سيد الوكيل - القصة العربية وتحولاتها من التراث إلى المخيال الغيري

أولاً: التراث العربي، من الحكاية إلى المقامة

منذ الإنسان الأول، كان الخيال طريقًا للمعرفة، ومادة لنسج الأساطير التي أنتجها الإنسان، لتفسير وفهم واقعه المسكون بالغموض والخوف، ومنها خرجت كل المعارف الأولى والتي مازال بعضها راسخًا في الوجدان البشري كالأحلام والسحر والدين والفن والأدب. وبطبيعة الحال فالثقافة العربية لها نصيبها في هذا التراث الإنساني المرتبط بعصور الشفاهة، وظلت آثاره ماثلة حتى فيما بعد التدوين. ونجدها في فنون الأدب العربي بصور وأشكال مختلفة.

لكن ظروفا خاصة، دينية وسياسية، جعلت من الثقافة العربية، بوتقة كبرى تحوى ثقافات عديدة، وتنصهر فيها. وترتب على ذلك أن الثقافة العربية، كانت على قدر كبير من التعدد والثراء والتعقيد. هذا التركيب الخاص للثقافة العربية، طبعها برؤية موسوعية، سمحت للمثقف العربي بالتنقل بين الفنون، والعلوم، والموضوعات، وطرائق التعبير المختلفة. وقد استجاب المنتج الثقافي في عصور التدوين إلى هذه الرؤية. فنزعت مدوناتهم إلى الأشكال المفتوحة في إطار العمل الواحد. فالجمع بين النثر والشعر، والهزل في سياق الجد، وغير ذلك، كان مقبولاً تحت شعار(الإلمام من كل خبر بطرف) وكان مقصدًا في سياق التكامل وعدم التعارض بين الفنون والآداب والعلوم المختلفة. ويحفظ لنا التاريخ، الكثير من المخطوطات التي حظيت محتوياتها بهذه النزعة الموسوعية فيما خلفه القدماء من آثار. فهذا النهج المستطرد غير المقيد بشكل ولا موضوع، نجده في كثير من كتب القدماء، حتى تلك التي تتوجه إلى موضوع بعينه، فلا تترد في الانحراف عنه، بغرض التنوع ولزوم الإمتاع والمؤانسة لاجتذاب القراء على اختلاف مشاربهم ومآربهم.

وجدير بالذكر في هذا السياق، أنهم كانوا يتناوبون لفظتي: القصص والأخبار كمرادفين لنفس المعنى. إذ كانت الأخبار هي حكايات تزعم أنها قد وقعت، وأن أبطالها –من الرجال والنساء- قد عاشوا في الحقيقة، وقد يكونوا من جمهور الناس غير المعروفين، ومن ثم فوظيفة القاص هي الإخبار عن ما تناثر حولهم من آثار وقصص وطرائف. وقد يكونوا من مشاهير العرب، كالملوك والوزراء والقضاة والفقهاء ورجالات العلم والأدب والعشاق. ومن ثم فقد تعرضت الكثير من هذه القصص إلى التكذيب والتشكيك في صحتها، على اعتقاد أن ما يرويه الكاتب معيبًا أو مؤثمًا.

فكتاب (الأغاني) مثلاً؛ وعلي الرغم من أن مادته الأولى حول فنون الغناء وطرائقه والأصوات المائة المختارة منه، إلا أنه يضم إلى جانب ذلك كثيرًا من أخبار الشعراء والفقهاء، والأمراء وطرائفهم المشوقة والمسلية. كما يتوقف عند أخبار النساء وأحوالهن. وقد يعقب عليها بالشرح والتفسير، ولا يتردد في أن يسمى الأشياء بمسمياتها، على اعتبار أن أعضاء الإنسان لاتؤثم. وفوق كل هذا، كانت الموضوعات، ومهما كانت مقاصدها العلمية أو الفقهية أو الأدبية، مفتوحة على الخيال. فصارت محل شك وانتقاد النقاد. وربما نتيجة لهذا كانوا يتحسبون، ويستبقون بشرح المقاصد في مقدمات كتبهم، ويفرطون في التفسير والتذييل.

وهذا ابن قتيبة (ت228هـ) وهو من الثقات، يستبق القارئ في مقدمة الجزء الأول من (عيون الأخبار) بألا يأخذ عليه المتزمتون، ما ذكره عن الأشراف والأئمة من مزح وطرائف. ويفسر ذلك، بأنه من لزوم صناعة الكتاب وحسن قبوله عند القارئ، فيقول: ” وسينتهي بك كتابنا هذا إلى باب المزاح والفكاهة، وما روي عن الأشراف والأئمة فيهما، فإذا مر بك أيها المتزمت، حديث تستخفه أو تستحسنه أو تعجب منه أو تضحك له فاعرف المذهب وما أردنا به. واعلم إن كنت مستغنيًا عنه بتنسكك فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه، وإن الكتاب لم يعمل لك دون غيرك فيُهيًّأ على ظاهر محبتك، ولو وقع فيه توقي المتزمتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل إليه معك. وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين”.(1)

والواقع أن الغالب مما كان يروى من أخبار وقصص في الأغاني وعيون الأخبار، لم يكن مطلقًا في اتجاه الفن والإبداع، بل كان كما نفهم من كلام ابن قتيبه، مقبلات لفتح شهية القراء. ولعل المبدع العربي القديم قد عاني كثيرًا قبل أن يطلق العنان لخياله فيما يقص، ومع ذلك، فخارج منظومة التدوين هذه، كانت الحكايات العجائبية والخرافات الأسطورية الأصل، تشيع وتتقبل في مجالس السمر والأنس. ولا نزعم أن التدوين في ذاته قد عطل الخيال، لكنه ارتباطه بالموثوقية خشية تسرب الأكاذيب إلى علوم الفقه والتشريع وآثار الأجلاء من الفقهاء والخلفاء.

إن الخيال الحر الذي عرفه الإنسان منذ القدم، هو جوهر الحكاية. إذ يكفي أن يبدأ الراوي بنطق ( كان يا ما كان في سالف العصر والأوان) والتي تعني أنه سيحكي حكاية وقعت في زمن ما ومكان ما- لتكون بمثابة عقد يوقع عليه المتلقي: أنا مستعد لأصدق ما سوف ترويه لنا. ثم يأتي دور الصنعة والخبرة، لإقامة البناء السردي وفق حسابات الزمان والمكان وتعدد الشخصيات وتنوع وطبائعها. كما يتضمن إقرار المتلقي، معنى الفصل بين وظيفة الراوي، وشخصه الجالس أمامهم. فالراوي، من حيث هو وظيفة، شخص افتراضي، وما ينطق به هو افتراضي أيضًا. هكذا يبدو الأمر مثل لعبة يخضع الجميع لقواعدها، ومن ثم، فالجدل حول صدق أو حقيقة الحكاية يفسدها، بل ويفسد وظيفتها التي تبدأ بالمتعة -مثل أي لعبة- ذات فوائد شعورية أولاً. ولا بأس أن تنتهي إلى فوائد تعليمية، أو وعظية. لهذا كان الفصل بين صورة الراوي وشخص المؤلف، نقطة تحول مهمة في مسيرة القص العربي القديم. فهذا من شأنه أن يمنح المؤلف مساحة أكبر من حرية التعبير والخيال. وكان حريًا بهذه الخطوة، أن تفضي إلى خطوة أخرى، وهي فض الالتباس بين مفهومين: الإخبار والقص. أو بين ما هو مرويات تحصّل عليها المؤلف، وما هو إبداع خالص لمؤلفه، فيكون القص غرضًا أدبيًا مقصودًا لذاته، ممتلكا لمقوماته وملامحه من بلاغة، ليس في اللغة فحسب، بل في أسلوب سرد الحكاية، وقوالبها، ومقاصدها.

