شاعر الرومانسية الأستاذ جعفر محمد عثمان خليل في جميل الذكريات.. حوار: ناصر البهدير

شجرة التبلدية أضحت مزاراً مثلها مثل أي ضريح يسلك الناس اليه الرحيل


كان مدخل الحديث إليه صعباً كمشقة التبحر في اللغة العربية التي يجيدها كواحد من فطاحل وجهابذة وأساطين العرب رغم لسانه النوبي المبين، لخوف التبسنا من سطوة معلم قديم جاب وهاد معاهد التربية المعروفة قديماً، وفي ذات الوقت حافظاً لكتاب الله الكريم منذ صغره. اكتشفت بعد الحديث إليه، وذلك التعب الذي لازمنا حتى نعثر عليه في دار شقيقه الأصغر (على) بشارع 41 العمارات وسط ضجيج السوق المكتنز بالشباب من الجنسين، وبين أضواء المطاعم الصارخة، عرفت أنني أمام رجل بسيط عالي الهامة كحال تلك التبلدية التي وصفها ذات يوم من عام 1964، وهو ما صادف في تاريخنا السياسي المتعثر ثورة أكتوبر حتى علقت بذاكرة كل من مر بالثانوي العالي منذ عام 1970 حتى تاريخ إعدامها على يد مغول العلم عام 2002، في رحلة ماتزال تتنكبها الأهوال والأعاصير. على كل حال، امتد بنا البوح الشفيف على مسام ذاكرة الأستاذ والشاعر المخضرم جعفر محمد عثمان خليل معلم الأجيال، لساعة من الزمان تقلب فيها بين أيامه الجميلة كما وصفها في ترحالها المديد بين معهد الدِّلنج ومبروكة وبخت الرضا وكسلا وشندي والحصاحيصا وبلاد المغرب والصومال آخر محطاته العملية.

- ما سيرتك الذاتية والتي يفتقدها الكثير من الناس؟
الحمد لله بلغ عمري الآن حوالى 84 عاماً، وكنت في صحة جيدة لولا المرض الأخير الذي ألمَّ بي وأقعدني عن الحركة، ولولاه لكنت أُحسَد. في سنة 2005 عدت إلى البيت راجلاً - إبان أحداث وفاة جون قرنق - من السوق العربي إلى هذا البيت (شارع 41 العمارات) لأن المواصلات في ذاك اليوم توقفت عن الحركة. وهذا منزل شقيقي (على) الذي يصغرني بحوالى عشرين عاماً. وأيضاً من إخواني عثمان وعمر الذي تُوُفِّيَ وهو طالب في نهائي كلية دار العلوم بمصر بالإضافة إلى شقيقي أبوبكر. ولقد تُوُفِّيَت ابنتي (إلهام) بعد وصولي إلى الصومال بحوالى شهر تقريباً بعد إكمالها المرحلة الثانوية العليا، وكانت مخطوبة في تلك الفترة لكني (فلسفْتها) يعني لم أتاثر كثيراً بذلك، حيث سبقها وفاة اثنين من أبنائي وهم صغار أيضاً. واخترت اسم بنتي المرحومة (إلهام) وكانت في ذلك الوقت صغيرة، في أول كتاب أساس لمنهج اللغة العربية لنظام وزير التربية والتعليم محي الدين صابر وقتها، في كتابَيَّ (الأول والثاني)، (إلهام وسهام). وساهمت بنسبة 90% في تأليف الكتاب الثاني بالإضافة إلى مساهمتي في الكتاب الأول.

