والمآثر التاريخيّة، وباء الغرب أو الإصابة بالغرب، النفس الأمارة، النسناس ... وغيرها". معظم أعضاء الحلقة الفرديديّة انفضوا في مرحلة لاحقة من حول فرديد، ولا نعرف من هؤلاء سوى رضا داوري الذي لبث حتى اليوم غارقًا في مدارات فكر فرديد. وتبنى فيما بعد بعضُهم آراءً ناقدة بشدة لفكر فرديد، ومواقف مناهضة له، بنحو اعتبروا تأثيره بمثابة السُّم للحياة الفكريّة في إيران.
قرأ فرديد الترجمات الفرنسية لهايدغر، التي أنجزها تلميذ هايدغر "هنري كوربن". وهي ترجمات تتجلى فيها بصمة فهم كوربن، وتكوينه، وأفق انتظاره، وتخصصه بالفلسفة والعرفان والميراث الروحي الإيراني، واستغراقه في فهمه بتفسير غنوصي يجرد النصوص من معانيها الظاهرة المباشرة. تأثير كوربن وتفسيراته الغارقة في باطنيتها وتجاهلها للعقل أشد أثرًا في الفكر الديني الإيراني تلك الأيام، من فهم فرديد وتشويش مقولاته ومصطلحاته واضطرابها. يُشّبه كوربن منهج هايدغر بالأداة المفتاحيّة، التي اعتمدها في حلِّ مغالق الميتافيزيقا الإيرانية ـــــ الإسلامية 1. ويمكن ملاحظة أثر تطبيق هرمنيوطيقا هايدغر ومنهجه في آثار كوربن ومقدماته على بعض كتب التراث الفلسفي والعرفاني، كما في مقدمته على رسالة «المشاعر» لملا صدرا الشيرازي.
تواصل فرديد مع كوربن في وقت مبكر من حياته، وترجم له من الفرنسية إلى الفارسية سنة 1325/ 1946 الفصلين الأول والثاني من رسالة تتناول «الحكمة الإشراقيّة والفلسفة الإيرانيّة القديمة». تشكّل فكر فرديد في أفق رؤية هايدغر، التي استقاها عبر ترجمات هنري كوربن وآثاره، وتحدد فهمه لهايدغر تبعًا لكوربن، فأنجز فرديد تفسيرًا لهايدغر في فضاء الحكمة والعرفان الإيراني – الإسلامي، كما حاول أن يوظف هرمنيوطيقا هايدغر ومنهجه في صياغة ما يسميه «الحكمة الإنسية» 2. يصرّح فرديد في مناسبات متعددة على «وحدة خطابه مع هايدغر»، واستناده الى منهجه و»منطقه الهرمنيوطيقي» في تفكيره 3.
بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانيّة حرص فرديد على ابتكار تفسير ثوري إسلامي لهايدغر، يطابق أفكاره مع الجمهورية الإسلامية، كما أفصح عن ذلك بقوله: «فسّرت هايدغر بالإسلام. إنه المفكر الوحيد الذي ينسجم مع الجمهورية الإسلامية 4. «يتحد قولي مع هايدغر، حيال ظهور النهضة، لا تناقض مع تفكير هايدغر، وتلك هي الثورة الإسلامية. تفكير هايدغر قريب جدًّا للثورة الإسلامية» 5.
لفرط تبجيل فرديد لهايدغر منحه مرتبة ملكوتيّة لا ينالها سوى العرفاء، وهي «قرب الفرائض». فقال: «إنَّ هايدغر في مرتبة الوعي الذاتي وصل من قرب النوافل إلى قرب الفرائض». وقرب الفرائض مرتبة يشهد فيها العرفاء «الخلق مرآة للحق. الحق فيها ظاهر، والخلق غائب مختفٍ». وهي أسمى من مرتبة «قرب النوافل»، التي نرى فيها «الخلق في الحق. الحق مرآة والخلق صورة منعكسة فيها». ويعتقد فرديد أنّه هناك «هايدغر سابق، وآخر لاحق. هايدغر قرب النوافل، وهايدغر قرب الفرائض إلى الحق» 6. غير أن موقف فرديد تغير من كوربن أخيرًا، فعبر عنه بأنّه «لا يعلم شيئًا من ألفباء الحكمة... وأنّه يهودي ماسوني، عمل على تخريب التشيّع بتوجيه يهودي ماسوني» 7.