وقد يكون من الثابت، أن المقامات هي الفن الذي اقترب لمفهوم القصة كما نعرفها الآن، من حيث هو إبداع خالص لمؤلفه. غير أن المقامات الأولى لم تخلص إلى طبيعتها السردية. فظلت تراوح بين النثر والشعر، وتضمن الأخبار والمعارف والطرائف، كما ظلت مثقلة ببلاغة لغوية، تنزع إلى التنميق والترصيع والمبالغة في ألاعيب اللغة. وبالرغم من ذلك، فقد حظيت بالقبول والطلب من القراء، بوصفها صنعة أدبية خالصة إلى مؤلفها، وقوامها القص، وهدفها الإمتاع. لكن القيمة الأهم التي أضافتها المقامة، هي اقتراب الحكاية من واقع الحياة اليومية. فالمقامة لم تستهدف أخبار السلف وحكايات السابقين، بقدر ما كانت تحيل إلى الواقع المعيش بين الناس من سلوكيات وممارسات، ولا تتورع عن نقدها وفضح أصحابها بسخرية لا تخلو من هزؤ ومجون. وكانت الناس تستحسن ذلك، لأنه يعبر عنهم. بما يعني، أن قناع الراوي الافتراضي، قد حرر كل من المؤلف والمتلقي معًا، من مؤاخذات المتزمتين التي اشتكى منها ابن قتيبة، فأطلق ملكات التخييل المستند إلى خبرات المؤلف ورؤيته للواقع. ومنذ مقاماته الأولى، أختار (الهمذاني-398هـ) بشر بن عوانة العبدي راويًا له، ثم استبدله بعيسى بن هشام، الذي تعاظمت شهرته بين الناس حتى ظنوه حقيقة، وحتى أن محمد المويلحي، يعود إليه ويتخذه راويًا لمقاماته (1907م). هكذا أصبح الراوي، شخصية خيالية، لها حق الوجود الإنساني المستقل، وحق الكلام.

وكانت العادة أن يخلق كل كاتب من كتّاب المقامات راويه الذي يخصه ويُعرف به بين جمهور القراء. والواقع أن راوي المقامات، لم يكن إلا قناعًا للمؤلف، ويحمل وجهة نظره. فهو على درجة عالية من سعة الأفق والاطلاع على فنون الأدب وعلوم الدين والدنيا. وهو قريب من الدور الذي نوليه للذات الساردة الآن. لهذا فإن المقامة، نظمت العلاقة بين المرسل والرسالة والمرسل إليه. ومن ثم وجهة نظر النص.

وإذا كان لكل من أصحاب المقامات راوٍ واحد ينطق بالنيابة عنه، فله أيضًا بطل واحد يخوض المغامرات والأحداث في كل مقاماته. لكن هذا التثبيت، للطبيعة الافتراضية لكل من الراوي والبطل المروي عنه، لم يحرم المقامات من ابتداع شخصيات عديدة تعيش في صلب المقامة، فيما هي تتنقل براويها بين الموضوعات والشخصيات المختلفة. لكن كتّاب المقامات جميعا، توافقوا على أن يكون الراوي من بين عامة الناس، منتميًا لهم، ناطقا بلسانهم ومعبرًا عن مظالمهم وشكواهم، وناقدًا للمسالب والمعايب الاجتماعية، وإن ظلت المقامة راغبة في استضافة الأشعار والحكم والأمثال والمواعظ، إلا أن جريانها على ألسنة الرواة المفترضين، دفع القارئ ليقابلها بقدر من التسامح والقبول لطبيعة الفن.

وبغض النظر عن إشكالية بلد المنشأ لألف ليلة وليلة، وتاريخ نشأتها، وطبيعة تكوينها لتصل إلينا على هذا القدر من الاكتمال والنضج، فهو العمل الأشهر الذي توجه في صميمة إلى الحكاية. فكان مبشرًا بالمعنى الدقيق لمصطلح السرد، من حيث هو طريقة، وأسلوب لسرد حكاية ما. ومن ثم تثبيت وظيفة الراوي، بل وتعريفه في الحكاية نفسها ليخضع لقوانينها. وهذا أسلوب أكثر تطورًا من الراوي الشعبي في السير والملاحم. بل يمكن القول إنه أسلوب أعلى في تقنيته، يجاوز أسلوب الراوي العليم، سواء في تحديد وظيفة الراوي أو ماهيته، عندما يصبح الراوي مضمرًا في الحكاية كواحد من شخصياتها، سواء كانت الحكاية الإطار لـشهرزاد، أو الحكايات الداخلية التي تروى على لسان شخصيات الليالي، التي هي نفسها مروي عنها. وفي الحالين، تكون شخصية افتراضية متخيلة. ولعل هذه الوضعية الجديدة للراوي، ونسبة ماهيته إلى عالم الخيال، قد حررت وظيفته، وأعفته من اعتراضات المتزمتين على حد قول ابن قتيبة.

بالإضافة إلى تغير ماهية الراوي ووظيفته، كان التصميم المسبق لألف ليلة وليلة خالصًا للإبداع والإمتاع عبر الحكاية بترابط سردها. وحيث كان جوهرها الأصيل هو الخيال، ثم تأتي –بعد ذلك- ملحقات الحكاية، بغاية الإقناع والتنويع والتطريز، سواء كان من باب التحلي أو إثراء المعنى. ففي هذا الفضاء التخيلي الواسع، كل شيء متاح لتوظيفه بداخل الحكاية الأصل: أشعار، وألغاز، وأخبار، ومُلح، ومواعظ وحكم، بل وشخصيات لها ما لها من القيمة والشيوع. لكن كل هذا غير مقصود لذاته، بل بوصفه أسلوبًا لإثراء الحكاية. كما أن تقنية الحكاية الإطار على بساطتها، أمسكت بالنسيج الكلي لمجمل الحكايات، فمهما كانت طبيعة الشخصية، وما تنطق به من أشعار أو حكم ومقولات جاهزة، كانت تذوب في نسيج الحكاية.

وحكاية الجارية (تودد) في الليلة الثلاثين بعد الأربعمائة، تقدم نموذجا لذلك، فهي حكاية تعج بالحكم والأفكار ومسائل الفقه وأصول الدين، ومع ذلك تحتفظ (تودد) بطابعها كأي شخصية من بنات الحكاية، فتحررها من مؤاخذات الفقهاء، وشطط المتزمتين. هكذا أصبح للراوي حق الوجود الفني، على نحو ما نراه الآن في قصصنا ورواياتنا.