- هلاَّ حدثتنا عن شجرة التبلدية التي كتبت عنها أشهر قصيدة رومانسية في تاريخ الأدب الحديث؟
هذه التبلدية أضحت مزاراً مثلها مثل أي ضريح يسلك الناس إليه الرحيل، وهي مقصد كل من وطأت قدماه أرض مدينة الدلنج لابد أن يسأل عنها حتى يراها بعينه كشاهد على تاريخ معهد إعداد المعلمين التربوي. الحديث عن التبلدية حديث ذو شجون وذكرى أيام طيبة قضيتها في كلية المعلمين الوسطى بالدلنج التي كانت تقدم شهادة التأهيل التربوي في دراسة تمتد إلى العامين. فقصيدة التبلدية فيها الجانبان؛ الرومانسية الطبيعية والوجدانية، لأنها شهدت ليالي ساهرة وأوقاتاً جميلة، فهي شجرة تبلدي طبيعية ماتزال موجودة داخل الدار الذي قطنته ذات يوم، كما أتابع أخبارها بين الحين والآخر، وغرَسها الأستاذ الفرشوطي وهو مصري لكنه رجل شاطر جداً، ومتسودن لدرجة كبيرة، ولم أعاصره لأنه رحل قبل حضوري بفترة. وكان مدير المعارف الأسبق المرحوم محمد حسن عبدالله يحبه ويؤْثره، وبحقٍّ كان الفرشوطي عالماً في شتى فروع المعرفة والعلم. وقد أجمع عرب الحوازمة على حب الفرشوطي لكرمه الفياض حيث كان ينحر لهم الذبائح. وعمل الأستاذ تادرس يعقوب الفرشوطي يوماً ما ناظراً لمدرسة (المقرن الثانوية)، والتي تقع بالقرب من المعهد الفني.

- ما الغموض الذي مايزال يلف (قصيدة التبلدية) كأشهر قصيدة رومانسية دخلت قلوب الجميع لاسيما وأنها محط الاهتمام برمزيتها الموغلة في الإبهام؟
في داخل نص القصيدة هنالك دحض كامل للفكرة المتعلقة والتي تجري على ألسنة الناس بالدلنج وطلاب المعهد آنذاك، ومَن جاء بعدنا وحتى يوم الناس هذا بين الطلاب الذين درسوا هذه القصيدة في المرحلة الثانوية، بأن المقصود المبهم في قصيدة التبلدية هي فتاة من أهل المدينة، وكما هم يعتقدون فإنها تمثل رمزاً لفتاة تبيع اللبن في المعهد والمنطقة المحيطة به! أقول إن هنالك الكثيرات من يبعن اللبن في تلك الأنحاء، ومع ذلك هناك إشارات كثيرة في القصيدة لاتناسب بائعة لبن. والتبلدية قصيدة محظوظة مع أنها ليست أجود شعري، ولكنها من القصائد التي نالت شهرة أكثر من غيرها، وأضحت بذلك وبالنسبة لي جواز سفر، فأي مكان أذهب إليه تتفتح لي أبوابه من وزير إلى خفير، وحتى كل الذين درسوها في المنهج الدارسي للمرحلة الثانوية ضمن مقرر الصف الثالث.

- ما طبيعة الرومانسية التي تتحدث عنها في قصيدة التبلدية؟
الرومانسية ذات شقين، إما التعاطف مع الطبيعة والتحاور وإياها كأنها بشر يُسأل ويجيب، وهذه ما تسمى بالرومانسية الطبيعية، أما الرومانسية الوجدانية فتلك تدور في فلك الحب. فقصيدة التبلدية مليئة بالصور الشعرية الجميلة والتي أعتز بها على نحو خاص. وما ميزها وطبَعها بنكهة خاصة، أنها كُتِبت بعد سنتين من مغادرتي للدلنج حيث نظمتها في بخت الرضا عام 1964، وكنت قد غادرت الدلنج عام 1962 مكرهاً، وأثار البعد والمفارقة فيَّ معاني مختلفة وأشجاناً وأفكاراً. (الحمد لله على كل حال).

