في صباح السبت العاشر من رمضان لعام 1393 هـ توجهتُ إلى القاهرة لوحدي لأول مرّة, دون مرشد, ولأنني قرويٌ وقفتُ مندهشاً أمام التمثال الضخم الذي يتوسط ميدان باب الحديد, تأملتُ رمسيس الثاني الذي يقدّم رِجله الشمال بشموخ . ركبت تروماي 21 الذي يذهب إلى العباسية . أخذ التروماي يتهادى بحمولته التي تخرج أناسٌ من كل فتحاته بين القاهرة القديمة حتى وصل إلى ميدان العباسية لأنني كنت أجهل مكان كلية الهندسة, رجعتُ محطتين إلى عبده باشا ماشيا أتأمل كل الشجر, حيث الشجرة المائلة أمام كلية هندسة عين شمس . أول ما رأته عيني في مدخل الكلية مدفعين عتيقين, تذكرتُ أخي محمد المجنّد في سلاح الــ مُش ميكا . دفعتُ مصروفات الكلية, وكانت بمبلغ خمسة جنيهات ونصف جنيه, وأخذت إيصالاً ممهوراً بتاريخ 6/10/1973 . لم تكن الدراسة قد بدأت بعد, عدتُ إلى ميدان رمسيس, فأحمد حلمي, كان الوقت ما زال مبكراً دخلت سينما دوللي بـ 3 قروش . وكانت السينما تعرض فيلمين لـ ( جوليانو جيما ), و( بد سبنسر وتيرنس هل ) وكانت ترجمة أنيس عبيد عليهما واضحة . لم يكد يبدأ الفيلم الثاني بالعرض حتى سمعنا ضجة كبيرة في شارع شبرا . خرجنا مهرولين لنعرف السبب, وجدت حلقات من القاهريين يلتفون حول كل مذياع يستمعون إلى المارشات العسكرية وأغاني ( رايحين رايحين . . رايحين فـ إيدنا سلاح . . راجعين راجعين رافعين رايات النصر ) . مِلتُ على أحدهم أسأله . فهتف كأنه يغني والفرحة تملأ وجهه : الحرب قامت يا أستاذ . . تلقيتٌ منه الخبر والفرحة معاً بابتسامة وقلق معاً, تذكرتُ أخي محمد المجند بالكتيبة 39 ” مش ميكا ” مرة أخرى في ذلك اليوم, طرتُ إلى قريتي قها . . . كان أخي مجنداً منذ خمس سنوات لم نره فيها إلا قليلاً, وكان فلذة كبد أمي وبِكرها . لم نستطع الإفطار في هذا اليوم, لقد خيّم على البيت حزن أمي وفرحة أبي الذي أخذ يردد (جاء النهار) بدلا من أغنية ( عدّى النهار للأبنودي ), وربت أبي على كتفي, ونظر في عينيِ بعمق, وقال لي :
ــ أخوك بطل وسيعود, لقد عبر الآن مع من عبروا قناة السويس, وأراه الآن في الضفة الشرقية لسيناء . . . .
سوف أقفُ كثيراً عند أفق ذلك اليوم, وأتذكر أخي محمد ــ رحمه الله ــ كيف كان بطلاً شارك في هذا النصر العظيم . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسن حلمي، ناقد وروائي، من أعماله قصص ( عبور خاطيء لكون موازٍ) عن الهيئة العامة للكتاب
ــ أخوك بطل وسيعود, لقد عبر الآن مع من عبروا قناة السويس, وأراه الآن في الضفة الشرقية لسيناء . . . .
سوف أقفُ كثيراً عند أفق ذلك اليوم, وأتذكر أخي محمد ــ رحمه الله ــ كيف كان بطلاً شارك في هذا النصر العظيم . . . .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حسن حلمي، ناقد وروائي، من أعماله قصص ( عبور خاطيء لكون موازٍ) عن الهيئة العامة للكتاب
صباح 10 رمضان. بقلم: حسن حلمي
في صباح السبت العاشر من رمضان لعام 1393 هـ توجهتُ إلى القاهرة لوحدي لأول مرّة, دون مرشد, ولأنني قرويٌ وقفتُ مندهشاً أمام التمثال الضخم الذي يتوسط ميدان باب الحديد, تأملتُ ر…
sadazakera.wordpress.com