وفي ألف ليلة أيضًا، يصبح للزمن حساب، ودور مهم في التشكيل السردي، ومن ثم بناء الحكاية، فحكاية (تودد) تروى عبر زمن طويل، وتتعدد شخصياتها ( الأب، الابن، الجارية، الخليفة هارون الرشيد، فقهاء القصر ورجاله). وهذا يعني أن ألف ليلة وليلة، قد أدركت قيمة المعمار المركب في بناء الحكاية.إذ تبدأ حكاية (تودد) من الإنساني الذاتي، ثم تنتقل إلى الموضوعي العام، عندما يقدم الجارية صاحبُها إلى الخليفة المأمون، بوصفها أعجوبة في المعارف والفنون. تجلس تودد بين يدي الخليفة، ويسألها فتجيب ببلاغة وثقة، ثم تقبل التحدي، ومناظرة كل من أمر الخليفة بحضورهم من العلماء، والفقهاء، والحكماء، والفلاسفة، فتتفوق عليهم. ومن ثم فالحكاية تتضمن الأشعار والمسائل الفقهية والعلمية والفلسفية. لكن كل هذا، لم يخرجنا من فضاء الحكاية، بقدر ما أثراها، وأعلى قيمتها الموضوعية، ووسع دلالتها.

وإذا اعتبرنا أن فن الرسائل أفاد من المقامات وقصص الحيوان، كما أفادت المقامات من الشعر والإخبار، فإن (التوابع والزوابع) لابن شهيد الأندلسي قد نالت–إلى جانب كل هذا- حظًا واسعًا من الخيال، فتأسست عليه في بنيتها، وحركتها التي اعتمدت على التشويق والإثارة. كما مكنه الخيال، من تحقيق وحدتها الموضوعية، برغم توزع هذه البنية على رسائل عدة. وقد اجتهد ابن شهيد في التخلص من قيود اللغة، وأوجد لنفسه مبررات فنية وسردية لينتقل بسلاسة من الحكاية والخيال، إلى تاريخ الشعر والشعراء ونقدهم، ثم نقد الظروف الاجتماعية والسياسية التي أحاطت بهم. فبعد أن تعرف أبو عامر (ابن شهيد) على الجني زهير، واصطحبه إلى وادي عبقر، التقى توابع الشعراء من الجن، واستعان بكل تابع ليعينه على استحضار شعر صاحبه.

لقد وجدت التوابع والزوابع، مبررًا فنيًا لانفتاح، النثر على الشعر، والسرد على التاريخ والنقد وقضايا الأدب. فلم يعد أي من كل هذا مقحما على الحكاية، بقدر ما هو موضوعها، وقوام حبكتها. وهو نفس ما نراه في حكاية (حي بن يقظان) لابن طفيل (581هـ) التي تعتبر أقرب الأشكال العربية إلى شكل الرواية الحديثة، على الرغم من أن طبيعتها السردية تميل إلى الترميز، لتناسب موضوعها الرئيس: الفلسفة. لكن الحكاية الأم هي لغز وجود حي ابن يقظان وحده في جزيرة معزولة. هذا اللغز أعطى ابن طفيل مبررًا فنيًا للمقاربات الفسلفية والدينية،التي ترصد مراحل حي بن يقظان السبعة نحو إدراك حقيقة وجوده.

لقد اجتهد السارد العربي في خلق صورة مستقلة وتخيلية للراوي، كما اهتم بحضور الزمان والمكان في بناء الحكاية، كما أدرك قيمة الخيال وأهميته في إثارة مشاعر القارئ. لقد قطعت القصة العربية شوطًا لا بأس به في سبيل تطورها، وامتلاك وعيها بذاتها، لتكون فنًا مستقلاً له مقوماته وتقاليده الأدبية. ونحن لا نعرف على وجه اليقين، لماذا توقف هذا التطور؟

هناك اجتهادات كثيرة في هذا الشأن. وفي نفس الوقت، هناك شواهد على أن النثر العربي في حينه، لم يحظ باهتمام نقدي بقدر الاهتمام بالشعر(ديوان العرب) الذي استمر في تطوره الطبيعي ليصل إلى ما وصل إليه الآن. في الواقع، نحن لا نجد في تراثنا نقدًا مستقلاً للنثر في مقابل الشعر، ولم نجد مراقبة نظرية تؤسس لبناء السرد وعناصره، على غرار ما فعل الخليل ابن أحمد مع الشعر، بل ولم نجد درسًا خاصًا بلغة النثر وبيانها عند الجرجاني مثلاً، إلا فيما يخص القرآن الكريم. وربما لو كان القص العربي قد حظي بالاهتمام النقدي والتأمل النظري والفلسفي، لكان لدينا الآن سرد عربي، قادر على تحديد هويته، وربما فرضها على الغير. وما كنا بحاجة إلى أن نستورد من الغير صورة القصة التي نكتبها الآن.

بالإضافة إلى فكرة الفصل بين المؤلف والنص بوساطة الراوي المتخيل، عرفت المقامة العربية، أهمية الالتفات إلى واقع الحياة اليومية، فميزت نفسها عن قصص السابقين وأخبارهم.. فكون الواقع جديرًا بالنظر السردي، يعني أن الزمن ليس شأنًا ماضويًا فحسب. فهو يمكن أن يكون هنا والآن، ويمكن أن يكون في المستقبل. لكن الوعي بكلية الزمن كمعنى وجودي شأن مختلف، عندما يترتب عليه انتزاع زمن خاص للحكاية، يحدد وجهة النظر، ويعكس رؤية الذات الساردة. هذا المعنى -الأكثر تركيبًا للسرد- لم تعرفه المقامة. كما ظل الراوي المتخيل، ناطقًا بصوت المؤلف ولغته ومعارفه. ومع ذلك، فإن أمرًا مهما قد أتت به المقامة، عندما ميزت نفسها عن الإخبار والحكايات وقصص الأولين، وعرّفت نفسها بمسمى المقامة. هذا أمر ليس بسيطا، لأنه يعبر عن رغبة السارد العربي، في تحديد هوية الفن الذي يكتبه. ووعية، بإمكانية تطور هذا الفن مع الوقت.

***

ثانيًا: التراث الغيري، من الأسطورة إلى النوع.

من المفارقات الجديرة بالاهتمام، أن الإمكانات التي وصل إليها السرد العربي لحظة توقفه، لم تكن بعيدة كثيرًا عن تلك التي بدأ بها الغرب عصر نهضته. كما أن البدايات، بدت متشابهة في مقوماتها الأساسية.

منذ البداية، التبست الحكاية الأوربية بالأساطير، واستهدفت التاريخ لتتناول قصص الآلهة والأبطال، كما أنها دُونت شعرًا. هذه بداية لا تختلف كثيرا عن البدايات العربية. في الواقع، البدايات الأولى للسرد متشابهة دائمًا، كونه أول طرائق المعرفة التي اختبرها الإنسان. كان موضوعه الأول هو وجوده، حدود هذا الوجود، وحركته فيه، مسترشدًا بالسابقين الذي خاضوا رحلة الحياة من قبله. حري بتفكير على هذا النحو، أن تفضي بنا الحكاية إلى التفكير في الزمن. لكن الزمن العربي، ظل مفهومًا ماضويًا، دافعًا إلى استخلاص العظة من سير السلف، أكثر منه دافعًا لتأمل الحاضر، أو استقراء المستقبل. ولو طرحنا أسئلة من قبيل: لماذا تطور فن السرد في عصر النهضة الأوربية؟ وكيف انبثقت الأنواع المختلفة لفنون الأدب؟ وكيف ميزت القصة نفسها عن الراوية وعن أشكال النثر الفني الأخرى؟ سنجد أن الإجابة تكمن في الفلسفة لا الأدب.