- ما أجمل القصائد التي نظَمْتها؟
نظمت الكثير من الشعر الذي لم ينل حظه من النشر. ولكن حتى اللحظة طُبِع بحمد الله ديوان شعر يحوي مختارات من قصائدي، وسيوزع الديوان إن شاء الله في القريب العاجل، وهو مبادرة طيبة من الجمعية السودانية لخريجي الجامعات والمعاهد المغربية، وهؤلاء هم أبنائي الذين التقيتهم بالمغرب، وكانوا طلبتي وكنت أُشرف عليهم. واخترت القليل من قصائدي تقديراً لظروف القراء لتخوُّفي من حالة الغلاء العامة والظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، حتى لايكون الديوان غالي الثمن وبذلك لايكون متاحاً في يد الجميع. وجاء اختياري لأجمل ما نظمت في الشعر. والديوان مطبوع الآن وجاهز للتوزيع، وهو في مطبعة صك العملة وسيوزع عبر مكتبة الدار السودانية للكتب، وقد اهتمت المكتبة بهذا الأمر وقامت بجمع هذه القصائد، ولم أتدخل البتة في كل ما جرى، لأنني كنت في قرارة نفسي رافضاً لفكرة الطباعة بصورة لاتقبل النقاش، لاعتقادي أن (هذا كلام ذهب أهله)، بالإضافة إلى مشاركة دار عزة في التوزيع.

- ما شعورك عندما سمعت لما جرى من قطْعٍ وجَزٍّ لبعض أجزاء التبلدية في عهد أحد مديري جامعة الدلنج في منتصف التسعينيات من القرن الماضي؟
بعبارة (ما بوظوه) نعى معهد الدلنج الذي تحول في بداية التسعينيات إلى جامعة الدلنج. واسترسل قائلاً: (والله الكلام دا سمعتو). فعلاً سمعت بهذه الكارثة والفاجعة، وما حدث لها نوع من الحسد وهذا لايصدر إلا من نفس حاسدة، وأتمنى ألا يكون قد قضى عليها، وماذا كان يقصد من فَعلته هذه؟ هل يقصد أن تنمو للأفضل أم شيئا آخر؟ وأردأ ما في هؤلاء الحسد، ألم ير هؤلاء أشجار جامعة الخرطوم العتيقة التي زرعها الإنجليز ماتزال باقية كظل ظليل للطلاب لمناقشة القضايا السياسية والاستراحة تحتها؟ أوَلم يشاهدوا جماعة التلفزيون وهم يجلسون تحت شجرتهم يتناقشون ويتأنسون في إلفة ومحبة؟

- كم قضيت من السنين في معهد الدلنج للتربية؟
قضيت في الدلنج سبع سنوات، وكنت أتمنى ألا أخرج منها بتاتاً ولو مترقياً، ورفضت الترقية لأنني أتميز بالأُلفة الشديدة جداً والتعلق بالمكان، خاصة إذا كان رائعاً مثل الدلنج. وهذه المدينة لايمكن أن أنساها وأنسى جمالها وروعتها. وقد قضيت في كسلا أربع سنوات ورفضت أيضاً الترقية إلى درجة (scale 9)، وهذا ما فعلته في كسلا الجميلة لكى لا أغادر البلدة وأتذكر ذلك سنة 1968، متزامناً مع كادر الشريف الهندي.

- من هم أبرز المعلمين الذين عاصرتهم في معهد الدلنج في ذلك الوقت؟
أذكر جيداً عميد معهد الدلنج الأستاذ العميد عبدالرازق عبدالغفار من أبناء مدينة رفاعة، وهذا الرجل كان فناناً تشكيلياً خرافياً، ولكن للأسف ضيَّع نفسه في هذا المجال لانزوائه برفاعة، وأعتبره من التشكيليين المهمين، وكان من الممكن أن يضيف الكثير إلى الفن التشكيلي بالبلاد. كما تميز العميد عبدالرازق بالاهتمام ببيئة المعهد لدرجة كبيرة، وفي ذلك الوقت لم تكن تحيط بمباني المعهد أية أسوار على الرغم من كبر المساحة التي يشغلها، حيث كانت كل المساحة مفتوحة الجوانب لاتحدها حدود، والأشجار نمت بشكل طبيعي دون تدخل من أحد، وكان لايُسمح لأحد بقطع صفقة.. صفقة من أية شجرة نمت بشكل طبيعي، وليست شجرة مهمة ولا مثمرة إلى هذا الحد. وأيضاً من التربويين الأستاذ مولانا النويلة ناظر كلية البنات والتي تقع على بُعدٍ قريب من المعهد.

