جعفر محمد عثمان خليل - السيجارة

توج الشيب رأسها في الشباب = يا لتاج صاغته نار العذاب !
لبسته من الرماد كئيبا = دائبا بين مشهد وغياب..!
يا لتاج مجدد العمر ،يفني = وهو بعد الفناء ذو أعقاب !
الردى فيه إن أتى فعلاها = والردى فيه مسرعاً بذهاب !

فنيت في دخانها تشبه الشمعة = إلا في دمعها المنساب !
وكساها اللظى بياض رماد = بعد أن بزها بياض ثياب !
وغدا قدها الرشيق رفاتاً = بعد أن كان كالغصون الرطاب !
فنيت في الدخان ،و الجاحم المسعور = يجني على رقيق الإهاب …!
لم يغادر إلا نقاباً لها احمر = من بعد أبيض الجلباب..…!
وكأن الدخان إذا يتعالى روحها = قد مضت لغير إياب !
أو كأن الدخان ألسن شكوى = مؤلمات البيان والإعراب !
وكأني بها تسأل : ماذا كان = جرمي ،وفيم كان عقابي؟!

كم لها من مدله تيمته = في هواها بسحرها الغلاب !
لا تراه إلا مشوقاً إليها = والى لثم ثغرها المستطاب !
لم يحل دونه النقاب = ولكن شاقه للذي وراء النقاب !
لم يزل هائماً يقبل ثغراً = ليس إلا دخانه من رضاب !
دائباً في ترشف الريق منها = ثم نفثه كسحب الضباب !
وهي في كل قبلة تتفرى = تحت جمر مسعر ذي التهاب !
فإذا ما قضت تبدل أخرى = ثم أخرى ،من بعد نيل الطلاب !
ودهاها بأشنع الغدر لما = نال ما يبتغيه من أراب….!
ويحها ،جوزيت جزاء (سنمار)، = وظلم الإنسان غير عجاب !
بل (سنمار) كان أسعد لما = صين عن أن يداس بالأعقاب !

هكذا الناس ،إن أصابوا مناهم = غدروا كلهم كغدر الذئاب !
أفما عاش (ذو القروح) قديماً = وهو يشكو خيانة الأصحاب ؟!
كلما ظن في صديق وفاء = كان ذئباً يسطو بظفر وناب !
إنما هذه الأناسي خلق = من خداع وخسة وكذاب !!
إنما تقرع العصا يا (امرأ القيس) = لمن كان من أولى الألباب !
عظة منك سوف تبقى وتبقى = مثل عمر الدهور والأحقاب !

طالما كنت يا رشيقة = كالعذراء بين الكواعب الأتراب !
بجسوم كأنها تحذر المقدور = لما تلاصقت في ارتعاب !
ثم كان المحذور ،فافترق = الشمل، وشط المزار بالأحباب !
ومضيتن ،هذه ،ثم هاتيك، = فهاتيك ،في نضير الشباب !
وإذا الدار بعدكن خلاء قد = تراءت في وحشة واكتئاب !
لم تصن مثل سالف العهد = لكن نبذت من هوانها للتراب !!

حسرتي يا شقية الحظ في الدنيا = لما ذقت من أليم المصاب !
أنت للسجن يا شقية مذ ك = نت، للنار بعده والتباب !
أعلى