مع بدايات النهضة الأوربية، حدث استنهاض لتاريخ الفلسفة من أرسطو، مرورًا بالقديس أوغسطين(354م) وصولاً إلى توما الإكويني (1225م).

الفلسفة هي الرافد المعرفي الذي نظر إليه العرب بحذر؛ لكن اعتبار الأدب موضوعًا فلسفيًا عند الإغريق، ووضعه على قائمة فلسفة الجمال كان فارقًا. فمهما كان اعتزازنا بتاريخ الأدب العربي، فالفلسفة هي التي أعطتنا تعريفًا دقيقا للسرد، ليس بوصفه حكاية تروى، بل بوصفه أسلوبًا لبناء الحكاية. أدركت الفلسفة طبيعة العلاقة بين الزمن والسرد. الزمن من حيث هو فضاء لوجود الإنسان، وأفق لغيابه. كان أول ربط بين الزمن والسرد عند أرسطو، إذ رأي الزمان باعتباره تتابعًا للأفعال السردية. لكن أوغسطين انتبه إلى الأبعاد الثلاثة للزمن. فالزمن حاضر طوال الوقت في الوعي الإنساني، ماضيه وحاضره ومستقبله. وعليه، فالزمن ليس وقتا نثريًا مرتبطًا بحركة الأفلاك. هو وجود كلي ومطلق. هذا هو المعنى الوجودي للزمن الذي أدركته الفلسفة. أي أن الزمن ليس تتابعًا للسرد كنهر يتدفق من الخلف إلى الأمام، إنه موجود وكلي ولا يمكن اجتزاؤه. وكل حكاية، تقع في زمن كلي يخصها، مهما كانت طويلة أو قصيرة.

صحيح أن تعريفات الزمان ومفاهيمه وقياساته، أصبحت أكثر انطلاقًا مع الثورة العلمية التي بدأها كوبرنيكوس، وبرونو، وجاليليو. لكن المعنى الفلسفي للزمن، ظل تعبيرًا عن الوجود الإنساني، بوصفه سردية تتشكل في الزمن عبر أبعاده الثلاثة، على نحو ما يلاحظ ( بول ريكوار). لهذا تأخذ الحكاية في تشكيلها بعدًا جديدًا، ينهض على دور العقل، ويشير إلى طبيعة الوجود الإنساني ومعناه “حيث يعتبر الزمن في بعده الأول مخططًا لإدراك التصورات في الجهاز العقلي المجرد، فلا وجود للزمان في الخارج، بل هو مفهوم متعالق في العقل الإنساني نفسه، بينما يشكل الزمان عند البعد الثاني أفقًا لإدراك الوجود في العالم لا باعتباره ظاهرة طبيعية تحددها حركة الأفلاك، بل باعتباره منزعًا إنسانيًا لاستشراف المستقبل الذي يتربص به العدم” (2). لكن العدم الذي يتربص بنا، هو وجود أيضًا كما يراه هايدجر، ولكنه مختلف تمامًا عن وجود جميع الكيانات.

إن الزمن بهذا المعنى لا يسع سرديات الحضور فحسب، بل سرديات الغياب أيضًا الذي ينبثق عن التخييل. كما أن أي وحدة سردية، مهما كانت صغيرة، يمكن أن تحتوى على الأبعاد الثلاثة للزمن. وإذا كان للحكاية زمن كلي، فإن جماع الوحدات الزمنية يمثل زمنها الخاص. هكذا تبدو الحكاية، بغض النظر عن حيزها الكتابي. انتزاعا لزمنها الوجودي الخاص، حيث “تنشأ خطة لكل فضاء وزمنه الخاص، وتشق الرواية لنفسها طريقاً كلعبة متكررة، فيترتب زمن على كل موقف عاطفي، وينبني قالب يصلح لتطور كل ممارسة”.(3)

في سياق الإشارة إلى قصص نجيب محفوظ، يقول إبراهيم فتحي:” القصة القصيرة عنده، كانت تقتنص الجانب الأكثر تركيزًا، والأكثر خصوصية من تجربة الوجود الإنساني، وكان المعنى الجزئي يندمج في معنى عام، ولم تقف عند الطابع العابر للحياة” (4) ومعنى ذلك، أن النوع الأدبي شكل متميز من الرؤية، أي طريقة كلية لتخيل وتصور جوانب معينة من الواقع الإنساني” بهذا المعنى، تبدو الرواية أيضًا قصصًا قصيرة، نظمت على نحو خاص، عبر أبعاد الزمن، لتمتلك كل قصة، رؤية أو زاوية من زوايا النظر زمنها الوجودي.

المعنى الأكثر اقترابًا من السرد كما نعرفه الآن، فلم يظهر إلا في عصر النهضة. وعلى استحياء تسرب إلى الحكايات الأولى عن الفرسان ومغامراتهم، وحكايات الشطار والمحتالين في فن البكارسك. لينمحها بعدًا تشكيليًا، يقترب بها من الرواية، على الرغم من اعتمادها حكايات صغيرة متفرقة. ولعل هذه البنية البسيطة والمرنة، ظلت ملمحا مميزًا للسرد حتى في أكثر الأعمال اكتمالاً. ولو نظرنا إلى الأعمال التي اعتبرناها الروايات الأولى، سنرى أن زمنها، يتضمن أزمنة خاصة، لكل حكاية سواء كانت رمزية أم واقعية. أي أن كل حكاية هي قصة قصيرة. هذا النهج الذي لا يفصل بين القصة والرواية، قدم لنا الكثير من روائع الأدب الكلاسيكي: (ديكاميرون لبوكاتشيو- 1313م)، وحكايات ( كانتربري ـ 1476م لتشوسر)، و مغامرات ( دون كيخوتي ـ 1605م لسيرفانتيس)، و (رحلة الحاج لجون بينان- 1678م) التي تدور في عوالم النفوس والأرواح. وكل هذه الأعمال، على الرغم من أنها قامت على حكايات منفصلة، لكنها عرفت نوعًا من الوحدة الموضوعية. كما أكدت وظيفة الراوي على نحو جمالي ومستقل عن المؤلف، وتجنبت النبرة التعليمية والوعظية المباشرة.

لقد مثلت ديكاميرون نقلة مهمة نحو السرد الحديث، عندما تخلصت من الرمزية المباشرة التي تحيل إلى اللاهوت، أي أنها انتقلت من منطق ما وراء الطبيعة إلى الواقع، والتفتت إلى الوجود الإنساني، ومن ثم اكتسبت الشخصيات قدرًا من الحيوية، والإقناع، يجعلها شديدة الاختلاف عن سير الأبطال والعظماء الذين اكسبهم الماضي قدرًا من القداسة، فبدو كأنهم ينحدرون من نسل الآلهة.