- ماذا تبَقَّى في الذاكرة عن الدلنج إبان تلك الفترة؟
ما أزال أتذكر أوقاتي وزملائي من المعلمين والموظفين، وكيف كنا نقضي سحابة يومنا.. (شغل نظيف)، وكان هذا ديدننا مع طلابنا ومعهدنا في ذلك الوقت. وكنت أُدَرِس مادة اللغة العربية" وطريقة منهج التدريس. وعلى أية حال يبقى اسم معهد الدلنج للتربية في ذاكرتنا، لأنه يمثل تاريخاً عريقاً، ولم يكن يوجد غيره في ذلك الوقت إلا معهدا شندي ومبروكة في الدويم، وبعد ذلك جاء معهد الحصاحيصا والفاشر، وهو أول معهد بعد معهد مبروكة، وكانت لها سطوة في ذلك الزمن وشكلت نواة التعليم الأساسي والركيزة الأولى لبنية التعليم بالبلاد، لدرجة أن خريجي المعاهد في تلك الفترة يقبلون من التعليم الأوسط، وبعضهم الآن يدرس في بعض الجامعات، وهذا مستوى رفيع إذا ما قارنته بمستوى التعليم الآن ومستوى ما وصل إليه من تدهور مريع.

- ما قصة وملابسات تضمين قصيدة التبلدية في المنهج الدارسي للمرحلة الثانوية؟
شاء لقصيدة التبلدية حظ النشر على يد الأستاذ محمد الحسن الذي كان زميلنا في معهد الدلنج، وهو والد الطبيبة المعروفة والناشطة سياسياً ناهد محمد الحسن، وحضر إليَّ فيما بعد، ووقتها كان في إدارة المناهج، وقال لى بالحرف الواحد "نحن عاوزين قصيدتك دي ندخله المنهج"، و"قلت ليهو خلاص دخلوها". وكان ذلك تقريباً في عام 1970، ومنها ضُمِّنت في المنهج واستمرت حتى عام 2002، والذي تغيرت فيه المناهج، وهذا جزء من نظرية المؤامرة المفتِّتة للتعليم بالبلاد. (تلقى ناس يقولك إيه التبلدية دي وهي ذاتها عمرها زي تلاتين سنة في المنهج ما نغيره ونغير المنهج كلو ذاتو). لا أدري لماذا ذلك جرى؟ وللأسف هؤلاء الذين ساهموا في تدمير التعليم جلهم زملائي وإخواني ومرؤوسين لي في السابق، أعرفهم وبالمقابل يعرفونني. وقد كنت في يوم ما رئيس كل المعلمين الذين يقومون بتدريس اللغة العربية، كما سبق أن تسلمت أمر زمام كبير موجهي اللغة العربية على مستوى السودان بالإضافة إلى آخر وظيفة تقلدتها، وهي كبير رؤساء شُعَب اللغة العربية على مستوى السودان أيضاً، والتي منها غادرت إلى المغرب كمستشار ثقافي بسفارة السودان.