حاول فرديد أن يقدم تأويلًا لمفهوم ابن عربي للأسماء الإلهيّة، ينتزعها من مجالها الأنطولوجي الميتافيزيقي، وعوالمها المجردة، ويقحمها في مجال التاريخ البشري. والذين خبروا عرفان محيي الدين بن عربي لا يجدون أية مناسبة لقبول مثل هذا التأويل، بل يرون ذلك أنموذجًا للخلط بين مقولات متضادة. وقع الفكر الديني في إيران أسيرًا للنزعة الغنوصية الباطنية لهنري كوربن وفكره الميتافيزيقي، الذي ينسى العقل، ولا يحاول أن يوظف شيئًا من مكاسب فلسفة الأنوار والعقلانيّة النقديّة. تتمحور أعمالُ كوربن حول عوالم الميتافيزيقا، وحتى لو تحدث عن الإنسان فهو يتحدث عن إنسان عالم الغيب وليس إنسان عالم الشهادة الذي يعيش في الأرض، كوربن كان مولعًا بشيخ الإشراق السهروردي، وبغنوص وباطنيّة التشيّع الإسماعيلي، وانعكس ذلك في تأويلات كوربن وفهمه لهيدغر والعرفان الإسلامي. لم يكن فكر فرديد وحلقته الفكريّة الأسبوعيّة إلا ولادة جديدة لفكر كوربن، بلغة ومصطلحات إضافية أشدّ التباسًا وغموضًا وتهافتًا.
جماعةٌ من المثقفين الإيرانيين في تلك الأيام ينظرون لهيدغرية كوربن، المهجّنة بالعرفانِ والنزعاتِ الغنوصيّة الشرقيّة، بكثيرٍ من التبجيل والامتنان، بنحوٍ تحولت إلى أحد منابع إلهام الفكر الفلسفي والديني. وإذا كان داريوش شايغان تنبّه لأثرِ فكر أحمد فرديد المُنهِك للوعي، لكنّه لم يتنبّه إلى أن أثرَ فكر كوربن على العقل الايراني أعمقُ وأشدُّ من أثر فرديد. كوربن كان وما زال مبجّلًا لدى كثير من الإيرانيين في الحوزة والجامعة، أسهم حوارُه الذي تواصل لسنواتٍ مع العلامة محمد حسين الطباطبائي بترويجِ فكره، والحذر من مراجعته وتمحيصه.
الطباطبائي ذو تأثيرٍ هائل في إيران، بوصفه أغزرَ منبعٍ لإلهام الفكر الفلسفي والديني منذ منتصف القرن الماضي، اقترانُ اسم كوربن بالطباطبائي عمل على إضفاءِ المشروعية على فكره واحتضانِه وتسويقه وتكريسه. لم أقرأ نقدًا، في ضوء العقلانية النقدية، يُخضِع فكرَ كوربن الغنوصي للتفكيك والغربلة من جيل شايغان. لفرط تأثرهم بكوربن رسّخ مثقفو «الحلقة الفرديدية» منهجَه وطريقةَ تفكيره، وما زالت بصمةُ فكره ماثلةً حتى اليوم، يتوارثها جيلٌ عن جيل. على الرغم من جرأة شايغان النقديّة في المرحلتين اللاحقتين من حياته، غير أنه لبث مسحورًا بكوربن ولم يخرج من جلبابه كليًّا. ما يثير دهشتي في فكر شايغان هذا اللبس الذي يصل حدَّ التناقض بين: موقفه المعلن في المرحلة الثانية والثانية من حياته الفكرية، بضرورة تبني العقلانيّة النقديّة، وتوظيف مكاسب الأنوار في الفلسفة والمعارف الغربيّة، وإلحاحه المتواصل على تبنيها، وضرورة الرحيل عن الماضي والتحرّر من العيش في كهوفه المظلمة، وبين: حنين شايغان لفكر كوربن وعجزه عن التحرّر التام منه. شايغان يعرف جيدًا غموض فكره وباطنيته وبعض آرائه الغرائبيّة، حتى تكاد في شيء منها تقترب من الشعوذة، ويعرف مناهضة تفكير كوربن للعقل ومنطق فلسفة
الأنوار.
هذا الفكر مسكون باستيعاب مكونات وعناصر عرفانيّة ولاهوتيّة وفلسفيّة تنتسب إلى رؤى متنوعة، لا تتطابق ملامح رؤيتها للعالم، بل قد تبدو أحيانًا متضادة، بوصفها تنتمي إلى سياقات أنطولوجية متنوعة. ولا تخلو من عمليات تركيب ودمج أحيانًا غريبة، يتوحّد فيها شيء من عرفان محيي الدين بن عربي مع ميراث فلاسفة الاسلام المشّائين والإشراقيين، وفلاسفة الغرب مثل هيدغر أحيانًا. لعلَّ من أوضح نماذجها تفكير أحمد فرديد، وما بثه عبر جماعة من المثقفين رواد «الحلقة الفرديدية» من خلط وتركيب بين فلسفة هيدغر والعرفان بشكل يثير الدهشة أحيانًا.
(Endnotes)
1 - بستاني، أحمد. «هايدكر، كربن، فرديد» . مهرنامه ع3 «1389= 2000».
2 - المصدر السابق.
3 - فرديد، أحمد. مصدر سابق. ص255، 309.
4 - المصدر السابق. ص11.
5 - ديباج، سيد موسى. آراء وعقايد سيد أحمد فرديد. طهران: 1383= 2004، ص457.
6 - المصدر السابق. ص453-461. “مصاحبه علي رضا ميبدي با أحمد فرديد”. روزناه رستاخيز “20 مهر ماه، و11 آبانماه 1355= 1976”.
-7 بستاني، أحمد. مصدر سابق.