لقد عبرت ديكاميرون عن الفلسفة الإنسانية التي رافقت الكلاسيكية الجديدة، وجعلت من الإنسان مركزًا للكون، بمعنى أن الإنسان أولى بالنظر في حياته، ومشاعره، وآلامه. وقد عرف (بوكاتشيو)، قدرًا من التصميم المسبق لحكاياته، حيث وضعها في إطار، صمم على نحو منطقي ومنبثق عن تجربة واقعية، عندما استفاد من اجتياح الطاعون لأوروبا. فالحكايات على تنوعها تروى قصة مجموعة من الشبان والفتيات، هربوا من الطاعون إلى مكان منعزل عن المدينة، وكان عليهم أن يتناوبوا الحكايات في كل يوم.

لكن الانطلاقة الحقيقية نحو مفهوم السرد الحديث، تراوحت بين (روبنسون كروزو لدانيال ديفو -١٧١٩م) و ( كلاريسا لصمويل ريتشاردسون- 1748م)، وقد اعتبرت ( كلاريسا) بداية حقيقية للرواية الإنجليزية جيدة الصنع، التي بلغت نضجها عند تشارلز ديكنز.

ومع ذلك، فقد كانت حركة الرواية في سبيل تطورها بطيئة كما يخبرنا مالكوم برادبري: “لقد وصلت الرواية إلى وعى ذاتها متأخرة” (5) إذ ظلت الرواية مثقلة بتاريخها الرعوي، لتبدو حركة السرد نفسها بطيئة، وتسهب في وصف المشاهد ولا سيما الطبيعية، وقد تنحرف إلى حكايات فرعية لا علاقة لها بالحدث الرئيسي. ولهذا التعلق في القديم تفسير مضيء عند حنا عبود فيقول:” وبما أن الوعي لم يكتمل بعد، فلا بد من أن تكون فيه نوستالجيا معينة تشده إلى القديم, وهذا ما يفسر استمرار الأشكال الأدبية القديمة ردحا من الزمن ريثما يكون العقل قد تخلص من مرهقاته ومعوقاته”(6).

الحداثة ومفارقة التراث

ربما، نتيجة لهذا النزوع النوستالجي –بتعبير حنا عبود- وتعلقها بالقديم، تعثرت حركة الرواية. وكان ثم ضرورة لانبثاق وعي جديد بالسرد. عندئذ ظهرت القصة القصيرة، بوصفها ثورة على تعثر الرواية وتلكؤها، وانخفاض وعيها بالواقع الجديد الذي فرضته الحداثة، وما فيه من وعي مكثف بأهمية الزمن في المجتمعات الحديثة، وطبيعة العلاقات المتشابكة في مجتمع المدينة. وتنامي الأفكار الإنسانية التي أفضت إلى احترام خصوصية التجربة الإنسانية، وتمييز الفرد بين المجموع، فانعكس ذلك على نحو تقني، برغبة في إزاحة ثبوتية الشكل سعيًا إلى التشكيل، ومفارقة الأنماط الموضوعية ذات الطابع الرومانسي، والولع بالاختلاف.

لقد سعت القصة القصيرة إلى تمييز نفسها عن الرواية، انتزعت فرادتها وسعت إلى تحقيق هويتها. عندما أدركت خصائص السرد ومقوماته، وفق مفاهيم نقدية حديثة، تنهض على وعي تقني يحترم الواقع الجديد الذي فرضته الثورة الصناعية. ولن نكون مغاليين إذا قلنا، أن هذا الوعي الجديد الذي عرفته القصة، غذى الرواية فيما بعد، ومنحها فرصة تجديد نفسها، من خلال الوعي بتقنيات السرد وتنوع أساليبه، فلم تعد الحكاية في حد ذاتها، هدفًا للسارد الجديد، بقدر ما أصبحت أساليب تشكيل الحكاية، هي مناط التميز.

وفي هذا السياق يحذر هـ. ب. تشارلتن من الخلط بين الحكاية في صورتها التراثية والقصة القصيرة في معناها الحداثي، فيقول:” سيبدو لك ما زعمه مؤرخو الأدب أمراً عجيباً, لأنك في أغلب الظن ستخلط بين الحكاية والقصة, وسترجع بخيالك إلي أعمق أعماق الماضي السحيق لتري الناس يروون الحكايات كلما كان فراغ ودار في حلقات السمر حديث, ثم تقول وهذه قصص العرب, وألف ليلة وليلة, وهي كلها أسبق من هذا التاريخ الذي زعمه مؤرخو الآداب بداية للقصة, لكنك أنسيت خصائص القصة بمعناها الصحيح, فليست كل تلك الحكايات الأولي قصصًا, لأنها تفقد أخص خصائص القصص, فما هي صادقة في تصوير الحياة, ولا هي تتعقب أجزاء الحادثة الواحدة تحليلاً حتى تبلغ أقصي مداها, وإنما هي حكايات ولا تنسى قط وأنت تطالعها أنك في عالم من الخيال”.(7)

نفهم من كلام (تشارلتن) حرصه على الوحدة الفنية لبناء القصة الحديثة. كما نفهم ضرورة التزام القصة الحديثة بتصوير جوانب الحياة الإنسانية، وخلوصها من موضوعات الخوارق والغيبيات التي كانت موضوعًا للحكايات القديمة. لكن (فرانك أكونورو) يضيف بعدًا آخر، فيقول:” يمكن أن نري في القصة القصيرة اتجاهاً عقلياً يجتذب جماهير الجماعات المغمورة علي اختلاف الأزمنة وأن الرواية مازالت بالفكرة التقليدية عن المجتمع المتحضر”.(8).

يضيف (اكونورو) شرطًا للسرد القصصي، وهو الالتزام بالواقع، وقضايا الجماعات المغمورة فيه. هذا التزام أيديولوجي وليس التزامًا فنيًا. فالجوانب الأكثر عمقًا في النفس الإنسانية، جديرة بالنظر السردي في كل أشكاله. فالقصة القصيرة على وجه التحديد، اعتنقت النزعة الإنسانية، وظني أن انهماك القصة العربية الحديثة، في القضايا السياسية والاجتماعية قد استهلكها كثيرًا، وأدخلها في قوالب نمطية، عطل من إمكانات التجريب فيها.

لقد خاضت القصة رحلتها القصيرة نحو امتلاك وعيها بذاتها عبر مفاهيم جد حديثة. فهذه محاولات ( إدجار آلان بو-1809م) ونزعته الخيالية السوداء، سعت إلى تفكيك ألغاز الواقع المجتمعي الحديث للمدينة الأمريكة، والتفتت إلى سراديب شوارعه، ومتاهات أفراده. وقد اشتهر بأنه مؤسس قصص التحري والمغامرات والخيال العلمي. في حين جاءت كتابات (جوجول-1809) في الطرف الشرقي من العالم، وفي نفس الوقت تقريبًا، لتحتفي بمستوى آخر من الخيال. إنه الخيال الشعبي المستدعى من عوالم الفلاحين والبسطاء، بكل ما تحمله من تناقضات طريفة أو مؤلمة. لهذا اعتبر جوجول تمثيلاً جيدًا للنزعة الإنسانية التي رافقت الواقعية. ولعل هذا الفضاء التخيلي الواسع، هو الذي وسم قصص جوجول بالطول النسبي، فبعض قصصه كانت أقرب لروايات مصغرة، أو متتاليات قصصية، على نحو ما نجد في (أمسيات قرب قرية ديكانكا) و(المعطف) وقد أطلق على اتجاه نيقولاي جوجول (الواقعية الخيالية) التي سوف تصبح (واقعية سحرية) في أدب أمريكا اللاتينية اعتبارًا من القرن العشرين.