- إلامَ تعزو عدم تحبيذ نشر شعرك في الصحف اليومية والمجلات والدوريات المطبوعة؟
(ما كلام أنا تعبان فوقو شديد وبعدين مفروض يحترم.. اي خطأ يكون كانو طبزة في عيني.. وبعدين ذاتو زي ما قلت ليك هذا كلام ذهب أهله.. الجيل البِفْهم الكلام دا وبقدرو انتهى.. انتهى.. أسه الديوان دا ما عارف البشتري منو والبِقْرا منو؟ عشان كدا كنت رافض مبدأ طباعته.. ديل هنا في البيت أولادنا ما بِقْروا الجرائد ولذلك ماحين بطريقة مخيفة. نحن كنا بنلقط الأوراق من الواطة عشان نقرا فيها، كان جريدة قديمة كان مجلة قديمة ورقة ساكت بتطلع منها بى معلومة. مع الأسف اللغة العربية والإنجليزية والمعلومات العامة أسه مافيشه، يعني أسه البنات التامات الثانوي.. شفت كيف؟ ما بعرفوا الفرق بين السنة البسيطة والسنة الكبيسة، دي درسونا ليها ونحن أطفال.. شفت كيف؟ الخطأ الاكبر هو تغير نظام محي الدين صابر. محي الدين صابر كان مستعجل والبعدوا لقوا فرصة كافية للإصلاح والتعديل يعني في استعجال في طبع الكتب).

- ماذا عن الفترة التي قضيتها في الصومال؟
عدت من المغرب عام 1982 إلى ديار أهلي في القرية (15) إسكان بحلفا الجديدة بدون عمل، لأنني عند رجوعي مباشرة اخترت المعاش الاختياري (لا داري ولا حاري ولا أي حاجة)، أصبحت بلا عمل لمدة عام كامل حتى قسم لي ربي فرصة أن أذهب إلى الصومال، والتي قضيت فيها ثماني سنوات، منها خمس سنوات بلا عمل بعد إيقاف نشاط البعثات التعليمية؛ السودانية والمصرية نتيجة لتوقف التمويل العربي، وهي كانت تتبع لمنظمة اليونسكو (المجموعة العربية)، فقط عملت لمدة ثلاث سنوات في هذه البعثة. فالمهم الذي أود الحديث عنه، لقد راقت ليَ البلد على نحو جيد، فمكثت خمس سنوات، وعجبتني البلد حيث كنت أسكن في سكن مريح وراق وأمتلك من المدخرات ما يكفيني للعيش لأن لها أرباح ولا أستطيع أن أصرف نصفها، واستمر ذلك الوضع إلى أن تساقطت القنابل فوق رأسي في فترة نهاية حكم الرئيس محمد سياد برِّي، حتى عدت مكرهاً إلى السودان سنة 1991. فالحديث عن الصومال ذو شجون. (والمفردة شجْن لا شجَن .. الشجَن يعني الحزن).

- لماذا لم تقدم برنامجاً إذاعياً أو تلفزيونياً بالرغم مما عُرِف عنك بطلاوة الصوت وجماله؟
صحيح صوتي من أجمل الأصوات في إلقاء الأشعار، لكن الآن مع المرض يحدث تغير فيه، ولكنه لفترات مؤقتة ويمكن أن يرجع إلى حالته الطبيعية. عندما كنت في الصومال أتيحت ليَ الفرصة أن أقدم برنامجاً بإذاعة مقديشو، ومن خلال البرنامج استطعت أنْ أسجل حوالى 67 حلقة بُثَّت جميعها بمعدل حلقة لكل أسبوع، ونال البرنامج التقدير والاهتمام وكان محبوباً بالنسبة للصوماليين بالرغم من أن لغتهم العربية بسيطة. لا أدري الآن هل هذه التسجيلات موجودة أم اختفت بفعل الحرب الدائرة في هذا البلد الجميل، حيث مناخه معتدل طوال العام لا حر ولا برد، وخيره متدفق، وكانت فترتي هناك من أجمل السنوات التي قضيتها في حياتي. وهؤلاء الصوماليون يحبون السودانيين "موت" ويكرهون العرب "موت"!

- لمن كنت تقرأ من الأدباء والكُتَّاب في ذلك الزمان؟
لم أكن أستثني كاتباً وأديباً بعينه وكل ما يقع على نظري ألتهمه بسرعة وتمَعُّن. بحكم دراستي هناك ودخولي كلية دار العلوم، عاصرت في مصر عظماء مثل الأديب طه حسين، وسمعت الأديب العصامي محمود العقاد وهو يتحدث عن قرب، وأيضاً سمعت الأديب زكي مبارك، والأديب أحمد حسن الزيات، وغيرهم من أفذاذ الكنانة وعباقرتها.

- إلى ماذا تعزو عدم استفادة الجيل الحالي من كتاباتك الأدبية على قلتها رغم أنها اتسمت بالرصانة والجزالة وقوة التعبير؟
كتبت لمدة خمس سنوات في صحيفة (أخبار اليوم)، وأيضاً كتبت لفترة سنتين تقريباً في صحيفة (الأيام) وكان وقتها مسؤول الملف الثقافي بالصحيفة عثمان شنقر. وللأسف رغم أن أسلوب الصحافة بسيط إلا أن هذا الجيل لا يفهمه وليس لديه رغبة في القراءة والاطلاع.. إنه شيء مؤلم. عندما كنا في المرحلة الوسطى قرأنا كل كتب المازني في تلك الفترة الباكرة، فالمازني كتبه ممتعة، فهو رجل فكاهي وساخر. وايضا اهتمامي الكبير بالشعر، وهذه الكتب الآن غير موجودة للأسف. وأصبحت أملك زهاء الستين من دواوين شعر التراث، وكنت لا أشتري الكتب الجديدة بل الدواوين النادرة جداً، إذ بعضها مطبوع في لندن عند المستشرقين، وبعضها طبع عند مستشرقي روسيا، لذلك وفقني الله في هذا الاهتمام، وأصبحنا على شيء من العربية. وتبَقَّى القليل من كتبي بالقرية (15) إسكان بحلفا الجديدة
.
كلمة أخيرة؟
تحياتي لاهل الدلنج جميعاً، رغم أن الكثير من معارفي بها قد انتقلوا إلى الدار الآخرة كما مفترض أن أكون أنا أيضاً قد انتقلت اليها.


عبارات على لسانه على هامش اللقاء:
- (حدث لي كسر في عظم الفخذ قبل فترة، ومن ذلك الحادث تدهورت صحتي خاصة منذ بداية هذا العام الجاري).
- كنت أمشي راجلاً في اليوم حوالى ثلاثة كيلومترات، والآن أصبت بوجع في الظهر لا أعرف مِمَّ؟
- العمل في الصحافة قاس وصعب.. استغرب من الذين يعملون فيها. "وبعدين ما فيها قروش وكلها تعب والمرتبات تعبانة وما بصرفوها ليهم بى سهولة وبعدين كتيرين" .. "لكن لى مِتِين أصحاب الصحف عاوزين يلموا القروش في جيوبن؟".
- "هذا الحيوان الرأسمالي عندو فائض لي ذريتو إلى يوم القيامة، طيب ما يدو الناس شوية.. كفاهم.. - عاوز يلقف طوالي -.. لو أن ابن آدم له وادٍ من مال لأحب أنْ يكون له واديان، ولو اجتمع له الواديان لطلب الثالث.. وطبعاً لايملأ عين ابن آدم إلا التراب (شفت كيف؟)".
- (فجاء وبصوت جَهْوَري في منتصف حوارنا معه.. قال: "وكفاك الآن وحسبك الآن").
- "في نكتة للطالبات الدرسن الثانوي العالي طبعاً ساذجات بفتكروا أي نص موجود في الكتاب كمحفوظات لازم يكون سيدو مات زي المتنبي وأبوتمام. البنات كلموني كانوا بفتكروها نكتة".
- عندما هممت بأخذ صورة له قال لي ممكن لكن (حالتي لاتسر عدو ولا صديق).
- قلت له: سعيدون بلقائك لأول مرة رغم معرفتنا بك عن بُعد ولكنها أمنياتنا. قال ضاحكاً ومتهكماً: (أنْ تسمع بالمعيدي خير مِنْ أنْ تراه).
أعلى