ويعتبر الأرجنتيني (خورخي لويس بورخيس) أبرز أعلامه، معتمدًا مبدأ (الفن للفن) محذرًا من الدهم السياسي المؤدلج للفن. ففي هذا الوقت، حركت الواقعية الفن في اتجاه خدمة السياسة والمجتمع، وقضاياه، ولم يكن مسموحًا للمبدع، بوصفه ضمير أمته، وصوتها الطليعي، أن يهيم في الخيال المنبت الصلة عن الواقع، أو يعود للتراث وينهل منه. كان ذلك في سياق الالتزام المفروض على المبدع، مبدأ من مبادئ الواقعية، بمرادفاتها السياسية والاجتماعية. غير أن بورخيس نجح في أن يجمع في قصصه، بين الواقع والخيال. هذه الميزة أعطته الحق في استلهام التراث، والعودة إلى قصص الأبطال الشعبيين والشخصيات التاريخية. كما امتازت قصصه ببعد فلسفي، وتطرقت إلى موضوعات فكرية وسياسية. لقد كانت تجربة بورخيس دليلاً، على إمكانية تفعيل التراث في سياق قصصي حديث.

وفي سياق مختلف، نجح تشيكوف، في خلق تيار جديد، يكسب الواقعية بعدا إنسانيًا. فكان الأكثر وعيا بطبيعة النفس الإنسانية، بمعنى أن الواقع عنده، أصبح له بعد نفسي فضلاً عن البعد الاجتماعي والسياسي، فاكتسبت قصصه مذاقًا خاصًا، وامتازت بالتكثيف، وبساطة اللغة ودقة الوصف، وعمق موضوعاتها، باعتبار أن ما نظنه الواقع الخارجي، قد يكون انبثاقا لواقع آخر داخلي، أكثر عمقًا، وأكثر تأثيرًا على حيوات الأفراد والمجتمعات. إذ راقبت قصصه تيار الشعور على نحو دقيق، ولم تتوقف عند مراقبة الواقع الخارجي والمعاش، ويبدو أن خبرته الطبية قد أكسبته دراية خاصة بالبعد الإنساني للواقعية.

مع بداية القرن العشرين، كانت القصة القصيرة فنًا مستقلاً، له سماته الخاصة، وله درجة كبيرة من القبول القرائي عند أفراد الطبقات الوسطى. كونها جسدت المشروع الحداثي للإنسان (مركز الكون)، بوصفها فن الصوت المنفرد على نحو ما يصفها( فرانك أكونورو). كما جسدت القصة بشكل فلسفي رغبة الإنسان الحديث في موت الأب (ذلك الرجل النبيل بشكل مطلق) فلم يعد الموضوع الميتافيزيقى ضالعاً في القصة الحديثة. لقد طُرح الواقع بوصفه مفهومًا يقف في مقابل الميتافيزيقى، وكانت الرغبة في اختبار العلاقة بين الإنسان وواقعه المعاش أكثر من اختبار العلاقة بين الإنسان والطبيعة. لقد بدت القصة على هذا النحو ظاهرة أو ثورة ثقافية أكثر من كونها مجرد فن أدبي جديد. ويعنى هذا قدرتها على التجريب، وتجاوز الحدود الموروثة، ومخاتلة السلطات الثقافية والمركزيات الفكرية القديمة، فضمنت لنفسها جمهوراً ـ من الكتاب والقراء ـ مختلفاً إلى حد كبير عن جمهور المدفأة، إنه جمهور يتشظى في أروقة الحياة اليومية: في المصانع والمقاهي والمنتديات الصغيرة والتجمعات السياسية. جمهور راح ينظر للقصة نظرته إلى مشروع ثقافي وتنموي مرتبط بالأفكار الطليعية التحررية والإنسانية الكبرى، وليس من قبيل المصادفة أن تجد القصة ـ فى بلدان المخاض السياسي والاجتماعي وهى تخوض معاركها ضد أشكال الاستعمار والعنصرية واستبداد الطبقات العلياـ أرضاً خصبة لاستنبات أشكالاً جديدة منها. وربما، لهذا السبب، عرفت ثقافتنا العربية القصة القصيرة قبيل الرواية، حيث منحتها الصحافة فرصة الانتشار، والمتابعات القرائية.

القصة والرواية، بين الفصل والوصل:

حتى مطلع القرن العشرين، كانت المحاولات الأولى للقصة العربية، متعثرة في أساليبها البلاغية القديمة، تقريرية ومباشرة، بلا ترابط بين الأحداث، فيما تستغرق في موضوعات بسيطة، فما هي إلا أحدوثات وطرائف تنشر على صفحات الجرائد بغرض التسلي والتفكه. الأمر الذي جعل بعض النابهين يحجمون عن كتابتها. “ولعل هذا الانتقاص من قدر القصة هو الذي حمل الدكتور هيكل على أن ينشر قصته زينب – أول عمل قصصي فني- بتوقيع مصري فلاح. ولعله لم يجاهر باسمه في ذلك العهد ترفعًا عن أن يعده أدباء عصره راوية حواديت وفكاهات”(9)

من كلام تيمور، يمكن ملاحظة الخلط بين القصة والرواية، فلم يكن الفارق بينهما واضحًا بعد، ففي مقدمة مجموعته القصصية (إحسان هانم- 1921م) يقول عيسى عبيد: “وقد حذونا حذو بلزاك شيخ الروائيين الفرنسيين في مؤلفاته الموسومة بالإنسانية الممثلة.. بمعنى أننا قد نتتبع في قصصنا المقبلة حياة الأشخاص الذين صورنا صفحة من حياتهم في هذه القصص، أو نأتي على صفحة أخرى من حياتهم ..” (10)

تعكس كلمات عبيد وعيه بالفرق بين القصة والرواية على أساس أن القصة بنية صغرى في الرواية، كما تعكس عدم قناعته بالفصل الحاسم بينهما فثمة قصص يمكنها ـ في كتابة أخرى ـ أن تتحول إلى روايات بجهد يسير مثل تتبع حياة الشخصية القصصية، كما يمكن لهذه الشخصية أن تصاغ على نحو مختلف في قصة جديدة، بما يعنى حلقات من القصص (متتالية قصصية) تتواثق فيما بينها برباط واحد.

حتى هذا الوقت، يكن ثم تصور مكتمل عن الأنواع الأدبية. ولم تكن القصة القصيرة نوعًا مستقلًا من السرد، ولم تكن الحدود المميزة بينها والرواية واضحة سوى في حجم الحكاية. وهو نفس الوضع الذي عانت منه القصة في بداياتها الأوربية، على نحو ما نلاحظ في كتابات ( نيكولاي جوجول) التي اعتبرت قصصه روايات قصيرة ( نوفيلّا) وهو التعبير الأدق. وحول العلاقة بين القصة والرواية، يقول خيري دومة: ” فمنذ تنظيرات إدجارآلان بو الأولى، ظلت القصة القصيرة لدى غالبية منظريها واقعة بين القصة والرواية، حيث السعى لتمثيل الحياة الواقعية. والشعر، حيث العناية الخاصة بالتصميم الكلي الرهيف، وأسبقية الدال وجاذبيته. والدراما، حيث تكثيف العالم المتسع وتركيزه في وحدة واحدة، أضف إلى ذلك أنها كانت على الدوام نوعًاً صالحًاً للتجريب، لأن كل تجربة جديدة كانت تحتوى ـ كما قيل ـ على قالب جديد” (11)

ولعل هذه الطبيعة المرنة للقصة القصيرة، منحتها الفرصة لمستويات عديدة من التجريب. الأمر الذي أفضى إلى تسارع تطورها ونضجها، على أيدي جماعة من الكتاب المهتمين بالأدب الحديث، احتوتهم مجلات عصرية مثل السفور، والفجر. فما كاد الربع الأول من القرن العشرين ينصرم، حتى لمعت أسماء شابة مثل: محمود تيمور، وأحمد خيري سعيد، ومحمود طاهر لاشين، ويحي حقي وغيرهم. ومعهم اكتملت أركان هذا الفن الجديد على العربية، حتى بلغ ذروة ازدهاره عند يوسف إدريس، الذي وصف بأنه تشيكوف العرب. وقد نجح في تخليص القصة من كل آثار الماضي الأسلوبية والموضوعية، فجاءت لغته تكوينا خاصًا بين الفصحى والعامية، لتحاكي لغة الحياة اليومية، ولتناسب موضوعاته الطليعية، التي تهتم بقضايا الواقع الاجتماعي. وبدا أن القصة القصيرة، تحقق وجودها على أساس من القطيعة مع كل آثار الماضي وتراثه الحكائي. ليصبح الواقع هو المرجعية الوحيدة للخيال السردي. وبدا أن النموذج الإدريسي الذي كان مقررا على تلاميذ المدارس الثانوية، هو التمثيل الأكمل للقصة القصيرة. لهذا يمكن القول إن القصة القصيرة منذ محمود تيمور وحتى يوسف إدريس، نسجت على منوال واحد يتطور من داخله. وفي هذا السياق يبدو الالتفات إلى التراث شاحبًا، وملتبسًا بموضوعات أخرى وليس مقصودًا لذاته، على نحو ما نجد في قصص ( محمود البدوي) الذي صور حياة الفلاحين، وطباع أهل الصعيد متوخيا الواقعية في نقد الجهل والعادات المتردية، التي مازالت تعمل في هذه المجتمعات،من خلال رؤية إنسانية متأسية لأحوالهم. ولهذا لقب –هو أيضًا- بتشيكوف العرب. ويذكر أن لمحمود طاهر لاشين، توقف في بعض قصصه عند الموضوع التراثي، وله في ذلك قصة بعنوان (مذكرات سيدنا نوح) تفيد من المرويات التي تحكي قصة الطوفان، سواء في بعدها الأسطوري والشفهي، أو الوارد في التراث الديني. وكانت المحاولات القصصية الأولى في كثير من بلدان الوطن العربي، على صلة بالتراث باختلاف تناولاتها ورؤيتها له كما نجدها عند: زكريا تامر(سورية)، وأحمد بوزفور (المغرب)، وجمال أبو حمدان( الأردن).

العودة إلى التراث:

أما تجربة يحيى الطاهر عبد الله، فكانت هي الأكثر إفادة من التراث، في صورته الشفهية الشائعة في صعيد مصر من حكايات ونوادر وخرافات بل ولغة. غير أن الكثير من قصصه، استعارت من التراث لتسقط على الواقع، أو لترمز إليه، فبدا أن المستهدف من توظيف التراث هو الواقع لا التراث نفسه، أي أن التراث يصبح وسيطًا لرسالة حداثية. وفي هذا يقول ياسين النصير عن قصص حكايات الأمير حتى ينام:” الأمير ليس إلا استعارة للحاكم العربي الذي يجد في النوم الوسيلة الوحيدة التي يتعرف بوساطتها على ما يجري لمجتمعه، ومادمنا لا نحكم إلا ونحن نائمون فصوت شهرزاد ما يزال يرن في أسماعنا ليغمض أعيننا عن الحركة الدائبة للحياة. في حين أن العالم يتقدم باليقظة متجاوزا حتى نفسه، إن الكشف عن الوعي المستلب هو غاية القاص في هذه الحكايات التي يختار المؤلف بطلاً لها هو “الأمير” مجردا من أي لقب أو بلد، ومعه ثمة أسماء دلالات مثل: الشيخ المسن، رامزًا به إلى التاريخ أو إلى الخبرة، والمرأة الجميلة رامزًا بها إلى الغواية، والأم، والطفل رامزًا به إلى المستقبل والفلاح رامزًا به إلى الأرض”(12)

لكن مع بداية الثمانينيات فاز جارثيا ماركيز بنوبل، فعرفنا الواقعية السحرية، وانتبهنا إلى أن في أدبنا القديم كنوزًا لم نستفد بها في مشروع السرد العربي، فاندفعنا إلى التراث بقوة، ننهل من أبعادة التخيلية والتاريخية والأنثربولوجية سواء المدونة أو الشفهية، وتجلى هذا بوضوح في القصة القصيرة والرواية على السواء. فتناولت قصص (سعيد الكفراوي) عالم القرية، وما تبقى فيه من مظاهر تراثية، تعيش في الممارسات اليومية، من عادات وتقاليد، ارتبطت بالمعتقد الشعبي أو الديني على نحو ما نرى في قصة (تلة الملائكة). وفى هذه القصة يمتزج البعد التخيلي بالثقافة الدينية على نحو رائع، فالطفل يمضي إلى تلة الشياطين/ الغجر، مدفوعًا بالفضول الذاتي، لكنه يحتمي فى فضوله بفكرة أن فانوس رمضان، له القدرة على تبديد وحشة الظلام، وقهر الشياطين. فالثقافة الدينية بعمقها التراثي، تغمره بيقين، أن شهر رمضان يسجن الشياطين، ويضعها في الأصفاد. فالخيال، يجسد شهر رمضان شخصًا مقدسًا، له هذه القدرة، التي يمتلكها الجد في مواجهة الأشرار وقاطعي الطريق. وبهذا اليقين يذهب الطفل إلى التلة، وهناك يتجسد المعتقد ويتحول الخيال إلى حقيقة، حيث يجد التلة تعج بالملائكة فعلًا، تستقبله الملائكة في طقس تطهير مستمد من الثقافة الدينية أيضًا، عندما تنزع قلبة وتغسله ثم تعيده، ليمضي بعدها الطفل، أكثر يفاعة وثقة فيما يعتقد.

وكان مشروع ( خيري عبد الجواد) منذ البداية مستهدفا التراث، سواء الشفهي كما قصده سعيد الكفراوي، أو المكتوب. ومن ثم كان واعيًا -منذ البداية- بأن مشروعة ينهض على تسريد التراث، وليس استعارته كما فعل يحيى الطاهر عبد الله، ولا توظيفه كما عند الكفراوي.

تسريد التراث يستهدف إعادة تشكيله، وفق أجواء وإمكانات السرد الحديث. وقد فعل هذا سواء في قصصه أو رواياته على السواء، فضلاً عن أبحاثة وتحقيقاته لبعض كتب التراث. وظل عاكفًا على مشروعه، حتى توفاه الله وهو في ريعان الشباب. لقد أفاد خيري عبد الجواد من هذه الطبيعة المرنة والمتعدية للحكاية التراثية، وتداخلها بالأشعار والحكم والمواعظ والأمثال الشعبية، والتباس موضوعاتها بالخيال الأسطوري والشعبي والمعاني الدينية. مقتفيًا لغتها وأساليبها وموضوعاتها وعوالمها الغرائبية. وظهر هذا في عناوين أعماله التي تراوحت بين المجموعات القصصية والروايات، ومنها:(حكايات الديب رماح-1987، كتاب التوهمات 1992م، العاشق والمعشوق1995م، حرب بلاد نمنم 1997، مسالك الأحبة 1998، الجني 1999م، كيد النسا-2006م ).

خاتمة

في الربع الأخير من القرن العشرين، اتسع اهتمام المبدع العربي بالتراث، وبدا هما سرديًا، سواء كان على نحو نوستالجي يصبو إلى تقدير الماضي، أو برغبة عارمة في استنهاض الواقع بالكشف عن جذور الوعي العربي ومقوماته أو معوقاته. غير أن الموضوع التراثي مازال يجد في الرواية مساحة أوسع من البوح للتعبير عن نفسه على نحو أكثر اكتمالاً.

ويبدو أن تراجع حضور القصة القصيرة في مواجهة الرواية، يمثل مأزقًا فنيًا لها، إذ انشغلت القصة القصيرة بالدفاع عن نفسها بدلاً من الانطلاق إلى آفاق موضوعية وتقنية جديدة؛ لتؤكد هويتها كونها فن الصوت المنفرد، وصدى التجربة الذاتية للإنسان المعاصر، فالتفتت إلى صيغ اختزالية لتناسب الواقع الافتراضي على شبكات الإنترنت. وهي صيغ تذكرنا بالطابع الإخباري الذي كانت عليه القصة في أزمنة قديمة، من خلال ما يسمى بالقصة القصيرة جدًا. ومع ذلك، فحضور التراث في القصة القصيرة مازال يكتسب مساحات وموضوعات جديدة غير تلك التي عرفها في بدايات القرن العشرين، وأشرنا إليها عند زكريا تامر، وبوزفور، وجمال أبو حمدان وغيرهم.

وفي هذا السياق، يذكر أن التراث البحري، والصحراوي، وجد في بلدان الخليج العربي مادة سردية مناسبة للقصة القصيرة. من حيث هي حكايات قصيرة (خراريف) أو مغامرات أبطالها من النوخذة والغواصين. بدا التراث محورًا مهمًا في القصة العربية عمومًا، من الخليج إلى المحيط، ليعكس أهميته عند المبدع العربي على أصعدة مختلفة. تتناوب بين الرغبة في تأبيده على نحو غنائي، أو توظيفه رمزيًا للإسقاط على الواقع. ولدينا في هذا الصدد أسماء يمكن الإشارة إليها منهم: مريم جمعة فرج، وسلمى مطر سيف، وإبراهيم مبارك ونورة فرج ومنى الشافعي. كما أن لإبراهيم درغوثي مشروعًا مميزًا يعمل على تسريد التراث التونسي، ولا سيما ذلك الذي يتعلق بالصحراء.

ويمكن ملاحظة أن تسريد هذه الحكايات يمثل إعادة إنتاج لها على نحو فني وموضوعي موجه ليخدم الواقع المعاش في كثير من الحالات، سواء جاءت بهدف تفكيكها، لفضح رسائلها التي لم تعد صالحة للعمل في المجتمع الخليجي الحديث، على نحو ما نجد في حكاية (خطاف رفاي) التي تحذر النساء من الخروج ليلاً لئلا يتعرضن للخطف. أو أخذت الطابع النوستالجي الذي نجده في كثير من قصص التراث، التي تتناول حيوات الجدود والجدات وحواديتهم والعادات والتقاليد التي كانوا يمارسونها وتعرضت للاختفاء بفضل مظاهر المدنية في المجتمع الحديث، وعندئذ تتوجه الحكاية لتثبيت نفسها في الوجدان الشعبي، وتأكيد الهوية المجتمعية. كما قد يكون الموضوع التراثي غير مقصود في ذاته، ولكننا نجد مفرداته في كثير من القصص، التي تتناول موضوعات مختلفة، ولا سيما فيما يتعلق بوضعية المرأة في المجتمعات العربية، ونضالها نحو تحقيق المزيد من الحقوق. غير أن حضور التراث يكون أكثر وضوحًا، بل ولازما في موضوعات مثل:

المكان: بوصفه موضوعًا، ولا سيما الأماكن النائية أو الطرفية، أو الشعبية التي مازالت تحتفظ بخصوصيات ثقافية موروثة. لتبرز ما فيها من عادات وتقاليد وفنون وممارسات لها جذورها في الماضي القريب أو البعيد، لتشير إلى أن هذا الماضي مازال مستمرًا وفاعلاً.

التاريخ: ولا سيما التاريخ الاجتماعي، الذي يعطي الكاتب مساحة من حرية التعبير وإطلاق المخيلة بعيدًا عن معارضات المؤرخين. ومع ذلك فهي في كل حالاتها تؤكد هويتها عبر تصورات لنمط الحياة والعلاقات والممارسات الإنسانية في بعديها الزمني والمكاني، ومن ثم يمكنها أن تقدم معرفة، قد تعارض ما تعارفنا عليه من التاريخ الرسمي.

الموضوع الديني: الذي يقتحم عالم التصوف، بما فيه من معتقدات، ومعجم لغوى خاص، يجسد خيالاً مجازيًا مميزًا عبر حكايات الأولياء وكراماتهم، وتجلياتهم المكتنزة بالخوارق والمعجزات.

مصادر ومراجع:

عيون الأخبار لابن قتيبة ،مطبعة دار الكتب المصرية 1969.
بول ريكوار: الزمان والسردـ الحبكة والسرد التاريخي ـ ترجمة سعيد الغانمي وفلاح رحيم ـ 2006م – دار الكتاب الجديد المتحدة بيروت
كانديدو بيريت جايجو: الفضاء/ الزمن.. اقتراب سيسيولوجي – مجلة فصول، الهيئة العامة للكتاب – المجلد الثاني عشر – العدد الثاني -القاهرة -1993م.
ابراهيم فتحي: : نجيب محفوظ بين القصة القصيرة والرواية الملحمية – الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة – القاهرة – 2002م.
مالكوم برادبري: الرواية اليوم ـ ترجمة أحمد عمر شاهين – مكتبة الأسرة الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 2005م.
ـ حنا عبود: من تاريخ الرواية ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب ـ دمشق ـ 2002م.
هـ ب تشارلتن: فنون الأدب –تعريب ( زكي نجيب محمود) – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 2011م.
فرانك اكونورو: الصوت المنفرد ( مقالات في القصة القصيرة) – ترجمة محمود الربيعي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1993م.
9- محمود تيمور: فْن القَصص – دَراسا ْت فِي القّصة َوالمسرح – المطبعة النموذجية – 6 سكة الشابوري – القاهرة.
10 – أحمد هيكل : الأدب القصصي والمسرحي في مصر ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1983 .
ـ خيرى دومة : تداخل الأنواع الأدبية فى القصة المصرية القصيرة ـ دراسات أدبية ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1998.
ياسين النصير: حكايات الأمير حتى ينام – نزوى – عمان- 1999م





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى